تنبيه [في إيضاح البلل الموجب للغسل]
المراد بالبلل الموجب للغسل المني لا مطلق البلل للنص على أن غير المني الدافق مع الشهوة لا يوجب الغسل، وقد صرح بذلك الهادي في الأحكام حيث قال: ولو رأى رجل في منامه أنه يجامع فاستيقظ فلمس فوجد رطوبة فنظر فوجد مذياً، وأيقن أنه لم ينزل من ذلك منياً لم يجب عليه الاغتسال.
فإن قلت: فما الحكم إذا التبس الخارج هل هو مني أم لا؟ قلت: قال محمد بن منصور: الاحتلام إذا كان فليس به خفاء له لزوجة ورائحة، والمذي لا رائحة له، ويفتر له الذكر، والودي: شيء يظهر على الذكر بعد البول، وفي الروض قال بعض العلما: ماء الرجل في حال الصحة أبيض ثخين يتدفق في خروجه دفعة بعد دفعة... إلى آخر ما ذكره، وهو يدل على أن المني يكون كثيراً فبكثرته يرتفع اللبس، وقد ذكروا له علامات أخر منها: الفتور، وكون رائحته كرائحة طلع النخل وهي قريبة من رائحة العجين، وقيل: إذا يبس كان ريحه كريح البول، وأقوى ما يعرف به عندي الكثرة مع اللزوجة.
الفرع السابع: في الشك في الصلاة وفيه صور:
الأولى: أن يشك في كمالها بعد الفراغ منها فهذا لا حكم له عند(م)بالله وأبي طالب، وهو أحد أقوال الشافعي، وهو المصحح للمذهب لمشقة الاحتراز، وفي المنار أن الذي في كتب الحنابلة أنه لا حكم للشك بعد الفراغ، ومثله في بدائع الفوائد، وفي قول (م) للشافعي أنه إن تطاول الزمان فلا حكم له وإلا فكالشك حالها، وفي (الجامع الكافي) عن محمد بن منصور أن عليه الإعادة، وفي شرح الأزهار عن أحمد بن يحيى الهادي عليه السلام مثله كما لو شك في فعل الصلاة جملة.

قلنا: يشق الاحتراز ولا يأمن الشك في الإعادة، وإعادة الإعادة، ولم يرد عن الشارع ما يدل على ما قالوه، مع أنه لم يترك شيئاً من معالم الدين إلا وقد دلنا عليه فلا نتكلف ما سكت لنا عنه، والتعبد مبني علىالتيسير ونفي الحرج: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }[الحج:78]، ولما تقدم من أن كثرة الوسوسة من الشيطان الرجيم فيجب اجتنابها.
الثانية: أن يشك حالها في ركعة فقال علي عليه السلام وأبو بكر، وعمر، وابن مسعود، وربيعة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وحكاه النووي عن الجمهور: يبني على الأقل مطلقاً لما روي عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع كانت ترغيماً للشيطان)). وفي لفظ له: ((إذا شك أحدكم في صلاته فليلق الشك وليبن على اليقين فإذا استيقن التمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة من النافلة والسجدتان وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماماً لصلاته وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان)).
وعن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إذا صلى أحدكم فلم يدر أصلى ثلاثاً أم أربعاً فليركع ركعة يحسن ركوعها وسجودها ثم يسجد سجدتين)).

وعن على عليه السلام : (في الرجل يهم في صلاته فلا يدري أصلى ثلاثاً أم أربعاً فليتم على الثلاث، فإن الله لا يعذب بما زاد من الصلاة). وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف، وعثمان، وعائشة، وأنس قالوا: وهذه الأدلة لم تفصل، وقال أبو حنيفة ومن وافقه من أهل الكوفة وغيرهم من أهل الرأي: بل يتحرى ويبني على غالب ظنه، ولا يلزم الاقتصار والإتيان بالزيادة، واختاره المقبلي، وقواه السياغي في الروض وفي شرح الأزهار، قال (م) بالله أخيراً وهو قول المنصور بالله: أنه يعمل بظنه مطلقاً، قال في الحواشي: واختاره الإمام القاسم في الاعتصام، واحتج له بحجج كثيرة، وقواه المفتي، قال في الشرح بعد قوله مطلقاً: من غير فرق بين الركعة والركن والمبتدئ والمبتلى، وما حكيناه عن أبي حنيفة ومن موافقة رواه النووي في شرح مسلم، ثم قال: واختلف هؤلاء، فقال أبو حنيفة ومالك في طائفة: هذا لمن اعتراه الشك مرة بعد أخرى، وأما غيره فيبني على اليقين، وقال آخرون: هو على عمومه لحديث ابن مسعود مرفوعاً: ((إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ويسجد سجدتين)). وفي لفظ: ((فلينظر أقرب ذلك إلى الصواب)).
وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إذا صلى أحدكم فلم يدر ثلاثاً صلى أم أربعاً فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب ويتمه ثم يسلم ثم يسجد سجدتي السهو ويتشهد ويسلم)).
وعن عبد الله أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((إذا كنت في صلاة فشككت في ثلاث أو أربع وأكثر ظنك على أربع تشهدت وسلمت وسجدت سجدتي السهو)).
وعن علي عليه السلام : (إذا كنت لا تدري أربعاً صليت أم ثلاثاً فتوخ الصواب ثم تم فاركع ركعة واسجد سجدتين فإن الله لا يعذب على الزيادة).

قالوا: ومعنى التحري غالب الظن، قالوا: وحديث أبي سعيد وما في معناه وارد في الشك وهو ما استوى طرفاه، فمن شك ولم يترجح له أحد الطرفين يبني على الأقل بالإجماع، أجاب الأولون عن ما احتج به هؤلاء بأن التحري هو القصد كما في قوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً }[الجن:14]، فمعنى الحديث: فليقصد الصواب فيعمل به، وقصد الصواب مبين في حديث أبي سعيد وغيره وهو أنه يبني على اليقين لما فيه من كمال الصلاة والاحتياط لها.
قالو: والتحري قد يكون بمعنى اليقين بدليل الآية، وأما تفسير الشك بما استوى طرفاه فمبني على اصطلاح الأصوليين، فأما في اللغة فالمتردد بين وجود الشيء وعدمه يسمى شكاً سواء المستوي والراجح والمرجوح، والحديث يحمل على اللغة ما لم تكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية، ورد بأنا لا نسلم أن التحري قد يكون بمعنى اليقين إذ لم يذكره في المختار، بل قال: التحري في الأشياء ونحوها طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن أي أجدر وأخلق.
وقال في الآية: أي توخوا واعملوا، وفيه أن التوخي التحري والقصد، فصح أن التحري غير اليقين، سلمنا فما تقدم من رواية: وأكثر ظنك، وقول علي عليه السلام : (فتوخ الصواب)، ونحوه من حديث ابن عمر موقوفاً يمنع من إخراج التحري عن ظاهره، وهو العمل بأقوى الأمارات في ظنه، مع ما يؤيد ذلك من أدلة وجوب العمل بالظن في سائر الأحكام، والعمل بأحاديث الباب كلها بخلاف القول الأول فإن فيه إخراج أحاديث التحري عن ظاهرها.

قلت: فإن لم يحصل له ظن، فقال المنصور بالله في المهذب: استأنف وإن كان ممن لا يمكنه التحري بنى على الأقل، وفي شرح الأزهار بعد أن حكى عنه وعن (م) بالله ما مر، فإن لم يحصل له ظن أعاد المبتدئ وبنى المبتلى على الأقل، قيل: الفقيه علي إلا أن يكون ممن يمكنه التحري ولم يحصل له ظن أعاد كالمبتدأ، وظاهره أنه حكاه عنهما وحجتهما تظهر مما سيأتي، وظاهر الأدلة أنه إذا لم يحصل الظن بنى على اليقين، ولعله قول من عداهما من القائلين بالتحري بلا فرق بين المبتلى والمبتدئ، إلا أن في الروض بعد أن حكى ما تقدم عن أبي حنيفة ومن وافقه ما لفظه: وهذا إذا كان يعتريه الشك مرة بعد أخرى، وإن كان ذلك أول ما سهى فعليه أن يستأنف الصلاة عندهم، وهو يخالف ما تقدم عن النووي إلا أن يحمل الاستئناف على البناء على اليقين، وحكى العراقي في شرح الترمذي عن ابن عمر وسعيد بن جبي،ر ومحمد بن الحنفية، وشريح، وميمون بن مهران، وعبد الكريم الجزري، والشعبي، والأوزاعي أنهم يقولون بوجوب الإعادة مرة بعد أخرى حتى يستيقن، ولم يرو عنهم الفرق بين المبتدئ والمبتلى لحديث عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن رجل سها في صلاته فلم يدر كم صلى فقال: ((ليعد صلاته وليسجد سجدتين قاعداً )). ورد بأن الحديث ضعيف لا يقوى على معارضة ما مر، قال في المنار: لا نسبة له إلى الأحاديث الصحيحة المذكورة أولاً، وليس بمعمول به لضعفه، وعلى فرض ثبوته فقد أراد بالإعادة الإتيان بما زاد على المتيقن، وإلا فكيف يستأنف صلاته ويسجد في الأخرى التي لا سهو فيها، واحتجوا أيضاً بحديث ميمونة بنت سعد قالت: افتنا يا رسول الله في رجل سها في صلاته فلا يدري كم صلى، قال: ((ينصرف ثم يقوم في صلاته حتى يعلم كم صلى فإنما ذلك الوسواس يعرض فيسهيه عن صلاته)).

ورد بضعف الحديث مع احتمال أن المراد بالانصراف والقيام الانصراف عن الوسوسة والدوام على الصلاة مع البناء على اليقين بدليل ما مر، وقوله: ((حتى يعلم كم صلى))، وقد ورد تفسير القيام بالدوام والوقوف.
قال في (المختار): أقام الشيء أدامه ومنه: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ }[البقرة:3]وفيه قامت الدابة: وقفت، فيحمل الحديث على أن المراد يدوم في صلاته ويقف فيها أي لا يخرج منها للوسوسة، وذهب أبو هريرة، والحسن البصري إلى أن الشاك يطرح الشك كأنه لم يكن، ويمضي على وهمه ولا يعتبر البناء على الأقل المتيقن، بل البناء على ما ذكره من حاله، وهذا أحد أقوال الشافعي، وحكاه في نيل الأطار عن طائفة من السلف، قال: وروي ذلك عن أنس، وأبي هريرة، واحتجوا بقوله تعالى: {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ }[محمد:33 ]وفي الاستئناف إبطالها، وبما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن الشيطان يدخل بين ابن آدم وبين نفسه فلا يدري كم صلى فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل أن يسلم)).
وعن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم )). وأجيب بأن المراد بالإبطال الإحباط سلمنا فالمراد إبطالها بغير دليل، مع أنه لا يرد إلا على من يقول بالاستئناف، وهو ضعيف لما مر، وأما القائلون بالعمل بالظن أو البناء على الأقل فلم يقولوا بإبطال العمل، غايته أنهم يقولون بالزيادة فيه والله لا يعذب على الزيادة، وأما الحديثان فليس فيهما أكثر من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بسجدتين عند السهو، وليس فيهما بيان ما يصنعه من وقع له ذلك، وسائر الأحاديث قد اشتملت على زيادة، وهي بيان ما هو الواجب عليه عند ذلك من غير السجود فالمصير إليها واجب، وإلا أبطلنا الصريح بالمحتمل.
وقال (الناصر والإمامية): إن شك في الأولتين استأنف إذ الشك في أولها كالشك في جملتها.

قال (الإمام المهدي): لا وجه للفرق، وفي الجامع الكافي قال الحسن بن يحيى: إذا شك في الركعتين الآخرتين بنى على الأقل، وإن شك في الأولتين استقبل الصلاة، وإن كثر به الشك بنى على الأقل حتى لا يكون في شك ويصلي على يقين، وإن كان الشك في الآخرتين، ولعله نظر إلى ما في بعض الروايات من قوله فلا يدري أصلى ثلاثاً أم أربعاً فقصر البناء على اليقين في الآخرتين، وأوجب الاستئناف، وإن كان الشك في الأولتين بسكوت الشارع عنهما مع ما ورد من الأمر بالمحافظة على الصلاة والإتيان بها كاملة، والأمر بالاستئناف مع الشك مطلقاً في بعص الأحاديث، وخص من كثر به الشك لتعسر اليقين في حقه؛ إذ لا يأمن الشك في الإعادة وإعادة الإعادة، لكنه يجاب بأن الأحاديث واردة على جهة التمثيل، مع أنه قد ورد التصريح باستواء الحكم في الأولتين والآخرتين، وذلك فيما رواه عبد الرحمن بن عوف قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلى أم اثنتين فليجعلها واحدة، وإذا لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثاً فليجعلها اثنتين، وإذا لم يدر ثلاثاً أم أربعاً فليجعلها ثلاثاً ثم يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس قبل أن يسلم سجدتين)). وفي رواية سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من صلى صلاة يشك في النقصان فليصلِّ حتى يشك في الزيادة )).
وقد روى الحسن بن يحيى عليه السلام عن علي عليه السلام فيمن سها في الصلاة يبني على الأقل فإن الله لا يعذب على الزيادة، وأما ما ورد من الأمر بالاستئناف فقد تقدم الكلام عليه، وقال ابن القيم: إن كان منفرداً بنى على اليقين إذا الأصل بقاء الصلاة في ذمته، وإن كان إماماً فعلى غالب ظنه؛ لأن المأموم ينبهه، فقد عارض الأصل هنا ظهور تنبيه المأموم على الصواب؛ إذ سكوتهم وإقرارهم دليل على الصواب.

قال: وهذا ظاهر المذهب عند أحمد وهو في التحقيق راجع إلى قول من اعتبر الظن، وحكى عن مالك أنه يبني على اليقين إلا أن يكون مبتلى بالشك فلا يلتفت إليه ويلهى عنه، فإن لم يمكنه أن يلهى عنه بنى على أنزل خواطره، ومثله ما تقدم عن القاسم بن إبراهيم عليه السلام في كلامه في الوسوسة، إلا أنه يقال: قد فرق النص بين الوضوء والصلاة، وجعل الزيادة في الصلاة نافلة مرغمة للشيطان، وقول مالك يبني على أنزل خواطره راجع إلى اعتبار الظن.
وفي (نيل الأوطار) عن عطاء ومالك أنهما قالا: يعيد مرة، وعن طاووس كذلك، وعن بعضهم يعيد ثلاث مرات، ولم يذكر لأحد منهم حجة، وحكى في البحر عن ابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعطاء، والأوزاعي، والشعبي، وشريح، وأبي طالب، وأبي حنيفة أن من شك حالها في ركعة وهو مبتدئ فعليه الإعادة لخبر عبادة وميمونة بنت سعد، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((دع ما يريبك )). ومن استقبلها فقد دفع الريب، وتيقن أنه أدى فرضه، وأجيب بما مر من ضعف الحديثين وتأويلهما، ومع هذا فهما أعم من الدعوى؛ إذ ظاهرهما عدم الفرق بين المبتدئ والمبتلى، والمدعي اختصاص الإعادة بالمبتدئ، وأما حديث: ((دع ما يريبك )) فقال في المنار: نقول بالموجب، والذي يريب الخروج من الصلاة وإبطال العمل بغير برهان، بل مع قيام الدليل الموجب لصيانة الصلاة بالبناء على المتيقن.

قلت: ومن بنى على الأقل فقد ترك ما يريبه لتيقنه التمام مع النص بأن الزيادة نافلة إن كانت لا يعذب الله عليها، وأما المبتلى الذي يمكنه التحري فحكى في البحر عن أبي هريرة، وابن عمر، وجابر بن زيد، والنخعي، وأبي طالب، وأبي حنيفة وهو المذهب أنه يعمل بتحريه لحديث ابن مسعود وما في معناه، قال أهل المذهب: فإن كان ممن يمكنه التحري ولم يفده في الحال ظناً استأنف؛ إذ صار كالمبتدئ لاشتراكهما في تعذر فرضهما من علم أوظن، وأما المبتلى الذي لا يمكنه التحري، فقال أهل المذهب: يبني على الأقل لحديث أبي سعيد وابن عوف ونحوهما، وقد اعترضهما الإمام عز الدين عليه السلام بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يلمح إلى الفرق بين المبتدئ والمبتلى، ولو كان ثمت فرق لما ألغاه فهو في محل التعليم، ومن المعلوم أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم ينقل عنه تنبيه على ذلك لا فيما رواه الفقهاء، ولا فيما رواه أصحابنا، بل ظاهر ما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم عدم الفرق، ولا موجب للعدول عن الظاهر، والناسي إذا بنى على الأقل فقد تيقن الخروج عن عهدة ما أمر به والإتيان بالركعات كاملات، ولم نقف في كتب الحديث إلا على هذا، وهو البناء على الأقل وعدم ذكر الاستئناف.
وقال المقبلي: ذكر المبتدئ والمبتلى من آرائهم ليس فيه شمه في الأحاديث، وكأنهم أرادوا الجمع بين الروايات وهي غير متنافية.
الصورة الثالثة: أن يشك في ركن فالمذهب أنه كالمبتلى عندهم في جميع مامر.
قال في (البحر): وإن لم يستأنف المبتدئ هنا لحقه حكم الركن، قال أبو طالب: إذ يكون غير مقصود بخلاف الركعة، وعلله الإمام يحيى بأن جزء الشيء لايساوي كله، وفي حواشي الشفاء أن حكم الركن حكم الركعة، يعني ولا فرق بين المبتدئ والمبتلى فبنى على الأقل مالم يحصل له ظن.
قلت: ويدل عليه عموم حديث: ((من صلى صلاة يشك في النقصان فليصل حتى يشك في الزيادة )) وما رواه الحسن بن يحيى عن علي عليه السلام .

وفي الشفاء عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر ثم يتم ثم يسجد سجدتي السهو)) فعم ولم يفصل، وفي شرح السيد صلاح بن أحمد -رحمه الله- وقال الناصر: يعمل بالظن إن حصل له من غير فرق بين الركعة والركن والمبتدئ والمبتلى، وإن لم يحصل بنى على الأقل، وقواه الإمام القاسم في الاعتصام، ثم استدل على ذلك بنحو ما تقدم للقائلين بالبناء على الأقل ما لم يحصل له ظن، وتكلم على حديث الاستئناف سنداً ودلالة.
قلت: وإطلاق هذه الرواية عن الناصر يخالف ماتقدم عنه، إلا أن يقال هذه مقيدة بتلك.

27 / 329
ع
En
A+
A-