البحث الثاني: في الخلاف في معنى الوجود
فالذي عليه جمهور أئمة العترة" وأبو الحسين البصري، وأبو القاسم البلخي، وابن الإخشيذ، والملاحمية، وسائر شيوخ البغدادية والرازي على ما رواه عنه في الأساس: أنه غير زائد على ذات الموجود، وحكاه الإمام المهدي عليه السلام عن أكثر المجبرة، وظاهر حكاية السيد حميدان عن أئمة العترة" وحكاية الإمام المهدي عليه السلام عن أبي الحسين وابن الملاحمي والمجبرة: أنه لافرق بين وجود الباري ووجود غيره، وأن الوجود غير زائد على الذات شاهداً وغائباً، بل وجود كل موجود نفس ماهيته.
قال الإمام المهدي عليه السلام : فلفظ الوجود عند هؤلاء ليس بمشترك اشتراكا معنوياً، بل لفظياً فقط كاشتراك لفظ العلم بين مسميات. ذكره الرازي، ولأهل هذا القول حجج بعضها يخص الباري تعالى، وبعضها يعم كل موجود:
الحجة الأولى: أن الزيادة والمزيد لا يجوزان على الله تعالى لأن الزيادة والنقصان من أدلة الحدوث، وذلك لا يجوز على القديم تعالى.
الحجة الثانية: أن القول بالزيادة مبني على ثبوت ذوات العالم في الأزل فيلزم قدمها، وهو معلوم البطلان، فما أدى إليه يكون باطلاً.
الحجة الثالثة: أن الوجود لوكان صفة لكان ثبوته للماهية متوقفاً على ثبوت الماهية في الخارج فإن حصول شيء لشيءٍ فرع على حصول ذلك الشيء في نفسه؛ لأن ما لا ثبوت له في الخارج لا يثبت له شيء، فيلزم أن يكون حصول الوجود للماهية موقوفاً على وجود الماهية، فيكون الشيء سابقاً على نفسه.
فإن قيل: إن ثبوت الشيء للشيء لا يستلزم وجوده، وإنما يستلزم ثبوته وتعقل ماهيته، وذلك كاف في قابليته لثبوت الشيء.
قيل: هذا مبني على أصل فاسد، وهو ثبوت الذوات في الأزل، والفرق بين الثبوت والوجود، ونحن لا نسلمه، ثم إنه يلزمكم قدم العالم لأنكم قد شاركتم بين ذات الباري وذوات العالم في الأزل.
الحجة الرابعة: أنه لو كان زائداً لكان إما موجوداً، أو معدوماً، الأول يوجب التسلسل وحدوث الباري تعالى لحدوث صفته الوجودية، والثاني يقتضي أن يكون وجود الموجودات معدوماً لعدم صفة الوجود، والمتصف بالمعدوم معدوم فيلزم عدم كل موجود.
فإن قيل: الوجود صفة والصفة لا توصف، وإنما ثبوتها لموصوفها نفس ماهيتها.
قيل: لا نسلم بل توصف فإن قولنا في صفات الباري أنها ذاته، وفي صفات العالم أنها محدثة، وقولكم أن الوجود صفة زائدة على الذات وصف لها، وإنما لذتم بهذا فراراً لما قيل لكم: الوجود إما أن يكون موجوداً أو معدوماً، وعلمتم أنه لا محيص لكم على أصلكم من لزوم حدوث الباري تعالى أوعدم الموجودات، وسيأتي لهذا مزيد تحقيق من الجانبين إن شاء الله.
الحجة الخامسة: قالوا لو كان زائداً على الذات لصح أن تعقل الذات محصلة في الأعيان مع الذهول عن كونها موجودة والعكس، فلما لم يصح ذلك علمنا أن وجود الشيء هو نفس ذلك الشيء، ذكر هذه الحجة الإمام المهدي عليه السلام وأجاب عنها بأن قولكم يلزم أن يصح تعقل الماهية محصلة في الأعيان مع الذهول عن كونها موجودة، مناقضة لأنه لا معنى لكونها محصلة في الأعيان إلا وجودها، فكيف يستقيم أن نعقلها موجودة غير موجودة، وأما صحة تعقلها غير موجودة فملتزم، وأما تعقل الوجود من دون الماهية، فمحال لأنه كيفية لها فلا يستقل بالمعلومية.
