(فإن الناس يوشك أن ينقطع بهم الأمل): وشُك الأمر بالضم يوشُك بالضم أيضاً، وَشكاً ووُشكاً بفتح الواو وضمها، ووُشكان بضم الواو، ووشَكان بفتحها إذا أسرع، والعامة تقول: وَشُكَ الأمر بضم الشين يوشَك بفتحها وهي لغة رديئة، وأوشَك فلان بفتح الشين يوشِك بكسرها إذا أسرع في السير، قال جرير:
إِذَا جَهِلَ الشَّقِيُّ وَلَمْ يُقَدِّر
بِبَعْضِ الأَمْرِ أَوْشَكَ أَنْ يُصَابَا
وأراد ها هنا أن الناس إذا عوَّلوا على الآمال انقطعوا دون بلوغها، وقرب ذلك لا محالة.
(ويرهقهم الأجل): يعجلهم عنها فلا يبلغوها.
(ويُسَدَّ عنهم باب التوبة): بحصول أشراط الساعة، فتبطل التوبة لمكان الإلجاء.
(فقد أصبحتم): في مهلة وزمان واسع للأعمال الصالحة.
(في مثل ماسأل إليه الرجعة من كان قبلكم): حيث قالوا: {يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }[الأنعام:27].
(وأنتم بنو سبيل): رجال تعبرون طريقاً.
(على سفر): مسافرون ارتحالهم قريب سريعي الانتقال.
(من دار): يريد الدنيا.
(ليست بداركم): الدار التي خلقتم من أجلها، أوالدار التي هي دار إقامتكم.
(قد أوذنتم منها بالارتحال): حيث دلَّ الشرع على أن كل حي فهو ميت لا محالة.
(وأمرتم فيها بالزاد): أي أمرتم بأخذ الزاد، وإعداد العُدة للآخرة فيها، بما يكون من التقوى وأفعال الخير التي هي الزاد.
(واعلموا أنه ليس لهذا الجلد الرقيق): الضمير للشأن، والرقيق هو: الضعيف.
(صبر على النار): لضعفه وهونه.
(فارحموا نفوسكم): بالإزاحة عنها، والبُعْد منها.
(فإنكم قد جَرَّبْتُمُوها في مصائب الدنيا): القليلة الحقيرة.
(ورأيتم جزع أحدكم من الشوكة): حزنه عند إصابة الشوكة له، وقلقله وفشله عنها.
(تصيبه): تقع فيه.
(والعثرة تدميه): وإذا عثر فعن قريب خروج دمه.
(والرمضاء تحرقه): أي الحجارة المحماة تؤلمه بالإحراق، فهذه الأمور كلها حقيرة الألم بالإضافة إلى آلام الآخرة ومصائبها.
(فكيف إذا كان بين طابقين): الطابق: المتصل، وأراد بين المتصلين، أو يريد بالطابق الطبق أي أنه يكون بين طبقين:
(من نار): لا ينفك عنهما .
(ضجيع حجر): مضاجع لها.
(وقرين شيطان): مقارن له، والمعنى أنه يحصل بين طبقين من أطباق النيران، وانتصاب ضجيع وقرين على الحال أي مضاجعاً ومقارناً، أي ومع كونه حاصلاً بين الطبقين فهو لا ينفك عن مقارنة الشياطين، ومضاجعة الأحجار، عذاب مع عذاب، واستيثاق بعد استيثاق.
اللَّهُمَّ، أجرنا من عذابك ياخير مستجار به.
(أعلمتم أن مالكاً): خازن النار.
(إذا غضب على النار): زجرها وكفها.
(حطم بعضها بعضاً لغضبه): يريد تراجع بعضها على بعض فرقاً منه، وخوفاً من شدة غضبه.
(وإذا زجرها): حثَّها في الإحراق.
(توثبت بين أبوابها): تدافعت مسرعة من أبوابها.
(جزعاً من زجرته): إشفاقاً من ذلك، وخوفاً منه.
(أيها اليَفَنُ): الشيخ.
(الكبير): السن، و المتقادم عمره.
(الذي قد لَهَزَهُ القَتِير): خالطه الشيب.
(كيف أنت): على أي حال تكون:
(إذا التحمت): تمكَّنت، من قولهم: ألحمته السيف إذا مكَّنته من جسمه ليناله.
(أطواق النار): جمع طاق، وهو: ما تعطف من اللهب، والطاق أيضاً: ما يُعْطَفُ من الأبنية، وهو فارسي معرب.
(بعظام الأعناق): واتصلت بها اتصالاً كلياً.
(ونشبت الجوامع): جمع جامعة وهي: الغل، سميت بذلك؛ لأنها تجمع اليدين إلى العنق.
(حتى أكلت لحوم السواعد!): من شدتها وحرارتها.
(فالله الله): اتقوا الله.
(معشر العباد!): جميع الخلائق.
(وأنتم سالمون في الصحة): عن جميع العاهات في عافية من أبدانكم، وبقاء من أعماركم.
(قبل السقم): المرض، وسائر العاهات.
(وفي الفسحة قبل الضيق): أي وأنتم منفسحون في أموركم قبل الضيق، إمافي القبر، وإما في ضيق خروج الأنفس.
(فاسعوا في فكاك رقابكم): عن الوثاق في ربق الخطايا.
(من قبل أن تُغْلَقَ رهائنها): الرهائن جمع رهينة، وإغلاق الرهن: استحقاق المرتهن له بمافيه من الدين.
(أسهروا عيونكم): في عبادة الله تعالى، وطول التضرع إليه في الليل.
(وأضمروا بطونكم): في الصيام لوجه الله تعالى، وابتغاء مرضاته.
(واستعملوا أقدامكم): في طاعة الله تعالى، كالجهاد والحج، والخُطا إلى المساجد، وفي الحديث: ((من مات ولم يغزُ أو يُحَدِّثْ نفسه بالغزو، مات على شُعْبَةٍ من شُعَبِ النفاق)) ، وفي الحديث: ((الحجُّ هو جهاد الضعفاء )) وفي الحديث أيضاً: ((بشِّر المشائين إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة )) .
(وأنفقوا أموالكم): في سبيل الله، وابتغاء وجهه الكريم.
(وخذوا من أجسادكم): بإتعابها لله.
(تجودوا بها على أنفسكم): في إحراز الجنة، وطلب رضوان الله تعالى في ذلك.
(ولا تبخلوا بها عنها): ولا تَضِنُّوا بالأموال عن النفوس.
(فقد قال الله تعالى: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }[محمد:7]، وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ})[الحديد:11] فلم يستنصركم من ذُلٍّ): فيكون محتاجاً إلى نصرتكم له.
(ولم يستقرضكم من قُلِّ): فيكون مفتقراً إلى أموالكم، ويدل على ذلك هو أنه:
(استنصركم وله جنود السموات والأرض): ومن هذه حاله فليس مستنصراً بأحد.
(وهو العزيز): في ذاته.
و(الحكيم): في أفعاله فلا يحتاج إلى نا صر ينصره، وإلى من يعلمه أحكام أفعاله.
(واستقرضكم وله خزائن السموات والأرض): ومن هذه حاله فليس مستقرضاً من أحد.
(وهو الغني): عن كل مايفتقر إليه الخلائق.
(الحميد): المستحق للحمد من جهة الخلق، على ما أنعم عليهم من النعم العظيمة.
(وإنما أراد أن يبلوكم): يختبركم، ويمتحن أحوالكم.
(أيكم أحسن عملاً): أيكم يكون عمله مطابقاً لأمره، موافقاً لإرادته.
(فبادروا بأعمالكم): أراد إما أسرعوا فيها، وإما عاجلوا بها الموت، قبل أن يحول بينكم وبينها.
(تكونوا مع جيران الله في داره): أهل الصلاح والتقوى في الجنة التي هي داره، خلقها لأوليائه وأهل طاعته.
(رافق بهم رسله): جعلهم مرافقين لهم في الجنة.
(وأزارهم ملائكته): جعل الملائكة يزورونهم ، ويختلفون عليهم غدواً وعشياً.
(وأكرم أسماعهم): شرَّفها، وعظَّم أمرها وصانها.
(أن تسمع حسيس نار أبداً): الحس هو: الصوت الخفي، قال الله تعالى: {لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا }[الأنبياء:102]، والأبد هو: استغراق الوقت، يقال: ما رأيته أبداً.
(وصان أجسادهم أن تلقى لُغوباً ونَصباً): اللغوب هو: الإعياء، والنَّصَبُ هو: التعب، كماقال تعالى: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى ، وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى}[طه:118-119]
({ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الحديد:21] أقول ما تسمعون): من مواعظي هذه، التي أكررها على آذانكم، وأرددها على أذهانكم.
(والله المستعان): المسئول أن يكون وكيلاً:
(على نفسي وأنفسكم): في الهداية والإعانة على مخالفتها، وردها إلى الحق.
(وهو حسبنا ونعم الوكيل).
(174) ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها المتقين، ويصف أحوالهم
روي أن صاحباً له يقال له: همام ، وكان رجلاً عابداً ، فقال له: يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم، فتثاقل عن جوابه، ثم قال:
(يا همام، اتق الله وأحسن ف{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ })[النحل:128]: وأراد أن في هذه الآية كفاية له على جهة الجملة، وغرضه هو أن الله تعالى كائن باللطف والإعانة، والتوفيقات المصلحية مع من كان متقياً لله في جميع أحواله محسناً، فهاتان الخصلتان هما أعظم خصال التقوى: الخوف، والإحسان.
(فلم يقنع همام بذلك القول): لما فيه من الإجمال.
(حتى عزم عليه): جدَّ في التعويل.
فقال عليه السلام قولاً: (فحمد الله تعالى، وأثنى عليه، وصلى على الرسول عليه السلام) ثم قال:
(أما بعد؛ فإن الله سبحانه خلق الخلق): أوجدهم من العدم.
(حين خلقهم): في الوقت الذي أوجدهم فيه باقتضاء المصلحة، وتوجه الحكمة.
(غنياً عن طاعتهم): إذ لاتلحقه مضرة بفقدها.
(آمناً من معصيتهم): إذ لا يلحقه خوف بوجودها.
ثم علَّلَ ذلك بقوله:
(لأنه لاتضره معصية من عصاه): لا يناله ضرر بهذه المعصية، وإن كانت مخالفة لأمره.
(ولا تنفعه طاعة من أطاعه): ولا يلحقه بهذه الطاعة نفع مع موافقتها لأمره.
(فقسم بينهم معايشهم): على ما تقتضيه الحكمة، وتشير إليه المصلحة من الإكثار والتقليل، والاقتصاد والتقتير.
(ووضعهم في الدنيا مواضعهم): بعضهم في مراتب عالية، وبعضهم في الأسافل الدانية، وبعضهم في الطبقة الوسطى.
(فالمتقون فيها): يريد الدنيا.
(هم أهل الفضائل): الدرجات العالية، والخصال النفيسة.
(منطقهم الصواب): أي لا ينطقون بشيء من الأقوال إلا بما هو صائب، مطابق لرضوان الله تعالى.
(وملبسهم الا قتصاد): أي لا يلبسون اللباس الفاخر فيكون ذلك خيلاء، ولا يلبسون اللباس الداني فيكون ذلك إراءةً للزهد، وفي الحديث: ((إياكم ولباس الشهرتين )) يريد النهاية في العلو والنهاية في الدنو.
(ومشيهم التواضع): أي لا يمشون إلا وهم متواضعون لله تعالى، من غير خيلاء ولا تكبر في سيرهم.
(غضوا أبصارهم): نقصوها.
(عمَّا حرَّم الله عليهم): فلا يضعون أبصارهم إلا حيث أباح الله تعالى، من الدنيا في زوجة أو ملك يمين، ويجوز أن يكون جعل هذا كناية عن أنهم لا يتناولون شيئاً من الدنيا لا يحل لهم تناوله.
(ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم ): فما كأنهم يسمعون سواه، ولا يرون الإصغاء إلى خلافه، والعلم النافع ما أريد به وجه الله تعالى، وعلم الطريق إلى الآخرة.
(بذلت أنفسهم في البلاء كالذي بذلت في الرخاء ): يريد أنهم مستقرون على حالة في تقوى الله تعالى وخوفه، لا تختلف أحوالهم في ذلك، لا في الشدة ولا في الرخاء، فالذي تعطيهم أنفسهم وتبذله لهم من خوف الله تعالى وتقواه على سواء، في الشدة والرخاء.
(ولولا الأجل الذي كتب الله لهم): قدَّره وكتبه في اللوح لمحفوظ فلا يزاد عليه ولا ينقص منه.
(لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طَرْفَةَ عين): بل تزهق متعجلة، وطرفة العين: إطباق أحد الجفنين على الآخر.
(شوقاً إلى الثواب): إلى ما أعد الله لهم من الثواب.
(وخوفاً من العقاب): إشفاقاً مما أعد الله من العقوبة لأهل المعصية.
(عظم الخالق في أعينهم ): لما يتحققون من جلاله، وكنه كبريائه.
(فصغر ما دونه): فا ستحقروا ما دونه من مخلوقاته، بالإضافة إليه.
(في أعينهم): أي لا يرون لغير الله قدراً في أبصارهم.
(فهم والجنة كمن قد رآها): الجنة في إعرابها وجهان:
[أحدهما] : أن تكون مرفوعة عطفاً على قوله: هم، كما تقول: أنت وزيد كرجلين اصطحبا زماناً طويلاً.
وثانيهما: أن تكون منصوبة على المفعول معه أي هم مع الجنة، كما تقول: كيف أنت وقصعةً من ثريد، والمعنى أنهم بمنزلة من شاهد الجنة ورآها بعينيه.
(فهم فيها منعمون ): أي كأنهم قد دخلوها، والتذوا بملاذها.
(وهم والنار كمن قد رآها): ما ذكرناه في واو الجنة فهو حاصل في واو النارهاهنا من غير تفرقة بينهما.
(فهم فيها معذبون): خوفاً منها وإشفاقاً من الوقوع فيها، وأراد أنهم في غاية الشوق إلى الجنة، وفي غاية الحذر من النار.
(قلوبهم محزونة): لا يفارقها الحزن ساعة واحدة.
(وشرورهم مأمونة): أي أن أحداً لا يخافهم فهو آمن من جهتهم لا يتقي شرهم.
(وأجسادهم نحيفة): إما جوعى وهزالى ، وإما خوفاً وإشفاقاً، أو غماً وحزناً، فكل هذه الأشياء تنقص الجسم وتهزله.
(وحاجتهم خفيفة): في جميع أحوالهم، في طعامهم ومأكلهم وملبسهم، وفي الحديث: ((المؤمن خفيف المؤونة )) .
(وأنفسهم عفيفة): عن جميع شهوات الدنيا، ولذاتها.
(صبروا أياماً قليلة ): في الدنيا فإنها قليلة؛ لا نقطاعها ونفادها وزوالها.
(أعقبتهم راحة طويلة): عيش الآخرة، ونعيمها، وإنما كانت طويلة لأنه لا غاية لها، ولا انقطاع لعيشها.
(تجارة مربحة): التجارة في إعرابها وجهان:
فالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره تجارتهم تجارة، والنصب على المصدرية أي اتجروا تجارة، والمربحة ذات الربح.
(يسرها لهم ربهم): بالألطاف الخفية، ففعلوها، واطمأنت إليها نفوسهم.
(أرادتهم الدنيا): أقبلت إليهم، وجاءتهم من كل مكان
(ولم يريدوها): يطمأنوا إليها، ويطمعوا في حطامها، واكتساب لذاتها المنقطعة.
(وأسرتهم): بالتزين في أعينهم، والتحلي بأطماعها لهم.
(ففدوا نفوسهم منها): بتركها والإعراض عنها، فسمي التزين أسراً لأنه شبيه به وسمي الإعراض عنها فداء؛ لأن به يقع الخلاص عنها.
(أما الليل فصافون أقدامهم): يريد وهم مختصون بالوظائف والعبادات العظيمة، فعادتهم بالليل هو: صف الأقدام للصلوات.
(تالين لأجزاء القرآن): يقرأون القرآن في صلواتهم.
(يرتلونها ترتيلاً): أي لا يهذونه هذاً، ولا يسردونه سرداً، وإنما يكون ذلك على إرواد وتؤدة بتبيين الحروف، وإشباع الحركات.
وسئلت عائشة عن قرآءة الرسول؟ فقالت: لا يسرد سردكم هذا ، لو أراد السامع أن يَعُدَّ حروفه لعدَّها.
(يحزنون به نفوسهم ): يستجلبون الأحزان لما يرون من اشتماله على الوعيدات العظيمة، أو يعرضون أنفسهم عليه فيحزنون لما يرون من مخالفة أحوالهم، وصفاتهم له.
(ويستثيرون به دواء دائهم): استثار رأيه إذا طلبه وأوجده، وأراد أنهم يطلبون دواء دائهم وهي الذنوب من جهته بالفزع إلى الله تعالى، واللجأ إليه والاستغفار، أو أنهم يطلبون دواء قسوة قلوبهم من جهته لما فيه من الوعظ، والأمثال، والأخبار عن الأمم الماضية، والقرون الخالية.
(فإذا مروا بآية): فهم في أثناء قرآءتهم له، إذا مروا بآية.
(فيها تشويق): وعد من الله تعالى لأهل الطاعة.
(ركنوا إليها): اطمأنت إليها نفوسهم ثقة بوعد الله، وصدق كلامه.
(وتطلعت نفوسهم): أشرفت عليها بالرغبة، والإقبال.
(إليها شوقاً): محبة لها واشتياقاً إلى ما تضمنته من ذلك.
(وظنوا أنها نصب أعينهم): مبالغة في حالهم أي يكاد يخيل إليهم أن الجنة نصب أعيانهم، أو ما اشتملت عليه الآية من الوعد كذلك، فلأجل هذا يغلب على ظنونهم ذلك.
(وإذا مروا بآية فيها تخويف): وعيد من جهة الله، يخافه من سمعه، وعلم صدقه.
(أصغوا إليها): الإصغاء من السمع بمنزلة التحديق في بصر العين.
(مسامع قلوبهم): فوعتها وتحققتها.
(وظنوا): لمكان خوفهم العظيم، وإشفاقهم الشديد.
(أن زفير جهنم): فورانها وشدة غليها.
(وشهيقها): الشهيق: علو الصوت وارتفاعه، والزفير هو: إخراج النفس، والشهيق هو: ترديده.
(في أصول آذانهم): في مستقرها.
(فهم حانون على أوساطهم): يشير إلى حالة الركوع.
(مفترشون لجباههم، وأكفهم، وركبهم): يشير بذلك إلى حالة السجود.
(وأطراف أقدامهم): لما ورد عن الرسول [ صلى الله عليه وآله وسلم] أنه قال: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء : اليدان، والرجلان، والركبتان، والوجه)) .
(يطلبون إلى الله في فكاك رقابهم): لما كان يطلبون في معنى يتوسلون عداه بإلى، فهذه حالتهم في الليل .
(وأما النهار فحلماء): متصفون بالحلم عن كل ما يغيظهم.
(علماء): بالله وتوحيده، ورسله واليوم الآخر، وما يجب من رعاية حقه وعبادته.
(أبرار): أهل تقوى.
(أتقياء): خائفين لله تعالى.
(قد براهم الخوف): أنحل أجسامهم وبراها.
(بري القداح): في النحول والذهاب.
(ينظر إليهم الناظر): يطلع نظره إلى وجوههم وأجسامهم.
(فيحسبهم مرضى): لما يرى من اصفرار ألوانهم، وتغيرأحوالهم.
(وما بالقوم من مرض): أي لا ألم في أجسامهم، ولا وجع يلحقهم.
(ويقول: قد خولطوا): أصابهم مسُّ جنون من كثرة القلق والفشل.