تلاميذه
وله عدد من التلاميذ لا نستطيع حصرهم، وإنما نذكربعضهم معتذرين مقدماً لمن لم يذكر اسمه، منهم: أولاده الأعلام يحيى ومحمد، وإبراهيم وحسين وعبد الرحمن، والسيد العلامة محمد بن حسين شريف، والسيد العلامة أحمد حسن الحوثي، والسيد العلامة أحمد بن محمد شمس الدين وأخوه إبراهيم بن محمد شمس الدين وولده العلامة قاسم إبراهيم، والسيد العلامة حسن قاسم الحوثي وأخوه العلامة أحمد قاسم الحوثي، والسيد العلامة محمد حسن العجري، والسيد العلامة عبداللطيف علي قاسم شرويد، والسيد العلامة علي عبدالله حوريه وأخوه السيد العلامة درهم عبدالله حوريه، والسيد العلامة عبدالله بن عبدالله بن عبدالله العنثري، والسيد العلامة عبدالكريم محمد العجري وولده العلامة أحمد عبدالكريم العجري، والسيد العلامة حسن بن عز الدين عدلان، والسيد العلامة إسماعيل عبد الكريم شرف الدين، والقاضي العلامة عبدالله أحمد جعفر، والقاضي العلامة أحمد أبو دجانة... وغير هؤلاء كثير جداً.
مؤلفاته وتراثه الخالد
خلف لنا تراثاً عظيماً خالداً لا زال العلماء يغترفون منه، وينهلون من معينه الصافي، ومن قرأ مؤلفاته وجد نفسه عاجزاً عن التعبير عنها؛ لما يجده فيها من التحقيق والتدقيق والاستنباط والتخريج، وإمعان النظر في كثير من المسائل التي احتار فيها الكثير، وله مع علماء عصره مباحثات عديدة دلّت على رسوخه، وسعة إطّلاعه، ووقفوا منه موقف إعجاب وإجلال واحترام، ومن أهم مؤلفاته:
1- (مفتاح السعادة الجامع للمهم من مسائل الاعتقاد والمعاملات والعبادة) تفسير موسوعي يقع في ثلاثة مجلدات ضخمة أتى فيه بعلوم غزيرة، وأنظار سديدة كثيرة، ويعتبر موسوعة علمية رائعة حوت فنوناً كثيرة، قرآن وعلومه، وحديث ومصطلحه، وفقه وأصوله، وعقيدة وقواعدها، وهو الذي بين يديك.
2- (المقاصد الصالحة في الفتاوى الواضحة) جمع فيه أهم المسائل الواردة عليه، وضمنه فوائد عديدة، واجتهادات فريدة، وقد اعتنى بتنسيقه وترتيبه ولده السيد العلامة محمد بن علي العجري حفظه الله، وطبع سنة 1991م، وصدر عن دار الحكمة اليمانية.
3- (مختصر في ذكر رجال الزيدية)، وصل فيه إلى حرف العين، سنعمل على إتمامه، وتحقيقه إن شاء الله تعالى.
4- (الأنظار السديدة في الفوائد المفيدة) عبارة عن مذكرات في مسائل متعددة، وأبحاث متنوعة قال في مقدمته: (فإنه مع المطالعة في الكتب الدينية الكلامية والفقهية قد يسمح النظر بتحصيل فائدة، وتقرير قاعدة، وتقييد شاردة، خلا أنها لم تكن مجموعة في كتاب واحد، فرأيت جمعها لحفظها وتقريبها).
5- (السلسلة الذهبية في الآداب الدينية) جمع فيه كثيراً من مواضيع الآداب والأخلاق بطريقة فريدة؛ حيث يذكر الموضوع ويذكر ما يناسبه من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأخبار العلوية، ويعلق على ذلك، وانفرد بذكر الأحاديث مسندة، مع ذكر مصدرها، لكي لا يتساهل بذلك المطلع، فيقول هذا من أحاديث الترغيب والترهيب التي يتساهل في قبولها، حيث قال: وربما أدى عدم ذكر الإسناد إلى التهاون بما دلّت عليه هذه الآثار من الإرشاد، فقد يقول القائل: هذا مثل غيره من أحاديث الفضائل، وحيث كان الحديث مروياً في أمهات متعددة من هذه الأمهات مع استواء الأسانيد في الصحة، فإني أكتفي منها بطريق، وأنبه على روايته في سائرها بعد تمام الحديث) (طبع بتحقيقنا).
6- (منهل السعادة في ذكر شيء مما كان عليه صفوة السادة من الزهد والورع والعبادة) كتاب وحيد في بابه، قال رحمه الله في مقدمته: (فهذا أنموذج خطير في بعض عبادات أهل التطهير، فلعل الناظر إليها يهتدي بهديهم، وبأقوالهم وأفعالهم {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ }[ الأنعام:90]. طبع بتحقيقنا.
7- (رضاء الرحمن في الذكر والدعاء وتلاوة القرآن)، اسمه يدل على فضله وأهميته، وهو من الكتب الهامة التي يحتاجها المؤمن لإحياء نفسه حياة الذاكرين الله كثيراً والذاكرات. تحت الطبع بتحقيقنا.
8- (مختصر البرق اللموع) للجنداري في مسائل العقيدة، اختصره وأضاف إليه فوائد يحتاجها الطالب، ولا يستغني عنها الرائد، المسمى (المنتزع المختار فيما يتعلق بالاعتقادات من الأحاديث والآثار). طبع بتحقيقنا.
9- (السعي المشكور المتنزع من الدر المنثور).
10- (بلوغ الأمل فيما ينجي من الخطأ والزلل) (خ).
11- (الجامع المفيد المنتزع من شرح القاضي زيد) (خ).
12- (المنهل الصافي المنتزع من الجامع الكافي) (خ).
13- (مجموع منتزع من عدة كتب كأمالي الإمام أحمد بن عيسى وأحكام الإمام الهادي عليه السلام ).
14- (الدعاء المأثور) (خ) اختصره من الوسائل العظمى وغير ذلك من الأبحاث المختصرة في مواضيع متعددة.
دوره الإصلاحي
وإلى جانب هذا التراث العظيم الخالد، قام بحل كثير من المشاكل العالقة بين القبائل، وعمل على إصلاح شأنهم على كل الأصعدة، وحل لهم الاشكالات المتعلقة بالأراضي وصبائبها المختلفة.
وله عدد من القضايا التي عمل على حلها وإصلاحها، والحكم فيها لولا خشية التطويل لذكرناها مفصلة، وأما مساعيه في الصدقات الجارية فقد تم بناء جامعين تحت إشرافه الأول في بلاد آل الربيع بمنطقة القصر جوار هجرة مدران بجماعة، والثاني جامع النور بضحيان.
ثناء العلماء عليه
قال السيد العلامة محمد بن محمد المنصو ر:
(رئيس علماء اليمن، وشيخ العلماء المجتهدين في اليمن، الوالد علي بن محمد العجري رضوان الله وسلامه يغشاه ورحمته وبركاته، كان آية من آيات الله في سعة علمه وحفظه وفطنته، وذكراه تذكر بقول بعض السلف من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، انتهى العلم إلى ثلاثة: واحد بالشام، وواحد بالعراق، وواحد بالمدينة، فالذي في الشام يسأل الذي في العراق ـ والمراد فيما يشكل عليه ـ والذي في العراق يسأل الذي في المدينة، والذي في المدينة لا يسأل أحداً، والمراد بهذا الإمام علي كرم الله وجهه، وهذا التقييم من الصحابة للثلاثة يؤكد معنى الحديث الشريف: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها ..)) الخ.
وهكذا كان الوالد علي العجري إذا حضر مجلسه العلماء فكل ينتظر كلامه ورأيه وإفادته، وهو لا ينتظر من أحد رأياً ولا استفادة، وقد ألف رسائل ومؤلفات قيمة، وأقلام العلماء الهادية تعادل قطرات دماء الشهداء، اللهم ارفعه إلى عليين، وألحقه بالأنبياء والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً).
ويضيف العلامة المنصور قائلاً: (وقد غص جامع ضحيان بالمصلين عليه بحيث كانوا آلافاًً، وقد بادرت بسرعة إلى شفير القبر لأتمكن من الحثيات على قبره، فلولا الشباب الأقوياء رفعوني ورفعوا الأخ حمود المؤيد وتناولونا من فوق الرؤوس لاندفنا، وكان وهو حبيس منزله للعلة ترد عليه الفتاوى من جميع نواحي بلاد الشام، فيجب عليها وهو مستلق، ويشبع الجواب بأقوال الخلاف وعلماءه ويرجح وجميع البلاد في مدينة أبهى يقولون بلسان الحال: فإن القول ما قالت حذام، وقد أقبلت وفود قبائل الشام تتوافد للعزاء نحو نصف شهر، ويذبحون الذبائح للوافدين ليلاً ونهاراً، فسبحان من رفع منزلته في دنياه إلى مستوى لم يبلغه علامة من اليمنيين).
وقال القاضي العلامة محمد أحمد الجرافي (مفتي اليمن):
(العلامة علي العجري ـ رحمه الله ـ هو العالم الفاضل المحقق المجتهد المتفق على جلالته وقدرته وكفاءته في القضاء والفتوى، وأنا إن لم يتسن لي معرفته شخصياً بل ولا معرفة منطقة إقامته فقد اطلعت على كثير من أحكامه، إذ كنت في المحكمة العليا، فكانت موضع إعجابي وتقديري، فقرأت فتاواه أو أكثرها عندما تفضل بعض الإخوان الأكارم بإهدائها لي فوجدتها تدل على علم واسع وقدرة على الإستنباط والإستدلال والشجاعة على الترجيح وإعلان الآراء القيمة المستقلة، ووصفه لي بعض الفضلاء الأعلام الذين تمكنوا من زيارته مراراً وتكراراً، أنهم وجدوا عنده من حسن الخلق ولطف الطبع وشرف النفس وتواضعها وزهدها ما به يعتبر حسن الزمان وزينة الأيام، فرحم الله مثواه، ورفع درجته في أعلى عليين، وجعل في نسله من يلحق به علماً وعملاً، وفي عالم الفقه والفضل من يقتدي به وينتهج منهجه).
وقال القاضي العلامة محمد يحيى الشهاري (رئيس محكمة استئناف محافظة ذمار):
(إن الفقيد رحمه الله كان موسوعة علمية، وكان مثالاًً للزهد والتقى والورع والخلق، وكان لسانه لا يفتر عن ذكر الله، وقلما أن يجود الزمان بمثله، ومؤلفاته تغني عن التعريف به، ولقد زرته قبل موته لألقي عليه بعض المسائل الخلافية، فوجدت لديه ما يشبع الفؤاد والضمير من الشرح الوافي، واستنباط الأدلة، وعدت من لديه وكنت لا أحب مفارقته؛ لأن أوقاته كلها مليئة بالمذاكرة والإفادة والإجابات على الفتاوى التي ترد إليه من داخل اليمن وخارجها، فهو مرجع من المراجع العلمية، وأعتقد أن الزمان لا يأتي بمثله، كانت وفاته خسارة على الناس جميعاً ـ فرحمة الله عليه حياً وميتاً).
مرضه ووفاته وموضع قبره
وبالرغم من الأمراض المتتابعة على هذا السيد الجليل، فإنه لم يتوان عن ممارسة حياته العلمية والروحية من الإفتاء والتأليف والتدريس، واستقبال من يقصده، وحاول جاهداً ملازمة أوراده وأدعيته التي كان يمارسها قبل مرضه.
وأما عن كيفية مرضه فلنترك الحديث لولده العلامة يحيى علي العجري، حيث قال متحدثاً عن والده: (فقد ابتلاه الله سبحانه ببلاوي كثيرة، واعتورته أمراض منهكة أقعدته مدة خمس سنوات مضطجعاً، لا يستطيع أن يتحول عن موضع اضطجاعه إلا بمعونة غيره، صابراً راضياً محتسباً مفوضاً أمره إلى خالقه، ومع هذه الحالة وطول المدة، وما حل به من الضعف والوهن، فهو لم يفتر عن وظائف عبادته وأذكاره، على حسب عادته، يؤدي فريضة الصلاة في جماعة مع أحد أولاده وأحفاده، الذين كانوا يتناوبون الحضور للصلاة معه عند حلول وقتها في كل يوم، مع ما كان يتحمل من المشاق العظيمة في نشر العلم وإحياء معالم الدين، وإرشاد الناس، وإفتاء المسلمين والسعي في إصلاح ذات البين.
وفي اليوم الثاني من شهر رجب عام 1407هـ اشتكى وجع الصداع، واستمر فيه ثلاثة أيام وتعقّبه فهاق متتابع، وفي بعض الأوقات يعرض له حمى شديدة، واستمر المرض سبعة عشر يوماً، وفي ليلة الخميس التاسع عشر من الشهر أفهمنا بأن المرض قد خف، إلا إنه اشتكى الضعف والوهن، ولكنه بما أودع الله من نور العلم في قلبه عرف أن الدّعوة الربّانية قد وافته، فأدى فريضتي المغرب والعشاء في جماعة بالوضوء الشرعي، ثم رمز إلى حفيده والذي كان يأنس به في حياته، ويعتمد عليه في أكثر أموره، الولد العلامة التقي أحمد بن يحيى العجري حفظه الله، أن يقرأ سورة (يس) عند رأسه، ويرفع بها صوته لما ورد في قراءتها من الآثار، فما لبث بعد أن تمت التلاوة إلاَّ قدر ساعة، ثم فاضت نفسه المطمئنة الزكية راجعة إلى ربها راضية مرضية بدون نزاع ولا حشرجة، وإنما استلت روحه الطاهرة بنهزة خفيفة تشبه التنحنح في قدر دقيقتين، والتحقت بالرفيق الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً.
سلام الله ورحمته ورضوانه على تلك الروح الطاهرة.
ومن عجيب ما اتفق وتحقق وقوعه وصدق مقالته، التي كان يكررها قبل وفاته بأعوام وفي مدة مرضه، أنه متوقع لحادث عظيم في عام سبعة، وأي حادث أعظم من وفاته، وافتقاد قطب من أقطاب الإسلام، وجبل من جبال العلوم الراسخة، وعَلَم من أعلام الهداية الشامخة، وارث علوم آبائه الأخيار، ومحيي شريعة جده المختار صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأطهار.
إنها رزية وأي رزية، ولكن الله تعالى يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }[البقرة: 155،156].
فما من قلب من قلوب المؤمنين باليمن والعالم الإسلامي إلا وتأثر لموته، ولكن لسان حال الجميع يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولنتذكر مصيبتنا بالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وبأهل بيته المطهرين"، وقد دفن رحمة الله تعالى عليه بمقره ضحيان المعروفة، وقبره بها مشهور مزور، وقد رثاه مجموعة من العلماء والأدباء، نقتطف بعضاً من ذلك، قال السيد العلامة الحسن بن محمد الفيشي حفظه الله:
أتبكي معي فيما دها الدين والدنا .... وهدَّ قوى القاصين منا ومن دنا
وألبس ثوب الوجد شرعة أحمد .... وهدى ذويه الغرّ أقطاب ديننا
وزلزل عرش العلم بل هدَّ صرحه .... وقد كان في مجرى السماك تمكنا
وغير وجه الحق بعد انبلاجه .... وضيَّا على رغم الطواغيت بيِّنا
وقوض من نادى الفتاوى مُعَرَّساً .... تبناه من ننعى علاه ودونا
وغيّب عنا شمس حجة دهرنا .... علينا فيا بؤسى لشقوة حظنا
ومن كان سيفاً قاطعاً لعلائق .... سوالب للأرواح تنثال بيننا
ومن كان للإسلام شيخاً ورائداً .... يواكبه عدواً ومشياً ومنثنا
ومن هو روح الروح منا وصفونا .... وترياقنا من نفث سحار عصرنا
يجلّي غياهيب الظلام ويمتطى .... ذرى العاصفات الهوج عبر انشغابنا
يشنف بالمعروف سمعاً بمنطق .... يحف به لطف الفكاهة والجنا
ويصرخ بالإنكار إن ولعت به .... نفوس تَخَذْن الشر خلقاً وديدنا
فيخضع عاتي الغُلْب في جبروته .... ويقنع رأساً صاغراً متمسكنا
وكم ولكم شالت قضاة أشاوس .... على هامها طيبا به وتيمنا
أعود فنيل الحصر في شأو قدسه .... عسير وقد تلقى حديثي مبرهنا
سأبيكه ما دامت دراريه غضة .... بقلبي تدر الدمع حيناً ملوَّنا
ألا فابْك واستبك الدفاتر ما حوت .... ليحيى الإمام الحق مصدر يمننا