البحث الرابع: في إطلاق لفظ موجود على الباري تعالى
حكى الرازي إجماع المسلمين على صحة إطلاق هذا الاسم عليه تعالى، وقد أطلقه أمير المؤمنين عليه السلام فقال في صفة الباري تعالى: (كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم).
وقال: (الحمد لله الكائن لا عن حدث، الموجود لا عن عدم). رواه في النهج.
فإن قيل: إنكم تشترطون فيما يجري عليه تعالى أن يفيد المدح وهذا الاسم لا يفيده إذ لا يفيد أكثر من تحققه وثبوته.
قيل: ذلك كاف في إفادته المدح فقد أجاز الإمام المهدي وغيره إطلاق لفظ(شيء) عليه لأنه يفيد كونه معلوماً، بل دلالة لفظ موجود على المدح أبلغ من لفظ شيء لصحة إطلاق لفظ شيء على المعدوم عند قوم دون موجود فلا يطلق على المعدوم اتفاقاً، ثم إن إطلاقه بالمعنى الذي يليق بالباري وهو كون وجوده مخالفاً لوجود غيره يفيد أكمل المدح وأبلغه.
قلت: وظاهركلام الوصي وما قرره بعض المتأخرين على مقتضى كلام القاسم والهادي عليهما السلام من أنه لا يطلق عليه لفظ(شيء) إلا مقيداً بلا كالأشياء أنه لا يطلق عليه موجود إلا مقيداً بما قيده به الوصي عليه السلام ، أو نحوه مما يفيد معه المدح؛ إذ دلالة الاسم على كون مسماه معلوماً لا يقتضي المدح كالأعلام، وإلا لزم أن يكون لفظ إبليس مدحاً لأنه علم للذات المخصوصة الملعونة، ودال على كونها معلومة.
البحث الخامس: فيما يجري على الله تعالى من الاسماء بمعنى كونه موجوداً وما يتبعه
الأول: القديم: لا خلاف بين المسلمين في أنه يجوز أن يوصف الباري تعالى بأنه قديم، وإنما وقع الخلاف في أنه هل يصح وصف غيره تعالى بذلك أم لا؟ فقال أئمتنا" وروي عن أبي هاشم: لا يختص به الباري تعالى، بل يوصف به كل ما تقدم على غيره إذ معنى القديم في اللغة المتقدم على غيره في الوجود كما يقال: بناء قديم ورسم قديم، ومنه قوله تعالى: {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ }[يس:39].
وقال أبو علي: بل يختص بالباري تعالى فلا يوصف به غيره؛ لأن القديم هو الموجود في الأزل وليس غيره تعالى كذلك، وظاهر كلام الموفق بالله عليه السلام أن هذا محكي عن أبي هاشم.
قال أبو علي: والآية ونحوها من قبيل التوسع والمجاز لا من قبيل الحقيقة، وأجيب بأنه مخالف لما ثبت بين المسلمين من التخاطب بلا قرينة.
قالوا: لو كان حقيقياً في بناء قديم ونحوه مقصوداً به المبالغة في تقدم وجوده لجاز أن يقال: بأنه قديم محدث؛ لأن مبالغته في تقدم وجوده لا يمنع من كونه محدثاً، وأجيب بالتزام ذلك لأن ما يقصد بالقديم إذا كان بمعنى المبالغة لا يمنع من كونه محدثاً، وإنما يمنع منه إذا كان بمعنى أنه لا ابتداء لوجوده، قالوا: لو كان بمعنى المبالغة للزم التزايد في صفة الوجود؛ لأن تقادم أحد الموجودين في الوجود جائز، وقد ثبت أن التزايد في صفة الوجود لا يجوز.
والجواب: أما من لا يجعل الوجود أمراً زائداً على الذات فلا يرد عليه هذا إذ لم يثبت صفة فيلزم تزايدها، وأما من يجعله زائداً فقد أجابوا بأنه لا يفيد التزايد في صفة الوجود، بل التزايد في مرور الأوقات عليه وصفة الوجود واحدة.
قالوا: يقال هذا أقدم من هذا، كما يقال: أعلم، فلو كان حقيقة لدل على تزايد صفة الوجود كالعلم، ويجاب بأنه لا يدل إلا على تزايد مرور الأوقات كما مر.
