وبهذا يسقط قول ابن الأمير أن قول الأشعرية بإدراك العقل للحسن والقبح باعتبار كونه صفة كمال أو صفة نقص موافق للمعتزلة في المعنى المختلف فيه، وهو إدراكه لهما بمعنى المدح والذم، ومثله قول المقبلي أن اعتراف الأشاعرة والاتفاق منهم، ومن سائر الناس أن التحسين والتقبيح بمعنى الكمال والنقص ثابت في نفس الأمر يكاد يلحق الخلاف بالوفاق، وعللا ذلك بأن معنى إدراك العقل لهما استحسانه الرفع من شأن من اتصف بالكمال كالعلم، والوضع من شأن من اتصف بالنقص كالجهل، وهذا هو المدح والذم الذي أرادته المعتزلة.
ووجه سقوطه أنهما بنياه على جعل محل النزاع هو إدراك العقل مدح المحسن وذم المسئ فقط، وقد عرفناك بطلانه، وأن ذلك ليس إلا أحد قسمي محل النزاع، على أن المقبلي بعد أن ذكر ما تقدم رجع إلى التوقف فإنه قال بعد كلام حكاه: وفيه عندي وقفة فإنهم إنما يثبتون الوصفين فيما هو من قبيل الغرائز كالعلم، والجهل، والصدق، والكذب أي كون شأنه الصدق، وشأنه الكذب، وأما في مثل صدق وكذب، وحصل الصدق والكذب، وحصل العلم والجهل المركب مثلاً فيحتاج إلى كونهم يقولون بذلك إلى نقل صحيح عنهم، والمتتبع من كلامهم خلافه، فيسلمون من المناقضة، ويقرون على الخلاف، وإنما التبس على الناظر ما كان بمعنى الثبوت، وما كان بمعنى الحدوث فصادق بمعنى ذي صدق كمال عندهم لا بمعنى حصّل الصدق وأوجده، وكيف وقد أنكروا هذا المعنى الأخير في مطلق الفعل وقالوا: معنى أكِلْ أنه ذو أكل لا أنه أَكَلَ. ذكره في العلم الشامخ.

هذا وقد بقي من محل النزاع الأشياء التي يصح الانتفاع بها، ولا ضرر على أحد فيها متى لم يرد بحكمها الشرع كالتنفس في الأهوية، والمشي في البراري ونحو ذلك، فقال أئمتنا" والمعتزلة وغيرهم: هي مما يحكم العقل بحسنه؛ إذ الحسن ما لا يستحق عليه عقاباً ولا ذماً وهي كذلك، وقالت بعض البغدادية وغيرهم: بل هي مما يحكم بقبحه وهو بناءً على أن الأصل في الأشياء الحظر، وقالت الأشاعرة: لا يحكم العقل فيها بأيهما بناءً على أصلهم، وبهذا تم الكلام على الموضع الثاني والحمد لله.

الموضع الثالث: في ذكر حجج العدلية وما يرد عليها ورده وذكر شيء مما اختلفوا فيه
ولهم على ذلك حجج قاطعة، وبراهين ساطعة:
أحدها: تصويب العقلاء من المسلمين والكفار مَنْ مَدَحَ المحسن أو أحسن إليه، أو ذم المسئ أو عاقبه بلا فرق بين المتراخي وغيره، وليس هذا التصويب إلا لمعرفتهم حسن المدح والثواب للمحسن، والذم والعقاب للمسيء، وحسن الفعل المسبب لذلك أو قبحه، وأنه متعلقه بلا فرق بين تعجيل مدحه والإحسان إليه، أو ذمه وعقابه وتأخيرها، ولو كان بينهما فرق لأنكروا على فاعلها بعد مضي مدة طويلة أو قصيرة، فإن قيل: لا نسلم أن ذلك لما ذكرتم، بل نقول إنما ذلك لتأديب الشرع، لكن لما استمر الناس عليها التبست بالقضايا العقلية.
قيل: لو كان ذلك كذلك لما اشترك فيه جميع العقلاء من الموحدين والملحدين واليهود والنصارى والمجوس وغيرهم.
قال الإمام أحمد بن سليمان عليه السلام : (وكل مكلف من موحد أو ملحد يستحسن فعل الحسن، ويحب أن يذكر به، ويستقبح القبيح ويكره أن يذكر به، ألا ترى أن الملحد لو رأى صبياً يريد أن يتردى في بئر أو في نار أو يمد يده ليلزم حيّةً أنه يمنعه من ذلك ويستحسن منعه، ويستقبح تركه وإن لم يكن له برحم).
وقال السيد مانكديم: (فإن قيل: ما أنكرتم أنه إنما يفعله رجاءً للثواب، أو طلباً للمدح، أو هرباً من الذم، قيل له: إنا نفرض الكلام في رجل قاسي القلب جاشي الفؤاد لا يبالي بهلاك الثقلين، ولا يحتفل بالذم والمدح، ملحد زنديق لا يؤمن بالله واليوم الآخر، ولا يقر بالثواب والعقاب، ومعلوم أنه والحال هذه يستحسن بكمال عقله إرشاد الضال، وأن يقول للأعمى والحال ما ذكرناه يمنة أو يسرة، ولا وجه لذلك إلا حسنه، ولكونه إحساناً).

قلت: وكلامه عليه السلام يقتضي أن معرفة الحسن والقبح ضرورية، فإن قيل: نحن لا ننكر قبح القبيح وحسن الحسن، ولكنا نقول إنها أمور مشهورة، وآراء محمودة عند العقل تنغرس في مبدأ الصبا وأوائل النشوء، وربما تنشأ عن التسالم وطيب المعاشرة، أو غيرها من الأسباب المتقدمة، وليست أموراً بديهية يقتضيها العقل كما يقتضي الأمور البديهية.

[الأدلة على أن معرفة الحسن والقبح ضرورية]
قيل: قد مر شيء من الجواب على ذلك، ونزيده هنا توضيحاً وتأييداً فنقول: قد أبطل الإمام يحيى عليه السلام في (التمهيد) كلامهم من وجهين:
أحدهما: أنه إن كان الغرض بقولهم إن هذه القضايا مشهورة على معنى أن العقول قاضية بحسنها وقبحها فهو المطلوب، وإن كان الغرض بقولهم إن هذه القضايا مشهورة أنها اشتهرت بين العقلاء وألفتها طباعهم، وانغرست في قلوبهم محبتها، والميل إليها من غير علم بحسنها وقبحها، فهذا هو المنكر والشناعة، فإنا على علم ويقين من حال العقلاء في رسوخ هذه القضايا في عقولهم، وتحققها في أفهامهم لا لبس عليهم فيها كسائر الأمور الضرورية من الهداية وغيرها، مع أنا لا ننكر أن العلوم متفاوتة في الظهور والخفاء، ولكنها مستوية في التحقق والثبوت.
وثانيهما: إن كلامنا معهم ليس إلا في بيان أن هذه القضايا مقررة في الأذهان، متحققة في العقول، فإذا ساعدونا على هذا التحقيق فقولهم بعد ذلك أنها قضايا مشهورة، وآراء محمودة، وأنها تنغرس في الصبا وأوائل النشوء لا يضرنا بعد تسليم كونها عقلية.
قال عليه السلام : وعلى الجملة فنحن نقول: إن هذه القضايا مقررة في العقول وهم يزعمون أنها مشهورة، ونحن نقول إن النفرة عن هذه المقبحات نفرة عقلية وهم يقولون إن هذه النفرة طبيعية، مع الاتفاق منا ومنهم على أن موردها العقل ومستندها الضرورة كما ذكره المحققون من متأخريهم، وأنت إذا تحققت هذا منا ومنهم عرفت أن الخلاف بيننا وبينهم في هذه القضايا يقرب أن يكون لفظياً.

وقال الأمير الحسين عليه السلام : (إن العقلاء يعلمون بعقولهم التفرقة بين من قطع يده لا لغرض، وبين من قطعها من خوف أن تسري إليها الجراحة فيؤدي إلى هلاكه، ويفرقون بين الفعلين فرقاً ظاهراً حاصلاً بفطرة العقل، ويعلمون أنه ممدوح على قطع يده لغرض، وغير ممدوح بل مذموم على قطعها لغير غرض مع اشتراك الفعلين في نفور النفس والإلف والعادة، وليس ذلك إلا لعلمهم بالقبح في أحدهما دون الآخر، وهذا أمر لا يمكن دفعه، ولا يرده إلا مكابر).
وقال السيد أحمد بن محمد الشرفي رحمه الله: (وأما من زعم أن هذه القضايا يستند العلم بها إلى الشهرة والإلف والعادة، فنقول: إن أردتم أنها مستفيضة فيما بين العقلاء، وأن أحداً لا ينكرها، فهذا معنى قولنا أنها ضرورية، وإن أردتم أنها ليست علوماً حقيقة وأنهم ليسوا على ثقة منها، فهو باطل؛ لأنا نقطع بقبح الظلم والعبث، والكذب، والسفه، والجهل، وبوجوب القضاء والرد، وشكر النعمة، وحسن التفضل، والإحسان، والجود كما نقطع بسائر العلوم البديهية، كالعلم بأن العشرة أكثر من الخمسة، ونعلم أن من خالفنا في هذه القضايا أنه يعرف بضرورة عقله الفرق بين من أحسن إليه وبين من أساء، وبين الظلم والجور، والإهانة والعدل، ومن أنكر ذلك فهو مكابر منكر للضرورة يلحق بالسوفسطائية).
وقال العلامة المقبلي بعد أن ذكر أن استحقاق المدح على العدل والإحسان، والذم على الظلم والعدوان ضروري، وأن المنازع مباهت ما لفظه: (أما من دفع هذه الضرورة وقال لا نفرق بين تعذيب زيد بأنواع العذاب والتلاعب به بأشنع ما يستهجنه أولوا الألباب، وبين إكرامه بأنواع النعم ومرافق الارتفاق، بل بين سب الله بعد معرفته بصفات الكمال وجلائل النعم، وبين حمده وشكره على ذلك الجود والكرم).
وقال: (إنما الفرق بين هذه الأشياء ونحوها بميل الطبع، ومرون الإنسان عليها للتعارف عليها، أو للتأديبات الشرعية أو غير ذلك).

فالجواب عن هذا أنا نفرق بين تلك الأمور التي ذكرتم، وبين كون الفعل يترتب عليه حسن المدح والذم، فأنتم قد سلمتم لنا هذا الفرق،وسميتم ما سميناه تحسيناً وتقبيحاً كمالاً ونقصاً.
وأما إنكاركم بعد هذا الإقرار وقضاؤكم بأن المدح والذم لا ينشئان عن فعل البتة، وإنما يمدح على الشيء ويذم لأن الشارع أمرنا بذلك، وما بين ذلك الفعل والمدح الذي رتبه عليه الشارع بالنظر إلى ذاتيهما إلا ما بين الضب والنون، ولم يكن أمره أيضاً المرجح، بل محض الاختيار، ولو عكس وأمر بالعكوف على سبه وكفران نعمته وعبادة الشيطان، وأوجب الكفر وحرم الإيمان، وقال أنا أحق باللعن والشيطان أحقَّا بالعبادة- تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- لكان ذلك عندكم كنقيضه لا فرق بينهما، فلعمري ما أنتم أحق بعد ذلك بالمناظرة، ولا ممن يرتجى منه الإنصاف، ولا جئتم بأقرب مما جاء به السوفسطائية، ولا أدليتم بأمتن مما أدلوا به وما نقول لمن أقر على نفسه بذلك ألا قد قلب فؤادك وبصرك كما لم تؤمن بالحق أول مرة، ولم تبال أين يقع قدمك في نظرك أول خطوة، ولو سرنا معه على نمط الجدل لقلنا له قد ادعينا نحن، وأكثر الفرق كما عرفت أنا أدركنا هذا المتنازع فيه بضرورة عقولنا، وفرقنا بينه وبين تلك الأمور التي لم يبلغ فهمك إلى غيرها، فنحن نصادقك على اعترافك على نفسك بالجهل بهذا الأمر الذي هو الهدى كل الهدى، فمن أين سنح لك الحكم علينا بعدم العلم بما ادعينا العلم به ضرورة حتى زعمت أننا ظننا أحد تلك الأمور التي ذكرت أمراً خارجاً عنها، وحكمك إنما هو جهل مركب، فإنك في الحقيقة قد شككت في صحة عقولنا لما ادعينا العلم بما جهلت:
وهبني قلت هذا الصبح ليل .... أيعمى المبصرون عن الضياء
ذكره في العلم الشامخ، وهو كلام نفيس، ولهذا استوفينا لفظه، وبما قررناه يحصل العلم بإدراك العقل التحسين والتقبيح، والحمد لله.
قالوا: لو سلمنا ما ذكرتم، فلا نسلم لكم إدراكه لوجوب شكر المنعم.

قال الرازي في المحصول: أحلف بالله وبالأيمان التي لا مخارج منها أني راجعت عقلي وذهني، وطرحت الهوى والتعصب فلم أجد عقلي قاطعاً بذلك في حق من لا يصح عليه النفع والضرر ولا ظاناً.
قلت: وظاهر كلامهم أنهم إنما ينازعون في وجوب شكر الباري تعالى، وقد استدل لهم في (الأساس) وشرحه بوجهين:
أحدهما: أنه لو وجب عقلاً لوجب لفائدة، وإلا كان عبثاً وهو قبيح عندكم، ولا يجوز أن يكون لفائدة؛ لأنها إما لله تعالى فهو غني عنها، وإما للعبد فهي غير حاصلة له، أما في الدنيا فلأن الشكر مشقة لا حظ للنفس فيه، وأما في الآخرة فلا نعرفها؛ إذ لا مجال للعقل.
قلت: وهذه الحجة أوردها الشرفي، وفي الاحتجاج لهم بها نظر؛ لأنها غير مطابقة لدعواهم لأنهم إنما يدعون عدم معرفتهم لوجوبه، وهذه تقتضي قبحه لانتفاء الفائدة على هذا التقرير، وهم لا ينفون الحسن عنه على معنى كونه صفة كمال، فإن قيل: إنهم لم يريدوا بذلك إلا إلزام العدلية أن القول بوجوبه يؤدي إلى قبحه.
قيل: ما لزم على القول بالوجوب لزم على القول بمطلق الحسن، اللهم إلا أن يقولوا إنه يحسن لغير فائدة.
إذا عرفت هذا فإنا لا نترك الجواب عن هذه الحجة على فرض صحة الاحتجاج بها، فنقول أولاً أنَّا قد عرفنا الوجوب فلا يضرنا جهلكم، وثانياً: أنا لا نسلم عدم الفائدة، ونقول هي للعبد وهي استحقاق المدح والسلامة من الذم والتحلي بصفة الكمال والسلامة من صفة النقص على أصلكم مع الثواب آجلاً، والسلامة من العقاب كذلك، ولا نسلم أن العقل لا يدرك استحقاقهما، وإنما بنيتم هذا على أصلكم الفاسد، والمعلوم عند كل عاقل أن الشكر من أسباب المزيد، والكفران من أسباب الحرمان، ولا شك أن فاعل الإحسان يجد عنده فرقاً جلياً بين من قابل إحسانه بالثناء ونحوه، وبين من قابله بالذم والإساءة إليه.

وفي عهد علي عليه السلام للأشتر: (ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة، وألْزِمْ كلاً منهم ما ألزم نفسه). رواه في النهج، وكفى به دليلاً على الفائدة.
وكان يقال: قضاء حق المحسن أدب للمسيء، وعقوبة المسيء جزاء للمحسن، وقال الشاعر:
نبئت عمراً غير شاكر نعمتي .... والكفر مخبثة لنفس المنعم
وقال الصبابي: إذا لم يكن للمحسن ما يرفعه وللمسيء ما يضعه زهد المحسن في الإحسان، واستمر المسيء على الطغيان.
قالوا: لا يؤمن أن يعاقب على الشكر لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه.
قلنا: بناءً على أصل فاسد وهو منع الحكم العقلي؛ إذ التجويز على إثباته منتف لأن الشاكر محسن، ومعاقبة المحسن قبيحة عقلاً.
وما استندتم إليه من التصرف في ملك الغير مبني على ذلك الأساس المنهار؛ إذ الإذن قد حصل بما ركب في العقول من حسن ما تعرى عن وجوه القبح.
الوجه الثاني: إنه لو وجب لكان كالاستهزاء؛ لأن ما أنعم الله به علينا من النعم حقير بالنظر إلى سعة ملكه، وإنما نسبتها إلى سعة ملكه كنسبة لقمة تصدق بها أحد ملوك الدنيا على محتاج إلى جملة ممالكه.
ومعلوم أن المتحدث بتلك اللقمة لا يعد شاكراً، بل مستهزئاً ساخراً، فكذلك شكر الباري تعالى على نعمه الواصلة إلينا، فثبت أن العقل يقضي بعدم وجوبه.
الجواب: أولاً: أنه يلزمكم قبحه وهو خلاف دعواكم كما تقدم، ولا أظنكم تخالفون في حسنه بالمعنى الذي أثبتموه.

وثانياً: أن قياسكم فاسد لوجود الفارق، فإن اللقمة حقيرة عند الملك والمحتاج والسامع، فلا جرم عد الشاكر عليها ساخراً، بخلاف نعم الله تعالى، فإنها جليلة عند الشاكر والسامع، فلا يعد الذاكر لها ساخراً، وإنما مثال نعمه تعالى مثال من أعطاه أحد ملوك الدنيا بدرة من الذهب، فإن تلك البدرة حقيرة بالنسبة إلى ما يملكه هذا الملك، وهي عظيمة بالنظر إلى المحتاج، والسامع يشكره عليها، فكذلك نعم الله تعالى.
على أنا لا نسلم حقارة نعمه تعالى لقوله تعالى: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً }[النساء:113] ونحوها، وقد ألزمهم الإمام القاسم بن محمد" الكفر بمقالتهم هذه لردهم لهذه الآية، وألزمهم أيضاً أن يجعلوا لله صفة نقص حيث أمر أن يسخر به في قوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }[الضحى:11].
قلت: وفيه نظر لأنهم لا ينفون وجوبه مطلقاً، وإنما نفوا وجوبه العقلي، وقد عرفت أن هذه الحجة غير مطابقة لدعواهم، ولا أظن أنهم يحتجون بها، سيما الرازي، ولعل المتكلف لها بعض أتباعهم على غير بصيرة، وغره أن فيها إبطال دعوى الوجوب بلزوم القبح، ولم يتنبه للزوم القبح على أصلهم. والله الموفق.
واعلم أن القول بأن وجوب شكر المنعم مما يقضي به العقل قضية مبتوتة هو قول أمير المؤمنين عليه السلام .
قال عليه السلام : (لو لم يتوعد الله على معصيته لكان يجب ألاَّ يعصى شكراً لنعمته). رواه في النهج.
وناهيك به إماماً وهادياً، ودالاً على الصدق وداعياً، معدن كل حكمة، ومصباح كل ظلمة، ومفتاح كل مبهمة، ودفاع كل معضلة صلوات الله عليه.
الحجة الثانية: لو لم يكن القبح عقلياً لجاز كذب الصادق وتصديق الكاذب، فلا يوثق بخبر الله تعالى ولا يعلم صدق نبي لجواز الكذب على الله سبحانه، وخلق المعجز على يد الكاذب، وفي ذلك إبطال الشرائع، وبعثة الرسل؛ إذ لا يتميز صدقه تعالى عن كذبه، ولا النبي من المتنبئ، وهذه الحجة إلزامية.

13 / 329
ع
En
A+
A-