(ولقد خالطهم أمر عظيم): هائل، وهو: ذكر الموت، والقيام بين يدي الله تعالى ، وتذكر أحوال الآخرة كلها.
(لا يرضون من أعمالهم القليل): يريد أن القليل من أعمالهم لا يرضونه شكراً لنعمة الله تعالى، ولا مقابلة لما يستحقه من التعظيم.
(ولا يستكثرون الكثير): أي والكثير من أعمالهم لا يرونه كثيراً؛ لأن الأعمال العظيمة وإن بلغت كل مبلغ في الكثرة، فإنها لا تقوم بحق الله تعالى.
(فهم لأنفسهم متهمون): في التقصير في حق الله تعالى، وأنهم لم يبلغوا مبلغ شكره، والقيام بحقه.
(ومن أعمالهم مشفقون): خائفون أن تردَّ عليهم، ولا تكون مقبولة.
(إذا زكي أحدهم): ذكر بأوصاف حسنة، وأثني عليه.
(خاف مما يقال له ): أشفق مما يقال فيه، مخافة أن يكون ذلك على خلاف ما قيل فيه.
(فيقول): فيكون جوابه عند ذكر الثناء عليه.
(أنا أعلم بنفسي من غيري): أكثر علماً بها، وبما يقال فيها منكم فلا تقولوا ما لا تعرفون.
(وربي أعلم من‍ي بنفسي ): أكثر إحاطة بها فما أدري ما حالها عنده وبالإضافة إليه.
(اللَّهُمَّ، لا تؤاخذني بما يقولون) فيه وجهان:
أحدهما: أن يريد أنهم يقولون قولاً ليسوا منه على حقيقة في الثناء، ويخبرون خبراً لايعلمون حاله، وربما كان على خلاف ذلك فلا تؤاخذني بما هذا حاله من الأقوال.
وثانيهما: أن يكون مراده أنهم يعتقدون أني زاهد، وأني عابد، ولست بذاك، فلا تؤاخذني بما يقولون، فأكون مرائياً عندك أظهر خلقاً كما يقولون وأنا على خلافه .
(واجعلن‍ي خيراً مما يظنون): فيّ، من الزهد والعبادة، والتخلُّق بأخلاق الصالحين.

(واغفر لي ما لا يعلمون!): من الخطايا التي غفلوا عنها وأنت مطلع عليها، ومحيط بها، فهذه أحوالهم بالإضافة إلى العبادة وخوف الله تعالى.
وأما علاماتهم:
(فمن علامة أحدهم): فمما يظهرفيهم من العلامات الصادقة، الدالة على ملازمة التقوى.
(أنك ترى له قوة): شدة وصلابة.
(في دين): فيه وجهان:
أحدهما: أن يريد أن الشدة والصلابة فيما يتعلق بأحوال الدين، وأموره، فالدين على هذا ظرف للشدة، ومكان لها.
وثانيهما: أن يكون مراده أن الشدة والصلابة في أفعاله وأحواله إنما هي من أجل دينه وخوفه لله تعالى، فلهذا يكون سبباً في الشدة والقوة، [وكل واحد منهما لا غبار عليه، والتفرقة بينهماغير خافية على من له أدنى ذوق وفطانة] .
(وحزماً): تحرزاً في الأمور، واحتياطاً فيها، وفي الحديث: ((الحزم سوء الظن )) .
(في لين): سَبَاطَةُ وجه، ولين عريكة؛ وإنما قال ذلك؛ لأن الغالب من عادة أهل الحزم شكس في الطريقة، وشرس في الخلائق، وهؤلاء بخلافه.
(وإيماناً): تصديقاً بالله وأنبيائه وكتبه، وما يتعلق بأحول الآخرة، وقد فسرنا ماهية الإيمان عندنا، فلا وجه لتكريره.
(في يقين): قطع واستيقان، وأراد أن إيمانه كله مقطوع به، وليس مظنوناً؛ وإنما هو على تحقق من حاله، ونفوذ من أمره.
(وحرصاً): مواظبةً واجتهاداً في أموره كلها.
(في علم): عارف من ذلك بما يكون موضعاً لتحصيله والاجتهاد فيه، وما لايكون الأمرفيه بخلاف ذلك.
(وعلماً): ومحرزاً للعلم، نافذاً للبصيرة فيه، ليس جاهلاً، ولا يعمل أعمال الجُهَّال.
(في حلم): في تؤدة وإرواد لا يعاجل بعقوبة على أحد، بل غايته من ذلك الصفح والعفو.

(وقصداً): أي وأمره الاقتصاد في أحواله كلها من غير تبذير ولاتقتير، وفي الحديث: ((ما عال من اقتصد )) .
(في غنى): أي استغناء، فهو في حاله يقتصد مع غنائه عن الخلق.
(وخشوعاً في عبادة): وفيه وجهان:
أحدهما: أن يكون خاصاً في الصلاة، وخشوعها هو: خشية القلب، والرمي بالبصر إلى موضع السجود، ويحتمل أن يكون خشوعها هو جمع الخاطر لها، والإعراض عمَّا سواها، واستعمال الأدب فيها من العبث باللحية وتنقية الأنف، والتثاؤب والالتفات والتغميض، وغير ذلك من الاشتغال بغيرها، وفي الحديث: ((كان رسول الله [ صلى الله عليه وآله وسلم] يصلي وهو رافع بصره إلى السماء، فلما نزلت: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ }[المؤمنون:2] رمى ببصره موضع سجوده)) .
وثانيهما: أن يكون عاماً في جميع العبادات كلها، فيؤديها في غاية التذلل والاستكانة، والخوف والإشفاق عليها أن تكون مردودةً عليه.
(وتجملاً): إظهار أحسن الأحوال للناس.
(في فاقة): مع قلة ذات يد، وعدم وفقر.
(وصبراً): تجرعاً للغصص، وإغضاءاً على المكاره كلها.
(في شدة): إما صبراً على الشدائد، وإما صبراً وحاله مشتدة ماضية في ذلك، لا تغيّر فيها ولا اضطراب.
(وطلباً): ارتياداً للرزق وكسبه.
(في حلال): لا يتجاوز الحرام، ولا يلصق به أبداً مع شدة حاجته.
(ونشاطاً): أي وذا نشاط فيما يعمله من الأعمال الصالحة، والنشاط هو: الإسراع في العمل وإرادته.
(في هدى): أي وهو مع نشاطه في ذلك فهو ماضٍ على الهداية، لا يخالف طريقها.
(وتحرجاً): ضيق صدر.
(عن طمع): مخافة أن يقع في الأطماع، أو تخالط قلبه.
(يعمل الأعمال الصالحة): من العبادة والزهادة والتقوى، وأنواع البر كلها.

(وهو على وجل):خوف وإشفاق مخافة أن تكون مردودة عليه، أو أنه لم يقصد بها وجه الله تعالى، والتقرب إليه.
(يمسي): يدخل في المساء، وهو أول الليل.
(وهمه الشكر): على نعمة الله تعالى، وفواضل أياديه ، وهذه جملة ابتدائية في موضع الحال كأنه قال: يمسي شاكراً لله.
(ويصبح): يدخل في الصباح، وهو أول النهار.
(وهمه الذكر): لله تعالى، وتسبيحه، وتقديسه.
سؤال؛ أراه ها هنا خصَّ الشكر بالمساء، والذكر بالصباح، فما وجه ذلك مع صلا حية كل واحد من الوقتين، لكل واحد من الفعلين؟
وجوابه؛ هو أن الذكر يفيد فعله مرة بعد مرة، ولهذا وصف بالكثرة، حيث قال تعالى : {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِي‍راً }[الأنفال:45]، وقال: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِي‍راً }[الأحزاب:41] وهذا إنما يكون في الصباح لأنه يمكن فيه التكرير، فلهذا خصَّه به.
وأما الشكر فلا يفيد التكرير، ومن ثمَّ خصَّه بالمساء حيث لا يمكن فيه التكرير؛ لأنه موضع للنوم والا ستراحة، ولعل هذا مقصوده، والله أعلم بغرضه من ذلك.
وليس منتهى الشارح لكلام أمير المؤمنين إلا التعويل على ظواهر ألفاظه، والحومان حول لطائفه، فأما الاطلاع على غوره، والاستيلاء على فهم حقائقه فهذا ما لا سبيل إليه.
(يبيت حذراً، ويصبح فرحاً): أراد أنه لا ينفك عن هاتين الحالتين، ومع اشتماله على الإغراق في الوصف، ففيه إشارة إلى الطباق، والتكافؤ بذكر الصباح والمساء.
(حذراً لما حذِّر من الغفلة): بيان لقوله: حذراً، أي يخاف أن يكون غافلاً عن ذكر الله تعالى، والقيام بحقه.
(وفرحاً بما أصاب من الفضل والرحمة): بفضل الله تعالى له بما ألهمه من خوفه ورحمته له ، بما يسَّر له من الطاعة وهداه إليها بِمَنِّهِ.

(إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره): أراد أن نفسه إذا أكرهها على فعل الطاعة الشاقة المكروهة من جهة نفسه؛ لنفورها عن ذلك وصعوبتها عليها:
(لم يعطها سؤلها فيما تحب): من النفار عن الطاعة وتركها، بل يُكْرِهُهَا على فعلها لا محالة، أولم يُعْطِهَا ما سألته أيضاً في غيرذلك من الانقياد لشهواتها ومراداتها.
(قُرَّةُ عينه فيما لا يزول): إما في الآخرة ونعيمها؛ لأنه لا آخر له، أوفي الطاعة؛ لأن ثوابها دائم لا انقطاع له، وأراد ما تقرُّ به عينه وتطيب به نفسه.
(وزهادته فيما لا يبقى): يعني الدنيا؛ فإن نعيمها إلى نفاد وتقضي.
(يمزج الحلم بالعلم): أراد أن تركه معاجلته لعقوبة من أساء إليه، ليس من جهة هوان في نفسه، ولا ذُلّ في أمره، وإنما هو عن بصيرة نافذة، وتحقق بأن ما عند الله هو خير وأبقى، فلهذا لم يكن حلمه إلا عن علم، لا عن ذل ومهانة ، فهذه فائدة مزج الحلم بالعلم.
(والقول بالعمل): أي أنه لا يقول قولاً إلا ويعمل به، فلا يرغب في الخير إلا وهو آتٍ به، ولا ينهى عن الشر، إلا وهو كافٍ عنه.
(تراه): إذا فكرت في أحواله وشمائله:
(قريباً أمله): ليس آماله طامحة بل يقرِّبُها لما يعلم من انقطاعها بالموت.
(قليلاً زلله): قلَّما يَزِلُّ في قضية من القضايا لتثبيت الله إياه، وكثرة عنايته به.
(خاشعاً قلبه): بالإقبال إلى الآخرة، والإعراض عن الدنيا.
(قانعة نفسه): يرضى من دنياه بالحقير، وستر الحال وإمضاء وقته على حالة يسيرة.
(منزوراً أكله): قليل الأكل لا يتفكَّه بالمآكل الطيبة، ولا يتنعَّم بالملاذ الفاخرة، وإنما همُّه سدّ الفاقة بأي طعام، كما قال بعضهم:

وَمَا هي إِلا جَوْعَةٌ قَد سَدَدْتُها ... وكلُّ طَعَامٍ بَيْنَ جَنْبِيَّ وَاحِدُ
(سهلاً أمره): يريد أن أحواله كلها سهلة لا عسرة فيها، وفي الحديث: ((المؤمن سهل المؤونة )).
(حريزاً دينه): محتاطاً متحرزاً في أحواله كلها، ليس تابعاً للشبهات بل يأخذ بالأشق الأبلغ.
(ميتة شهوته): أراد إما أنه كلما عرض له عارض من شهواته أعرض عنها بالترك والإهمال، وإما أن يريد أنه لايذكرها بلسانه، ولا تجري على خاطره بمنزلة الميتة.
(مكظوماً غيظه): فلا يظهره بالتشفي، وقضاء الغرض منه.
(الخير منه مأمول): يؤمل الخير منه في جميع أحواله كلها.
(والشر منه مأمون): أراد أنه لا يخاف منه ظهور الشر ولا بدؤه من جهته.
(إن كان في الغافلين): واقفاً مع أهل الغفلة عن أمور الآخرة وعن الله.
(كتب في الذاكرين): بحياة قلبه وكثرة ذكره لله تعالى، وحاصل كلامه هاهنا أنه وإن كان مع أهل الغفلة فإنه لا تعتريه الغفلة معهم.
(وإن كان في الذاكرين): مع أهل التقوى، والصلاح والذكر لله .
(لم يكتب في الغافلين): أراد فهو من جملة أهل الذكر والتيقظ.
(يعفو عمَّن ظلمه): فلا يعاقبه على ظلمه له.
(ويعطي من حرمه): معناه ويجود على من بخل إليه وَمَنَعَهُ عن الإحسان.
(ويصل من قطعه): إما بالإحسان إليه، وإما بالمواصلة له وإن هجره، وفي الحديث: ((ثلاث من أخلاق أهل الجنة : العفو عمَّن ظلمك، والإعطاء لمن حرمك، والإحسان إلى من أساء إليك)) .
(بعيداً فحشه): الفحش هو: البذاء باللسان، والقول القبيح، وأراد هاهنا أنه لا ينطق بالمنطق السوء.
(ليناً قوله): ليس فيه شيء من الجفاء والغلظة، ولين القول هي: الملاطفة بالقول الحسن.

