[في الرد على شبه الفلاسفة حول بعض قواعد المنطق]
زعمت الفلاسفة وحكاه القرشي عن المجبرة أنه لا يوصل إلى العلم اليقين إلا حجة العقل الواردة على أشكال أربعة يذكرونها في علم المنطق، فأما السمعيات فهي إنما توصل عندهم إلى الظن، وكذلك قياس التمثيل الذي نسميه قياس الشاهد على الغائب.
واعلم أن هؤلاء الفلاسفة، وأهل الإلحاد قد وضعوا قواعد عظمت بها جنايتهم على المسلمين، وحرفوا بها كثيراً من قواعد الدين، وأدرجوها في علم المنطق، وتبعهم عليها طوائف المجبرة، كما حكاه القرشي وكثير من غيرهم، وكانت السبب في القول بالجبر وكثير من مسائل الخلاف، ولهذا لم يعول قدماء الأئمة " وكثير من المتأخرين على علم المنطق، ولم يذكروه في كتبهم، ولم يبنوا عليه شيئاً من مسائل دينهم وهم القدوة.
وقال ابن الصلاح: لقد تمت الشريعة حيث لا منطق، وحكى شارح مباحث العقول للزركشي عن بعضهم أنه ليس بعلم، وفي بعض المباحث أن كثيراً من الفقهاء ينهى عن تعلمه، وعن بعض العلماء جوازه لمن وثق بصحة ذهنه ومارس الكتاب والسنة.
قال: وهذا الشرط إنما يعتبر في حق من يريد النظر في كتب الفلاسفة ليرد على أهلها، فما ظنك بما تركه صفوة الأمة.
واختلف آخرون هل هو علم أم لا، وهل يجوز تعلمه أم لا؟
وذكر السيد حميدان رحمه الله في مجموعه أن الحد المركب من جنس وفصل لم يتضمن إلا حكاية المذهب، ومجرد الحكاية لا يصح أن يكون دليلاً على صحة المحكي؛ إذ ما من دعوى باطلة إلا ويمكن أن تحد بحد من جنس وفصل، قال: وذلك بين لمن تأمله.

وقال الإمام القاسم بن محمد عليه السلام ما معناه: إن جميع العلوم الإسلامية مستغنية عن المنطق؛ لأنه في معرفة الحد والبرهان، فأما الحد فهو ضرب من التفسير، ونحن نعتمد على ما ورد في الكتاب والسنة ولغة العرب، ونستعمل ألفاظ العموم التي يراد بها الخصوص كاستعمالنا الألفاظ الخاصة اكتفاءً بما يدل على التخصيص من القرائن الحالية والمقالية، ونكتفي في إخراج ما يجب إخراجه من الحد، وإدخال ما يجب إدخاله بما علم من موجبات الإدخال والإخراج.
قال: وبذلك يعرف بطلان اعتبار المنطق في الحدود؛ لأن ما ذكرناه معلوم بالاستقراء، وأما البرهان فهو عندهم أن وسط المقدمتين يستلزم المطلوب وهو قسمان: اقتراني، واستثنائي، وعلوم الإسلام إنما تستمد من أصل عقلي، أو شرعي، أو قياس كذلك، أو استصحاب حال كذلك، أو اجتهاد مطلق إما بالأصل كقضية العقل المبتوتة نحو وجوب شكر المنعم، والنصوص السمعية كقوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلاَةَ} فلا يحتاج إلى ذلك ضرورة، وإما بالقياس والمعتبر في ثبوته ثبوت الجامع بين الأصل والفرع بدليل أصلي عقلي أو سمعي، فمتى ثبت ذلك استغنى عن المقدمتين وكفى في التعبير عنه بنحو أن يقال: النبيذ حرام كالخمر لمشاركته له في المقتضي للتحريم وهو السكر مثلاً، وكذا في العقلي، ومتى لم يثبت لم يصح بهما ولو أمكن تركيبهما؛ لأنه مع تركيبهما يصير القياس من باب الحكم على العام بحكم النوع المختص به، وذلك معلوم البطلان)، ثم قرر ما ذكره بأمثلة تدل على صحته ذكره في الجواب المختار، ونحن نذكر جملة من كلامهم وقواعدهم، ثم نبين الاستغناء عنها وعدم الفائدة فيها، وما تؤدي إليه من المفاسد التي يجب الحذر منها، وقد جعلنا ذلك في القياس ولواحقه؛ لأنه كما قال بعض شراح الشمسية المقصد الأقصى، والمطلب الأعلى من الفن، والكلام فيه يقع في ثلاثة مواضع:

الموضع الأول: في حده وهو عندهم قول مؤلف من قضايا متى سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر كالعالم متغير، وكل متغير حادث يلزم عنه العالم حادث، فيخرج بقيد التأليف من قضايا اللفظ المفرد، والقضية الواحدة المستلزمة لذاتها عكسها المستوي أو عكس نقيضها.
وقوله: (متى سلمت) إشارة إلى أن تلك القضايا لا يجب أن تكون مسلمة في نفسها، بل يجب أن تكون بحيث لو سلمت لزم عنها قول آخر ليندرج في الحد القياس الصادق المقدمات، وكاذبها، كقولنا: كل إنسان حجر، وكل حجر جماد، فإن هاتين القضيتين وإن كذبتا إلا أنهما لو سلمتا لزم عنهما أن كل إنسان جماد.
وقوله: (لزم عنها): يخرج الاستقراء والتمثيل لإمكان تخلف مدلولهما كما سيأتي، ويخرج بقوله لذاتها ما لزم لا لذاتها، بل بواسطة مقدمة غريبة كما في قياس المساواة وهو ما يتركب من قضيتين متعلق محمول الأولى منهما يكون موضوع الأخرى كقولك مثلاً: الإنسان مساوٍ للناطق والناطق مساو للبشر، فالنتيجة وهي الإنسان مساو للبشر ليست لازمة لذات المقدمتين، بل بواسطة مقدمة أجنبيه وهي كون مساوي المساوي لشيء مساو لذلك الشيء؛ إذ لو كانت لذاتهما لكان هذا النوع منتجاً دائماً، وليس كذلك فإنه إذا قيل: الإنسان مباين للفرس، والفرس مباين للناطق لم ينتج كون الإنسان مبايناً للناطق.
وقوله: قول آخر أراد به أن القول اللازم يجب أن يكون مغايراً لكل واحدة من المقدمات، فإنه لو لم يعتبر ذلك في القياس لزم أن يكون كل قضيتين قياساً كيف كانتا، كما لو قيل: كل إنسان ناطق وكل ناطق بشر، فإن النتيجة وهي كل إنسان بشر هي إحدى المقدمتين.
الموضع الثاني: في قسمته وهو ينقسم إلى اقتراني، واستثنائي.
فالأول: ما دل على النتيجة أو نقيضها بالقوة لا بالفعل، والمراد بالقوة المعنى بأن تكون مذكورة فيه بمادتها لا بصورتها كالعالم حادث فيما تقدم، فإنه لم يذكر هو ولا نقيضه في القياس بالفعل بمعنى أنه لم يوجد فيه على هذا التركيب.

واعلم أن الاقتراني يتركب من الحمليات الصرفة، ويسمى حملياً كالمثال السابق، ومن الشرطيات، والعمدة هو الحملي، ولذا قال الحضري في حد الاقتران: هو الذي دل على النتيجة بقوة واختص بالحملية.

[الاقتران الشرطي]
قال شارحه: وقوله اختص بالحملية جري على الغالب، ولم يتعرض ابن الإمام في الغاية ولا ابن الحاجب لتفصيل مسائل الاقتران الشرطي لقلة فائدته، وتشعب مسائله، ونحن نشير إليه على جهة الاختصار فنقول: هو ما تركب من الشرطيات المحضة، أو من الشرطيات والحمليات، وأقسامه خمسة:
أحدها: أن يتركب من شرطيتين متصلتين نحو: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، وإن كان النهار موجوداً فالأرض مضيئة، ينتج إن كانت الشمس طالعة فالأرض مضيئة.
الثاني: أن يتركب من شرطيتين منفصلتين كقولنا: العدد إما زوج، وإما فرد، وكل زوج إما زوج الزوج، أو زوج الفرد ينتج كل عدد إما فرد، أو زوج الزوج، أو زوج الفرد.
الثالث: من حملية ومتصلة نحو: كل ما كان هذا إنساناً فهو حيوان وكل حيوان جسم ينتج كل ما كان هذا إنساناً فهو جسم.
الرابع: من حملية ومنفصلة نحو: العدد إما زوج أو فرد، وكل زوج فهو منقسم بمتساويين ينتج كل عدد إما فرد، أو منقسم بمتساويين.
الخامس: من متصله ومنفصله نحو: كلما كان هذا إنساناً فهو حيوان، وكل حيوان فهو إما أبيض أو أسود ينتج كلما كان هذا إنساناً فهو إما أبيض أو أسود.
وأما الحملي فهو ما ليس فيه شرط ولا تقسيم، ويسمى المبتدأ موضوعاً، والخبر محمولاً، والمقدمة الأولى صغرى، والأخرى كبرى، والوسط محمول الأولى موضوع الثانية.