ولقائل أن يقول: لا مناقضة لأن الوجود على مقتضى مذهبكم غير الموجود، ولا شك في صحة تعقل أحد الغيرين مع الذهول عن الآخر، فالمناقضة إنما هي في كلامه عليه السلام حيث جعل الوجود صفة زائدة ثم جعله نفس الموجود، فتأمل عبارته عليه السلام يتضح لك ما قلنا، وأما التزامه تعقلها غير موجودة، فمبني على إثبات الذوات في العدم وخصمه لا يسلمه.
وأما قوله: أن تعقل الوجود من دون الماهية محال لأنه كيفية لها، فمنقوض بصحة تعقل الذات من دون كيفيتها كسوادها وطولها وقصرها على التعيين، ألا ترى أنا نتعقل بعض من مضى من السلف ولا نعقل الكيفية التي كان عليها من الشكل واللون، فإذا صح ذلك ثبت أن الوجود لو كان زائداً علىالذات لصح تعقل الذات من دونه والعكس، فلما لم يصح ذلك تعين أنه نفس الموجود.
وقال جمهور المعتزلة-منهم أبو علي وأبو هاشم وأصحابه وقاضي القضاة وأصحابه -والإمام المهدي عليه السلام : إن الوجود زائد على ذات الموجود شاهداً وغائباً، وعليه المتأخرون من أصحابنا إلا الإمام يحيى عليه السلام ، وهو قول مثبتي الذوات في العدم من المجبرة.
قال الإمام المهدي عليه السلام : فلفظ الوجود مشترك عند هؤلاء بين ممكن الوجود وواجب الوجود اشتراكاً معنويا. ذكره الرازي.
[مناقشة الأدلة الدالة على أن الوجود زائد الذات]
قال عليه السلام : والأولى أنه من الألفاظ المشككة لاختلافه في الجواز والوجوب فهو كأحمر للقاني وغيره، ولهم على ذلك حجج بعضها يختص الباري تعالى، وبعضها يختص العالم، وبعضها يعم.
الحجة الأولى: على أن وجود الباري تعالى أمر زائد على ذاته أن له تعلقاً بمقدوره ومعلومه، كما أن للإرادة تعلقاً بالمراد، فإذا كشف لنا تعلق الإرادة عن اتصافها بصفة زائدة على ماهيتها تلك الصفة هي الوجود لزم مثله في الباري تعالى، بيان ذلك أن عدمها يحيل تعلقها، ومعنى عدمها أنه لم يثبت لها صفة الوجود، ومثل ذلك يلزم في تعلق القديم بالمقدور، والمعلوم أعني أن فرض عدمه يحيل تعلقه، فإذا كان معنى عدمه زوال صفة الوجود عنه كان معنى وجوده ثبوت تلك الصفة له، فحصل المقصود وهو أن وجوده تعالى أمر زائد على ذاته، ولو كان معنى عدمه غير معنى عدم الإرادة لم يصح القياس لاختلاف العلة في الأصل والفرع، لكن اختلاف العدم لا يعقل.
وأجيب: بأن معنى عدم الإرادة الذي يحيل تعلقها هو انتفاء ماهيتها، فزوال التعلق لانتفاء الماهية لا لأمر زائد وهو انتفاء صفة الوجود بزعمكم، وبالجملة أن هذه الحجة لا تصح إلا لوكان ا لخصم يسلم حكم الأصل، أو قام الدليل عليه، وكل هذا منتف.
الحجة الثانية: أنه لو كان وجوده تعالى نفس ماهيته ووجود المحدثات زائد على ماهيتها، ومعنى العدم في الشاهد هو انتفاء صفة الوجود لصدق علىالباري تعالى أن يقال: هو معدوم أي ذات لم يثبت لها صفة الوجود، والإجماع يمنع من ذلك، وهذا الدليل سمعي والاستدلال به على أن وجوده زائد على ذاته جائز.
والجواب: أنا لانسلم أن وجود المحدثات زائد على ماهيتها، سلمنا فوجوده تعالى مخالف لوجودها؛ إذ هو موجود لا عن عدم ولا مشاركة بين الله تعالى وبين غيره في الذاتية؛ إذ لاجنس له تعالى، ولو فرضنا صحة ما يذهب إليه الخصم من المشاركة في الذاتية فإطلاق المعدوم على الله تعالى محال؛ لأن العدم الانتفاء، والانتفاء محال في حق الله عز وجل.
الحجة الثالثة: أن وجوده تعالى لو كان نفس ماهيته لم يصح أن يكون العدم نقيض الوجود، فلا يكون قولنا: الشيء لا يخلو إما أن يكون موجوداً أو معدوماً قسمة حاصرة، والمعلوم خلافه، فثبت أن الوجود زائد.
والجواب: أنه لا يلزم ذلك إلا لو كان العدم نقيضاً لوصف ثابت زائد عليها، وليس كذلك وإنما هو نقيض الثبوت، والثبوت أمر اعتباري وليس بزائد على الماهية كما أن عدمها كذلك، فلا تبطل القسمة الحاصرة؛ لأن معنى قولنا: إما أن يكون موجوداً أو معدوماً: إما أيكون ثابتاً أو منفياً، وهذان الطرفان ليس أمراً زائداً على الماهية، وإنما هما اعتباريان، والأمور الاعتبارية غير ثابتة في الخارج حتى يقال: إن القسمة غير حاصرة.
وبعد فإن هذه الحجة مبنية على كون الوجود زائداً في المحدثات وهو غير مسلم.
الحجة الرابعة: أنه إذا ثبت أن وجود الممكنات زائد على ماهيتها، ونحن لانعقل من وجود الباري تعالى إلا كما نعقل من وجودها، كما لا نعقل من الحيية في الغائب إلا كما نعقل من الحيية في الشاهد، وهو كون له مزية لأجلها يصح أن يقدر ويعلم، فإذا كانت الحيية متماثلة فكذلك الوجود، ولا يمنع اختلاف الصفتين في الوجوب والجواز من تماثلهما، فإذا كان الوجود في الذوات متماثلاً لزم أن يكون وجوده زائداً على ذاته كوجود الممكنات.
قلت: حاصل هذه الحجة أن الوجود متماثل وإن اختلفت الذوات، فما ثبت لوجود بعضها ثبت للآخر كما هو شأن المتماثلين.
والجواب: أنا لانسلم أن وجود الممكنات أمراً زائداً على وجودها، وسيأتي إبطال ما تمسكوا به، سلمنا فلا نسلم المماثلة إذ وجوده تعالى ليس زمانياً، بل هو كما قال علي عليه السلام في ذكر صفاته تعالى: (الأول الذي لم يكن له قبل فيكون شيء قبله، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شيء بعده). رواه في النهج.
وقال ابن أبي الحديد رحمه الله: وإنما لم يكن وجوده تعالى زمانياً لأنه لا يقبل الحركة، والزمان من لواحق الحركة، ومما يدل على عدم المماثلة أنه تعالى موجود لا في مكان ولا بمشاهدة، وأنه قديم لا موجود بعد عدم كما قال علي عليه السلام : (الحمد لله الكائن لا عن حدث، الموجود لا عن عدم)، وقال علي عليه السلام : (ليس لذاته تكييف، ولا لصفاته تجنيس). ذكره في الدرة اليتيمة، وهو نص في نفي المماثلة في الذات والصفات.
ثم إن إثبات المماثلة مذهب حادث لم يرد به دليل؛ إذ لا يخلو إما أن يثبتوه بالسمع فأين هو، أو بالعقل فإما أن يكون عن التفكر في ذات الله، أو عن التفكر في غيرها، أو في التفكر لا في ذاته ولا في غيرها، إن كان الأول فهو محرم إذ من تفكر في الذات ألحد، وإن كان الثاني فلا يفيد؛ إذ التفكر في غيره لا يدل على كيفية استحقاقه لصفاته، وإن كان الثالث فهو تفكر لا في شيء.
الحجة الخامسة: اتفاق الناس على القول بأن ذات الباري تعالى واجبة الوجود، ولو كان الوجود هو الذات لكان بمنزلة قولهم: أن ذات الباري واجبة الذات.
والجواب: أنه قد ثبت أنه يصح إطلاق موجود علىالله تعالى، وثبت أن وجوده تعالى مخالف لوجود غيره، ومن جملة ما وقعت فيه المخالفة الوجوب والجواز في الوجود، فإذا أردنا التعبير عن هذا قلنا: إن ذاته تعالى واجبة الوجود من غير نظر إلى كون الوجود هو الذات، وإن كان هو هي في المعنى، والتوصل بالعبارات إلى المعاني المقصودة لا مشاححة فيها، وأيضاً فإن أهل العربية يمنعون إضافة الشيء إلى نفسه وعطف الشيء على نفسه، فإذا وقعت المغايرة اللفظية جوزوا ذلك، فكذلك هنا فإنه يجوز مع اختلاف اللفظين التعبير بقولنا: أن ذات الباري واجبة الوجود، ولا يحسن أن نجعل الذات موضع الوجود لما فيه من التكرير المستهجن. والله اعلم.
الحجة السادسة: وهي أول الحجج العامة والخاصة بالمحدثات، وتحريرها أنه يمكننا أن نعقل ماهية الجسم والعرض حال مانشك في وجوده، والمعلوم غير المشكوك فيه، فوجوده زائد على ماهيته.
الجواب: إن أرتم بقولكم أنا نعقل ماهية الجسم... إلخ أنا نعلمها أي نتصورها، فلا نسلم مكان تصورها مع الشك في وجودها؛ إذ التصور أحد قسمي العلم، ومعناه أنه يحصل في ذهن الإنسان صورة مطابقة لما في الخارج.
قال (القرشي): ومنه قولهم: تصورت هذا الشيء أي علمت صورته، ثم إن التصور إما ضروري كالعلم بزيد، وإما نظري كالعلم بما هية العالم ونحوه مما لا يعلم إلا بالحد، إن كان الأول فتصور زيد أي العلم به مع الشك في وجوده محال، وأما الثاني فطرقه ثلاث: وهي الحد إن كان المطلوب العلم بالماهية مفصلاً، والرسم إن كان المطلوب مجرد تمييزها عن غيرها، والشرح وهو الحد اللفظي إن كان المطلوب العلم بها مجملاً، وكل هذه الطرق يمتنمع العلم بما أوصلت إليه مع الشك في وجوده، وإن أردتم بالتعقل معنى غير التصور كالتوهم والتخيل، فلا نسلم انفكاكها عن الصفة الوجودية بمعنى أنا لانتصورها إلا بصورة الموجود؛ إذ يستحيل تعقل الذات خالية عن صفتها الوجودية كما يستحيل تعقل الصفة خالية عن الموصوف، وإن أردتم أنه يمكن كون تلك الصورة موجودة في الخارج وكونها معدومة، فهو راجع إلى انتفاء الماهية وثبوتها لا إلى انتفاء صفة زائدة أو ثبوتها، فيبطل مطلوبكم ويصح قولنا، مع أنه لو كان تعقل الماهية يدل على أن الوجود أمر زائد للزم في العدم أن يكون مثله؛ لأنا نتعقل الماهية ونشك في عدمها.
الحجة السابعة: أن الموجودات اشتركت في الوجود واختلفت في الماهيات، فمنها جسم، ومنها عرض، ومنها أسود، ومنها أبيض وغير ذلك، فلا بد أن يكون ما اشتركت فيه غير ما اختلفت فيه، فيلزم أن يكون وجودها مغايراً لماهيتها.
وأجيب: بأنه يلزمكم على هذا أن يكون كون الذات ذاتاً أمراً زائداً على ماهيتها والمعلوم خلافه، وبيان اللزوم أن الذوات اشتركت في كونها ذواتاً ثم افترقت في الماهيات، فلا بد فيما اشتركت فيه وهو كونها ذواتاً أن تكون زائداً على ما اختلفت فيه وهو الماهيات، وإلا كانت مشتركة مختلفة من وجه واحد، فلما كان اشتراكها في الذاتية لا يقتضي أن يكون كون الذات ذاتاً أمراً زائداً، كذلك الاشتراك في الوجود لا يقتضي كونه أمراً زائداً إذ لا فارق.
الحجة الثامنة: أن الموجودات منقسمة إلى واجب الوجود، وإلى جائز الوجود، فمورد القسمة لا بد أن يكون مشتركاً بين المنقسمات، فيكون المشترك أمراً زائداً على المنقسم، فيلزم أن يكون الوجود الذي هو مورد القسمة أمراً زائداً على المنقسمات.
وأجيب: بأنه معارض بالذات فإنها تنقسم إلى جوهر وعرض، فمورد القسمة هي الذات، فيلزم أن يكون أمراً زائداً على الجوهر والعرض، والمعلوم خلافه.
الحجة التاسعة: أن السواد يضاد البياض وإنما يتنافيان بشرط الحلول في محل واحد والحلول كيفية في الوجود، فلا بد أن يكون الوجود زائداً على الماهية، وإلا كان تضادهما لمجرد ماهيتهما فلا يصح وجودهما في محلين، والمعلوم خلافه.
وأجيب: بأنا لا نسلم أن الحلول كيفية في أمر زائد على الماهية، فما المانع من أن تكون هذه الكيفية التي هي الحلول مزيداً للماهية غير الوجود، والوجود نفس الماهية، ويكون التضاد مشروطاً بحصول تلك الكيفية التي هي الحلول في محل واحد.
الحجة العاشرة: أنا ندرك بالبديهة الفرق بين قولنا: الجوهر جوهر، وبين قولنا: الجوهر موجود، فلو كان قولنا: إنه موجود بمنزلة قولنا: إنه جوهر لنزل أحد القولين منزلة الآخر، والمعلوم خلافه.
والجواب: أنه قد تقدم لهم نظير هذا فيما يختص بالباري، وتقدم الجواب عنه، وأنه توصل إلى المعنى بالعبارة، ثم إنه يلزمهم مثله في قولنا: الجوهر معدوم؛ إذ لا فرق، فلما لم يدل هنا على أن العدم أمر زائد كذلك فيما نحن فيه.
الحجة الحادية عشرة: أنه قد ثبت وجوب ثبوت ذوات العالم في الأزل ليصح تعلق العلم والقدرة بها، فلزم أن يكون تأثير الباري تعالى في أمر زائد على ماهياتها وهو الوجود.
والجواب: أن هذه الحجة مبنية على أصل فاسد وهو ثبوت ذوات العالم في الأزل، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله، وإذا بطل الأصل بطل ما ترتب عليه.
وللفلاسفة تفصيل وهو: أن وجود الممكنات أمر زائد، ووجود واجب الوجود نفس ماهيته لاستحالة تكثره، وفي حكاية للإمام المهدي عليه السلام لكلام الرازي ما يدل على أنه متوقف لأنه حكى عنه أنه في النهاية تارة يوافق أهل القول الأول، وتارة يوافق أهل القول الثاني، وتارة يقوي القول الأول، وتارة الثاني، وتارة الثالث، فلم يستقر له مذهب.
قال عليه السلام : والأقرب أنه متوقف كتوقفه في إثبات الذوات في العدم فإنه قال: إنها من مجازات العقول.
فهذه جملة أقوال الناس في المسألة وأدلتهم، ولقائل أن يقول: إن جميع ما أوردوه من التكلف والتعمق فيما لم يكلفوا البحث عن كنهه، وكان يكفيهم الإقرار بجملة ماجهلوا تفسيره في حق الشاهد والغائب كما هو شأن الراسخين في العلم، سيما في حق الباري تعالى إذ لا هداية للعقول إلى معرفة كنه صفاته تعالى، كما لا هداية لها إلى معرفة كنه ذاته سبحانه وتعالى.
قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تقع الأوهام له على صفة، ولا تعقد القلوب منه على كيفية.
وقال عليه السلام : (هو القادر الذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته، وحاول الفكر المبرأ خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته، وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته، وغمضت مداخل العقول في حيث لاتبلغه الصفات لتناول علم ذاته ردعها فهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه فرجعت إذ جبهت معترفة بأنه لاينال بجور الاعتساف كنه معرفته، ولا تخطر ببال أولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته).