النوع الثاني: قياس الخلف وهو إثبات المطلوب بإبطال نقيضه ولم يسم خلفاً أي باطلاً لأجل أنه باطل في نفسه، بل لأنه ينتج الباطل على تقدير عدم حقية المطلوب، وهو مركب من قياسين أحدهما: اقتراني من متصلة وحملية، والآخر استثنائي، وقال السعد: هو عبارة عن قياسين أحدهما: اقتراني شرطي، والآخر استثنائي متصل يستثنى فيه نقيض التالي، هكذا لو لم يثبت المطلوب لثبت نقيضه، وكلما ثبت نقيضه ثبت محال ينتج لو لم يثبت المطلوب لثبت محال، لكن المحال ليس بثابت، فيلزم ثبوت المطلوب لكونه نقيض المقدم.
النوع الثالث: الاستقراء وهو تتبع الجزئيات لإثبات حكم كلي كقولنا: كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ؛ بدليل أن الإنسان والفرس والسباع كذلك، وهو لا يفيد اليقين لاحتمال أن يكون هناك فرد لم يستقرئ ويكون حكمه مخالفاً لما استقرئ كالتمساح.
النوع الرابع: التمثيل وهو إثبات حكم في جزئي لوجوده في جزئي آخر لمعنى مشترك بينهما نحو: العالم مؤلف، فهو حادث كالبيت وأثبتوا علية التأليف بالدوران، والتقسيم غير المردد بين النفي والإثبات، أما الدوران وهو اقتران الشئ بغيره وجوداً وعدماً فكما يقال الحدوث دائر مع التأليف وجوداً وعدماً، أما الوجود ففي البيت، وأما العدم ففي الواجب تعالى.
والدوران علامة كون المدار علة للدائر فسكون التأليف علة الحدوث، وأما السبر والتقسيم وهو إيراد أوصاف الأصل وإبطال بعضها ليتعين الباقي للعلية، فكما يقال علة الحدوث في البيت إما التأليف أو الإمكان، والثاني: باطل بالتخلف؛ لأن صفات الواجب ممكنة وليست بحادثة فتعين الأول.
قالوا: والوجهان ضعيفان، أما الدوران فلأن الجزء الأخير من العلة التامة والشرط المساوي مدار للمعلول مع أنه ليس بعلة، وأما التقسيم فلأن حصر العلة في الأوصاف المذكورة ممنوع؛ لأن التقسيم غير مردد بين النفي والإثبات فجاز أن تكون العلة غير ما ذكرت، ثم بعد تسليم صحة الحصر فلا نسلم أن المشترك إذا كان علة في الأصل يلزم أن يكون علة في الفرع لجواز أن تكون خصوصية الأصل شرطاً للعلية، أو خصوصية الفرع مانعة عنها.
النوع الخامس: في مواد الأقيسة وهي قسمان: يقينية، وغير يقينية، فاليقينية ستة أقسام:
أحدها: الأوليات البديهيات وهي ما حكم فيها العقل من غير واسطة كقولنا: السماء فوقنا.
الثاني: المشاهدات وتسمى الوجدانيات، وهي ما تدرك بالحواس الباطنة من غير توقف على عقل كجوع الإنسان وعطشه، ولذته وألمه.
الثالث: التجربيات وهي ما تحصل من العادات كقولنا: الرمان يحبس القيء والنانخا تهضم الشبع، والتبخير ببذر البصل يسقط سوس الأسنان، وقد يعم كعلم العامة بأن الخمر مسكر، وقد يخص كعلم الطبيب بإسهال المسهلات.
الرابع: المتواترات وهي ما يحصل بنفس الأخبار تواتراً كالعلم بمكة ومشاهير السلف.
الخامس: الحدسيات وهي ما يجزم به العقل والحس لترتيب دون ترتيب التجربيات مع القرائن، كالعلم بأن نور القمر مستفاد من نور الشمس لاختلاف تشكلاته النورية بحسب اختلاف أوضاعه من الشمس قرباً وبعداً، وقيل: ليس المراد بالعلم هنا معناه الحقيقي، بل المراد به الظن القوي.