قال بعض العلماء: والمراد بالصغرى المشتملة على الحد الأصغر الذي هو موضوع النتيجة كالعالم متغير في المثال المتقدم، وبالكبرى المشتملة على الحد الأكبر الذي هو محمول النتيجة ككل متغير حادث في المثال، والمتكرر بين الحد الأصغر والأكبر يسمى حداً أوسط، وهو الذي يحذف عند أخذ النتيجة كالمتغير، ووجه التسمية بهذه الاسماء مذكور في كتب الفن، واقتران الصغرى بالكبرى في إيجابهما وسلبهما وكليتهما وجزئيتهما يسمى قرينة وضرباً، والهيئة الحاصلة من وضع الحد الأوسط عند الحدين الأخريين بحسب حمله عليهما أو وضعه لهما، أو حمله على أحدهما، ووضعه للآخر يسمى شكلاً، والأشكال أربعة؛ لأن الحد الأوسط إن كان محمولاً في الصغرى موضوعاً في الكبرى فهو الشكل الأول المسمى بالنظم الكامل؛ لأنه أقواها، وهي ترجع إليه في الحقيقة كقولنا العالم متغير وكل متغير حادث.
وإن كان محمولاً في القضيتين فهو الثاني كقولنا: العالم متغير ولا شيء من القديم بمتغير، وهو قريب من الأول؛ لأنه يوافقه في طرف الحمل الذي هو أقوى من طرف الوضع.
وإن كان موضوعاً فيهما فهو الثالث كقولنا: العالم متغير العالم حادث، وهو أقوى من الرابع لموافقته في طرف الوضع.
وإن كان عكس الأول بأن كان الحد الوسط موضوعاً في الصغرى محمولاً في الكبرى فهو الرابع كقولنا: المتغير حادث العالم متغير، وهو أضعفها لبعده عن الأول لكونه لم يوافقه لا في حمل ولا في وضع، فإن وجد قياس ليس على هيئة من هذه الهيئات الأربع فنظمه فاسد كقولنا: كل إنسان حيوان وكل فرس صهال، ولإنتاج كل شكل شرائط.
فيشترط في الشكل الأول بحسب الكيفية إيجاب الصغرى ليندرج الأصغر تحت الأوسط، وبحسب الكمية كلية الكبرى، وإلا لاحتمل أن يكون البعض المحكوم عليه بالأكبر غير البعض المحكوم به على الأصغر، فلا يلزم اندراج الأصغر تحت الأوسط كقولنا: كل إنسان حيوان وبعض الحيوان فرس، وضروبه المنتجة أربعة:

الأول: موجبتان كليتان ينتج موجبة كلية كقولنا: كل إنسان حيوان وكل حيوان حساس.
الثاني: كليتان والكبرى سالبة ينتج سالب كليه نحو: كل إنسان حيوان ولا شيء من الحيوان بحجر ينتج لا شيء من الإنسان بحجر.
الثالث: موجبتان والكبرى كلية، والنتيجة موجبة جزئية كقولنا: بعض الإنسان حيوان، وكل حيوان حساس ينتج بعض الإنسان حساس.
الرابع: صغرى موجبة جزئية، وكبرى سالبة كلية، والنتيجة سالبة جزئية كقولنا: بعض الإنسان حيوان، ولا شيء من الحيوان بحجر، ينتج بعض الإنسان ليس بحجر.
فقد أنتج هذا الشكل المطالب الأربعة بخلاف بقية الأشكال، ولهذا كان أفضلها، ويشترط لإنتاج الشكل الثاني اختلاف مقدمتيه بالإيجاب والسلب بأن تكون إحداهما موجبة والأخرى سالبة، وهذا بحسب الكيفية، وأما بحسب الكمية، فكلية الكبرى، فالكبرى إن كانت موجبة فالصغرى سالبة كلية أو جزئية، وإن كانت سالبة، فالصغرى موجبة كلية أو جزئية، وضروبه المنتجة أربعة:
الأول: كليتان والكبرى سالبة كقولنا: كل إنسان حيوان ولا شيء من الحجر بحيوان ينتج لا شيء من الإنسان بحجر.
الثاني: كليتان والكبرى موجبة نحو: لا شيء من الحجر بحيوان وكل إنسان حيوان ينتج لا شيء من الحجر بإنسان.
الثالث: موجبة جزئية صغرى وسالبة كلية كبرى نحو: بعض الإنسان حيوان ولا شيء من الحجر بحيوان ينتج بعض الإنسان ليس بحجر.
الرابع: سالبة جزئية صغرى وموجبة كلية كبرى كقولنا: بعض الحجر ليس بحيوان وكل إنسان حيوان ينتج بعض الحجر ليس بإنسان، فلم ينتج هذا الشكل إلا السلب كلياً في الأولين وجزئياً في الآخرين، ولهذا كان دون الأول، ويشترط لإنتاج الشكل الثالث بحسب الكيف إيجاب الصغرى، وبحسب الكم كلية إحدى مقدمتيه، وضروبه الناتجة ستة:
الأول: كليتان موجبتان نحو: كل إنسان حيوان وكل إنسان ناطق ينتج بعض الحيوان ناطق.

الثاني: كليتان والكبرى سالبة ينتج سالبة جزئية كقولنا: كل إنسان حيوان ولا شيء من الإنسان بحجر ينتج بعض الإنسان ليس بحجر.
الثالث: موجبتان جزئية صغرى وكلية كبرى ينتج موجبة جزئية نحو قولنا: بعض الإنسان حيوان وكل إنسان ناطق ينتج بعض الحيوان ناطق.
الرابع: صغرى موجبة جزئية وكبرى سالبة كلية ينتج جزئية سالبة، نحو: بعض الإنسان حيوان ولا شيء من الإنسان بحجر ينتج بعض الحيوان ليس بحجر.
الخامس: من موجبتين كلية صغرى وجزئية كبرى ينتج موجبة جزئية نحو: كل إنسان حيوان وبعض الإنسان ناطق ينتج بعض الحيوان ناطق.
السادس: من كلية موجبة صغرى وجزئية سابلة كبرى ينتج سالبة جزئية نحو: كل إنسان حيوان وبعض الإنسان ليس بحجر ينتج بعض الحيوان ليس بحجر.
ويشترط لإنتاج الشكل الرابع بحسب الكيفية والكمية إما إيجاب المقدمتين مع كلية الصغرى، أو اختلافهما بالكيف مع كلية إحداهما، وضروبه الناتجة خمسة عند المتقدمين:
الأول: من موجبتين كليتين ينتج موجبة جزئية نحو: كل إنسان حيوان وكل ناطق إنسان ينتج بعض الحيوان ناطق.
الثاني: من موجبتين والصغرى كلية نحو: كل إنسان حيوان وبعض الناطق إنسان ينتج موجبة جزئية وهو بعض الحيوان ناطق.
الثالث: من كليتين والصغرى سالبة ينتج سالبة كلية نحو: لا شيء من الإنسان بحجر وكل ناطق إنسان ينتج لا شيء من الحجر بناطق.
الرابع: من كليتين والكبرى سالبة ينتج سالبة جزئية نحو: كل إنسان حيوان ولا شيء من الحجر بإنسان ينتج بعض الحيوان ليس بحجر.
الخامس: من موجبة جزئية صغرى وسالبة كلية كبرى ينتج سالبة جزئية نحو: بعض الإنسان حيوان ولا شيء من الحجر بإنسان ينتج بعض الحيوان ليس بحجر.