قال قاضي القضاة: قول أبي هاشم هو الأصح في اللغة فإن القديم لغة: ما تقدم على غيره، أو ما تقادم وجوده، فحينئذٍ يجوز إطلاقه على غيره تعالى، وقول أبي علي هو الأصح في عرف المتكلمين، فإن القديم عندهم هو الموجود فيما لم يزل، ولهذا سبق إلى أفهامهم عند إطلاقه هذا المعنى، ومثله ذكره الموفق بالله.
فإن قيل: كيف يصح القول: بأن أهل اللغة وضعوه لما لا ابتداء لوجوده وهم جاحدون للباري تعالى، ولا شيء في الشاهد لا ابتداء لوجوده حتى يضعوه باعتباره.
قيل: إن قلنا بأن الواضع الله تعالى فلا إشكال، وإن جعلنا الواضع البشر فلا يمتنع أن يكون فيهم موحدون عارفون بالله تعالى فوضعوا له ذلك وإن لم يكن له في الشاهد مثل، وفي معنى قديم قولنا: أقدم ومتقدم، فيجوز وصفه تعالى بهما، ذكره الإمام عز الدين عليه السلام قال: والمراد أنه موجود قبل كل موجود.
وحكي عن أبي علي أنه يجوز وصفه تعالى بهما في الأزل، ومنعه أبو هاشم لإيهامه الخطأ، وهو أن في الأزل موجوداً سواه مشاركاً له تعالى في الوجود في الأزل لكنه تعالى متقدم وأقدم، وليس كذلك الآخر مع حصوله في الأزل، وذلك محال كما إذا قلت: زيد أفضل من عمرو، فإنه يفيد اشتراكهما في الفضل مع اختصاص زيد بزيادة.
واختلف الشيخان أيضاً في لفظ سابق وأسبق وأول، فجوز أبو علي إطلاقها عليه في الأزل بمعنى أنه يقال: هو أسبق في الأزل، ومنعه أبو هاشم لما مر، وأجاب أبو علي بأن قولنا أسبق ونحوه لا يقتضي جواز المشاركة في الوجود في الأزل بدليل أنا نصف القدرة بأنها متقدمة على الفعل مع استحالة وجود الفعل معها، فكذلك نصف الباري تعالى بما ذكر لاستحالة ثبوت غيره في الأزل.
فإن قيل: فإذا قيد بما يرفع الإيهام ويقضي بأن المشاركة غير مقصودة، فهل يصح الإطلاق على مذهب أبي هاشم؟
قيل: إذا لم تقصد المشاركة كان اللفظ مجازاً لاستعماله في غير ما وضع له والمجاز لا يطلق عليه تعالى إلا بإذن كما مر، وقد أشار أبو هاشم إلى ذلك، ذكر هذا السؤال وجوابه الإمام عز الدين عليه السلام في المعراج.
قلت: ومقتضى كلام أبي هاشم منع وصفه تعالى بأقدم الأقدمين، وقد صرح بمنعه الموفق بالله لنحو ما مر.
قال عليه السلام : فإن تكلم به متكلم ويريد المبالغة في التقدم في الوجودفإنه يقيده بما يزيل ما يوهم.
قلت: أما على ما تقدم عن الإمام عز الدين عليه السلام ففي جواز الإطلاق مع التقييد نظر.
قال الموفق بالله عليه السلام : ولا يصح وصفه تعالى بأنه عتيق، ولا بأنه عادي لأنه يفيد تقدم عاد عليه حتى ينسب إليه، كما أن آدمي يفيد تقدم آدم عليه السلام عليه، فأما منع وصفه بأنه عتيق فلأن أبا علي ذكر أنه يفيد مرور الزمان عليه مع حدوث مثله، ولذلك لا يصفون التمر بأنه عتيق ولما تغير ولا حدث مثله، وحدوث مثله تعالى محال فلا يجوز وصفه به، وعلل أبو هاشم امتناعه بأنه يفيد مرور الزمان عليه مع التأثير فيه، ولذلك يقال: دينار عتيق إذا كان الزمان قد أثر فيه، وقيل: لا يشترط التأثير إذ توصف السماء بأنها عتيقة وإن لم يكن الزمان قد أثر فيها.
