قلت: ولأن الصلاة كالعمل الواحد فالاستعاذة في أولها من شر ما يلقيه الشيطان من الوسوسة في القراءة وغيرها يتناول كل القراءة، وكل ذكر وفعل فيها، واحتج الرازي بأن الأصل هو العدم، وما لأجله أمرنا بالاستعاذة هو قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بالله }[النحل:98 ]وكلمة إذا لا تفيد العموم.
قلت: وهذا الاحتجاج ضعيف؛ لأن لابن سيرين أن يقول: إن هذا الأصل قد قام الدليل على خلافه، وقوله: وما لأجله أمرنا...إلخ، عبارة ركيكة، وأظنه أراد أن الأمر لا يدل على التكرار.
وأما قوله: إن إذا لا تدل على العموم، فمسلم لكنها تدل على طلب الاستعاذة عند كل قراءة كما هو شأن الشرط والجزاء، وقد اعترض الرازي بنفسه على هذه الحجة بأن ترتيب الحكم على الوصف المناسب يدل على العلية، فيلزم أن يتكرر الحكم بتكرر العلة، وأجيب بأن عدم فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتكرار كما تقدم، وتبعه على ذلك جماهير علماء الأمصار يدل على أحد أمرين: إما على عدم اعتبار ذلك الوصف، وإما على أن الصلاة عمل واحد كما مر، على أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم افتتاح الثانية بالقراءة كما في حديث أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا نهض في الركعة الثانية افتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت.
قال في (نيل الأوطار): وقد رجح صاحب الهدي الاقتصار على التعوذ في الأولى لهذا الحديث، واستدل لذلك بأدلة فليراجع.
المسألة السادسة [في الجهر والإسرار بالاستعاذة]
اختلف العلماء في الجهر به والإسرار، فقال الحاكم: عند علمائنا يخفيه، وهو قول الأكثر، وهو مذهب ابن مسعود وابن عمر، وهذا هو المصحح للمذهب إذ لم يؤثر الجهر به وإلا لنقل، وفي (البحر) عن الإمام يحيى للمذهب أنه تابع للصلاة.
وقال (أبو هريرة): وهو أحد قولي الشافعي يجهر به إذ كان صلى الله عليه وآله وسلم يجهر به وإلا لما سمع، وعن الشافعي هو مخير، وفي (الإملاء) إن الجهر عنده أولى، وقال الرازي: إن ألحقناه بالافتتاح أسر، وإن ألحقناه بالفاتحة لزم الجهر.
قلت: لعله أراد فيما يجهر بالفاتحة فيه قال: إلا أن مشابهته للافتتاح أتم لكونهما نافلتين عند الفقهاء، ولأن الجهر صفة وجودية، والإخفاء عبارة عن عدمها، والأصل العدم.
وقال الداني: لا أعلم خلافاً بين أهل الأداء في الجهر بها عند افتتاح القراءة وعند الابتداء برؤوس الآي أو غيرها اتباعاً للنص، واقتداءً بالسنة، وأطلقه غيره أيضاً، وقيده أبو شامة وغيره بما إذا كان بحضرته من يسمع قراءته؛ لأن الجهر إشعار بالقراءة كالجهر بالتلبية وتكبيرات العيد، فإذا سمع الحاضر التعوذ أنصت للقراءة من أولها فلا يفوته شيء، وهذا قيد حسن، ويدل عليه أن الله أمر بالاستعاذة ولم يعين سراً ولا جهراً.
قال في (غيث النفع): ولا أعلم خلافاً أن من تعوذ سراً فقد امتثل أمر الله تعالى، ولأن المطلوب بالاستعاذة يحصل بالسر كما يحصل بالجهر، ولأنها دعاء والسنة إخفاء الدعاء، قيل: وهذا المعنى -أعني كون الحاضر إذا سمع التعوذ أنصت للقراءة من أولها- هو الفارق بين القراءة في الصلاة وخارجها، والمراد بالإسرار الإخفاء عند الجمهور فلا بد من التلفظ، وقيل: بل الكتمان فلا يلفظ بها، بل يذكرها بقلبه، قلنا: خلاف ما وردت به السنة.
المسألة السابعة [في موضع الاستعاذة]
اختلفوا في محله من الصلاة، فقال الهادي عليه السلام ورواه عن جده القاسم: أنه قبل الافتتاح، وهو أن يتعوذ، ثم يتوجه، ثم يكبر ويقرأ، وهو قول ابني الهادي المرتضى والناصر عليهما السلام، وأبي العباس، ورواه عن القاسم أيضاً لأن الاستفتاح من القرآن، وهو: وجهت وجهي ... إلخ، والتعوذ قبل القراءة لما مر، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس )) فلو دخل فيها التعوذ لبطلت للخبر، واحتج في (الجامع الكافي) للقاسم عليه السلام بقوله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدا }إلى قوله: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً }[الإسراء:111 ].
وروى في (الجامع الكافي) عن زيد بن علي، وحسين بن عبد الله أن التعوذ قبل التكبير، وهو قول الناصر، فإنه قال: يستفتح ثم يتعوذ ثم يكبر، واحتج له في (البحر) بقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ }[النحل:98] والفاء للتعقيب، ولعل الأولى الاحتجاج له، ولزيد، وحسين بن عبد الله بحديث: ((إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس )) وإطلاق بعض الأحاديث عن تقديم التكبير على التعوذ نحو ما في بعض نسخ (المجموع)عن علي عليه السلام أنه كان إذا استفتح الصلاة قال: ((وجهت وجهي ...)) الخبر، ولم يذكرالتكبير ونحوه، إلا أنه يرد على الأول بأن المراد بكلام الناس ما لم يرد به الشرع؛ إذ ليس على إطلاقه، وعلى الثاني بأنه قد ورد التقييد بتقديم التكبيرعلى الاستفتاح والتعوذ في عدة أحاديث كما تقدم، والواجب حمل المطلق على المقيد إذا وردا في حكم واحد.
وروي عن القاسم عليه السلام أنه يبدأ بالاستفتاح ثم التكبير ثم التعوذ، ثم القراءة لما مر من أدلة الاستعاذة عند القراءة والقراءة بعد التكبير، وأما تقديم الافتتاح على التكبير فلقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ }[النحل:98 ] بعد قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ...} [الإسراء:111]الآية، وهو الاستفتاح الصغير، وهذا لا يتم إلا بعد تسليم أن المراد بقوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ }[النحل:98 ] الإحرام، وأن الواو للترتيب، وأن قوله تعالى:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً }[الإسراء:111] من التوجهات.
قيل: وهذه الأمور كلها ممنوعة ودون تصحيحها مفاوز وعقاب.
وقال (داود)، و(النخعي)، وروي عن ابن (سيرين): بل بعد القراءة، فإذا قال آمين بعد الفاتحة استعاذ، وهو بناء على أصلهم، وقد مر إبطاله.
وقال (أحمد بن عيسى) و(الحسن بن يحيى)، و(م) بالله و(محمد بن منصور)، وروي عن الشافعي وبه قال جماعة من العلماء: بل يبدأ بالتكبير، ثم الاستفتاح، ثم التعوذ، ثم القراءة لورود السنة بذلك كما مر.
قال في (الجامع الكافي) قال (محمد): الاستفتاح والتعوذ عندنا بعد التكبير، وكذلك سمعنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وعن علي عليه السلام ، وعن غيره من أهل البيت " وغيرهم، وفي (المنار) ألحق التكبير بالافتتاح ثم التعوذ للقراءة، وقد صحت هذه الكيفية من مجموع الأحاديث، ومن كون التعوذ للقراءة بالآية الكريمة.
المسألة الثامنة [الاستعاذة لأجل الصلاة أم القراءة]
ظاهر الآية أن الاستعاذة لأجل القراءة وإن كانت في الصلاة، وقال أبو يوسف: بل هي في الصلاة لأجلها ويستدل له بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((إذا قام أحدكم إلى الصلاة احتوشته الشياطين كما يحتوش الجراد الزرع، فعليكم بالتعوذ فإنه يصرف الشياطين منكم))، وحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : كان يتعوذ إذا أراد الصلاة فيقول: ((أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)).
ولقائل أن يقول: لا مانع من أن تكون مشروعة لهما جميعاً فيستعيذ قبل التكبير للصلاة لأجل تتناول الاستعاذة جميع أجزاء الصلاة والتكبير أحد أجزائها، وبعده للقراءة امتثالاً للأمر، وفي هذا جمع بين الدليلين. والله أعلم.
المسألة التاسعة [تحمل الإمام للاستعاذة]
قال (محمد بن منصور) في رواية عنه: ليس على من خلف الإمام استعاذة، وظاهره الإطلاق، وبه قال أبو حنيفة ومحمد لأنه لا يقرأ وهي للقراءة، وقال أبو يوسف: بل يتعوذ إذ هي للصلاة، وإلا لتكررت بتكرر القراءة.
قلنا: وردت السنة بعدم التكرار والصلاة عمل واحد، وقيل: إن فاته شيء من الصلاة استعاذ عند دخوله فيها لأنه يقرأ للفائت وقيل: لا لأن استعاذة الإمام تجزيه.
قال (محمد بن منصور) بعد أن حكى هذا القول: وأرجو أن استعاذة الإمام تجزيه، وعنه أنه قال: التعوذ أحب إلي، ولعل هذا الاختلاف فيمن فاته ركعة أو أكثر، وعن محمد بن منصور أيضاً تعوذ الإمام يجزي المأموم، وإن تعوذ فيتعوذ في ما لا يجهر فيه الظهر والعصر والآخرتين من العشاء والآخرة من المغرب إذا أراد أن يقرأ تعوذ.
قلت: لعله خص السرية بالجواز إما لأن الإمام يتحمل القراءة في الجهرية فتسقط الاستعاذة لأنها لأجلها، وإما للنهي عن منازعة الإمام والقراءة خلفه بغير الفاتحة، والاستعاذة داخلة في إطلاق النهي، وأما في السرية فلا منازعة مع الإسرار. والله أعلم.
والأولى أن يقال: الاستعاذة شرعت للقراءة كما مر، فتثبت بثبوتها، وتسقط بسقوطها، سواء كان المصلي إماماً أم مؤتماً أم منفرداً.
نعم هذا الخلاف إنما هو بين من قال: إنها بعد التكبيرة، وأما من يقدمها على التكبير فلا مقتضي لسقوطها عنده إذ لا تحمل ولا منازعة، فتأمل.
المسألة العاشرة [صفة الاستعاذة]
اختلف العلماء رضي الله عنهم في صفة الاستعاذة، فقال القاسم والهادي، والحسن بن يحيى، والناصر، والحسن بن صالح، والإمام يحيى: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ورواه الرازي عن بعض أصحابه، وهو قول حمزة من القراء جمعاً بين قوله تعالى: {فَاسْتَعِذْ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }[النحل:98]، وقوله:{ فَاسْتَعِذْ بالله إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }[فصلت:36]، وفي آية أخرى: {إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم }[الأعراف:200]،ولحديث أبي سعيد الخدري وقد مر.
وعن ابن عباس أن أول ما نزل جبريل على محمد عليه الصلاة والسلام وعلى آله قال: قل يا محمد: أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ثم قال: قل: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }.
وعن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قام من الليل كبر ثلاثاً وقال: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم )).
وقال (م) بالله و(محمد بن منصور)، و(أبو حنيفة) و(الشافعي): بل المختار أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واختاره الخازن، ورواه في (البحر المحيط) عن الجمهور من القراء وغيرهم، وقال في (غيث النفع): المختار عند جميع القراء أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال: وكلهم يجيز غير هذه الصيغة من الصيغ الواردة.
وقال السيد (محمد بن الهادي) في (الروضة والغدير): لفظ الاستعاذة أحسنه عندنا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال: وهي قراءة عاصم وأبي عمرو، وقراءة عاصم مسندة إلى أمير المؤمنين، وهو مذهب الأكثر، وهو المذكور في الآية فيكون هو الأقوى لموافقته للقرآن، قال: وقولنا أيضاً مروي عن ابن مسعود، ووكيع بن الجراح، وسفيان الثوري، ودليل هذا القول ما تقدم من حديث جبير بن مطعم وغيره، ولأنه المروي عن علي عليه السلام ، ولحديث ابن مسعود: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، فقال لي: ((يا بن أم عبد قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، هكذا أقرأنيه جبريل عليه السلام عن القلم عن اللوح المحفوظ)).
وعن ابن مسعود أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم )).
وحكى الرازي عن الثوري والأوزاعي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم، جمعاً بين الآيتين.
وقال (أحمد بن حنبل): الأولى أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم للآيتين.
وعن حمزة: أستعيذ، ونستعيذ، واستعذت، واختاره صاحب (الهداية) من الحنفية لمطابقة لفظ القرآن.
وعن حميد بن قيس: أعوذ بالله القادر من الشيطان الرجيم الغادر، وعن أبي السمال: أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي، وعن قوم: أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم. إلى غير ذلك من الأقوال.
قال الحلواني في جامعه: ليس للاستعاذة حد تنتهي إليه من شاء زاد، ومن شاء نقص.
المسألة الحادية عشرة: في خواص الاستعاذة من الشيطان الرجيم وفضائلها وذكر شيء مما يستعان به على دفع الشيطان من الأذكار وغيرها
اعلم أن الشيطان لعنه الله قد بذل نفسه وعمره في إفساد أحوال بني آدم، وقد أمر الله بالحذر منه واجتنابه، وأبان لنا شدة عداوته في محكم كتابه، فالواجب على العاقل أن يأخذ منه حذره، ويستدفع شره بكل ما قدر عليه، فإنه لا يحصل الفوز بالنعيم، والنجاة من العذاب الأليم إلا لمن سلم من هذا الشيطان الرجيم، ولهذا قيل: من كان يرجو الجنان، ويخاف النيران، فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وقد أرشدنا الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم إلى ما ينجينا من شره، فقال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بالله}[الأعراف:200]، وأخبر تعالى أنه لا سلطان له على أولياء الله، وورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأذكار والأعمال ونحوها شيء كثير، ونحن نذكر بعضاً منها في هذا الموضع إلا ما كان متعلقاً بالسور والآيات فنؤخره إلى مواضعه.
روي عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من قال أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في اليوم عشر مرات وكل الله به ملكاً يذود عنه الشيطان كما تذاد غريبة الإبل)).
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((من قال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم عشر مرات في أول النهار أو في أول الليل عصم في ذلك اليوم أو في تلك الليلة من الشيطان الرجيم)).
وعن معاذ قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأغرقا فيه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ((إني لأعلم كلمة لو قالاها لذهب عنهما ذلك وهي قوله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)).
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إذا فزع أحدكم من النوم فليقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون فإنها لا تضره)).
وكان عبد الله بن عمر يعلمها من بلغ من عبيده، ومن لم يبلغ كتبها في صك ثم علقها في عنقه.
وروي أن خالد بن الوليد قال: يا رسول الله إني أروع في منامي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((قل أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون)).
وعن أبي الأزهر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل قال: ((بسم الله وضعت جنبي اللهم اغفر لي ذنبي واخسئ عني شيطاني وفك رهاني، وثقل ميزاني، واجعلني في الندي الأعلى)). اخسئ: أي اطرد، وفك الرهان: كناية عن العفو عن الذنوب أن الإنسان مرتهن بعمله، والندي: بفتح فكسر: القوم المجتمعون في مجلس، والمراد الملأ الأعلى من الملائكة".
وعن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((من قال حين يصلي صلاة الفجر قبل أن يتكلم بشيء : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير عشر مرات أعطي بهن سبعاً: كتب له عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكن له عدل عشر نسمات، وكن له حرزاً من الشيطان، ويحرز من المكروه، ولم يلحقه في ذلك اليوم ذنب إلا الشرك بالله، ومن قالهن بعد صلاة المغرب كن له مثل ذلك)). ونحوه من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بذلك ابنته فاطمة عليها السلام، وعن ابن عباس نحوه، إلا أنه قال بعد قوله: يحيى ويميت: ((وهو حي دائم لا يموت بيده الخير ...)) إلخ، وقال: ((كن له كعتق أربع رقاب)).
وعن أبي هريرة أن أبا بكر قال: يا رسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((قل: اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لاإله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه، قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك)).
وعن علي عليه السلام قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تفلت القرآن من صدري، فأدناني منه ثم وضع يده على صدري، ثم قال: ((اللهم أذهب الشيطان من صدره ثلاث مرات ))، ثم قال: ((إذا خفت ذلك فقل: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ومن همزات الشياطين وأعوذ بك ربي أن يحضرون إن الله هو السميع العليم، اللهم نور بكتابك بصري وأطلق به لساني، واشرح به صدري ويسر به أمري وأفرج به عن قلبي، واستعمل به جسدي وقوني لذلك فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم تعيد ذلك ثلاث مرات فإنه يزجر عنك)).
ومن الأدعية المأثورة ما رواه أبو اليسر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم والغرق والحرق ، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً، وأعوذ بك أن أموت لديغاً)). الهدم: بسكون الدال المهملة سقوط البناء، وروي بالفتح اسم لمن هدم، والغرق: بكسر الراء كفرح الموت بالغرق، وقيل: بفتحها وقيل: هو بالفتح مصدر وهو الذي غلبه الماء وقوي عليه فأشرف على الهلاك ولم يغرق، فإذا غرق فهو غريق، والحرق بفتح المهملتين: الالتهاب بالنار، والتخبط: الصرع، وهو هنا مجاز عن إضلاله.