ارتمت: أي ترامت، شبه جولان الأوهام وتعارضها بالترامي بالنبل ونحوه، وتولهت القلوب: اشتد عشقها حتى أصابها الوله وهو التحير، ولتجري أي لتصادف مسلكاً في ذلك، وغمضت مداخل العقول: أي غمض دخولها ودق في النظر الذي لا تبلغ الصفات كنهه لدقته وغموضه، وردعها: كفها، وتجوب: تقطع، والمهاوي: المالك، والسدف: جمع سدفة وهي القطعة من الليل المظلم، وجبهت: ردت، والجور: العدول عن الطريق، والاعتساف: قطع المسافة على غير جادة معلومة.
وقال عليه السلام : (ردع خطرات هماهم النفوس عن عرفان كنه صفته). هماهم النفوس: أفكارها، روي جميع ذلك عنه عليه السلام في النهج وفيه غير ما ذكرنا مما يدل على أن العقول عاجزة عن إدراك كنه الذات والصفات. والله أعلم .

البحث الثالث: في الدليل على أن الله تعالى موجود
اعلم أن من لم يجعل الوجود صفة زائدة على الوجود لا يحتاج إلى الاستدلال على هذه المسألة، بل يكفيه دليل إثبات الصانع، وهو الذي يدل عليه ما في النهج عن علي عليه السلام وهو قوله عليه السلام :(الحمد لله الدال على وجوده بخلقه، وبمحدث خلقه على أزليته) ، فإنه لم يزد في الاستدلال على الوجود على دليل إثبات الصانع، وهو الاستدلال بالصنع كما ترى.
وقال الفقيه العلامة عبدالله بن زيد العنسي رحمه الله: اعلم أنا إذا دللنا على إثبات صانع مختارٍ كفانا ذلك الدليل في أن الله تعالى موجود قديم قادر عليم حي، بحيث لا دليل لنا على هذه الأوصاف التي هي أوصاف الكمال سوى حدوث العالم وحاجته إلى محدث فاعل مختار؛ لأنه لا يصح أن يكون فاعلاً مختاراً إلا وهو قادر على ما خلق وعالم بذلك لما في حدوث العالم من الأحكام، وحيٌ بحيث لا يعقل أن يكون مواتاً، وهو قادر عالم فاعل مختار، وموجود لأن المعدوم لا يكون فاعلاً مختاراً، ويعلم ذلك ضرورة.
هذا وأما القائلون بأن الوجود زائد على الذات شاهداً وغائباً فاحتاجوا إلى الاستدلال؛ لأن ما دل على ثبوت الذات لا يدل على ثبوت جميع صفاتها، وإلا لزم حصول العلم بالصفات عند حصول العلم بالذات، إلا أنهم لم يستدلوا على وجود الموجودات المشاهدة.
قال السيد (مانكديم): لأنا نشاهدها ونعلم وجودها بالاضطرار، وليس كذلك القديم تعالى.
إذا عرفت هذا فلهم على أن الله تعالى موجود أدلة مبنية على قواعد غير مسلمة لهم كما ستعرف الكلام على تلك القواعد في مواضعها إن شاء الله.

الدليل الأول: دليل التعلق، وتحريره: أنه قد ثبت أن الله تعالى قادر عالم، والقادر العالم له تعلق بمقدوره ومعلومه، والعدم يحيل التعلق فيثبت بذلك وجوده تعالى، فهذه أربعة أصول أما كونه قادراً عالماً فواضح، وأما أن القادر العالم له تعلق بمقدوره ومعلومه فلأن معنى ذلك أن القادر يصح منه إيجاد الفعل، والعالم يصح منه إيجاده محكماً مع عدم المانع فيهما، وذلك ثابت لكل قادر وعالم، وأما أن العدم يحيل التعلق فلأنا وجدنا معاني متعلقة كالإرادة وغيرها ووجدناها متى وجدت تعلقت، ومتى عدمت زال تعلقها، وإنما زال تعلقها لعدمها، فكل ما شاركها في العدم وجب أن يشاركها في زوال التعلق، ومعنى تعلق الإرادة بالمراد صحة إيقاعه لأجلها على وجه دون وجه، فإن قيل: ما الدليل على أنها إذا عدمت زال تعلقها؟ قيل: لأنه لو لم يزل لكان تعلقها إما بنفس ما كانت متعلقة به، وهو باطل لأنه ما من مراد إلا ويصح مضيه وانقضاؤه، والإرادة لا يصح تعلقها بالماضي، وإما أن يكون تعلقها بغير ما كانت متعلقة به، وذلك لا يجوز لما في ذلك من انقلاب ذاتها واتصافها بصفة مخالفها الذاتية.
قال الإمام عز الدين عليه السلام : وتحقيق هذا الوجه أن الإرادات تختلف بتعدد المتعلق واختلافه، فالإرادة هذه إذا تعلقت بالمتعلق ثم عدمت وتعلقت بمتعلق آخر قد تعلقت به إرادة أخرى، فتلك الإرداة قد خالفتها لتعلقها بذلك المتعلق فصارت صفتها الذاتية والمقتضاة مخالفتين لصفتها الذاتية والمقتضاة، فإذا تعلقت بهذا المتعلق الآخر لزم أن تكون بصفة مخالفها لأنها لا تتعلق به إلا إذا ثبت لها صفة مقتضاة توجب تعلقها به تماثل صفة مخالفتها التي أوجبت لها التعلق به، وإذا ثبت لها تلك الصفة كشفت لها عن مثل صفة مخالفتها الذاتية، فحينئذٍ تصير بصفة مخالفتها، ويلزم أن تكون مماثلة لها ومخالفة وهو محال. ذكره في المعراج، وإذا اتصفت بصفة مخالفتها فقد خرجت عما هي عليه في ذاتها. والله أعلم.

فتعين ما قلنا وهو أنها إذا عدمت زال تعلقها، ويدل على ذلك أيضاً أن أحدنا يخرج عن كونه مريداً وعالماً حال النوم، فلو لم يزل تعلق الإرادة والعلم وإيجابهما عند العدم لما خرج بأن توجب له الإرادة والعلم المعدومان، والمعلوم خروجه فإن قيل: وما الذي يدل على أن علة زوال تعلقها عدمها؟ قيل: هو أنا وجدنا زوال التعلق دائراً على العدم نفياً وإثباتاً، وليس ثم ما هو بالتأثير في زوال التعلق أولى من العدم فيجب أن يكون هو العلة، وإذا تقرر أن الله تعالى قادر عال،م وأن القادر العالم له تعلق بمقدوره ومعلومه، وأن العدم يحيل التعلق ثبت أن الله سبحانه وتعالى موجود لأنه لو كان معدوماً لم يكن له تعلق بمقدوره ومعلومه كالإرادة المعدومة؛ إذ كل ما يشاركها في العدم يجب أن يشاركها في زوال التعلق لأن الاشتراك في العلة يوجب الاشتراك في الحكم، فلو كان القديم تعالى معدوماً لكان قد شارك الإرادة المعدومة في العلة وهي العدم، فيجب أن يشاركها في الحكم وهو زوال التعلق، وقد علمنا أنه تعالى له تعلق بمقدوره ومعلومه، فيجب أن لا يكون معدوماً، وهذا الدليل مبني على كون الإرادة معنى، وسيأتي الخلاف فيه، وهو أقوى ما استدلوا به في المسألة، وقد أورد عليه سؤالات:
[سؤالات تتعلق بالإرادة والوجود]
السؤال الأول: هلاَّ كانت العلة في زوال تعلق الإرادة خروجها عن أن توجب صفة للمريد؟ وأجيب بأن خروجها عن الإيجاب المذكور إنما هو للعدم فقد عاد الأمر إلى ما قلنا ولكن بواسطة، وذلك أنا إذا جعلنا العلة ما ذكرتم فليس العلة في الخروج عن الإيجاب إلا عدمها، فالعدم علة العلة، وعلة العلة علة، وأيضاً ليس قولكم بأن علة زوال التعلق خروجها عن ذلكم الإيجاب بأولى من أن يقال: إن خروجها عن إيجاب صفة للمريد إنما هو لزوال التعلق فلا تتميز العلة من المعلل.

السؤال الثاني: لم لا تقولون إن العلة في زوال التعلق تقضي مرادها أو خروجها عن الصفة المقتضاة عن صفة الذات، أو لأن الوجود شرط فيه، وأجيب عن الأول بأن الإرداة قد تخرج عن التعلق وإن لم يقتض مرادها كما لو أردنا قدوم زيد ثم بدا لنا أن لا نريد قدومه قبل أن يقدم، ولو قيل: بتعلقها حينئذٍ للزم أن تتعلق حال عدمها، وهو باطل.
قال الإمام عز الدين عليه السلام : ويدل على أن زوال تعلقها ليس لتقضي مرادها إن الإراداة قد ينقضي مرادها ولا يزول تعلقها كأن يريد أحدنا قدوم زيد ثم يقدم مع عدم علمه بقدومه، فإن الإراداة تبقى متعلقة بقدومه مع تقضي مرادها وهو القدوم، ذكره أصحابنا.
قال عليه السلام : وفيه نظر لأن ذلك ليس بتعلق حقيقي على أصلهموأجيب عن الثاني: بأنه لولا العدم لما خرجت الإرادة عن هذه الصفة المقتضاة، فقد عاد الأمر إلى العدم لكن بواسطة خروجها عن الصفة المقتضاة.
قيل: وليس جعل خروجها عن هذه الصفة علة في زوال التعلق بأولى من العكس؛ لأن خروجها كزوال تعلقها، واعترضه الإمام عز الدين عليه السلام ، فقال: أما خروجها عن الصفة المقتضاة فهو أولى بأن يجعل علة في زوال التعلق من العكس؛ لأن التعلق حكم صدر عنها فزواله فرع على زوالها، إلا أنه لما كان خروجها عن الصفة المقتضاة تابع لعدمها كان العدم أولى بأن يكون علة، هذا ما يقتضيه كلامه عليه السلام .
قال: ولا كلام في تبعية الموجب للموجب ثبوتاً وانتفاءً، ولهذا فلو قدرنا ثبوت صفة الإرادة المقتضاة مع عدمها لم يكن بد من القول بثبوت تعلقها مع عدمها.
وأجيب عن الثالث: وهو أن زوال تعلقها لعدمها لأن الوجود شرط فيه أي في التعلق بأنه قد عاد الأمر إلى العدم أيضاً؛ لأنه لو لم يكن العدم محيلاً للتعلق لم يكن الوجود موجباً له.
السؤال الثالث: أن زوال التعلق نفي والعدم نفي، وتعليل النفي بالنفي محال، ألا ترى أنه لا يقال: أن الجسم لم يتحرك لعدم الحركة.

وأجيب بأنه إنما يمتنع ذلك في العلل الموجبة لا الكاشفة، ولهذا يعلل انتفاء صحة الفعل بانتفاء القادرية، وهذه من العلل الكاشفة أي قام الدليل على أن الحكم يثبت بثبوتها وينتفي بانتفائها، فاستلزم ذلك كون الوجود شرطاً في التعلق.
السؤال الرابع: لو كان العدم محيلاً للتعلق لوجب في الوجود أن يكون موجباً له فتكون جميع الموجودات متعلقة، والمعلوم خلافه، فإن السواد والحلاوة والطعم وغيرها من المدركات ونحوها مما لا تعلق لها.
وأجيب: بأنا لا نسلم أن نقيض الاستحالة الوجوب بل نقيضها الصحة، ثم إنه لا يلزم في كل أمر أحال حكماً من الأحكام أن يكون نقيضه موجباً لنقيض ذلك الحكم، فإن عدم المحل يحيل حلول السواد فيه، وليس وجوده موجباً لحلول السواد فيه، هكذا أجاب السيد مانكديم.
قال الإمام المهدي عليه السلام : والأولى في الجواب أن يقال: التعلق حكم واجب للمتعلق والعدم أحال تعلق ما صفته المقتضاة يقتضي له التعلق، فالواجب في نقيض العدم وهو الوجود أن يصحح تعلق ما صفة ذاته تقتضي له التعلق لا كل موجود.
قال عليه السلام : وإنما كان هذا أولى لأنه يلزم من جوابهم -يعني جواب الأصحاب وهو ما ذكره السيد مانكديم- لأن يكون الوجود مصححاً لتعلق جميع الموجودات وليس كذلك، وجوابهم ثانياً يوهم أن النقيضين لا يجب تناقض أحكامهما، وذلك يخرجهما عن كونهما نقيضين، وما ذكروه من أن وجود المحل لم يقتض وجوب الحلول فهو مسلم، لكن قد اقتضى صحة حلول السواد فيه وهي نقيض الاستحالة.
السؤال الخامس: إن هذه القضية إنما وجبت في الإرادة لكونها علة، والقديم تعالى ليس بعلة، فلا يصح القياس.

وأجاب الإمام المهدي عليه السلام : بأنا لا نسلم أن ذلك إنما وجب فيها لكونها علة، بل لكون الوجود شرطاً في التعلق؛ لأنا نريد ما يزول تعلقه لأجل عدمه، وليس بعلة وهو التحيز فإن التحيز يقتضي صحة حلول الأعراض في المتحيز حال الوجود، ويزول هذا التعلق وهو صحة الحلول بعدمه فإذن لم يجب ذلك في الإراداة لكونها علة، بل لكون التعلق من شرطه الوجود في أي متعلق كان.
قال عليه السلام : وهذا أولى مما أجاب به السيد مانكديم وغيره من أصحابنا من أن مخالفة الباري للإرادة ليس بأكثر من مخالفة العلل بعضها لبعض، والقدرة والشهوة والعلم مشاركة للإرادة في زوال تعلقها لأجل عدمها، فكذلك يلزم في الباري تعالى، لأن لقائل أن يقول: إن تلك قد شاركت الإرادة في كونها عللاً فكان حكمها كحكمها، بخلاف الباري تعالى فلم يشاركها في ذلك فيجوز أن يخالفها في الحكم.
قال عليه السلام : فكان اعتماد ما ذكرناه أولى، وقد اعتمده بعض متأخري أصحابنا.
الدليل الثاني: أنه قد ثبت أن الله تعالى أوجد العالم والمحدث محتاج في وجوده إلى المحدث، فيجب أن يكون ذلك المحدث موجوداً؛ إذ لا يجوز وجود المحتاج مع عدم المحتاج إليه إذ الحاجة إلى المعدوم محال للزوم وجوده، فإن قيل: لا نسلم استحالة الحاجة إلى المعدوم مع تجويز قادريته.
قيل: لا نسلم التجويز فإن إحالة قادرية المعدوم معلوم ضرورة.
قلت: وهذا الدليل لا يفيد أكثر من إثبات الصانع المختار كما هو مذهب الأئمة"، وليس فيه ما يدل على أمر زائد كما يدعيه الخصم.

الدليل الثالث: ذكره بعض المشائخ وهذبه الشيخ الحسن الرصاص رحمه الله وهو المعروف بالقطقطاني لتكرير لفظ قط فيه، وتحريره: أنه قد ثبت أن الله تعالى قادر عالم حي، وأن هذه الصفات مقتضاة زائدة على الوجود، فيجب أن تكون مشروطة بالوجود، وكصفات الأجناس المقتضاة كالتحيز في الجوهر والهيئة في اللون، فإنها لما كانت مقتضاة عن الذاتية زائدة على الوجود وجب أن تكون مشروطة بالوجود، وإنما كان الوجود شرطاً فيها لكونها صفات مقتضاة زائدة على الوجود، فيجب فيما يشاركها في العلة أن يشاركها في الحكم، والذي يدل على أن صفات الأجناس إنما كانت مشروطة بالوجود لكونها صفات مقتضاة أنه لا بد من أمر لأجله كان الوجود شرطاً، وإلا لم يكن بذلك أولى من ألا يكون، وذلك الأمر إما أن يكون كونها صفات فقط، أو كونها مقتضاة فقط، أو كونها صفات مقتضاة فقط، أو كونها صفات مقتضاة زائدة على الوجود، الأول باطل وإلا لزم في الصفة الذاتية أن تكون مشروطة بالوجود، والمعلوم ثبوتها في حال العدم، والثاني باطل أيضاً وإلا لزم في الأحكام المقتضاة عن الذاتية كالمماثلة والمخالفة أن تكون مشروطة بالوجود وهي ثابتة في العدم.
بقي أن تكون العلة أحد الأمرين الآخرين وأيهما كان ففيه غرضنا، وذلك أنا إن جعلنا العلة كونها صفات مقتضاة فقد ثبت للباري تعالى صفات مقتضاة ككونه عالماً قادراً وغيرهما، فلتكن مشروطة بالوجود كصفات الأجناس، ويجب حينئذٍ أن يكون الله تعالى موجوداً؛ إذ لا يصح حصول المشروط دون الشرط، وإلا بطل كونه شرطاً، وإن جعلنا العلة كونها صفات مقتضاة زائدة على الوجود فكذلك إذ قد ثبت للباري تعالى صفات مقتضاة، إلا أن بعضهم زاد قوله زائدة على الوجود لئلا تبطل العلة بوجوده تعالى، فإنه صفة مقتضاة وليست مشروطة بنفسها وإلا لزم التسلسل، فوجب التقييد بكونها زائدة على الوجود لدفع التسلسل.
واعلم أن هذا الدليل مبني على ستة أصول:

الأول: أن للأجناس صفات مقتضاة ثابتة لها كالتحيز للجوهر، وفي ذلك خلاف أبي الحسين وأصحابه، فإنهم لم يثبتوها. ذكره في المنهاج، وهو الظاهر من كلام أئمة العترة" كما يفيده كلام السيد حميدان وغيره.
الأصل الثاني: أنها زائدة على الوجود وفيه خلاف، ومن المخالفين في ذلك أئمة العترة".
قال السيد حميدان رحمه الله -بعد أن حكى مذهب العترة"- ما لفظه: ومذهب المعتزلة المقدم ذكرهم أن ذوات العالم جواهر وأعراض يصح العلم بكل واحد منها على انفراده، وأن صفاتها أمور زائدة عليها لا توصف بأنها هي ولا غيرها، ولا شيء، ولا لا شيء.
قال: والذي يدل على صحة مذهب العترة وفساد مذهب المعتزلة هو أن تسمية الجوهر جوهراً والعرض عرضاً فرع على معرفة الفرق بينهما، لأنه لو لم يكن بينهما فرق لم يكن أحدهما بكونه جوهراً أو عرضاً أولى من الثاني.
وحكى القرشي عن أبي إسحاق النصيبيني أن التحيز هو الوجود يعني ليس زائداً على الوجود.
الأصل الثالث: أنها مشروطة بالوجود، قالوا: ويدل عليه أنها لو لم تكن مشروطة به لوجب ثبوتها يعني الصفات في حال العدم لوجود مقتضياتها وهي الصفة الذاتية.
قلت: وهذا مبني على ثبوت الذوات في العدم، والخلاف فيه مشهور.
الأصل الرابع: أنها إنما كانت مشروطة بالوجود لكونها صفات مقتضاة كما مر، وهو مبني على ثبوت الصفة الأخص، وثبوت ذوات العالم في الأزل، وفيهما خلاف قدماء الأئمة" وغيرهم.
الخامس: أن القديم تعالى قد شارك الأجناس في ثبوت صفات مقتضاة، وفي ذلك خلاف قدماء العترة على ظاهر كلام السيد حميدان رحمه الله، ومن جملة ما أبطل به المشاركة أن المشاركة في الجنس والنوع من خصائص أنواع المحدثات، وأن الله سبحانه وتعالى ليس بجنس فيوصف بأنه مشارك لغيره، هذا على فرض ثبوت الصفات المقتضاة في الأجناس.

السادس: أنه تعالى إذا شارك الأجناس في ثبوت صفات مقتضاة له وجب أن يشاركها في أن الوجود شرط في ثبوتها له؛ إذ من حق كل مشتركين إذا اشتركا في علة أن يشتركا في ذلك الأمر، وإلا عاد على التعليل بذلك بالنقض، وهذا الأصل هو نتيجة الخمسة السابقة، وقد عرفت ما فيها، وبعدم صحتها لا يصح ما ترتب عليها، وقد عرفناك أول البحث أن أدلتهم مبنية على قواعد غير مسلمة لهم، ولا بد من الكلام على ما أشرنا إليه في هذه الأصول من المذاهب، مع بيان ما تمسكت به كل طائفة في محله إن شاء الله تعالى.
على أن الإمام المهدي عليه السلام قد استضعف هذا الدليل ونفى إفادته الظن فضلاً عن المدلول، وتعجب ممن استدل به، وأبطله من ثلاثة أوجه، ولا حاجة بنا إلى إيرادها لأنا لم نوافقهم في المدلول حتى نشتغل بما يرد على أدلتهم.
قال الإمام عز الدين عليه السلام : وقد نقل عن بعض المحققين الالتجاء في هذه المسألة إلى دليل السمع، وهو كون الباري تعالى موجوداً بضرورة الدين، وهو بناء على أن هذه المسألة مما يصح الاستدلال بالسمع عليه لعدم توقف الحكمة عليه.
قال عليه السلام : وهو لا يستغني عن تأملٍ.

32 / 329
ع
En
A+
A-