وقال الموفق بالله عليه السلام : لا يبعد أن يكون في الأصل موضوعاًلما مر عليه الزمان وأثر فيه، بدليل أن الدينار المضروب في الحال مع حدوث مثله لايوصف بأنه عتيق، وإذا كان الزمان قد مر عليه وأثر فيه وصف بذلك، فدل على أنه يفيد مرور الزمان عليه مع التأثير فيه، قال: فإن وصف شيء آخر بأنه عتيق وجب أن يكون مجازاً لأنه لا يطرد في كل شيء إلا بعد ما ذكرناه من مرور الزمان عليه.
قال عليه السلام : وقد كان الحدث الوراق تلميذ أبي الحسين الخياط يلزم أبا علي بأنه لو جاز أن يوصف تعالى بأنه قديم لصحة المعنى فيه لا أن السمع قد ورد به لجاز وصفه بأنه عتيق وعادي.
قال عليه السلام : وقد بينا أن معناه فيه تعالى لا يجوز؛ إذ محال تأثير شيء فيه ولا تقدم عاد عليه.
الاسم الثاني: ثابت في الأزل، ومعناه كمعنى موجود في الأزل، ويختص به الباري تعالى عند أئمتنا" خلافاً لمثبتي الذوات في العدم، وأما لفظ أزلي، فقال الرازي: هذا لفظ يفيد النسبة إلى الأزل فيوهم أن الأزل شيء حصلت ذات الله فيه وهذا باطل؛ إذ لو كان الأمر كذلك لكانت ذاته تعالى محتاجة إلى ذلك الشيء وهو محال، بل المراد وجود لا أول له البتة.
قلت: أما على ماذكره من الإيهام فالقياس منعه، لكن قد تقدم عن علي عليه السلام ما يدل على صحة وصفه بذلك، وفي بعض الأدعية المنسوبة إلى الحسين بن علي عليه السلام : الحمدلله السميع العليم الأزلي القديم. ذكره في الوسائل العظمى.
الاسم الثالث: (لا أول له) ومعناه أنه قديم لا أول لوجوده، فإن قيل: لا نسلم أن معناه ما ذكرتم، بل فيه إيهام خلافه وهو أنه غير قديم بأن يكون محدثاً وليس قبله شيء، لأنه محدث عن عدم والعدم ليس بشيء.
قيل: لقائل أن يقول: لا نسلم أن العدم ليس بشيء وحينئذ يسقط السؤال، سلمنا، فنقول إذا كان محدثاً فلا بد له من محدث والمحدث متقدم على ما أحدثه ضرورة، فثبت أنه متى صدق أنه ليس شيء قبله صدق كونه قديماً، واختلفوا في هذا الاسم هل هو صفة ثبوتية أو عدمية، فقيل: بالأول لأنه إشارة إلى نفي العدم السابق ونفي النفي إثبات، وقيل: بالثاني لأنه نفي لكونه مسبوقاً بالعدم لا للعدم نفسه وكونه مسبوقاً بالعدم صفة ثبوتية، فقولنا: لا أول له سلب لتلك الكيفية، ورد بأن كونه مسبوقاً بالعدم لو كان كيفية وجودية زائدة على ذاته لكانت تلك الكيفية حادثة، فكانت مسبقوة بالعدم وكونها كذلك صفة أخرى ولزم التسلسل وهو محال، ومما يدل على جواز إطلاق هذا الاسم على الباري تعالى قول أمير المؤمنين عليه السلام الأول لا شيء قبله، وقوله: الأول الذي لم يكن له قبل فيكون شيء قبله. رواه في النهج.
فإن قلت: هل يؤخذ من كلامه عليه السلام أنه لا يجوز أن يطلق عليه تعالى لفظ أول إلا مقيداً بنحو ما ذكره عليه السلام ونحو قولنا: لا أول له.
قلت: لو لم يرد قوله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ }[الحديد:3]، لتوهم ما ذكره، لكن لما ورد بالإطلاق القرآن وجب حمل كلامه عليه السلام على زيادة التوضيح، وقد أفادت الآية الكريمة الرد على منع إطلاق (أول) عليه تعالى، وصحة قول أبي علي.
الاسم الرابع: (الباقي) نص على جواز إطلاقه عليه تعالى الموفق بالله والإمام عز الدين عليهما السَّلام ، وغيرهما، وقد دل عليه القرآن، قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّك َ}[الرحمن:27 ]إلا أن ظاهر كلام الإمام عز الدين عليه السلام أنه لا يصح الوصف به إلا مقيداً؛ لأنه قال أنه لا يفيد المدح بنفسه بل بما ينظم إليه كقولنا: باق لنفسه ولم يزل، وظاهر كلام الموفق بالله عليه السلام أنه يصح إطلاقه من دون قيد لأنه قال: ويوصف بأنه تعالى باق، وذلك متظاهر في الأدعية يا باقي.
قال عليه السلام : ونريد به موجوداً لم يتجدد وجوده في حال الإخبار عنه بأنه موجود، قال: ويمكن أن يقال: كل موجود له وقتان متواليان بالوجود والله تعالى بهذه الصفة؛ لأن له وقتين وأكثر بالوجود ولم يتجدد وجوده في حال الإخبار عنه بأنه موجود، بل تجدد وجوده محال، وقال أبو علي: أنه يقيد الموجود بغير حدوث لأنه إما أن يفيد أنه باق لنفسه، أو لما هو عليه في نفسه، أو لمعنى قديم، فإذا استحال ذلك عليه وجب أن يفيد الموجود بغير حدوث، ورده الموفق بالله عليه السلام بأن أهل اللغة وصفوا الأجسام بأنها باقية وإن كانت محدثة، فدل على أن الباقي عندهم لا يفيد ما ذكره أبو علي خصوصاً مع اعتقادهم حدوث الأجسام.
وقال الرازي: اعلم أن كل ما كان أزلياً كان باقياً، ولا ينعكس فقد يكون باقياً ولا يكون أزلياً ولا أبدياً كما في الأجسام والأعراض الباقية، ومن الناس من قال: لفظ الباقي يفيد الدوام، وعلى هذا فلا يصح وصف الأجسام به، وليس الأمر على ذلك لإطباق أهل العرف على قول بعضهم لبعض أبقاك الله.
الاسم الخامس: (الدائم)، قال الموفق بالله عليه السلام : ويوصف بأنه دائم بمعنى أنه لم يزل دائماً فيقيد بالماضي تارة، وبالاستقبال أخرى فيقال: دائم فيما لم يزل ودائم فيما لا يزال، واستدل في المعراج على جواز إطلاقه بأنه يفيد استمرار الوجود أكثر من وقتين، وبأنه لا يفنى، وكل واحد من المعنيين ثابت في حقه تعالى، وقد ورد في كلام الوصي عليه السلام ، فقال في وصفه تعالى: الذي لم يزل قائماً دائماً إذا لا سماء ذات أبراج. رواه في النهج، وفيه دلالة على صحة تقييده بالماضي.
الاسم السادس: (الآخر) وقد نطق به القرآن، والمراد به أنه موجود بعد كل موجود.
الاسم السابع: (القيوم) قال تعالى: {الْحَيُّ الْقَيُّومُ }[البقرة:255].
قال الإمام عز الدين عليه السلام : والمراد به المبالغة في قائم، ومعناه دوام الوجود، وقد يفيد أنه قائم بمصالح العباد، وقال ابن أبي الحديد: القائم والقيوم بمعنى وهو الثابت الذي لا يزول، ويعبر عنه في الاصطلاح النظري بالواجب الوجود، وقد يفسر القائم على معنى قولهم: فلان قائم بأمر كذا أي ممسك له أن يضطرب.
قال الإمام عليه السلام : ولا يطلق عليه قائم لإيهامه نقيض القعود إلا مقيداً كقائم بالقسط وقائم على كل نفس، وبه قال الموفق بالله عليه السلام ، قال: ومعناه أنه موجود.
قلت: قول علي عليه السلام الذي لم يزل قائماً دائماً يدل على جواز الإطلاق من دون تقييد.
الاسم الثامن: (الكائن) وقد تقدم ما يدل على جواز إطلاقه عليه تعالى، وظاهر تلك الأدلة أنه لا يطلق إلا مقيداً، وهو الذي نص عليه الموفق بالله عليه السلام في الإحاطة فإنه قال في حد الموجود وهو الكائن الثابت، قال: ويقيد الكائن لئلا يوهم لأنه إذا أطلق فقيل: إنه كائن فقد يوهم.
قلت: وقد تقدم بيان الوهم الحاصل بالإطلاق، وقال ابن أبي الحديد رحمه الله في شرح قول أمير المؤمنين عليه السلام كائناً لا عن حدث موجود لا عن عدم ما لفظه: قوله عليه السلام : كائن وإن كان في الاصطلاح العرفي مقولاً على ما ينتزه الباري عنه فمراده به المفهوم اللغوي وهو اسم فاعل من كان بمعنى وجد كأنه قال موجود وغير محدث، قال: فإن قيل فقد قال بعده موجود لا عن عدم فلا يبقى بين الكلمتين فرق، قيل: بينهما فرق ومراده بالموجود لا عن عدم هاهنا وجوب وجوده ونفي إمكانه؛ لأن من أثبت قديماً ممكناً فإنه وإن نفى حدثه الزماني فلم ينف حدثه الذاتي، وأمير المؤمنين عليه السلام نفى عن الباري تعالى في الكلمة الأولى الحدوث الزماني، ونفى عنه في الكلمة الثانية الحدوث الذاتي، وقولنا في الممكن أنه موجود عن عدم صحيح عند التأمل لا بمعنى أن عدمه سابق له زماناً، بل سابق لوجوده ذاتاً؛ لأن الممكن يستحق من ذاته أنه لا يستحق الوجود من ذاته.
الاسم التاسع: (واجب الوجود) وبعضهم يزيد فيه لذاته فيقول: واجب الوجود لذاته، وحكى الرازي اتفاق المسلمين على جواز إطلاقه عليه تعالى، ومعناه أنه يستحيل تطرق العدم إليه أزلاً وأبداً كما قال أمير المؤمنين عليه السلام سبق الأوقات كونه والعدم وجوده، والابتداء أزله). رواه في النهج.
هذا وبقية أسمائه تفيد معنى دوام الوجود، وصحة إجرائها على الله تعالى موقوفة على قيام الدليل وعدم المانع، وفي بعضها ما يمنع من جواز إجرائها عليه تعالى منها الأبدي وهو يفيد الداوم بحسب الزمان المستقبل، ومنها السرمدي وهو مأخوذ من السرد وهو التتابع والتوالي.
قال الرازي: ولما كان الزمان إنما يبقى بسبب تعاقب أجزائه وتلاحق أبعاضه وكان ذلك التلاحق، والتعاقب مسمى بالسرد أدخلوا فيه الميم الزائدة للمبالغة، ولما كان التلاحق والتعاقب في حق الله تعالى محالاً إذ ليس بذي أجزاء ولا أبعاض كان إطلاق هذا اللفظ عليه مجازاً، فإن ورد به السمع أطلقناه وإلا فلا، وفي بعض أشعار ابن أبي الحديد ما يدل على جواز إطلاقه، وهي قوله:
والله ما موسى ولا عي .... سسى المسيح ولا محمد
علموا ولا جبريل وهو .... إلى محل القدس يصعد
كلا ولا النفس البسيطة .... لا ولا العقل المجرد
من كنه ذاتك غير .... أنك أوحدي الذات سرمد
ومنها المستمر، وأصله المرور والذهاب وبقاء الزمان بحسب مرور أجزائه بعضها بعد بعض، ولذا أطلق عليه هذا اللفظ، وعلى هذا فيتمنع إطلاقه على الباري تعالى إذ ليس بقاؤه لتلاحق أبعاضه وأجزائه تعالى الله عن ذلك، ومنها الممتد وسميت المدة مدة لأنها ممتدة بسبب تلاحق أجزائها، وهذا المعنى ممتنع في الباري تعالى، ومنها لم يزل من غير شيء.
حكى الموفق بالله عن بعضهم منعه، وعن بعضهم جوازه، واختار أنه لا بد من أن يقرن بأمر، قال: وكذلك لا يجوز وصفه بأنه لا يزال غير متكلم لأن النفي إذا دخل في النفي يفيد الإثبات فيقتضي ذلك كونه متكلماً فيما لم يزل، وذلك محال.
قال عليه السلام : ولقائل أن يقول: يقال ليس زيد غير قائم، ويريد به أنه قائم، وقال ابن أبي الحديد: لو سمي متكلماً قبل خلق الكلام على معنى أنه متكلم بالقوة لا بالفعل لم أستبعده وإن كان أصحابنا يأبونه.
قوله تعالى: {الرحمن الرحيم}
فيه مسائل: