قلت: حكى في حواشي الهداية عن التلويح أنه قول أحمد بن حنبل ومن ذكر معه، وقيل: أنها آية تامة في الفاتحة وليست بقرآن في غيرها، وهذا مروي عن ابن المسيب، ومحمد بن كعب والشافعي، وقيل: إن للشافعي في باقي السور قولين، فمنهم من حمل القولين على أنها هل هي من القرآن في أوائل السور أو لا، ومنهم من حملهما على أنها هل هي آية مستقلة أو هي مع ما يليها من كل سورة آية.
قال (التفتازاني): وهذا هو الأصح ليكون نظره واجتهاده في بيان آخر الآية ومقدارها لا في كونها قرآناً.
وقال (أبو السعود): نقل عن الشافعي أنها بعض آية في الفاتحة، وأما في غيرها فقوله فيها متردد فقيل: بين أن تكون قرآناً أو لا، وقيل: بين أن تكون آية تامة أو لا.
قال الغزالي: والصحيح منه التردد الثاني، وعن أحمد بن حنبل في كونها آية كاملة وفي كونها من الفاتحة روايتان.
فهذا ما عثرنا عليه من أقوال العلماء في التسمية، وإذ قد أتينا على أقوالهم فلنأخذ في تقرير أدلتهم على ما ذكرناه من ترتيب أقوالهم فنقول: احتج أهل القول الأول بحجج:
أحدها: إجماع أهل البيت"، قال الإمام الناصر أبو الفتح الديلمي عليه السلام في تفسيره: عندنا وعند علماء العترة" أنها آية من فاتحة الكتاب، ومن كل سورة أثبتت فيها، وأن تاركها تارك لآية من كتاب الله، والدليل على ذلك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قراءته لها مع ما كان يقرأ من السور، فلولا أنها من القرآن لما جاز لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يدخل في كلام الله ما ليس منه، كما أنه لا يجوز أن يخلط به كلاماً سواه ولا بيتاً من الشعر.
قال الشرفي: وكذلك حكى الطوسي في تفسيره إجماع أهل البيت" على أنها آية من القرآن في كل سورة، قال: وهي آية مستقلة وليست من السور التي كتبت في أولها إلا فاتحة الكتاب فإنها منها عند كثير من العلماء.

قلت: هذا هو القول الذي قال أبو السعود أنه غير معزي في الكتب إلى أحد أو قريب منه وفي حواشي شرح الغاية ما لفظه، وفي شرح الفصول للشيخ لطف الله والسيد صلاح إجماع العترة" على أنها آية.
قال القاضي (محمد بن حمزة) في أول تفسيره: وذلك إجماع العترة"، وكذا في تفسير عطية النجراني.
الحجة الثانية: إجماع المسلمين على إثباتها في أول كل سورة غير براءة فلو لم تكن قرآنا لما أجمع المسلمون على إثباتها في المصاحف؛ إذ لو جوزنا كونها غير قرآن مع هذا الإجماع وعدم الدليل الناهض على نفي كونها قرآناً لجوزنا في غيرها من الآيات أن لا تكون قرآناً، وهذا يؤدي إلى الطعن في القرآن والتشكيك في آي كثيرة منه، هذا مع تشديد السلف في أن لا يدخل في المصحف ما ليس منه حتى أنهم منعوا من كتبة أسامي السور في المصحف، ومنعوا من العلامات على الأعشار والأخماس كيلا يختلط بالقرآن ما ليس منه، فلو لم تكن التسمية من القرآن لما أجمعوا على كتابتها بخطه، وفي تفسير الخازن قال البيهقي: أحسن ما احتج به أصحابنا في أن بسم الله الرحمن الرحيم من القرآن، وأنها من فواتح السور سوى سورة براءة ما رويناه في جمع الصحابة كتاب الله عز وجل في المصاحف، وأنهم كتبوا فيها بسم الله الرحمن الرحيم على رأس كل سورة سوى سورة براءة، فكيف يتوهم متوهم أنهم كتبوا فيها مائة وثلاثة عشر آية ليست من القرآن.
وفي (تفسير الخازن) أيضاً ما لفظه: وأيضاً فأجمع الصحابة على إثباتها في المصاحف، وأنهم طلبوا بكتابة المصاحف تجريد كلام الله عز وجل المنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم قرآناً وتدوينه مخافة من أن يزيدوا فيه، أو ينقصوا منه، ولهذا لم يكتبوا فيه لفظة (آمين)، وإن كان قد ورد أنه كان يقولها بعد الفاتحة فلو لم تكن البسملة من القرآن في أوائل السور لما كتبوها، وكان حكمها حكم آمين.

الحجة الثالثة: ما ورد من الأخبار والآثار الدالة على إثباتها قرآناً فمن ذلك ما سيأتي في مسألة الجهر بها.
ومنه ما رواه المؤيد بالله عليه السلام في (شرح التجريد) عن علي عليه السلام أنه قال: (آية من كتاب الله تركها الناس بسم الله الرحمن الرحيم).
وأخرج أبو عبيد، وابن سعد في (الطبقات)، وابن أبي شيبة، وأحمد، وأبو داود، وابن خزيمة، وابن الأنباري في المصاحف، والدارقطني، والحاكم وصححه، والبيهقي، والخطيب وابن عبد البر كلاهما في كتاب البسملة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ: ((بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)) قطعها آية آية، وعددها عد الإعراب، وعد بسم الله الرحمن الرحيم آية ولم يعد عليهم. ورواه أبو طالب في الأمالي من دون قوله: ولم يعد عليهم.
قلت: حديث أم سلمة ذكره الرازي في تفسيره وعزاه إلى تفسير الثعلبي، وذكره في شرح الغاية ونسبه إلى الشافعي.
وقال الخازن: قد صح عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية منها.
وقال في (نيل الأوطار): الحديث أخرجه الترمذي في القراءة ولم يذكر التسمية وقال غريب وليس بمتصل، ثم ذكر أن الطحاوي أعله بالانقطاع لأن ابن أبي مليكة لم يسمعه من أم سلمة بدليل رواية الليث له عن ابن أبي مليكة عن يعلى ابن مملك عنها، ورده الحافظ بأن ما أعله به ليس بعلة لرواية الترمذي له من دون واسطة يعلى، وصححه ورجحه على الإسناد الذي فيه يعلى بن مملك، ورد بأن تصحيح الترمذي له إنما وقع في باب الفضائل لا في باب القراءة، وذلك بعد أن رواه عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك عن أم سلمة، فلعل التصحيح لأجل الاتصال.
قال في (النيل): وأخرجه الدارقطني عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة.

قال (اليعمري): ورواته موثقون، قال: وكذلك رواه من هذا الوجه ابن خزيمة والحاكم وفي إسناده عمر بن هارون البلخي ، قال الحافظ: وهو ضعيف.
قال (الشوكاني): ولكنه قد وثق فقول اليعمري رواته موثقون صحيح.
وأخرج (ابن أبي حاتم)، و(الطبراني) في (الأوسط)، و(الدارقطني)، و(البيهقي) في سننه بسند ضعيف عن بريدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بآية أو سورة لم تنزل على نبي بعد سليمان غيري، قال: فمشى وتبعته حتى انتهى إلى باب المسجد فأخرج إحدى رجليه من أسكفة المسجد وبقيت الأخرى في المسجد فقلت بيني وبين نفسي نسي ذلك فأقبل علي بوجهه فقال: بأي شيء تفتتح القرآن إذا افتتحت الصلاة؟ قلت: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: هي هي ثم خرج)).
وفي (الشفاء) عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إذا قمت تصلي كيف تقرأ ؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم، قال: هي هي وهي السبع المثاني)).
وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال: بسم الله الرحمن الرحيم آية، وأخرج أبو عبيد، والبيهقي في الشعب، وابن مردويه بسند حسن من طريق مجاهد، عن ابن عباس قال: أغفل الناس آية من كتاب الله لم تنزل على أحد سوى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن يكون سليمان بن داود بسم الله الرحمن الرحيم.
وأخرج (الدارقطني)، و(أبو نعيم)، و(الحاكم) في تاريخه بسند ضعيف عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((كان جبريل إذا جاءني بالوحي أول ما يلقي علي بسم الله الرحمن الرحيم )).
وأخرج (الواحدي) عن (ابن عمر) قال: نزلت بسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة.

وأخرج أبو داود، والبزار، والطبراني، والحاكم وصححه، والبيهقي في المعرفة عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعرف فصل السورة، وفي لفظ خاتمة السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم. زاد البزار والطبراني: فإذا نزلت عرف أن السورة قد ختمت واستقبلت، أو ابتدأت سورة أخرى.
وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كان المسلمون لا يعرفون انقضاء السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم فإذا نزلت عرفوا أن السورة قد انقضت. وأخرج أبو عبيد نحوه عن سعيد بن جبير .
وأخرج الحاكم وصححه، والطبراني، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((كان إذا جاء جبريل فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم علم أنها سورة )).
وأخرج البيهقي في (شعب الإيمان)، و(الواحدي) عن (ابن مسعود) قال: كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم.
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عمر أنه كان يقرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا ختم السورة قرأها ويقول: ما كتبت في الصلاة إلا لتقرأ.
وفي أمالي أحمد بن عيسى عليه السلام عن نافع قال: كان ابن عمر يصلي بنا فيقرأ في الركعة السورة والسورتين والثلاث فيفتح في كل سورة ببسم الله الرحمن الرحيم.
وأخرج الطبراني في الأوسط، والدارقطني، والبيهقي عن نافع أن ابن عمر كان إذا افتتح الصلاة يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم في أم القرآن وفي السورة التي تليها، ويذكر أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وفي (زوائد الإبانة) لـ(محمد بن صالح الجيلاني الناصري) عن عل عليه السلام عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((كل صلاة لا يقرأ فيها مع فاتحة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم فهي خداج وهي آية منها قد اختلسها الشيطان)).

وأخرج الثعلبي عن علي عليه السلام : أنه كان إذا استفتح السورة في الصلاة يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، وكان يقول: (من ترك قراءتها فقد نقص)، وكان يقول: (هي تمام السبع المثاني).
وفي أمالي أحمد بن عيسى عليه السلام عن أبي عبد الله الجذلي، قال: صليت خلف علي عليه السلام الفجر فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، فلما أن قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: آمين، كفى بربنا هادياً ونصيراً،{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ }[الأنبياء:1].
وأخرج الدارقطني عن علي عليه السلام ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((كيف تقرأ إذا قمت إلى الصلاة ؟ قلت: الحمد لله رب العالمين، قال: قل بسم الله الرحمن الرحيم)).
وفي تفسير الثعلبي، و(شرح التجريد) عن جابر نحوه، وأخرجه البيهقي في الشعب، والدارقطني وفي إسناده الجهم بن عثمان، قال أبو حاتم: مجهول.
وأخرج الثعلبي عن أبي هريرة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد إذ دخل رجل يصلي فافتتح الصلاة وتعوذ، ثم قال: الحمد لله رب العالمين فسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: ((يا رجل قطعت على نفسك الصلاة أما علمت أن بسم الله الرحمن الرحيم من الحمد فمن تركها فقد ترك آية، ومن ترك آية فقد أفسد عليه صلاته)).
وأخرج الثعلبي عن طلحة بن عبيد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك آية من كتاب الله )).

وأخرج الشافعي في الأم، والدارقطني، والبيهقي، والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم: أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولم يكبر إذا خفض وإذا رفع، فناداه المهاجرون والأنصار حين سلم: يا معاوية أسرقت صلاتك أين بسم الله الرحمن الرحيم ؟ وأين التكبير؟ فلما صلى بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن وللسورة التي بعدها، وكبر حين يهوي ساجداً.
وأخرج أبو داود، والترمذي، والدارقطني، والبيهقي عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفتتح صلاته بسم الله الرحمن الرحيم.
وأخرج الدارقطني، والحاكم والبيهقي وصححاه عن نعيم المجمر قال: كنت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن الحديث، وفيه: ويقول إذا سلم: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ورواه النسائي وغيره، وصححه أيضاً ابن خزيمة وابن حبان وأبو بكر الخطيب .
وأخرج الدارقطني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان إذا قرأ وهو يؤم الناس افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم، قال أبو هريرة: وهي آية من كتاب الله تعالى اقرءوا إن شئتم فاتحة الكتاب فإنها الآية السابعة، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أم الناس قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، قال الدارقطني: رجال إسناده كلهم ثقات.

