فرع [في الخلاف حول ترادف التسمية للمسمى]
اختلف القائلون بأن الاسم غير المسمى، هل التسمية مرادفة للاسم أم لا؟ فقال الرازي، وأبو حيان، والخازن، وابن القيم، وغيرهم وهو الظاهر من كلام الإمام عز الدين عليه السلام : التسمية غير المسمى وغير الاسم؛ لأنها عبارة عن تعيين اللفظ المعين لتعريف الذات المعينة، وذلك التعيين معناه قصد الواضع وإرادته، والاسم عبارة عن ذلك اللفظ المعين، فالفرق بينهما معلوم بالضرورة.
وقال السيد (مانكديم) و(القرشي) و(ابن جرير): لا فرق عند أهل اللغة بين الاسم والتسمية، ولهذا يقولون: سميته اسماً حسناً وتسمية حسنة.
قال (الإمام عز الدين) عليه السلام : وفيه نظر؛ لأن التسمية مصدر سمى فهي في الحقيقة وضع الاسم، وقد تستعمل في اللفظ الذي هو الاسم، وهو مراد الرازي بقوله: إن المعتزلة يذهبون إلى أن الاسم هو التسمية.
قال عليه السلام : ولعل مراد المصنف -يعني القرشي- أن الاسم هو التسمية بهذا المعنى لاعلى الإطلاق.
وذكر ابن جرير أن العرب قد تخرج مصادر الأفعال علىغير بناء أفعالها كثيراً، واستشهد له من كلامهم، وجعل منه لفظ اسم في بسم الله فإنه بمعنى تسمية الله أي أبدأ، أو أقرأ بتسمية الله، قال: فجعل الاسم مكان التسمية، كما جعل الكلام مكان التكليم، والعطاء مكان الإعطاء.
المسألة الثالثة: [أقسام الأسماء الواقعة على المسميات]
أقسام الاسماء الواقعة على المسميات من حيث هي تسعة:
أولها: الاسم الواقع على الذات.
ثانيها: الاسم الواقع على الشيء بحسب جزء من أجزائه كالحيوان على الإنسان.
ثالثها: الواقع عليه بحسب صفة حقيقية قائمة بذاته كالأسود والحار.
رابعها: الواقع عليه بحسب صفة إضافيه كقولنا للشيء: إنه معلوم، ومفهوم، ومالك، ومملوك.
خامسها: الواقع عليه بحسب صفة سلبية كالأعمى والفقير.
سادسها: الواقع عليه بحسب صفة حقيقية مع صفة إضافية كالعالم والقادر عند القائل بأن العلم صفة حقيقية ولها إضافة إلى المعلومات، وكذا القدرة.
سابعها: صفة حقيقية مع صفة سلبية كالمفهوم من مجموع قولنا: قادر لا يعجز عن شيء، وعالم لا يجهل شيئاً.
ثامنها: صفة إضافية مع صفة سلبية كالأول، فإن معناه سابق غير مسبوق.
تاسعها: صفة حقيقية مع صفة إضافية، وصفة سلبية، فهذه أقسام الاسماء لا تكاد تجد اسماً خارجاً عنها سواء كان لله تعالى أو لمخلوقاته. هكذا ذكره الرازي والنيسابوري، وجعلها الموفق بالله عليه السلام ثلاثة أقسام لا غير فقال: ما يجري من الأسامي إما أن يفيد تمييز نوع من نوع كقولنا: لون ولون، وإما أن يفيد تمييز جنس من جنس كقولنا: سواد وبياض، وإما أن يفيد تمييز قبيل من قبيل كقولنا: جوهر وعرض، وكأنه أراد بتمييز قبيل من قبيل بتميز ذات من ذات، وهذا التقسيم شامل للأقسام التسعة السابقة، وسيأتي بيان ما يجوز إجراؤه على الباري منها وما لا يجوز في مواضعه إن شاء الله تعالى.
المسألة الرابعة: [ما يجوز إجراؤه من الأسماء على الله تعالى]
اختلف المسلمون فيما يجوز إجراؤه على الله تعالى من الاسماء، مع إجماعهم على أنه لا يجوز أن يجري عليه تعالى إلا ما تضمن مدحاً لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى }[الأعراف:180]، فقال الجمهور: كل اسم أو صفة يفيد معنى على جهة الحقيقة وحصل ذلك المعنى في حق الله تعالى فإنه يجوز إطلاقه على الله تعالى وإن لم يرد إذن سمعي؛ إذ لا دليل على منع الحقيقة، ولأن الحقيقة اللفظ المستعمل فيما وضع له، فإذا صح معنى اللفظ صح إطلاقه عليه تعالى؛ إذ هو حقيقة فيه حينئذٍ، ويجب اطراد الحقيقة حيث لا مانع، وإلا أدى إلى المناقضة؛ لأنا إذا قلنا: لا يجوز إجراء اللفظ في الموضع الذي يفيده فقد ناقضنا كونه مفيداً له، ولا تنتفي المناقضة إلا إذا قلنا بإجراء اللفظ حيث صح المعنى، ولأن العبارة إذا لم يكن فيها وجه قبح ولا ضرر على أحد جوز العقل إجراءها كسائر ما أصله الإباحة، ولأن التفاهم بالألفاظ يتبع المواضعة، وإذا جاز للمتواضعين أن يضعوا اسماً يفيد التعظيم على مسميات من دون إذن جاز أن يطلقوا تلك الاسماء إذا أرادوا تعظيم الله وذكره لاحتياجهم إلى ذلك، مع أن الترك ونحوهم من الأعاجم يعبرون عن أسماء الله بلغتهم من دون نكير، والمعلوم أنه لم يرد شيء منها في القرآن ولا في السنة، وليس المقصود بالألفاظ إلا رعاية المعاني، فإذا صح المعنى كان المنع منه عبثاً واحتجوا من السمع بقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف:180 ]وذلك لأن الاسم لا يحسن إلا لدلالته على صفات المدح، فما دل عليها كان حسناً، فوجب جواز إطلاقه للآية، وجواز الإطلاق مشروط بأن لا يوهم الخطأ، فإن أوهم لم يجز إطلاقه على الباري تعالى إلا مع قيد يزيل ذلك ويرفعه بالكلية كوصفه تعالى بجيد؛ لأنه وإن كان المراد به فاعل الجود وهو سبحانه كذلك، لكن في وصفه بذلك إيهام قلة
جوده؛ لأنه لا يقال كذلك لمن كمل في الجود، بل يقال: هو جواد، وكالاسماء المشتركة بين معان بعضها يصح إطلاقه على الله تعالى، وبعضها لا يصح كالوجه واليد والقضاء والقدر ونحوها، فلا يطلق على الله شيء منها إلا مع قرينة حالية، أو مقالية ترفع الخطأ وتزيل الوهم، ويعرف بها قصد المعنى الصحيح.
قال الموفق بالله عليه السلام في (الإحاطة): اعلم أن الاسم إذا أفاد فائدة وصحت فيه جاز إجراؤه عليه تعالى إلا لمنع، وكذلك إذا أفاد فائدتين وجازتا فيه وصحتا، فأما إذا صح أحد المعنيين دون الآخر كقولنا إنه تعالى يضل ويقضي بالمعاصي فإنه إن لم يوهم جاز إجراؤه عليه تعالى، وإن كان فيه إيهام لبعض الحاضرين فلا يجوز، ألا ترى أنه تعالى يضل الكفار يوم القيامة عن طريق الجنة، ويقضي المعاصي بمعنى أنه يخبر عن كونها وحصولها، وهو دليل بمعنى أنه فاعل للدلالة.
وقال الإمام (المرتضى محمد بن الهادي) عليه السلام ، و(أبو القاسم البلخي) وأتباعه من البغداديين: لا يجوز إلا بإذن سمعي، وإن حصل المعنى، وهذا هو قول الأشعرية وأكثر فرق المجبرة؛ لأن أسماء الله عندهم توقيفية، فلا يطلق عليه إلا ما أطلقه على نفسه حتى لولم يرد السمع بوصفه بقادر ونحوه لم يجز إطلاقه عليه وإن صح المعنى، واحتجوا بأنا وجدنا العالم له أسماء كثيرة منها: المتيقن، والفقيه، والمتبين ونحوها، ومعلوم أنه لا يجوز وصف الله تعالى بأنه متيقن ونحوه، فلو كان إفادة المعنى مصححة للإطلاق لجاز إطلاق هذه الألفاظ عليه تعالى؛ إذ المعنى حاصل في حقه تعالى، وكذلك فإنا نصفه تعالى بقديم ولا نصفه بعتيق مع إفادتهما التقدم في الوجود، وأيضاً فإنا نصفه بأنه حكيم مع أنه مشتق من حكمة اللجام اللتي تمنع الدابة مما تريد، وهو مستحيل عليه المنع.
قالوا: فلما جاز إجراء ما يستحيل عليه معناه بالنظر إلى أصله وهو حكيم لم يصح إجراء ما صح معناه فيه، وهو قولنا عتيق دل على أن مسألة الاسماء إنما تجرى عليه لمكان الإذن منه تعالى، وأجيب بأن ما ذكرتموه مما قام الدليل على امتناعه عليه تعالى إما لعدم صحة المعنى، أو لدليل يمنع فيه خاصة، ونحن إنما قلنا بجواز الإطلاق مع عدم المانع، أما لفظ متيقن فإنما امتنع لأن اليقين هو العلم الحاصل عن كثرة الدلائل والأمارات وترادفها حتى حصل الجزم، وذلك مستحيل في حق الله تعالى، وأما الفقيه فلأن الفقه عبارة عن فهم الشيء بعد غموضه والله لا تخفى عليه خافية، وكذلك التبيين فإنه عبارة عن الظهور بعد الخفاء، وأما منع عتيق وجواز حكيم فقد بينا أنه يشترط في الإطلاق عدم المانع، وهنا قد انعقد الإجماع في حكيم أنه يجوز، وفي عتيق أنه ممتنع، على أنا لا نسلم صحة المعنى في عتيق؛ لأنه يفيد أن الزمان قد أثر فيه، ولذلك يقال: تمر عتيق لأن الزمان قد أثر فيه، ولا يقال في السماء أنها عتيقة إذ لم يؤثر فيها الزمان، فعلى هذا كان المنع لعدم صحة المعنى؛ إذ لا يؤثر الزمان في الباري تعالى شأنه وعز سلطانه، وأما حكيم فالمراد به أنه لا يفعل إلا الصواب والحكمة، أو لا يختار القبيح وإن كان في الأصل كما ذكرتم فالآن قد صار حقيقة فيما ذكر، ولذلك إذا أطلق فقيل: إنه تعالى حكيم، أو قيل: رجل حكيم لم يعقل المعنى الأصلي الذي هو المنع، وإنما يعقل أنما يصدر عنه حكمة وصواب، وهذا المعنى صحيح في الباري تعالى، بل واجب واللفظ حقيقة فيه، فصح وصفه بأنه حكيم، مع أنه يلزمهم أن يمتنع وصف الباري تعالى بما يحق له من أوصاف الكمال ممن عرفه بأدلة العقل ولم تبلغه الرسل والعقل يحكم بحسن ذلك ولا يمنع منه. ذكر هذا في الأساس، وفيه نظر لأنهم يلتزمون هذا إذ هو من محل النزاع، مع أنه مبني على جواز انفراد التكليف العقلي عن الشرعي وفيه نزاع، وإذا كانوا يلتزمونه أو يتنازعون
فيما بني عليه، فلا يصلح للرد عليهم به لأنه كرد مذهبهم من دون مستند، بل لأنه مذهبهم. والله أعلم.
وقال (الغزالي): يجوز إطلاق الصفات عليه تعالى وإن لم يرد بها إذن دون الاسماء فلا يجوز إلا بإذن؛ لأن وضع الاسم في حق الواحد منا سوء أدب وفي حق الباري تعالى أولى، وأما الصفات المختلفة فهي جائزة في حقنا، فكذلك في حق الباري تعالى.
ولقائل أن يقول: إنما يكون سوء أدب مع قيام المانع كتضمن الاسم القبح، أو حصول الضرر كما مر، ثم إنه يلزمه في الصفات مثله إذ لا فارق، فيجب إما توقفها على الإذن جميعاً، أو جوازهما جميعاً من دونه؛ إذ قد أبطلنا الفارق الذي أبداه مع أنه يلزمه عليه قبح وضع الآباء أسماء الأبناء وتركهم بلا أسماء حتى يبلغوا رشدهم، ولا قائل به، بل غالب وضع أسماء المسميات كلها من غيرها، بل لو قيل: إن الاسماء كلها بوضع غير المسمى في حق المخلوقات لم يبعد.
المسألة الخامسة: [لفظة الله سبحانه]
اختلف في لفظ الله: هل هو مشتق أم مرتجل؟ فقال الأكثر: هو مرتجل، ثم اختلفوا هل هو علم أم لا؟ فقال أئمتنا" وأكثر المعتزلة: إنه اسم بإزاء صفة ذات، وتلك الصفة هي صفات الكمال التي لأجلها يحق له العبادة، ومعنى أنه موضوع بإزائها أنه إذا أطلق تفهم تلك الصفات، قالوا: وليس بعلم لأن الأعلام لا تفيد أكثر من تميز مسمياتها، وظاهر كلام الإمام المهدي عليه السلام وما لخص به الإمام عز الدين عليه السلام مذهب الجمهور القائلين بأنه غير علم أنه في الأصل من أسماء الأجناس؛ لأن أصله الإله يطلق على كل معبود بحق أو باطل كالرجل والفرس لمن هو على الشكل المخصوص.
وقال (الزمخشري): الإله من أسماء الأجناس اسم يقع على كل معبود بحق أو باطل، ثم غلب على المعبود بحق كالنجم للثريا، والبيت للكعبة، وأما لله بحذف الهمزة فمختص بالمعبود بحق لم يطلق على غيره، وقال الرازي: المختار عندنا أن هذا اللفظ اسم علم لله تعالى، وهو قول الخليل وسيبويه، وقول أكثر الأصوليين والفقهاء، وحكاه في الأساس عن النحاة، واحتجوا بوجوه:
أحدها: أنه لو كان مشتقاً أو اسم جنس لكان معناه لا يمنع وقوع الشركة فيه بين كثيرين؛ لأن اللفظ المشتق لا يفيد إلا أنه شيء ما مبهم حصل له ذلك المشتق منه، وأما أسماء الأجناس فوقوع الشركة فيها ظاهر، ولو كان كذلك لم يكن لا إله إلا الله توحيداً؛ لأن بتقدير أن يكون لفظ الله مشتقاً أو اسم جنس يكون غير مانع من أن تدخل تحته أشخاص كثيرة، وحينئذ لا يكون قولنا: لاإله إلا الله توحيداً، ولما أجمع العقلاء على أن هذه الكلمة توحيد محضٌ علمنا أن قولنا: (الله) علم موضوع لتلك الذات المعينة، وأنها ليست من الألفاظ المشتقة ولا من أسماء الأجناس، وأيضاً لو لم يكن علماً لما صح الاستثناء إذ لا يسثنى الشيء من نفسه.
والجواب أنا قد بينا أن أسماء الأعلام لاتفيد المدح، وقد تقدم أنه لايطلق عليه من الاسماء إلا ما تضمن مدحاً فكيف يجوز إخراج اخص أسمائه تعالى عن تضمنه المدح، وأما قولهم إنه يلزم أن لا يكون لا إله إلا الله توحيداً، فإنما يلزم ذلك لو قلنا: بجواز إطلاق لفظ الجلالة على غيره تعالى ونحن لانقول به، إما لما ذكره الزمخشري من اختصاص الاسم الشريف بالباري وأنه لم يطلق على غيره، وإما لأنه قد صار بالغلبة اسماً له تعالى كالإله، والإجماع المذكور محمول على أحد هذين الأمرين.
وقال الإمام المهدي عليه السلام : لا نسلم أن عدم علميته يستلزم عدم التصريح بالتوحيد إلا إذا كانت لام التعريف التي في الله للجنس لا للعهد لكنها للعهد، وتعريف العهد جار مجرى العلمية لمنعه وقوع الشركة فيما دخل عليه، ونظير ذلك أن يكون بينك وبين مخاطبك عهد في رجل معين فتقول له لا رجل في الدار إلا الرجل تعني به المعهود، فإن ذلك يفيد التصريح باختصاصه بكونه في الدار كما يفيده قولك: لارجل في الدار إلا زيد سواءً سواء، فكذلك نقول: معنى لاإله إلا الله: لاحقيق بالعبادة إلا الإله المعهود بيننا وبين المشركين، فإنهم يعرفونه كما نعرفه.
قلت: وهذا يقوي ما قدمنا من أن ظاهر كلامه عليه السلام أن لفظ الله في الأصل اسم جنس، وأما قولهم: إنه لولم يكن علماً لما صح الاستثناء، فإنا نقول: إنه لما تضمن صفة مدح له تعالى وكانت تفهم منه كما تفهم منه الذات المسماة به صح استثناؤه مما ليس كذلك وهو لفظ إله، إذ لا يتضمن مدحاً قطعاً، فقد حصلت المغايرة بين المستثنى والمستثنى منه، كما يقال: لا سيف إلا ماقطع، ولا علم إلا ما نفع.
الوجه الثاني: أنك تصفه ولا تصف به لا تقول: شيء إله كما لا تقول شيء زيد، وتقول: الله واحد صمد، وذلك يدل على علميته، فإن قيل: أليس قد وقع صفة في قوله تعالى: {الْعَزِيزِ الْحَمِيد ِ ، اللَّهِ...}[إبراهيم:1،2] الآية.
قيل: أما على قراءة الرفع فالسؤال ساقط لأنه يكون مبتدأ فيخرج عن الوصفية، وأما على قراءة الجر فهو وارد على جهة البيان، ونظيره أن تقول: هذه الدار للعالم الفاضل زيد، فإن زيداً ليس بصفة هنا بلا إشكال، وإنما ورد بياناً لأن في قولك: العالم الفاضل اشتباه فذكر زيد بعده لرفع ذلك الاشتباه، ولا يخرج به زيد عن العلمية، فكذلك في الآية.
فإن قيل: ليست الآية نظيرة للمثال إذ لا اشتباه في أوصاف الله تعالى.
قيل: إن الله خاطب العرب بلغتهم، وفي لغتهم التوكيد، والتقرير، وتنزيل المقر منزلة المنكر، وغير ذلك.
فنقول: إن الله تعالى نزل المخاطبين بالآية منزلة من يشتبه عليه الأمر في نحو المثال المذكور فوصف نفسه بأنه عزيز حكيم، ثم بين وأكد بأن ذلكم العزيز الحكيم هو الله المتفرد بصفات الكمال المستحق للعبادة في جميع الأحوال، وفيه من التسجيل عليهم والتعريض بغباوتهم ما لا يخفى.
الوجه الثالث: قوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }[مريم:65 ]ومعناه أنه لا يقال لغيره: الله.
الوجه الرابع: أن صفاته تعالى لا بد لها من موصوف تجري عليه، فلو جعلت كلها صفات لبقيت صفات غير جارية على اسم موصوف بها، وذلك لا يجوز.
والجواب: أن هذه الوجوه كلها إنما تدل على الاسمية ومنع الوصفية، وأما دلالتها على خصوص العلمية فهي لاتقتضيه، فكيف وقد قام المانع من صحة وضع الأعلام عليه تعالى وهو عدم دلالتها على المدح كما مر، ومما يبطل كون هذا الاسم الشريف علماً اتفاق المسلمين على منع إجراء اللقب عليه تعالى والأعلام كالألقاب، وأيضاً لو كان علماً لم تدخل عليه الألف واللام، فإن دخولها على الأعلام نادر، وإنما تدخل فيما أصله صفة ثم صار علماً كالصعق ونحوه، وفيه نظر فإن القائل بعلميته يقول: إن الألف واللام لازمتان لا يجوز حذفهما منه.
قال (الخطابي): والدليل على أن الألف واللام من بنية هذا الاسم وأنهما لم يدخلا للتعريف دخول حرف النداء عليه، وحروف النداء لا تجتمع مع الألف واللام للتعريف، ثم إن لهم أن يقولوا: نحن نلتزم أنه صار علماً بالغلبة، وأن أصله إله بمعنى مألوه أي معبود، والألف واللام بدل من الهمزة، فهو من الاسماء التي صارت أعلاماً بغلبة استعمالها في شيء معين بعد أن كانت عامة في أشياء كثيرة؛ إذ قد كان عاماً في كل معبود بحق أو باطل، ثم اختص بالمعبود بحق كالصعق فإنه كان في الأصل صفة عامة لكل من أصابته الصاعقة، ثم اختص بمعين وهو خويلد بن نفيل، وكالنجم فإنه كان عاماً لكل نجم ثم اختص بالثرياء.
وأجيب: بأنه لا يصح ما ذكرتم إلا لو ثبت أنه لم يسم جل وعلا بهذا الاسم الشريف إلا وقت الشرك، وذلك مما لادليل عليه، والظاهر أنه اسم له تعالى قبل ذلك يدعوه به الملائكة وغيرهم ممن خلقه الله بإلهامه إياهم، وتعليمه لهم، ثم إنا لا نسلم أن أصله إله.
قال الإمام عز الدين عليه السلام : ذهب بعض أهل العربية إلى أن الإله ليس بأصل له، والمشهور عند جميعهم، والمنصوص عليه فيما بينهم أن الله والإله مختلفان في المعنى، أما الإله فمعناه من يحق له العبادة، ولهذا تسمي العرب الأصنام آلهة لاعتقاد الاستحقاق فيها، وأما الله فإنه لم يطلق في جاهلية ولا إسلام إلا على الله تعالى فهو علم للقديم.
قال ابن مالك: هو علم دال على الإله الحق دلالة جامعة لمعاني الاسماء الحسنى كلها ما علم منها وما لم يعلم. ذكره في المعراج.
وأما قولهم: إنه كالنجم ونحوه، فقال (أبو حيان): قد رد عليه بأنه ليس كالنجم؛ لأنه بعد الحذف والنقل أو الإدغام لم يطلق على كل إله، ثم غلب على المعبود بحق.
قلت: أراد أنه بعد التصرف فيه بما ذكر مختص بالباري تعالى، ولم يستعمل في غيره حتى يقال إنه صار علماً بالغلبة.