القسم الثاني من قسمي القياس
وهو القياس الشرطي ويسمى الاستثنائي لوجود حرف الاستثناء فيه وهو لكن، وعرفوه بأنه ما دل على النتيجة أو ضدها بالفعل، بأن ذكرت فيه النتيجة بمادتها وهيئتها، وهو قسمان: متصل، ومنفصل.
فالمتصل ما يكون بالشرط، وتسمى المقدمة المشتملة على الشرط شرطية، ويسمى الشرط مقدماً والجزاء تالياً، والمقدمة الأخرى استثنائية، والمنتج منه قسمان:
أحدهما: أن يستثنى عين المقدم فينتج عين التالي؛ لأن صدق الملزوم وهو المقدم يستلزم صدق اللازم وهو التالي نحو: إن كان هذا إنساناً فهو حيوان لكنه إنسان فهو حيوان، قالوا: لأنه لو لم ينتج للزم انفكاك اللازم عن الملزوم فيبطل اللزوم.
والثاني: أن يستثنى نقيض التالي فينتج نقيض المقدم، وإلا لزم وجود الملزوم بدون اللازم، فيبطل اللزوم أيضاً مثاله: إن كان هذا إنساناً فهو حيوان لكنه ليس بحيوان فليس بإنسان، وأما ما استثنى فيه عين التالي كقولنا في المثال لكنه حيوان، أو نقيض المقدم نحو: لكنه ليس بإنسان فلا ينتج شيئاً لجواز أن يكون التالي أعم من عين المقدم كما في المثال، فلا يلزم من وجود اللازم وهو التالي وجود الملزوم وهو المقدم كإنسان في المثال، ولا من عدم الملزوم عدم اللازم.
وأما المنفصل فهو ما كان مؤلفاً من قضايا منفصلة وهي المتعاندة، وهي ثلاثة أقسام؛ لأنه إما أن يتركب من مانعة الجمع والخلو، أو من مانعة الجمع فقط، أو من مانعة الخلو فقط، فإن ركب من الأول فأضربه المنتجة أربعة اثنان من جانب الوضع أي العين، واثنان من جانب الرفع أي رفع كل من المقدم والتالي، أي نقيضه مثال ذلك العدد إما زوج، وإما فرد، فاستثناء زوج منتج لنقيض فرد، واستثناء فرد منتج لنقيض زوج، واستثناء نقيض كل منهما منتج لعين الآخر.

وإن كان مركباً من مانعة الجمع فالمنتج منه ضربان وهما استثناء عين كل من الطرفين لتحصيل نقيض الآخر مثال ذلك: إما أن يكون هذا الشيء أبيضاً، وإما أن يكون أسوداً، فاستثناء أبيض منتج لنقيض أسود والعكس، وإما استثناء نقيض كل منهما فلا ينتج شيئاً.
وإن ركب من مانعة الخلو أنتج منه استثناء نقيض كل من الطرفين ليحصل عين الآخر، وإما استثناء العين فلا ينتج شيئاً عكس المركب من مانعة الجمع مثال ذلك: زيد إما في البحر وإما أن لا يغرق، فاستثناء نقيض في البحر منتج لئلا يغرق واستثناء نقيض لا يغرق منتج لفي البحر فيقول: لكنه ليس في البحر فلا يغرق، أو لكنه يغرق فهو في البحر.
الموضع الثالث: في لواحق القياس وهي أنواع:
الأول: في القياس المركب، وذلك أن القياس إن تركب من قضيتين سمي بسيطاً نحو: العالم متغير، وكل متغير حادث، وإن تركب من أكثر سمي مركباً لكونه مركباً من حجج متعددة نحو: النباش آخذ للمال خفية، وكل آخذ للمال خفية سارق، وكل سارق تقطع يده ينتج النباش تقطع يده، وهذا القياس إن صرح فيه بنتائج تلك القياسات سمي متصل النتائج لاتصالها بالمقدمات نحو: النباش سارق، ثم تقول النباش سارق وكل سارق تقطع يده ينتج النباش آخذ للمال خفية، وكل آخذ للمال خفية سارق ينتج النباش تقطع يده، وإن لم يصرح سمي منفصلاً لفصل النتائج عن المقدمات في الذكر وإن كانت مرادة من جهة المعنى كالمثال الذي قبل هذا، وهذا معنى قولهم إن القياس المركب ما تركب من مقدمات ينتج مقدمتان منها نتيجة، وهي مع المقدمة الأخرى تنتج أخرى وهلم جرا إلى أن يحصل المطلوب.
قال قطب الدين الرازي: وذلك إنما يكون إذا كان القياس المنتج للمطلوب تحتاج مقدمتاه أو إحداهما إلى كسب بقياس آخر كذلك إلى أن ينتهي الكسب إلى المبادئ البديهية، فيكون هناك قياسات مترتبة محصلة للمطلوب، ولهذا سمي مركباً.

10 / 329
ع
En
A+
A-