وفي أمالي أحمد بن عيسى عن أبي ميسرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نودي في بدء أمره: ((يا محمد قل بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين حتى بلغ ولا الضالين)). وأخرجه من حديثه مطولاً ابن أبي شيبة في المصنف، وأبو نعيم والبيهقي، كلاهما في دلائل النبوة، والواحدي، والثعلبي ذكره في أول الدر المنثور، واسم أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل، وفي الأمالي عن عبد خير عن علي عليه السلام : {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي }[الحجر:87]، قال : فاتحة الكتاب، قلت: إنما هي ست آيات، قال: أول آية منها بسم الله الرحمن الرحيم. وأخرجه الدارقطني، والبيهقي في السنن بسند صحيح.
وأخرج الدارقطني وصححه، والبيهقي في السنن عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إذا قرأتم الحمد فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم إنها أم القرآن والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم أحد آياتها)).
وفي أمالي أحمد بن عيسى عن ابن عباس، قال: غلب الشيطان الناس على بسم الله الرحمن الرحيم وهي من المثاني، وفيه عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: كم الحمد آية؟ قال: سبع آيات، قلت : وأين السابعة؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم. وأخرج الثعلبي نحوه.
وأخرج الدارقطني، والبيهقي في السنن بسند ضعيف عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((يقول الله تعالى: قسمت هذه الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم، يقول الله: ذكرني عبدي، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين يقول الله: حمدني عبدي، فإذا قال: الرحمن الرحيم يقول الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، يقول الله: مجدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذه الآية بيني وبين عبدي نصفين وآخر السورة لعبدي ولعبدي ما سأل)). وروى الثعلبي نحوه.

وأخرج البيهقي في الشعب من طريق مقاتل بن سليمان، عن الضحاك، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن الله قد أنزل علي سورة لم ينزلها على أحد من الأنبياء والرسل قبلي )) قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((قال الله تعالى: قسمت هذه السورة بيني وبين عبادي فاتحة الكتاب جعلت نصفها لي ونصفها لهم وآية بيني وبينهم، فإذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم قال الله: عبدي دعاني باسمين رقيقين أحدهما أرق من الآخر فالرحيم أرق من الرحمن وكلاهما رقيقان...)) الخبر بطوله ذكره في الدر المنثور، ثم قال: قال البيهقي: قوله: (رقيقان) قيل: هذا تصحيف وقع في الأصل وإنما هو رفيقان، والرفيق من أسماء الله، قلت: يعني أن الحرف الأول فاء لا قاف.
وأخرج مسلم عن أنس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفيَ إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسماً فقال: ((أنزلت علي آنفاً سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم . إنا أعطيناك الكوثر...)) الحديث، وأخرجه أحمد والنسائي.

فهذه الأحاديث والآثار مع ما سيأتي من ثبوت الجهر بها يفيد التواتر المعنوي بكونها قرآناً وما في بعضها من الدلالة على كونها آية من أول كل سورة، مع ما تقدم من إجماع العترة، ونقل الأمة لها لفظاً وخطاً على حد نقل القرآن العظيم بلا فرق بينها وبين سائر الآيات، حتى أن الذي لم يسمع بالخلاف لم يجد فرقاً البتة يفيد خبر القطع بثبوتها قرآناً في أول كل سورة، وإنما يبقى النظر في كونها آية أو بعض آية، لكن ما تقدم من إجماع أهل البيت"، وما تقدم من الأخبار والآثار من تسميتها آية إما من الفاتحة أو مطلقاً يفيد العلم بكونها آية كاملة من كل سورة؛ إذ تسميتها آية يفيد أنها آية أينما ثبتت، وتقييدها بالفاتحة في بعض الروايات لا ينفي كونها آية في غيرها، بل لنا أن نقول: إذا ثبت كونها قرآناً في أول كل سورة، وثبت أنها آية تامة في الفاتحة وجب أن تكون كذلك في سائر السور إذ لا فارق.
فإن قيل: غاية ما في ذلك إفادة الظن بتمامها قيل: لا نسلم بل تفيد القطع مع التأمل سلمنا، فالظن كاف إذ لا يشترط القطع في تحديد الآيات.
احتج أهل القول الثاني بعدم تواترها قرآناً، والقرآن لا يثبت بالنظر والاستدلال، وإنما يثبت بالنقل المتواتر الاضطراري لتوفر الدواعي إلى نقل مثله.
وأجيب بمنع كونها لم تتواتر فرب متواتر عند قوم غير متواتر عند آخرين، وقد قدمنا ما يحصل به التواتر.

35 / 329
ع
En
A+
A-