(غائباً منكره ): مفقود عنه، فهو لا يفعله في حالة أصلاً.
(حاضراً معروفه): يبذله لكل أحد ممن سأله إياه.
(مقبلاً خيره): فهو لا يزال إلى زيادة ونماء على تكرر الأيام ودوامها.
(مدبراً شره): فهو لايفعل شراً لكونه مدبراً عنه، ولا داعي له إليه.
(في الزلازل وقور): إذا وقع في الأمور الصعبة، والأحوال المكروهة [فهو متوقر فيها كثير الأناة لا يزعجه الطيش، ولا يدهشه الفشل] .
(وفي المكاره صبور): إذا وقع في أمر مكروه صبرله ابتغاء رضوان الله وطلباً لثوابه.
(وفي الرخاء شكور): أراد وإن وقع في رخاء شكر نعمة الله تعالى، ولم تؤده تلك النعمة إلى الأَشَرِ والبَطَرِ.
(لا يحيف): في الحق، ويميل عنه.
(على من يبغض): لأجل كونه مبغضاً له.
(ولا يأثم): بترك الحق.
(فيمن يحب): فيمن يهواه.
(يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه): أراد أنه إذا كان عليه حق فهو معترف به، لا يحتاج في ذلك إلى أن تقام عليه شهادة، ولا يحكم عليه حاكم.
(لا يضيع ما اسْتُحْفِظ): أراد إما ما استحفظه الله تعالى من أمور الديانة، وإما ما استحفظه الخلق عليه من سائر الودائع والأمانات التي اؤتمن عليها، وجعلت في يده أمانة.
(ولا ينسى ما ذكِّر): يريد إما من أمر الآخرة بالوعظ، وإما من حقوق الخلق الواجبة عليه.
(ولا ينابز بالألقاب): التنابز هو: التداعي بالأسماء السيئة، وهو الذي ورد النهي عنها في القرآن، كما قال تعالى: {وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ }[الحجرات:11].

فأما التداعي بالأسماء الحسنة فهو مندوب إليه، وفي الحديث أنه قال: ((من حق المؤمن على أخيه أن يسميه بأحب الأسماء إليه )) ولهذا كانت التكنية من السنة، وفي الألقاب الحسنة من الإشهار والإشادة بذكر الملقَّب ما لا يخفى فلهذا كانت مستحباً.
(ولا يُضارُّ بالجار): في مجاورته له، وفي الحديث: ((من آذى جاره أورثه الله داره )) وفي حديث آخر: ((من آذى جاره لم يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله على رءوس الخلائق )) .
وعن بعضهم: ((ما زال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوصينا في الجار حتى ظننا أنه سيورثه)) .
(ولا يشمت بالمصائب): الشماتة هي: الفرح بمايصيب العدو من البلايا، قال الشاعر:
وَتَجَلّدِي لِلشَّامِتِيْنَ أُرِيْهُم ... أَنّي لِرَيْبِ الدَّهرِ لا أَتَضَعْضَعُ
(ولا يدخل في الباطل): يَلِجُ فيه قولاً ولا فعلاً، ولا يتلبَّس به.
(ولا يخرج من الحق): يباينه، في قوله ولافعله، ولا في شيء من أحواله.
(إن سكت لم يغمه صمته): لأنه إنما صمت عن حكمة وصواب، فهو لايغتم بذلك.
(وإن ضحك لم يَعْلُ صوته): يريد أن سكوته لم يكن لعيّ وحصر، وإنما هو لوقار، وأن ضحكه ليس جهلاً وغفلة، وإنما هو التبسم، كما كان مأثوراً في ضحك رسول الله وهو أن تبدو نواجذه من غير استغراق في الضحك بالقهقهة.
(وإن بغي عليه صبر [حتى يكون الله تعالى هو الذي ينتقم له] ): ليكون الله تعالى هو المنتصف له، ولما في ذلك من هضم النفس وكسرها.
(نفسه منه في عناء): تعب وَنَصَبٍ من كظم غيظه، ومنعها عن مراداتها، وكفِّها عن مشتهياتها، فهو في ذلك في غاية المشقة والإتعاب لنفسه.

(والناس منه في راحة): لأن لسانه مخزون عن أعراضهم، ويده مكفوفة عن أموالهم، وقلبه سالم عن الحسد والحقد عليهم.
(أتعب نفسه): أنصبها، وشقَّ عليها بتكليفها الأعمال الشاقة.
(لآخرته): أي رجاء لثواب الآخرة، ولذتها ونعيمها.
(وأراح الناس من نفسه): بالكفِّ عنهم في جميع ما يخافونه من غيره.
(بُعْدهُ عمَّا تباعد عنه): يريد أنه لا وجه في بُعْدِه عمَّا تباعد عنه من أمور الدنيا، إلا:
(زهد): رغبة عنها لا نقطاعها.
(ونزاهة): وتنزهاً ، ورفعة عن التضمخ بأطماعها ورذائلها.
(ودنوه): قربه.
(مما دنا منه): في جميع ما قرب منه من أمور الدنيا.
(لين): من شيمته، وتعطف في خليقته.
(ورحمة): في قلبه.
(ليس تباعده): عن ذلك:
(تكبراً ): تعاظماً في نفسه.
(وعظمة): واستعظاماً لأمره.
(ولا دنوه): قربه:
(مكراً وخديعة): كما يفعله أهل التمرد، وأهل الفسوق، فهذه جملة ما ذكره في أوصاف المؤمنين المتقين.
قال: (قال: فصعق همام صعقة كانت فيها نفسه، فقال أمير المؤمنين:
أما والله لقد كنت أخافها عليه): لما يرى من رِقّة قلبه، وشوقه إلى الجنة، ومرافقة هؤلاء الذين وصف حالهم.
ثم قال:
(هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها): يريد تنفعهم نفعاً عظيماً، يُرَى أثره على أفعالهم.
فقال له قائل: فما بالك يا أمير المؤمنين؟ فقال:
(ويحك! إن لكل أجل وقتا ): الويح مصدر يذكر على جهة الدعاء، ولا يذكر فعله، وغرضه الإنكار على القائل قوله، يريد أن النفوس لا يمكن إزهاقها الموت إلا بأمر من الله ووحي من جهته في قبضها الملائكة.
(لا يعدوه): يتجاوزه.
(وسبباً لا يتجاوزه): في زيادة ولا نقصان.
(فمهلاً): منصوب على المصدرية، ومعناه الكفُّ والإرواد عمَّا هو فيه.

(لا تَعُدْ لمثلها ): الضمير لهذه الفعلة، أي لا تفعل هذه الفعلة فهي خطأ.
(فإنما نفث الشيطان على لسانك!): يريد أن هذه الكلمة ما كان صدورها عن وقار وفطانة وتبين، وإنما وسوس لك الشيطان فنفثت بها، وأزلَّك فنطقت بها، وأضافها إلى الشيطان مبالغة لما كان هو الداعي إليها، وكان حصولها بسبب من جهته.
ويحكى عن الشبلي وكان من مشائخ التصوف أنه وعظ يوماً وبالحلقة صبي، فلما سمعه في وعظه صعق صعقة كانت فيها نفسه، فأحضروه إلى الخليفة، فقال: نفس حنت فرنت فدعيت، فسمعت فعلمت فأجابت، فما ذنبي! فخلوا عنه، وربما جرى هذا كثيراً على أيدي الزُّهَّاد وأهل الصلاح.

101 / 194
ع
En
A+
A-