السادس: المحسوسات وهو ما يدرك بإحدى الحواس الخمس الظاهرة التي هي: السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، وكلها في الرأس خاصة به إلا اللمس، وبعضهم أدخل المحسوسات في المشاهدات فجعلها شاملة لما يدرك بالحواس الظاهرة، فعلى هذا تكون اليقينيات خمسة.
قيل: والعلم الحاصل من الثلاثة المتأخرة لا يقوم حجة على الغير لجواز أن لا تكون له تجربة، ولا تواتر، ولا حدس لعدم مشاركته في ذلك للمستدل، وأما غير اليقينية فستة أقسام:
أحدها: المشهورات وهي قضايا يعترف بها جميع الناس لاشتمالها على مصلحة عامة لهم نحو: العدل حسن، والظلم قبيح، ولما في طباعهم من الرقة والحمية كمراعاة الضعفاء محمودة، ونصرة الولي حسنة، وخذلانه قبيح، أو لعادات وشرائع، ولكل قوم مشهورات بحسب عاداتهم وآدابهم، ولكل أهل صناعة مشهورات بحسب صناعاتهم.
الثاني: المسلمات وهي قضايا تسلم من الخصم فيبني عليها الكلام لدفعه سواء كانت مسلمة فيما بينهما خاصة، أو بين أهل العلم كتسليم الفقهاء مسائل أصول الفقه نحو أن يستدل الفقيه بخبر الواحد، فيقول خصمه خبر الواحد ليس بحجة، فيجيبه بأن حجيته قد ثبتت في أصول الفقه فلا بد أن يأخذه المناظر له مسلماً، والقياس المؤلف من المشهورات والمسلمات يسمى جدلاً، والغرض منه إلزام الخصم، وإقناع من لا قدرة له على فهم البرهان.
الثالث: المقبولات وهي ما يصدر ممن يعتقد صلاحه.
الرابع: المظنونات وهي ما يحكم بها العقل من القضايا حكماً راجحاً مع تجويز نقيضه نحو: فلان يطوف بالليل وكل من يطوف بالليل سارق، ففلان سارق، والقياس المركب من المقبولات والمظنونات يسمى خطابة، والغرض منها ترغيب الناس فيما ينفعهم في معاشهم ومعادهم كما يفعله الخطباء والوعاظ.
الخامس: المخيلات وهي قضايا متخيلة فتتأثر النفس منها قبضاً وبسطاً فتنفر أو ترغب نحو: الخمر ياقوتة سيالة، والعسل مرة مهوعة، والقياس المؤلف منها يسمى شعراً، والغرض منه تأثر النفس ترغيباً وترهيباً، ويزيد في ذلك أن يكون الشعر على وزن لطيف وينشد بصوت طيب.
السادس: الوهميات وهي قضايا كاذبة يحكم بها الوهم في أمور غير محسوسة كالحكم بأن كل موجود مشار إليه، فإنه لو قال الباري موجود وكل موجود مشار إليه أنتج الباري مشار إليه -تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا-، ولولا دفعها العقل والشرع لعدت من الأوليات ويعرف كذبها بمساعدة العقل في المقدمات حتى إذا وصل إلى النتيجة امتنع كالمثال المذكور، ونحو قولك في صورة فرس في جدار: هذا فرس وكل فرس صهال فهذا صهال، والقياس المركب منها يسمى مغالطة، فإن قابل بها الحكيم فهو سوفسطائي، وإن قابل بها الجدلي فهو مشاغبي.
قالوا: والغرض منه تغليط الخصم ودفعه، وأعظم فائدة معرفته اجتنابه.
قال الدمنهوري: واستعمالها حرام بجميع أنواعها، ومن أقبح تلك الأنواع المغالطة الخارجية، وهي أن يشغل المناظر الذي لا فهم له ولا انقياد للحق فهم خصمه بما يشوش عليه ككلام قبيح ليظهر للناس أنه غلبه، ويستر بذلك جهله، قال: وهو كثير في زماننا، بل هو الواقع، فهذا النوع من القياس ينبغي معرفته ليتقى لا ليستعمل إلا لضرورة كدفع كافر معاند، كالسم لا يستعمل إلا في الأمراض الخبيثة. ذكره في شرحه للسلم.
[فائدة في منشأ الغلط للقياس]
منشأ الغلط في القياس إما من جهة الصورة بأن لا يكون على هيئة شكل من الأشكال الأربعة، وإما من جهة المادة بأن يكون المطلوب، وبعض مقدماته شيئاً واحداً، وهو المصادرة على المطلوب كقولنا: كل إنسان بشر وكل بشر ضحاك فكل إنسان ضحاك، وسبب الغلط فيه أن النتيجة عين إحدى المقدمتين لمرادفة الإنسان لبشر، وقد مر في تعريف القياس أن النتيجة يجب أن تكون قولاً آخر، أو بأن تكون بعض المقدمات كاذبة شبيهة بالصادقة، إما من حيث الصورة كما مر في صورة فرس على جدار، أو من حيث المعنى كعدم رعاية وجود الموضوع في الموجبة نحو: كل إنسان وفرس فهو إنسان، وكل إنسان وفرس فهو فرس ينتج أن بعض الإنسان فرس، والغلط فيه أن موضوع المقدمتين غير موجود؛ إذ لا يوجد ما يصدق عليه أنه إنسان وفرس، وكالحكم على الجنس بحكم النوع كقولنا الفرس حيوان وكل حيوان ناطق ينتج الفرس ناطق، والغلط فيه من جهة الحكم على الجنس الذي هو حيوان بحكم النوع الذي هو إنسان، وكجعل الوهمي كالقطعي كقولك في رجل يخبط في البحث وهو بعيد عن الفهم: هذا يتكلم بألفاظ العلم وكل من يتكلم بألفاظ العلم عالم فهذا عالم، والغلط فيه جعل توهم عالميته كالمقطوع بها.
قال في شرح (الشمسية): (وكأخذ الذهنيات مكان الخارجيات نحو: الحدوث حادث وكل حادث له حدوث، فالحدوث له حدوث، وكأخذ الخارجيات مكان الذهنيات كقولنا: الجوهر موجود في الذهن وكل موجود في الذهن قائم بالذهن فهو عرض ينتج أن الجوهر عرض)، وهذا القدر كاف في بيان كلامهم في قياسهم؛ إذ ليس المراد استيفاء قواعدهم والإتيان بعللهم، بل بيان ما ادعينا من عدم الفوائد، وما يلزم منه من المفاسد، لكن لما كان الحكم على هذا الفن بما ذكر من دون بيان شيء من قواعده حكماً على مجهول وهو لا يصح، وربما وقال قائل: لعل الحكم عليه بهذا صادر عن غير تثبت وبصيرة، اتقينا بهذه النبذة لصحة الحكم ودفع الوهم، وإذا تقرر لك هذا فالكلام عليه يقع في موضعين:
الأول: في بيان الاستغناء عنه وعدم فائدته، والثاني: فيما يؤدي إليه من المفاسد.
الموضع الأول: في بيان الاستغناء عنه وعدم الفائدة فيه، وبيانه من وجهين:
أحدهما: ما تقدم عن السيد حميدان والإمام القاسم، وأن جميع ما يذكرونه من الأمثلة في الأشكال الأربعة لا ثمرة له ولا فائدة، علمنا أن كل إنسان حيوان علمنا أنه ليس بحجر من دون تكلف إيراد المقدمتين، وتركيبها في شكل مخصوص، ونحو ذلك من الأمثلة التي تقدمت، ولا يحتاج في العلم بذلك إلى تركيب القياس، ولهذا لو منع أحدنا عن القياس لم يخرج بذلك عن كونه عالماً، بل يعلم بذلك من لم يسمع علم المنطق فضلاً عن أن يحتاج إلى المطالعة فيه، مع أنهم يشترطون في المقدمات أن تنتهي إلى الضرورة قالوا: بحيث لا يحتاج في فهم معناها إلى تأمل، وإذا كان ضرورياً فهو غير واقف على اختيارنا؛ لأن عند حصول العلم الضروري بالمقدمتين تتأهل النفس لأن يفعل الله فيها العلم بالنتيجة فأي فعل يفعله القائس حينئذٍ، فثبت عدم فائدته، والاستغناء عنه.
الوجه الثاني: أن حاصل ما ذكروه من البراهين الحاصلة عن أشكالهم راجع إلى نوع واحد من العلم، وهو إلحاق التفصيل بالجملة، وهو من أقل العلوم كلفة، فما الفائدة في تركيب أشكال وتوسيع مقال، وتعقيد عبارة في أمر يحصل بأدنى تأمل، بيان ذلك أن من علم أن كل ظلم قبيح، ثم علم في فعل معين أنه ظلم فإن هذين العلمين يدعوانه إلى فعل علم ثالث يقبح هذا المعين إلحاقاً للتفصيل بالجملة، وهذا لا يحتاج إلى تلك الأشكال، ولا إلى ترتيب تلك المقدمات، بل يحصل بأدنى تأمل، ولذا حكى القرشي عن بعض العلماء أنه ضروري، وحكاه عن الخصوم أيضاً.
وحكي عن أبي الحسين أنه متولد عن العلم الجملي، وعلى أيهما فقد حصل المطلوب، وهو بيان الاستغناء عن المنطق، وعدم الفائدة فيه. والحمد لله رب العالمين.
الموضع الثاني: فيما يلزم عليه من المفاسد، فمن ذلك أنهم جعلوا الاستقراء والتمثيل من الظنيات، واحترزوا عنهما في حد القياس كما تقدم، وهذا يؤدي إلى أن يكون حدوث العالم ظنياً لا يقينياً، وهذه دسيسة من الفلاسفة؛ إذ القياس بالمعنى الذي ذكروه يرجع إلى قياس التمثيل والاستقراء.
أما الأول: فلأن اليقيني لا يكون قياساً إلا إذا حصل فيه علة جامعة، وحينئذٍ يكون من قياس التمثيل الذي جعلوه ظنياً فيقال: لسنا نعلم أن العالم حادث إلا لحصول معنى وهو التغيير؛ إذ لا معنى لقياس التمثيل إلا إذا كان مبنياً على علة، ويزيده وضوحاً أنهم يمثلون لليقيني بقولهم: كل إنسان حيوان ولا شيء من الحيوان بحجر ينتج لا شيء من الإنسان بحجر، ومن المعلوم أنا لا نعلم أن الإنسان حيوان إلا لأجل كونه حيا بحياة، فإذا علمنا أن الحجر لا يحصل فيه الأمر الذي لأجله كان الإنسان إنساناً علمنا أنه ليس بإنسان، وهم لا يعنون بقياس التمثيل أكثر من هذا.
وأما الاستقراء فروى القرشي إجماع محققيهم على أن المقدمات اليقينية الكلية إنما يتصيدها العقل من استقراء الجزئيات.
قال أبو الحسين: ومثله أرسطاطاليس بأن يتصور صورة زيد ثم صورة شخص آخر حتى ترسم في نفسه صورة الإنسان الكلية الشاملة لجميع أشخاص الناس، وإذا كان كذلك وهم قد صرحوا بأن الاستقراء والتمثيل لا يفيدان إلا الظن، فقد نقضوا قولهم، وظهر أنه لا يقيني قط؛ لأن المقدمات التي يسمونها يقينية قد بنوها على ما لا يفيد عندهم إلا الظن، وبهذا يتبين لك أن غرضهم بذلك المكر والإلحاد لا بيان الأدلة، وأن دعواهم هذه لو تمت لكان حدوث العالم ظنياً، ويلزم منه أن يكون ثبوت الصانع كذلك، فيحصل ما راموه من نفي الصانع، وإبطال الشرائع.
وأما ما شككوا به من تجويز وجود جزئي لم يستقرأ، وقدحهم في طريقتي السبر والدوران بالتجويز أيضاً، فقد قدمنا في أول المسألة أنه يمتنع ثبوت ما لا دليل عليه، وأن من ادعى ذلك وجب نفيه والقطع ببطلانه، فكيف بمن ادعى تجويزه فقط، وبينا أنه لا يجوز خفاؤه مع وجوده إلا فيما يعم به التكليف، ومما يلزم على قواعدهم هذه من المفاسد ألاّ نثق بخبر الله تعالى ولا خبر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن لا نصدق بنبوة نبي، وذلك لأنهم قسموا الأقيسة إلى يقينية، وغير يقينية، وجعلوا من غير اليقينية معرفة الحسن والقبح، وقالوا: لا طريق إليهما إلا الشهرة بحيث لو خلي الإنسان وعقله لما قضى بهما نحو الحكم بقبح الظلم والكذب والعبث، وحسن العدل، ووجوب رد الوديعة، وشكر المنعم، وجعلوا هذا وأمثاله من الظنيات، وحينئذٍ فلم يبق طريق إلى الشرائع، ولا إلى معرفة الثواب والعقاب؛ لأنه إذا لم يكن الكذب قبيحاً فغير ممتنع خلق المعجز على يد الكاذب، وغير ممتنع أن يوعد الله المطيعين ثم يعذبهم بلا ذنب، وأن يتوعد العصاة ثم يثيبهم لعدم قبح ذلك، وغير ممتنع أن يخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بوجوب أمر، وهو في الواقع منهي عنه لعدم قبح الكذب وغير ذلك، ومن ذلك أنهم لما حصروا اليقينيات في القياس المركب على ما زعموا صارت السمعيات كلها ظنية، فلزم من ذلك عدم القطع بعقاب العصاة ولو كانوا كفاراً، وقد التزموا ذلك كما سيأتي في سياق قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ...}[البقرة:7] الآية.
وذلك خلاف ما علم من ضرورة الدين إلى غير ذلك من اللوازم والدسائس كما سيأتي من بيان شبههم المبنية على هذه الأصول الفاسدة، والجواب عنها في مواضعها إن شاء الله تعالى.
وقد رد عليهم أصحابنا بما لا مزيد عليه، ومن جملة ما ردوا عليهم به أن الضروري إنما يكون ضرورياً بأن يكون مفعولاً فينا بغير اختيارنا، ولا بد من الإقرار بهذا، وإذا كان كذلك فإنا نجد أنفسنا مضطرة إلى العلم بقبح الظلم والكذب، وحسن إرشاد الضال، وإنقاذ الغريق، ووجوب رد الوديعة، وشكر المنعم، ونحو ذلك مما سموه مشهوراً، ونجد هذا العلم غير واقف على اختيارنا، ولا نجد فرقاً بينه وبين العلم بالأوليات والمشاهدات في كونه ضرورياً، وكذلك لا نجد فرقاً بين المتواترات التي سموها يقينية، وبين بعض مدلولات الكتاب العزيز والسنة النبوية في إفادتها القطع واليقين، والعجب منهم أنهم قد ذموا المغالطة وحذروا منها، ثم دخلوا فيها.
وأما ما يقوله علماء المجبرة من أنا إنما نحكم بالمشهورات لأحد الأسباب المتقدمة، فهو ظاهر السقوط بدليل أنا لو فرضنا العاقل متعرياً عنها، فإنه يعلم بكمال عقله قبح القبيح، وحسن الحسن، والمنكر لذلك مباهت، ومن تأمل ما أوردناه على صحة القول بالاستغناء عن المنطق، وأنه يؤدي إلى مفاسد عظيمة في الإسلام.
قال السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله: (وقد اشتملت خطب أمير المؤمنين عليه السلام ومواعظه، وسائر الأئمة على أدلة التوحيد من غير ترتيب أدلة المنطقيين، ولا تقاسيم أساليب المتكلمين، ودرج السلف على ذلك).