وعن جعفر الصادق قال: خرج علي بن أبي طالب عليه السلام يعس العسكر ليلة الأحزاب فشعر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إلى أين يا أبا الحسن؟ فقال: خرجت حارساً لله ورسوله، فهما يتخاطبان إذ نزل عليه جبريل عليه السلام فقال: ((يا محمد إن الله عز وجل وتقدست أسماؤه يقرأ عليك السلام ويقول لك: قد أهديت إلى علي بن أبي طالب كلمات من كنوز عرشي لا يضره معها كيد شيطان، ولا سطوة سلطان، ولا سع حية ولا عقرب، ولا سبع ضار، ولا جبار عات، والكلمات: يا من ستر القبيح وأظهر الجميل ولا يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني أسألك أن تبلغني ما أؤمله من أمر ديني ودنياي وآخرتي وأن تدخلني في حمائك الذي لا يستباح وتحرسني بعينك التي لا تنام، وتكنفني بكنفك الذي لا يرام، وتدخلني في سلطانك الذي لا يضام وفي ذمتك التي لا تخفر عز، جارك ولا إله غيرك ولا معبود سواك صلى الله على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وعد على ديني بدنياي، وعلى آخرتي بتقواي، وذلله لي كما ذللت الرياح لسليمان بن داود، وكفه عن أذيتي، واطمس بصره عن مشاهدتي، وأبدلني من غله وداً، ومن حقده عفواً، ومن عداوته سلماً يا أرحم الراحمين)) العس: الطواف بالليل، والكنف: الإحاطة، والصيانة، والروم: الطلب، والذمة: الحرمة، ويطلق على الأمان وهو المراد هنا، والخفر: قد يراد به نقض العهد وهو المراد هنا، والمعنى أدخلني في أمانك الذي لا ينقض.
وعن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((الإشارة بالأصبع المسبحة في الصلاة وفي الدعاء مرضاة للرب ، ومقمعة للشيطان، وهي الإخلاص)).
وعن علي عليه السلام قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم : ((كلوا الرمان فليست حبة تقع في المعدة إلا أنارت القلب ، وأخرست الشيطان أربعين يوماً)).
وفي حديث معاذ مرفوعاً: ((فعليك بالصمت فبه تغلب الشيطان )).

وعن علي عليه السلام قيل: يا رسول الله ما الذي يباعد الشيطان منا؟ قال: ((الصوم يسود وجهه ويكسر ظهره والحب في الله والمواظبة على العمل الصالح يقطع دابره والاستغفار يقطع وتينه)).

خاتمة [وسوسى الشيطان وكيفية تجنبها]
ولما كان عظيم مداخل الشيطان وهمته هو الوسوسة في توحيد الباري وعدله الذي هو أصل الدين وعمدته، فإذا أيس من هذه الجهة انتقل إلى الوسوسة في الصلاة التي هي أم العبادات وأصلها، وفيما يتعلق بها من الوضوء ونحوه رأينا أن نختم المسألة بفائدتين فيما تستدفع به الوسوسة في هذين الأصلين.
الفائدة الأولى: في التوحيد ذكرها الإمام عز الدين عليه السلام في المعراج، وهي أنه يليق بكل ذي عقل وافر، وحلم راسخ من أهل الدين المستبين، والمعرفة الحقيقية واليقين عند أن يلقي إليه الشيطان- نعوذ بالله منه- الوسوسة ويبعثه على التفكر في ذات الباري جل وعلى ويقول له: كيف هذه الذات التي أراك تعبدها، وما حقيقتها وصورتها، ألاَّ يصغي إلى ذلك أذناً، ولا يصرف إليه قلباً، ولا يشتغل بما يلقي إليه من ذلك، فإن هذا الوسواس أعظم ما يتوصل به الشيطان إلى ضلال المكلف وكفره وإلحاده.
وقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن الشيطان -نعوذ بالله منه- يأتي أحدكم يقول: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله ؟ فمن وسوس له الشيطان بذلك فيقول: آمنت بالله وينظر في ملكوته ومصنوعاته)). وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم على ما روي كثير التكرار للإقرار بالله ووحدانيته وصفاته، والنظر في ملكوت الله الدالة على ذلك، وكان صلى الله عليه وآله وسلم كثيراً ما يأمر بالنظر فيها والنهي عن النظر في ذاته تعالى.
فقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أن قال: ((تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق فإنكم لن تقدروا قدره)). وقد سلك أمير المؤمنين كرم الله وجهه هذه المحجة في أقواله، فإن من كلامه عليه السلام في ذلك: (من تفكر في خلق الله وحَّد، ومن تفكر في الله ألحد).

وقال عليه السلام في خطبة الأشباح وهي مما ذكر في (نهج البلاغة) مخاطباً لرجل أتاه فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا ربنا مثلما نراه عياناً لنزداد له حباً وبه معرفة، فغضب عليه السلام ونادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس حتى غص المسجد بأهله، فصعد المنبر وهو مغضب(متغير اللون)، فحمد الله(وأثنى عليه) وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، واسترسل في الخطبة إلى أن قال: (فانظر أيها السائل، فما دلك القرآن عليه من صفته فأتم به واستظئ بنور هدايته، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه ولا في سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى أثره فكل علمه إلى الله تعالى، فإن ذلك منتهى حق الله عليك، واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخاً، فاقتصر على ذلك ولا تقدر عظمة الله على قدر عقلك، فتكون من الهالكين، هو القادر الذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته وحاول الفكر المبرأ من خطر الوساوس أن يقع عليه في عميقات ملكوته، وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته، وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتناول علم ذاته ردعها وهي تجوب في مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه فرجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته، ولا تخطر ببال أولي الرؤيات خاطرة من تقدير جلال عزته إلى أن قال عليه السلام : فصار كل ما خلق حجة له ودليلاً عليه وإن كان خلقاً صامتاً فحجته بالتدبير ناطقة، ودلالته على المبدع قائمة).
ومن كلامه عليه السلام : (إن الله تعالى لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء).

ومن كلامه عليه السلام : (لم تحط به الأوهام بل تجلى لها بها وبها امتنع عنها وإليها حاكمها). والأوهام هاهنا العقول، وقد تقدم تفسير كلامه هذا.
ومن كلام الإمام ترجمان الدين نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم عليه السلام : جعل الله في المكلفين شيئين وهما العقل والروح، وهما قوام الإنسان لدينه ودنياه، وقد حواهما جسمه وهو يعجز عن صفتهما وماهيتهما، فكيف يتعدى بجهله إلى عرفان ماهية الخالق الذي ليس كمثله شيء، ومن لم يعرف عقله، وروحه، والملائكة، والجن، والنجوم وهذه مدركة أو في حكمها، فكيف ترمي به نفسه المسكينة إلى عرفان القديم قبل كل موجود، والآخر بعد كل شيء، الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وهذا تصريح منه عليه السلام بعدم إمكان الوصول إلى معرفة الحقيقة وكنه الذات.
وعن بعض الصالحين أنه قال في الله تعالى: أُوَحِّدُهُ ولا أَحُدُهُ، وأؤمن به ولا أكيفه، وما خطر على قلبي فهو تعالى بخلافه.
وحكي عن الإمام الشافعي أنه قال: من انتهض لطلب مدبره فانتهى إلى موجود ينتهي إليه فكره فهو مشبه، وإن اطمأن إلى العدم الصرف فهو معطل، وإن اطمأن إلى موجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو مصدق.
قيل: وهو معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام :(العجز عن درك الإدراك إدراك، والبحث عن فحص كنه الذات إشراك).
وقال (الإمام عز الدين) عليه السلام : فهذه الفائدة تنطوي على كلام سيد البشر، وكلام وصيه الصديق الأكبر، وإمام التوحيد والعدل، وكلام غيرهما من أئمة الإسلام، فجدير بكل عاقل الاعتماد عليها، والرجوع في هذا الشأن إليها، نسأل الله تعالى أن يمدنا بمواد التوفيق، ويهدينا إلى سواء الطريق.
الفائدة الثانية: في دفع الوسوسة في الصلاة، وما يتعلق بها من الطهارة والنجاسة والوضوء ونحو ذلك، وقد روي أن للوضوء شيطاناً يقال له (الولهان) ولغيره من الأعمال شيطاناً يقال له (خنزب)، نعوذ بالله منهما.

وعن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثاً)) قال : ففعلت فأذهبه الله عني. خنزب -بخاء معجمة مفتوحة ثم نون ساكنة ثم زاي معجمة مفتوحة ثم باء بواحدة من أسفل-.
قال (أبو عمرو): وهو لقب له.
والكلام في تحقيق ما أشرنا إليه يتحصل في فروع:
الفرع الأول: إذا شك في الماء أو الثوب أو نحوه هل أصابته نجاسة أم لا؟ بنى على تيقن الطهارة، وإن تيقن نجاسته ثم شك هل زالت أم لا؟ بنى على يقين النجاسة استصحاباً للأصل حتى يرد ناقل، وهذا بناءً على أن الاستصحاب دليل، وفيه خلاف ويؤيده ظواهر الشرع كقوله تعالى: { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ }[الإسراء:36]، وتصرفات الشارع تدل على هذا.
وعن علي عليه السلام : (لا تجعلوا يقينكم شكاً، وعلمكم جهلاً) يعني به أن من حصل له اليقين بشيء والعلم به، فلا ينتقل عنه لما يعرض من الخواطر والوسوسة حتى يصيره كالمشكوك الذي تعارض فيه التجويزان.
وفي (شرح التجريد) ولا خلاف أن بالشك لا يصير الشيء نجساً، واختلف فيما إذا حصل له ظن بخلاف الأصل، فقال الحسن بن يحيى، وأحمد بن عيسى: لا يعمل بالظن لما مر وهو المصحح للمذهب، واستثنى في شرح القاضي زيد العمل بخبر الثقة وصحح للمذهب، قالوا: ولو لم يفد ظناً ما لم يظن الكذب، أو يعارضه خبر ثقة آخر لقيام الدليل على وجوب العمل بخبر العدل.
وقال (المؤيد بالله ) عليه السلام مذهباً وتخريجاً: بل يعمل بالظن المقارب للعلم، وهو بناء على كون الظن مناطاً شرعياً.
الفرع الثاني: إذا أحدث ثم شك هل توضأ أم لا؟ فإنه يلزمه الوضوء إجماعاً لما مر.

الفرع الثالث: أن الطهارة المتيقنة لا تبطل إلا بحدث متيقن، قال في (الشفاء): وهذا هو مذهب آبائنا القاسم بن إبراهيم وسبطه الهادي إلى الحق، وهو الظاهر عندي من قول الأئمة من أسباطهما " جميعاً، وهو قول أحمد بن عيسى ومحمد بن منصور، وفي (البحر)عن العترة والفريقين: ولا يبطل يقين الطهارة بالشك، وقال النووي: هذا مذهبنا، ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف لما رواه عباد بن تميم عن عمه قال: شكى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: ((لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً )).
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)).
قال (النووي): معناه يعلم وجود أحدهما، ولا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين، وفي الباب عن ابن عباس، وأبي سعيد، وعن عبد الله: ((إن الشيطان يطيف بأحدكم في الصلاة فإذا أعياه أن ينصرف نفخ في دبره ليريه أنه قد أحدث فلا ينصرفن حتى يجد ريحاً أو يسمع صوتاً)).
وعنه أيضاً: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم من العروق مجرى الدم حتى إنه يأتي أحدكم وهو في الصلاة فينفخ في دبره ويبل إحليله ثم يقول: أحدثت، فلا ينصرفن أحدكم حتى يجدن ريحاً أو يسمع صوتاً أو يجد بللاً)). ولما مر من الاستصحاب والظواهر.
وعن مالك أنه يلزمه الوضوء إن كان شكه خارج الصلاة، ولا يلزمه إن كان فيها، وعنه يلزمه بكل حال؛ إذ مع الشك لا يقطع بصحة الصلاة.

قلنا: بل يقطع لبقاء حكم اليقين لما مر، وقد دلت الأحاديث على وجوب نفي هذا الشك العارض إذ لم يرد صلى الله عليه وآله وسلم إلا الإعلام أن هذا من عمل الشيطان لعنه الله تعالى، فمن علم ذلك لم يشك، وليس فيها أنه يعمل مع الشك، ألا تراه في بعضها يقول: فليقل كذبت يعني يكذب الشيطان لعنه الله، ولا شك أن المؤمن إذا علم أن ذلك من الشيطان لعنه الله لم يتغير اعتقاده في الطهارة ولو لم يكن في هذا إلا مخالفة الدليل جزافاً؛ إذ الشاك والحال هذه عامل بغير دليل، والرواية الأولى عن مالك محكية عن الحسن البصري .
قال (النووي): وهو وجه شاذ محكي عن بعض أصحابنا وليس بشيء، وظاهر الأدلة أنه لافرق بين الشك والظن في عدم العمل بهما هنا، وهو قول القاسم، والهادي، وأبي العباس، وأبي طالب" وغيرهم؛ إذ لايعمل بالظن مع إمكان العلم لما مر، ولقوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }[النجم:28 ] ونحوها.
وقال (المؤيد بالله)، و(الإمام يحيى): بل يكفي الظن إذ أكثر الأحكام ظنية، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((وما حك في صدرك فدعه )).
قلنا: لا نسلم جواز العمل بالظن مع إمكان العلم، والحديث عام مخصوص بما مر، على أن الظاهر وروده فيما استوى فيه التجويزان لا فيما نحن فيه لما مر من أن مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الشك الطارئ من عمل الشيطان فلا يعمل به، كيف وفي بعض ألفاظ الحديث: ((حتى يستيقن حدثاً))، كما في (البحر).
وقال أهل المذهب: يعمل بخبر العدل لما مر وأجيب بما مر.
الفرع الرابع: قال أهل المذهب: ومن تيقن الحدث والطهارة وشك في السابق منهما توضأ رجوعاً إلى الأصل، وهذا أحد وجهي أصحاب الشافعي، واعترض بأن الطهارة كالناقلة فهلا حكم بتأخرها، وأجيب بأن الصلاة لا تؤدى إلا بطهارة متيقنة، ولا يقين في هذه الحال.
قلت: يعني لا يقين عارٍ عن معارض مثله.

الفرع الخامس: إذا شك في غسل عضوٍ قطعي، أو تيممه، أو مسحه، أو شك في تعميم بدنه وهو جنب لزمه تطهير ما شك فيه لما مر من وجوب العمل باليقين في الطهارة وغيرها، واختلف في العمل بالظن هنا، فقال أهل المذهب: لا يعمل به لما مر، وقال المؤيد بالله: بل يعمل به لما مر، واختاره المقبلي، قال: ولا فرق بين الظني والقطعي، ألا ترى أنه يكفي الظن في عدد الركعات كما نص عليه حديث ابن مسعود، بل الظن معمول به في كل شيء، ولم يجئ للشرع فرق إنما هذا الفرق من نظرهم، وليس بحجة سواء حصل له الظن أو الشك ببطلان الطهارة قبل الدخول في الصلاة، أو بعده قبل الفراغ منها لما مضى أنه لا يعمل إلا متصفاً بعلم أو ظن، وإن كان بعد الفراغ فلا عبرة بالشك، ولا بالظن ولو في الوقت؛ لأن العمل قد صح أولاً فيبقى على الصحة حتى ينقل عنها دليل كما ذكرنا في قول أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه في الجنة: (كانوا إخواننا بالأمس...) إلخ، هكذا في المنار.
قلت: وللمفرعين هنا تفصيل، ونحن نورده ونورد ما أوردوه من التعليل، ليكون الناظر على بصيرة، فنقول: قال أهل المذهب: إذا شك في غسل قطعي بعد الفراغ من الوضوء فكالشك قبله، وفرقوا بينه وبين الصلاة بأن الوساوس في الصلاة كثيرة، وبأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إذا شك أحدكم في صلاته ...)) الخبر، وقال في الوضوء: ((إن الشيطان يأتي أحدكم فينفخ بين إليتيه ...)) الخبر، فأشار إلى أنه لا يعمل فيه إلا باليقين.
قال (الإمام عز الدين) عليه السلام : هكذا ذكره أبو طالب في بعض تعاليقه وليس بالجلي، وأجلى منه ما ذكره في (البحر) وهو أن الشك بعد الفراغ من الوضوء كالشك قبله، لأن عدم كمال المقصود به كعدم كماله، وإلا دخل في الصلاة شاكاً في الوضوء.

قال عليه السلام : لكنه يرد عليه أنه إذا شك بعد الصلاة في الوضوء فلا حكم لشكه؛ لأن المقصود به قد حصل ففيه نظر، وقال الفقيه حسن وحكاه في (البحر) عن الإسفراييني: لا يضر الشك بعده كالصلاة، وأجيب بأنه وصله فكأنه لم يتم، فأما الشك فيه بعد الصلاة فقال الهادي، وأبو طالب ، وأبو العباس: إذا شك بعدها في غسل قطعي.
قال (الإمام المهدي) عليه السلام : أو ظن فعله أعاد كجملة الطهارة إلا للأيام الماضية لشدة الحرج، وقال(م) بالله: بل يعمل بظنه مطلقاً، وعنه إن كان مبتلى لتعذر القطع منه قال بعض العلماء: قياس الشك في غسل القطعي على جملة الطهارة صحيح، وكذا استثناء الأيام الماضية فيه صحيح، وأما حيث ظن فعله ففيه أن الإعادة حينئذٍ لا تستقيم إلا إذا قلنا: إن وجوب القضاء قطعي، فأما إن قلناه أنه ظني كما هو ظاهر كلامهم فالقياس أن لا تجب الإعادة إلا في الوقت، فأما إن حصل له ظن بترك القطع، فقال في البحر: أعاد مطلقاً، وأما الظني ففي الوقت لبقاء الخطاب، وكقبل الدخول فيها لا بعده عند القاسم، والهادي، والناصر، وأبي العباس، وأبي طالب، ومالك لخبر السرية، ولفوات شرط الأداء بعد فعلها كالحكم وكالوقوف بعرفة، وقال أبو يوسف والشافعي: بل يعيد كلو أخل بقطعي وكقبل خروجه، وأجيب بما مر من فوات شرط الأداء فإن شك في الظني أعاد للمستقبلة.
قال (أبو مضر:) لا للتي هو فيها إذ الإحرام للصلاة باجتهاد فلا ينقض بمثله، وقال أبو جعفر: بل ولها، وقال أبو الفضل الناصر: بل وللماضية، وأجيب بأن بعد التمام لا يقتضي الشك بقاء الخطاب، وقوى الإمام المهدي كلام أبي جعفر؛ لأن عدم كمالها كعدم كمال الوضوء.

25 / 329
ع
En
A+
A-