وذهبت طائفة إلى التفصيل، فقالو: يجهر بها في الجهرية ويسر بها في السرية، وهذا قول (أهل المذهب)، وهو قول (الهادي) عليه السلام على ما تقتضيه عبارة التجريد، وهو ظاهر ما في البحر عن علي عليه السلام وابن عباس، وابن عمر وعطاء، وطاووس، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وروي أنه إجماع العترة" ولفظه بعد أن ذكر هؤلاء: ويجهر بالبسملة في الجهرية.
وفي (الشفاء) أن القاضي زيد روى إجماع العترة" على كون الجهر بها مشروع في الصلاة التي يجهر فيها بالقراءة، ومثله في الروضة والغدير للسيد محمد بن الهادي.
قال: وإن اختلفوا في كونه واجباً أو مسنوناً، وهذا قول الشافعي، واختاره المقبلي، وقال: إن له مرجحاً خاصاً، وهو أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال له ما معناه أو لفظه: إن البسملة تبع للسورة في الجهر والإسرار.
قال: فلم يبق معي ريبة، وقد حمل السياغي ما تقدم عن السلف القائلين بالجهر على هذا، يعني أنه يجهر بها في الجهرية ويسر بها في السرية، ولفظه بعد أن حكى هذا المذهب: وهو ظاهر ما نقل عن من تقدم ذكره فإن شراح الحديث وغيرهم من العلماء منهم أبو الفتح والحازمي في الاعتبار، والمؤيد بالله في شرح التجريد، والسيد أبو عبد الله في الجامع الكافي يطلقون القول بالجهر بها إلى من ذهب إليه على معنى أنها ثابتة آية من آيات الفاتحة، وإثبات الجهر بها في الصلاة التي يجهر بها فيها.
قال: ويدل عليه احتجاجهم بالأدلة التي مر ذكرها، فإنه يؤخذ منها ثبوت البسملة في آيات الفاتحة، وكونها مجهوراً بها في موضعه. ذكره في الروض، واختار ما ذكر من التفصيل الإمام المهدي عليه السلام في المنهاج، وحكاه مذهباً لزيد بن علي عليه السلام كما حكاه عنه غيره.
فهذه الأقوال المشهورة في المسألة، وقد روي عن ابن أبي ليلى، والحكم أن الجهر والإسرار بها سواء، احتج أهل القول الأول بحجج:
[أدلة من قال بوجوب الجهر بالبسملة]
[الأحاديث]
أحدها: الأخبار الكثيرة البالغة حد التواتر المعنوي في ثبوت الجهر بها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وعن أمير المؤمنين، وعن جماعة من الصحابة.
فروى الهادي عليه السلام بإسناده إلى علي عليه السلام ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((يا علي من لم يجهر في صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم فقد أخدج صلاته )). وهو في أمالي أحمد بن عيسى بسند الهادي عليه السلام من كلام علي عليه السلام ولم يرفعه، ووجدته في بعض نسخ الأحكام موقوفاً كرواية الأمالي، ورفعه في الاعتصام والروض النضير. والخداج: النقصان.
قال الهادي عليه السلام : وما لم يتم فهو باطل، وفي إسناد الحديث أبو بكر بن أبي أويس، عن الحسين بن عبد الله بن ضميرة، عن أبيه عن جده، وقد تكلم فيهم جميعاً.
فأما أبو بكر واسمه عبد الحميد بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي أويس الأصبحي المدني فقد وثقه ابن معين وغيره، وقال الدارقطني: قدمه أبو داود على أخيه، وقال الذهبي في رمي الأزدي له بالوضع: هذه منه زلة قبيحة.
وأما الحسين بن عبد الله فقد تكلموا عليه بلا حجة، ورموه بالكذب، وعده الأصحاب من الشيعة الثقات.
قال السيد (أحمد بن عبد الله الوزير): الحسين بن عبد الله من شيعة أهل البيت وموالي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد روى عنه الأئمة: القاسم وأحمد والهادي، وروايتهم عنه تنزهه عن الكذب، وأما أبوه عبد الله فقال في الطبقات: وثقه العجلي.
وأما ضميرة ويقال: ضمرة فهو من موالي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو فارسي، وقيل: حميري صار في سهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في بعض وقائعه فأعتقه، وكتب له كتاباً بالوصية فيه، وبقي الكتاب في يد ولده وقدم به الحسين بن عبد الله على المهدي العباسي فوصله بثلاثمائة دينار.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((كل صلاة لا يجهر فيها ببسم الله الرحمن الرحيم فهي آية اختلسها الشيطان )) رواه الهادي إلى الحق في الأحكام، وهو في الأمالي عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده مرفوعاً.
وعن علي عليه السلام : أنه كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. رواه في المجموع، ورواه في أمالي أحمد بن عيسى من طريق إبراهيم بن محمد، عن محمد بن الحسين بن علي بن الحسين، عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام وله في الأمالي طريق أخرى عن علي بن حكيم الأودي، عن عمرو بن ثابت، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي عليه السلام ، وله طريق ثالثة عن محمد بن جميل عن ابن أبي يحيى، عن الحسين بن عبد الله بن ضميرة، عن أبيه عن جده، عن علي عليه السلام ثلاثتها بلفظ المجموع، وقد تكلم في عمرو بن ثابت في الطبقات عن أبي داود أنه قال: ليس تشبه أحاديثه أحاديث الشيعة بمعنى أنها مستقيمة، وأخرجه في الأمالي أيضاً بطريق أخرى عن الحارث أنه سمع علياً عليه السلام يجهر ببسم االله الرحمن الرحيم، وقد تقدم توثيق الحارث.
وأخرج البيهقي في سننه عن الشعبي قال: رأيت علي بن أبي طالب وصليت وراءَهُ يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
وفي الأمالي عن أبي جعفر بطريقين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
وعن علي عليه السلام وعمار أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم. أخرجه الدارقطني، قالوا: وفي إسناده جابر الجعفي ، وإبراهيم بن الحكم بن طهير.
قال في النيل: وغيرهما ممن لا يعول عليه، قال في التلخيص: وفي لفظ له يعني الدارقطني مثله ولم يذكر المكتوبات.
قلت: وأخرج الحديث من دون ذكر المكتوبات الطبراني في الكبير رواه في مجمع الزوائد، وقال: إنه من رواية جابر الجعفي.
قلت: جابر هو: ابن يزيد الجعفي بضم الجيم وسكون المهملة روى عن ابن الطفيل والشعبي، والباقر، وله عنه سبعون ألف حديث، وهو من كبار علماء الشيعة روى عنه السفيانان، وأبو حنيفة ووثقه، وقال سفيان: ما رأيت أورع منه في الحديث، وفي الاعتصام وثقه شعبة، والثوري، وزهير بن معاوية، وعده السيد صارم الدين في ثقات محدثي الشيعة، قالوا: وقدح فيه بعض الخصوم بالتشيع.
وأما إبراهيم بن الحكم فقال الذهبي: شيعي جلد، وتكلم فيه أبو حاتم والدارقطني، قال في الطبقات: هو راوي كثيراً في فضائل الأئمة فجرح بسببها، على أن الحديث قد روى من غير طريق جابر فأخرجه في تحفة المحتاج للشيخ سراج الدين عن سعيد بن عثمان الخزاز، بمعجمات.
حدثنا عبد الرحمن بن سعيد المؤذن، حدثنا فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل، عن علي وعمار أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم... الحديث، ثم قال: رواه الحاكم في مستدركه، ثم قال:هذا حديث صحيح الإسناد ولا أعلم في رواته منسوباً إلى الجرح، قال: فأقره على هذا القول البيهقي في الخلافيات، وفي التلخيص وله يعني لما رواه الدارقطني عن علي وعمار طريق أخرى عن علي أخرجها الحاكم في المستدرك، قال: ورواه الدارقطني من وجهين من طريق أهل البيت، والحديث ذكره السيوطي في الدر المنثور ولفظه: وأخرج البزار، والدارقطني، والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي الطفيل، قال: سمعت علي بن أبي طالب وعماراً يقولان: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب.
وفي (الاعتصام) عن (أمالي أحمد بن عيسى) عليه السلام قال محمد: حدثنا عباد، عن إسماعيل بن أبان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي الطفيل، عن على عليه السلام وعمار قالا: صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. هكذا ساقه في الاعتصام، ونسبه إلى الأمالي ولم أجده في النسخة التي بيدي، وفي هذا الموضع من الاعتصام رواية منسوبة إلى الأمالي ولم أجدها فيه.
قلت: والعجب من الشوكاني مع دعواه أنه لا يريد إلا طلب الحق كيف اقتصر على رواية الدارقطني للحديث من الطريق التي يمكنه القدح فيها على زعمه، ولم يلتفت إلى الطرق التي خلت من جابر وإبراهيم وتصحيح الحاكم لها، مع أن هذه الطريق التي ذكرها كافية عند من يعتبر الظن؛ إذ قد وثق جابراً من قدمنا ذكره، ولم يقدحوا في الراوي الآخر إلا بالتشيع الذي هو علامة الإيمان فالله المستعان.
وفي (الدر المنثور): وأخرج الدارقطني عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين جميعاً.
وفي (الاعتصام) عن محمد بن منصور حدثنا عباد، عن ابن أبي يحيى، عن حسين بن عبد الله بن ضميرة، عن أبيه عن جده، عن علي عليه السلام أنه كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، ونسبه إلى أمالي أحمد بن عيسى.
وفيه منسوباً إلى (الأمالي) عن محمد بسنده إلى الحكم بن عيينة أن علياً عليه السلام كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
وفيه منسوباً إلى (الأمالي) أيضاً بسنده إلى الأصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام مثله، وهذه الثلاثة الآثار لم أجدها بهذه الأسانيد في النسخة التي بيدي من الأمالي، وقد تقدم الأول منها عن الأمالي من طريق محمد بن جميل عن ابن أبي يحيى.. إلى آخر السند والمتن.
وفي (أمالي) أحمد بن عيسى عن ابن عباس أنه كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم رواه عنه سعيد بن جبير وعكرمة، وفي رواية عن سعيد بن جبير أن ابن عباس كان يجهر مرتين، وفي تفسير الخازن عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. قال: أخرجه الدارقطني وقال: ليس في روايته مجروح، وأخرجه الحاكم أبو عبد الله وقال : إسناده صحيح وليس له علة.
وفي (نيل الأوطار) أن لفظ الحاكم: كان يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم، قال: وصحح الحاكم هذه الطريق، وخطأه الحافظ في ذلك؛ لأن في إسنادها عبد الله بن عمرو بن حسان وقد نسبه ابن المديني إلى الوضع للحديث، قال: وقد رواه إسحاق ابن راهويه في مسنده عن يحيى بن آدم عن شريك ولم يذكر ابن عباس في إسناده بل أرسله، وهو الصواب من هذا الوجه، قاله الحافظ.
وفي (الروض النضير) بعد ذكر روايات ساقها عن علي عليه السلام ، ومنها حديث ابن عباس مرفوعاً، قال ابن عبد البر: الصحيح أنه موقوف عليه.
روى وكيع عن سفيان، عن عاصم بن أبي النجود، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ورواه عمرو بن دينار، وعكرمة عن ابن عباس كذلك، قال الحاكم: هذا الإسناد صحيح ليس له علة.
وأخرج الدارقطني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لم يزل يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين قالوا: وفي إسناده عمر بن حفص المكي وهو ضعيف، وأخرجه أيضاً عنه من طريق أخرى فيها أحمد بن رشيد بن خثيم عن عمه سعيد بن خثيم وهما ضعيفان.
قلت: سعيد بن خثيم هو الهلالي الكوفي أخذ عن زيد بن علي وغيره، وجاهد مع زيد وأدرك الفخي وخرج معه، وبايع يحيى بن عبد الله، ومن هنا تعلم مستند تضعيفه، وقد عده السيد صارم الدين وابن حميد وابن حابس في ثقات محدثي الشيعة، ووثقه ابن معين ، ولعل ذنب ابن أخيه مثل ذنبه، وفي الاعتصام عن تلخيص ابن حجر، قال: وروى الدار قطني والطبراني من طريق أحمد بن محمد بن حمزة حدثني أبي عن أبيه، قال: صلى بنا أمير المؤمنين المهدي المغرب فجهر بالبسملة، فقلت: ما هذا؟ فقال: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
وفي شرح التجريد: وروى محمد بن منصور عن عباد عن سليمان بن مفضل، عن معتمر بن سليمان التيمي، عن أبي عبيدة، عن مسلم بن حبان وجابر بن زيد قالا: دخلنا على ابن عمر في داره فصلى بنا الظهر والعصر ثم صلى بنا المغرب، فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في كلتا السورتين، فقلنا له: لقد صليت بنا صلاة لا تعرف بالبصرة، فقال ابن عمر: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في كلتا السورتين حتى قبض، وصليت خلف أبي بكر فلم يزل يجهر بها في كلتا السورتين حتى هلك، وصليت خلف أبي عمر فلم يزل يجهر بها في كلتا السورتين حتى هلك، وأنا أجهر به ولن أدعه حتى أموت. وهو في الاعتصام بهذا الإسناد منسوباً إلى الأمالي ولم أجده فيه.
قالوا: وفيه مسلم بن حبان وهو مجهول، قلت: إن صحت الجهالة فقد تابعه جابر بن زيد.
وأخرج الدارقطني عن ابن عمر قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، وفي إسناده عمر بن الحسن الشيباني يعرف بالأشناني القاضي شيخ الدارقطني.
قال (أبو الفتح): وثقه بعضهم وتكلم عليه آخرون، وجعفر بن محمد بن مروان لا أدري من هو.
وأبو الطاهر أحمد بن عيسى بن عبد الله ذكره ابن أبي حاتم روى عن ابن أبي فديك وأبيه، وروى عنه أبو أويس المدني، وبقية من في الإسناد معروفون.
قلت: أبو الطاهر هو أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو أجل من أن يدخل أدنى ريب في صحة روايته فضلاً عن أن يوصم بالكذب، كما رواه الشوكاني عن أبي حاتم وغيره.
قال في (الطبقات): أخذ عن جماعة: منهم أبوه ومحمد بن جعفر، وحسين بن علي بن زيد بن علي، والنفس الزكية، وأخذ عنه محمد بن منصور، والحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد عالم الكوفة، وأحمد بن منذر وغيرهم، كان عالماً زاهداً يلقب بالفنفنة لتفننه في العلوم.
وفي الأمالي عن عبد الرحمن بن أبزى أنه صلى خلف عمر فسمعه يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وروى الجهر بها عن عمر البيهقي، وأبو الفتح اليعمري وغيرهما.
وفي الأمالي عن نافع عن ابن عمر أنه كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
وأخرج الثعلبي عن علي بن زيد بن جدعان أن العبادلة كانوا يستفتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم يجهرون بها: عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير.
وفي الأمالي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أمني جبريل عند البيت فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم )). وأخرجه الدارقطني من حديث النعمان بن بشير، وأخرج الدارقطني، والحاكم، والبيهقي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، وعن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجهر بالقراءة ببسم الله الرحمن الرحيم أخرجه الدارقطني، وقال: إسناده صحيح، وأخرج الحاكم من حديث شريك عن أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، قال: رواته كلهم ثقات، وعن عائشة أن رسول الله كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، أخرجه الدارقطني وذكره ابن سيد الناس في شرح الترمذي، وفي إسناده الحكم بن عبد الله بن سعد وقد تكلم فيه غير واحد، روى له من أئمتنا المرشد بالله، وقال في الجداول: تكلموا فيه بلا حجة، احتج به البزار.
وروى الحازمي في كتاب الاعتبار عن سعيد بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم بمكة قال: فكان أهل مكة يدعون مسيلمة الرحمن فقالوا: إن محمداً يدعو إلى إله اليمامة. قال: وهذا مرسل وهو غريب من حديث شريك عن سالم.
وفي الأمالي عن الحكم أن أصحاب علي عليه السلام كانوا يجهرون، وقال في شرح التجريد: إنه مروي عن عامة الصحابة.
وأخرج البيهقي عن الزهري قال: من سنة الصلاة أن يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم، وإن أول من أسر ببسم الله الرحمن الرحيم عمرو بن سعيد بن العاص وكان رجلاً حيياً، وأخرج نحوه عنه في تذكرة الحفاظ.
وعن سمرة قال: كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم سكتتان: سكتة إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، وسكتة إذا فرغ من القراءة، فأنكر ذلك عمران بن الحصين فكتبوا إلى أبي بن كعب فكتب أن صدق سمرة. أخرجه الدارقطني وإسناده جيد، والحجة في تصديق أبي له، ووجه الاحتجاج بالحديث ظاهر فإنهم لا يعرفون كون السكتة بعد البسملة إلا إذا كان يجهر بها، وما قيل: إن الترمذي وأبا داود وغيرهما أخرجوا الحديث بلفظ سكتة حين يفتتح، وسكتة إذا فرغ، فالجواب أن هذه الرواية محتملة لكون المراد أنه يسكت حين يفتتح الصلاة وحين يفتتح القراءة، والرواية الأولى معينة لأحد الاحتمالين، وإطلاق الافتتاح على وقت الفراغ من البسملة جائز، إذ المقصود به أوائل الصلاة، ولا شك أن وقت الفراغ من البسملة من أوائل الصلاة، والإطلاقات اللغوية والعرفية مبنية على عدم المشاححة.
إذا عرفت هذا فهذه الأحاديث والآثار تدل دلالة ظاهرة على ثبوت الجهر بالبسملة في جميع الصلوات، بل في بعضها ذكر المكتوبات، وهذا نص صريح، ومن ادعى التخصيص فعليه بيانه، وفي بعضها ذكر الجهر في الصلاة، وبعضها ذكر الجهر مطلقاً، وذلك ظاهر في ثبوت الجهر بها إما مطلقاً، أو في الصلاة من باب حمل المطلق على المقيد.