ومنهم من قال : ليست بناسخة والآية الأولى عامة في كل مشرك من أهل الكتاب وغيرهم وهو اختيار الهادي عليه السلام (1)
ومنهم من قال : المراد بالمشركات : أهل الأوثان ولا نسخ في الآية .
قوله تعالى : { فاعف عنهم واصفح } (2)
قيل : الآية منسوخة بآية السيف ، وقيل : منسوخة بقوله تعالى : { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } (3) عن أبي علي ، وقيل : الآية محكمة وليس فيها نسخ والمراد بالعفو(4) : الصبر على أذاهم وترك التعرض لهم .
قوله تعالى: { فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } (5)
قيل : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } (6) فأوجب الله على رسوله الحكم بينهم ولم يبح أن يردهم إلى أحكامهم هذا مذهب أئمتنا عليهم السلام (7)
قوله تعالى : { ما على الرسول إلا البلاغ } (8)
__________
(1) ـ ومما يدل على ذلك أيضا قوله تعالى : لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(22) وهل يعقل أن يتزوج المرء بامرأة كافرة يهودية أو نصرانية ويعيش معها وهو يكرهها وإن لم يكرهها فليس بمؤمن
(2) ـ المائدة 13
(3) ـ الأنفال 58
(4) ـ في النسخة الأخرى والمراد بالصفح
(5) ـ 42 المائدة
(6) ـ المائدة 49
(7) ـ وقال قوم إنها محكمة وأن الإمام بالخيار إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم
(8) ـ المائدة 99
قيل : نُسخت هذه الآية بآية السيف(1)
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } (2)
قيل : هذه الآية منسوخة بآية السيف عند العترة عليهم السلام وقيل : هي محكمة والمراد بقوله { لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } يعني أهل الكتاب ، وقيل : معناه لا يضركم ضلال غيركم إذا كنتم مهتدين ،
روى السيد محمد بن إبراهيم بن إسماعيل عليهم السلام أن المسلمين بمكة لما ذاقوا حلاوة الإسلام قالوا : يا رسول الله ألا نأخذ المعاول فنضرب بها هام المشركين فأنزل الله تعالى رحمة لهم ليكثروا وأبقىعليهم ليستوسق أمرهم : { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } (3)ثم نسخ ذلك بالهجرة والجهاد قال الله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر } (4)بقول : أنتم خير أمة ما أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فإن لم تفعلوا فأنتم شر أمة
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية
اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم } الآية
__________
(1) ـ لأنها تتضمن الاقتصار على التبليغ دون الأمر بالقتال
(2) ـ المائدة 105
(3) ـ المائدة 105
(4) ـ آل عمران 110
قيل : نزلت في ثلاثة نفر خرجوا إلى الحبشة وهم : [1] عدي بن زيد(1) [2] وتميم بن أوس وهما نصرانيان [3] وبديل مولى العاص السهمي وكان مسلما ولما ركبوا البحر مرض بديل وكتب صحيفة فيها جميع ما معه وطرحها في وعائه ودفع متاعه إلى صاحبيه ليدفعاه إلى أهله إذا رجعا إليهم ، ومات بديل في البحر فأخذا إناءً من فضة منقوشا بالذهب فيه ثلاثمائة مثقال ولم يعلما بشأن الصحيفة فلما انصرفا إلى المدينة ودفعا المتاع إلى أهله فرأوا (2)الصحيفة وفقدوا الإناء ثم طالبوهما به قالوا : ما لنا بالإناء من علم فرفعوهما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله هذه الآية قال أبو علي : كانت شهادة أهل الكتاب جائزة في ابتداء الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } (3)وقال شريح والأوزاعي : شهادتهم في السفر على الوصية جائزة على المسلمين ، وقال عبد الله بن الحسين عليه السلام : والقول عندنا في الآية أنها محكمة وليست بمنسوخة وهي في أهل الإسلام خاصة دون أهل الذمة ومعنى الآية : اثنان ذوا عدل منكم يعني من القبيلة أو من غيرهم من المسلمين إذا لم يكن فيمن حضر من قبيلتكم عدلان يوثق بهما على أداء الشهادة في غيرهما من قبائل المسلمين .
قوله تعالى : { فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذاً لمن الظالمين } (4)
قال عبد الله بن الحسين رضي الله عنه : الآية عندنا محكمة وليست بمنسوخة وعلى الأمة العمل بها إلى يوم القيامة وهو رأي الهادي إلى الحق عليه السلام ومروي عن الحسن ، وقيل : إنها منسوخة في استحلاف الشهود وقبول شهادة الذمي وهو قول ابن عباس وإبراهيم وأبي علي وقاضي القضاة رحمهم الله تعالى .
(سُوْرَةُ اْلأنْعَامِ) (مَكِّيَةٌ )
__________
(1) ـ في كتب الحديث عدي بن بداء
(2) ـ في نسخة قرأوا
(3) ـ الطلاق 2
(4) ـ المائدة 107
قوله تعالى: { قُل لَسْتُ عليكم بوكيل }
قيل : منسوخة بآية السيف ، وقيل : غير منسوخة والمراد بقوله تعالى : { لست عليكم بوكيل } أي بحافظ على أعمالكم(1)وهو الوجه
قوله تعالى : { وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون }
قيل : الآية منسوخة بقوله تعالى: { فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره } (2)عن ابن جريج والسدي وأبي القاسم هبة الله المفسر ، وقيل : ليست بمنسوخة وهو الوجه
قوله تعالى { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهْواً } الآية (3)
قيل : الآية منسوخة بآية السيف عن قتادة وأبي القاسم ، وقيل : ليس فيها نسخ وإنما هو تهديد عن مجاهد وغيره .
قوله تعالى : { فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ }
قيل: نسخت بآية السيف وقيل : ليست بمنسوخة ، والمراد تأكيد ما بينا(4)
قوله تعالى : { وأعرض عن المشركين } (5)
قيل : الآية منسوخة بآية السيف عن ابن عباس ، وقيل : ليست منسوخة والمراد بالإعراض الهجران وترك الموعظة .
قوله تعالى : { وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل } (6)
قيل : الآية منسوخة بآية السيف وقيل : ليست بمنسوخة والمراد وما أنت بحافظ لأعمالهم .
قوله تعالى : { فذرهم وما يفترون } (7)
قيل : منسوخة بآية السيف وقيل : هو تهديد والآية محكمة وهو الوجه
قوله تعالى : { يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل …الآية } (8)
قيل : الآية منسوخة بآية السيف وقيل : هو تهديد والآية محكمة .
قوله تعالى : { قل انتظروا إنا منتظرون } (9)
__________
(1) ـ وإنما أطالبكم بالظواهر من الإقرار والعمل لا بالأسرار فعلى هذا الآية محكمة تمت
(2) ـالنساء 140
(3) ـ الأنعام 70
(4) ـ أي لست رقيبا عليكم أحصي أعمالكم فهي على هذا محكمة . تمت
(5) ـ 106 الأنعام
(6) ـ 107 الأنعام
(7) ـ 112 ،137 الأنعام
(8) ـ135 الأنعام
(9) ـ158 الأنعام
قيل : نسخت بآية السيف وقيل : هي تهديد فتكون محكمة .
قوله تعالى : { إنَّ الَّذين فرَّ قوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيءٍ إنما أمرهم إلى الله } (1)
قيل : منسوخة بآية السيف وقيل : ليس لك من أمرهم شيء وإنما أمرهم في الجزاء إلى الله تعالى فعلى هذا تكون الآية محكمة .
[ حصر الآيات التي نسختها آية السيف ]
وقد نسخت آية السيف ( مائة وأربعا وعشرين آية ) (2)والأقرب أن الآية غير منسوخة
(سورة الأعراف )
مكية عن الأصم وذكر فيها إجماعا وقيل : مكية إلا قوله تعالى { وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية .. } إلى قوله : { بعذاب بيس بما كانوا يفسقون } (3)فإنها نزلت بالمدينة عن قتادة .
قوله تعالى : { خذ العفو وامر بالعرف } (4)
قيل : العفو هاهنا ما فضل عن المال ومنه قوله تعالى : { يسألونك ما ذا ينفقون قل العفو } (5)ثم نسخ ذلك بآية الزكاة ذكره الإمام المنصور بالله عليه السلام وروي عن ابن عباس والسدي والضحاك والأصم.
قوله تعالى : { وأعرض عن الجاهلين } (6)
__________
(1) ـ 159 الأنعام
(2) ـ وقيل نسخت (خمسمائة آية)
(3) ـ 161 الأعراف وَإِذْ قِيلَ لَهُمْ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ(161)
(4) ـ 199 الأعراف قيل : لما نزل قوله تعالى : { خذ العفو وامر بالعرف } سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبريل عليه السلام عن معنى الآية فقال عليه السلام لا أدري حتى أسأل ثم رجع فقال يا محمد إن ربك أمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفوا عمن ظلمك ، وعن جعفر الصادق عليه السلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بمكارم الأخلاق وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها تمت الكشاف
(5) ـ 215 البقرة
(6) ـ 199 الأعراف
منسوخة بآية السيف وهذه الآية من عجيب القرآن لأن أولها منسوخ وآخرها منسوخ وأوسطها محكم (1)وهذه الآية جمعت محاسن الأخلاق والآداب
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( يا جبريل وما ذاك ؟ قال : أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك (2)
(سُوْرَة الأنْفَال ) مدنية بالإجماع
قوله تعالى : { يسألونك عن الأنفال } (3)
قيل : الأنفال الغنائم وإضافتها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إضافة ولاية وقيل إضافة ملك وهو الذي رجحه الإمام المنصور بالله عليه السلام ، وقيل : الآية منسوخة بآية الغنيمة وهي قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } ( (4) عن ابن عباس والسدي ومجاهد وعكرمة وعامر وأبي علي وأبي القاسم هبة الله المفسر ، وقيل ليس فيها نسخ (5)
قوله تعالى : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } (6)
قيل : نزلت الآية ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة ولما خرج من بينهم وبقي معهم مؤمنون ثم خرج أولئك المؤمنون نزل قوله تعالى وما لهم ألا يعذبهم الله الآية فذكر أبو القاسم المفسر أنها منسوخة بها وروي ذلك عن الحسن وعكرمة قال الحاكم الإمام أبو سعيد رحمه الله : وليس بصحيح .
__________
(1) ـ وهو قوله تعالى وأمر بالعرف ، والعرف : المعروف فهذا محكم .
(2) ـ صدره إن جبريل أتاه فقال يا محمد إني قد جئتك بمكارم الأخلاق من ربك فقال : إلخ.. تمت أُخرج الحديث في الكتب التالية : صحيح البخاري وسنن أبي داود والمستدرك على الصحيحين والسنن الكبرى وسنن البيهقي والمعجم الأوسط ومكارم الأخلاق والأدب الفرد
(3) ـ 1 الأنفال
(4) ـ 41 الأنفال
(5) ـ قيل : بل الآية الأولى منسوخة لبيان من له الولاية والثانية لبيان المصرف أو أن المراد بالأنفال : مالم يوجف عليه بخيل ولا ركاب والغنايم بخلافها
(6) ـ 33 الأنفال
قوله تعالى : { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } (1)
قيل نزلت في يهود بني قريضة عن ابن عباس (2) وقيل : كان ذلك قبل نزول براءة ثم نسخ والأكثر على أنها غير منسوخة والموادعة جائزة عند ظهور الصلاح فيها .
قوله تعالى : { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } (3)
هذه منسوخة بالآية التي بعدها { الآن خفف الله عنكم } وكان في ابتداء الإسلام كل واحد من المسلمين لعشرة من الكفار لأمور :
[1] ـ منها النصرة
[2] ومنها الصبر
[3] ومنها القوة
[4] ومنها صدق النية
ثم بعد ذلك بزمان طويل نسخ لنقصان القوة وضعف النية , وبين نزول الآيتين مدة طويلة والمعتبر في الناسخ والمنسوخ بالنزول دون التلاوة .
قوله تعالى : { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولا يتهم من شيء حتى يهاجروا } (4)
__________
(1) ـ 61 الأنفال
(2) ـ وقيل : نزلت بالحيبية لما صد المشركون النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن البيت
(3) ـ56 الأنفال
(4) ـ72 الأنفال قال الشوكاني في تفسيره : الجزء :2الصفحة :478
"إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير"
ختم الله سبحانه هذه السورة بذكر الموالاة ليعلم كل فريق وليه الذي يستعين به، وسمى سبحانه المهاجرين إلى المدينة بهذا الاسم، لأنهم هجروا أوطانهم وفارقوها طلباً لما عند الله، وإجابة لداعيه "والذين آووا ونصروا" هم الأنصار والإشارة بقوله: "أولئك" إشارة إلى الموصول الأول والآخر، وهو مبتدأ وخبره الجملة المذكورة بعده، ويجوز أن يكون "بعضهم" بدلاً من اسم الإشارة، والخبر "أولياء بعض" أي بعضهم أولياء بعض في النصرة والمعونة، وقيل المعنى: إن بعضهم أولياء بعض في الميراث. وقد كانوا يتوارثون بالهجرة والنصرة، ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه: " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ". قوله: "والذين آمنوا" مبتدأ، وخبره "ما لكم من ولايتهم من شيء". قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة "من ولايتهم" بكسر الواو. وقرأ الباقون بفتحها: أي ما لكم من نصرتهم وإعانتهم، أو من ميراثهم، ولو كانوا من قراباتكم لعدم وقوع الهجرة منهم "حتى يهاجروا" فيكون لهم ما كان للطائفة الأولى الجامعين بين الإيمان والهجرة "وإن استنصروكم" أي هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا إذا طلبوا منكم النصرة لهم على المشركين "فعليكم النصر" أي فواجب عليكم النصر "إلا" أن يستنصروكم "على قوم بينكم وبينهم ميثاق" فلا تنصروهم ولا تنقضوا العهد الذي بينكم وبين أولئك القوم حتى تنقضي مدته. قال الزجاج: ويجوز فعليكم النصر بالنصب على الإغراء.
قال عبد الله بن الحسين بن القاسم عليهم السلام : أجمع الناس على أنه إذا كان الأخوان أحدهما مؤمن مهاجر والآخر مؤمن أعرابي أن لا توارث بينهما بهذه الآية حتى أباحه الله سبحانه بقوله { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } (1) وهذه الآية نسخت ما كان عليه الناس في الجاهلية (2) من المعاقدة عند الحلف ترثني وأرثك ، والتبني وذلك أن الرجل كان يتبنا الرجل فيدعى ابنه وينسب إليه ويرثه كما كان تبني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة فنسخ ذلك بقوله تعالى { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } ونسخ النسب بقوله تعالى : { أُدعوهم لآبائهم } (3)
[ الهجرة ]
فأما وجوب الهجرة فهي واجبة لم تسقط من دار الكفر ودار الفسق على من تمكن منها هذا مذهب القاسم عليه السلام وجميع ولده
ومذهب الناصر وعند المؤيد بالله عليه السلام إذا كان المؤمن يتمكن من إظهار دينه لا يمنعه مانع فلا تجب عليه الهجرة وعليه أكثر فقهاء العامة ومشائخ المعتزلة قال الإمام المنصور بالله عليه السلام : وقد تسقط الهجرة إذا كان المكلف عالما أن لكلامه تأثيرا يمكنه أن يستنقذهم من الضلال إلى الهدى أو يكون في زمن إمام فيأمره بالوقوف هناك لضرب من المصلحة ، قال وقد يسقط وجوب الهجرة إذا استوت الديار حتى لا يتمكن من الانتقال إلا إلى ما هو من جنس وطنه فهنالك يسكن أينما غلب في ظنه أن دينه أوفر ، فأما غير ذلك
__________
(1) ـ 76 الأنفال
(2) ـ صوابه في بدء الإسلام لأن الأحكام الجاهلية ليست حكما شرعيا حتى يسمى رفعها نسخا لأن النسخ : رفع الأحكام الشرعية
(3) ـ 5 الأحزاب
فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل ) (1)وقال [ صلى الله عليه وآله وسلم ] : ( أنا بريء من مسلم سكن مع كافر ) (2)
__________
(1) ـ أخرجه الإمام الهادي عليه السلام في الأحكام ج2 ص 540
(2) ـ أخرج نحوه أبو طالب (عليهِ السَّلامُ) يقول (صلَى الله عليهِ وآلِه وسَلَّمَ )ما من رجل يجاور قوما فيعمل بين ظهرانيهم بالمعاصي فلا يأخذوا على يده إلا أوشك أن يعمهم الله بعقاب وأخرج الترمذي في سننه برقم 1530 حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ بِالسُّجُودِ فَأَسْرَعَ فِيهِمُ الْقَتْلَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ وَقَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ قَالَ لَا تَرَايَا نَارَاهُمَا حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ جَرِيرٍ وَهَذَا أَصَحُّ وَفِي الْبَاب عَنْ سَمُرَةَ قَالَ أَبمو عِيسَى وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ إِسْمَعِيلَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ جَرِيرٍ وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَالَ و سَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ الصَّحِيحُ حَدِيثُ قَيْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم مُرْسَلٌ وَرَوَى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم قَالَ لَا تُسَاكِنُوا الْمُشْرِكِينَ وَلَا تُجَامِعُوهُمْ فَمَنْ سَاكَنَهُمْ أَوْ جَامَعَهُمْ فَهُوَ مِثْلُهُمْ * وأخرج النسائي في سننه برقم : 4698 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنْ إِسْمَعِيلَ عَنْ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً إِلَى قَوْمٍ مِنْ خَثْعَمَ فَاسْتَعْصَمُوا بِالسُّجُودِ فَقُتِلُوا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم بِنِصْفِ الْعَقْلِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم أَلَا لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا *
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( المسلم والكافر لا تترآ نارهما ) (1)
وقد كان في الدولة الأموية والعباسية ملكت بلاد الإسلام ومن بقي من العترة تضرب إليهم الأعيان ومنهم من هرب إلى بلاد الشرك فردوه ففي مثل ذلك تسقط الهجرة .
(سُورَةُ التَّوْبَة ) مدنية بالإجماع
قوله تعالى : { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين
فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } (2)
قال عبد الله بن الحسين عليه السلام : لم تدع براءة هدنة ولا موادعة ولا عهدا إلا نسخته ولم تدع حضا على الجهاد ولا ترغيبا إلا ذكرته ولها أسماء كثيرة منها الفاضحة ولقد بلغني من حيث أثق أن ابن عباس قال : مازالت براءة تَنْزِل ومنهم من يلمزك في الصدقات ومنهم ، ومنهم حتى ظننا أنها لا تترك منا أحدا ، وجعل الله الأجل بينه وبين المشركين أربعة أشهر أولها يوم عرفة إلى عشر من ربيع الآخر
__________
(1) ـ أخرج النسائي في سننه في القسامة أن رسول الله (صلَى الله عليهِ وآلِه وسَلَّمَ ) قضى بنصف العقل وقال : أنا بريء من كل مسلم مع مشرك ثم قال رسول الله (صلَى الله عليهِ وآلِه وسَلَّمَ ) : ألا لا تراءى ناراهما وأ خرج حيث النسائي هذا الترمذي في السيرة وأبوداود في الجهاد
(2) ـ 1 التوبة