فنسخت هذه الآيةُ الآيةَ الأولى فاشتد ذلك على اليهود وقالوا : ما ولاَّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ فقال تعالى : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } (1)ثم قال تقدس مخبرا عنهم : { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } (2)يعني بالسفهاء اليهود ومن قال بقولهم فلما نسخت القبلة وهي أول ما نسخ صعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنبر فتلا هذه الآية ( قد نرى تقلب وجهك في السماء … ) (3)
[ تاريخ تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة]
ثم نزل فصلى بهم الظهر إلى الكعبة ، البيت العتيق في النصف من شعبان لثمانية عشر شهرا من مقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة ، وصلى إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا
قوله تعالى : { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم }
ذكر الكلبي وغيره من أهل التفسير أنها منسوخة بآية السيف ، قال شيخنا الإمام الحاكم : الأَوْلى أنها غير منسوخة لأن الآية لا تنافي الجهاد ولا تسقط وجوبه [ قال مولانا- عليه السلام - :وهو الوجه ](4)
قوله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدَكمُ الموتُ إن ترك خيرا الوصيَّةُ للوالدين والأَقْرَبين بالمعروف
حقا على المتقين } (5)
اختلف العلماء في هذه الآية على ثلاثة أوجه :
فمنهم من قال :منسوخة في الكل من الأقارب وعليه الأكثر
ومنهم من قال ثابتة في الكل
__________
(1) ـ البقرة / 143
(2) ـ البقرة / 142
(3) ـ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ(144)البقرة / 144
(4) ـ ما بين المعكوفين زيادة في نسخة
(5) ـ البقرة / 180
ومنهم من قال ثابتة فيمن لا يرث ، منسوخة فيمن يرث ثم اختلفوا بأي دليل نسخ ، فقيل بآية المواريث وهو اختيار الهادي (عليه السلام) وقيل بالسنة
وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا وصية لوارث ) (1)
وهو اختيار الإمام المنصور بالله (عليه السلام) وقيل: بالإجماع عن أبي علي ، والنسخ بالإجماع لا يصح عند يحيى وعبد الله بن الحسين عليهم السلام ، وهو قول الأكثر
قوله تعالى { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } (2)
__________
(1) ـ سبق تخريجه ص/ 7 /
(2) ـ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)البقرة / 183
كان الصيام على الذين من قبلنا من العتمة إلى العتمة ، فمن نام لم يأكل ولم يشرب ولم يصب من أهله حتى يفطر من الغد حتى كان من أمر الأنصاري ما كان ، وهو رجل يقال له : أبو قيس (1)
__________
(1) ـ في البخاري برقم : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا أَعِنْدَكِ طَعَامٌ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ خَيْبَةً لَكَ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا وَنَزَلَتْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ
وفي فتح الباري شرح البخاري : قوله : ( عن أبي إسحاق ) هو السبيعي , وإسرإئيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق المذكور , وقد رواه الإسماعيلي من طريق يوسف بن موسى وغيره عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري فيه عن إسرائيل وزهير هو ابن معاوية كلاهما عن أبي إسحاق عن البراء زاد فيه ذكر زهير وساقه على لفظ إسرائيل , وقد رواه الدارمي وعبيد بن حميد في مسنديهما عن عبيد الله بن موسى فلم يذكرا زهيرا , وقد أخرجه النسائي من وجه آخر عن زهير به . قوله : ( كان أصحاب محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ) أي في أول افتراض الصيام , وبين ذلك ابن جرير في روايته من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلا . قوله : ( فنام قبل أن يفطر إلخ ) في رواية زهير " كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئا ولا يشرب ليله ويومه حتى تغرب الشمس " ولأبي الشيخ من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق " كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا لم يفعلوا شيئا من ذلك إلى مثلها " فاتفقت الروايات في حديث البراء على أن المنع من ذلك كان مقيدا بالنوم , وهذا هو المشهور في حديث غيره , وقيد المنع من ذلك في حديث ابن عباس بصلاة العتمة , أخرجه أبو داود بلفظ " كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة " ونحوه في حديث أبي هريرة كما سأذكره قريبا , وهذا أخص من حديث البراء من وجه آخر , ويحتمل أن يكون ذكر صلاة العشاء لكون ما بعدها مظنة النوم غالبا , والتقييد في الحقيقة إنما هو بالنوم كما في سائر الأحاديث , وبين السدي وغيره أن ذلك الحكم كان على وفق ما كتب على أهل الكتاب كما أخرجه ابن جرير من طريق السدي ولفظه " كتب على النصارى الصيام , وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا ولا ينكحوا بعد النوم , وكتب على المسلمين أولا مثل ذلك حتى أقبل رجل من الأنصار " فذكر القصة . ومن طريق إبراهيم التيمي " كان المسلمون في أول الإسلام يفعلون كما يفعل أهل الكتاب : إذا نام أحدهم لم يطعم حتى القابلة " ويؤيد هذا ما أخرجه مسلم من حديث عمرو بن العاص مرفوعا " فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر " . قوله : ( وإن قيس بن صرمة ) بكسر الصاد المهملة وسكون الراء هكذا سمي في هذه الرواية , ولم يختلف على إسرائيل فيه إلا في رواية أبي أحمد الزبيري عنه فإنه قال " صرمة بن قيس " أخرجه أبو داود , ولأبي نعيم في " المعرفة " من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مثله , قال وكذا رواه أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس , ووقع عند أحمد والنسائي من طريق زهير عن أبي إسحاق أنه " أبو قيس ابن عمرو " وفي حديث السدي المذكور " حتى أقبل رجل من الأنصار يقال له أبو قيس بن صرمة " ولابن حرير من طريق ابن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان بفتح المهملة وبالموحدة الثقيلة مرسلا " صرمة بن أبي أنس " ولغير ابن جرير من هذا الوجه " صرمة بن قيس " كما قال أبو أحمد الزبيري , وللذهلي في " الزهريات " من مرسل القاسم بن محمد " صرمة بن أنس " ولابن جرير من مرسل عبد الرحمن بن أبي ليلى " صرمة بن مالك " والجمع بين هذه الروايات أنه أبو قيس صرمة بن أبي أنس قيس بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار , كذا نسبه ابن عبد البر وغيره , فمن قال قيس بن صرمة قلبه كما جزم الداودي والسهيلي وغيرهما بأنه وقع مقلوبا في رواية حديث الباب , ومن قال صرمة بن مالك نسبه إلى جده , ومن قال صرمة بن أنس حذف أداة الكنية من أبيه , ومن قال أبو قيس بن عمرو أصاب كنيته وأخطأ في اسم أبيه , وكذا من قال أبو قيس بن صرمة , وكأنه أراد أن يقول أبو قيس صرمة فزاد فيه ابن , وقد صحفه بعضهم فرويناه في " جزء إبراهيم بن أبي ثابت " من طريق عطاء عن أبي هريرة قال " كان المسلمون إذا صلوا العشاء حرم عليهم الطعام والشراب والنساء , وأن ضمرة بن أنس الأنصاري غلبته عينه " الحديث . وقد استدرك ابن الأثير في الصحابة ضمرة بن أنس في حرف الضاد المعجمة على من تقدمه , وهو تصحيف وتحريف ولم يتنبه له والصواب صرمة بن أبي أنس كما تقدم , والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب . وصرمة بن أبي أنس مشهور في الصحابة يكنى أبا قيس . قال ابن إسحاق فيما أخرجه السراج في تاريخه من طريقه بإسناده إلى عويم بن ساعدة قال : قال صرمة بن أبي أنس وهو يذكر النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : ثوى في قريش بضع عشرة حجة يذكر لو يلقى صديقا مؤاتيا الأبيات . قال ابن إسحاق : وصرمة هذا هو الذي نزل فيه ( كلوا واشربوا ) الآية . قال : وحدثني محمد ابن جعفر بن الزبير قال : كان أبو قيس ممن فارق الأوثان في الجاهلية , فلما قدم النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم المدينة أسلم وهو شيخ كبير , وهو القائل : يقول أبو قيس وأصبح غاديا ألا ما استطعتم من وصاتي فافعلوا الأبيات . قوله : ( فقال لها أعندك ) بكسر الكاف ( طعام ؟ قالت لا , ولكن أنطلق أطلب لك ) ظاهره أنه لم يجئ معه بشيء , لكن في مرسل السدي أنه أتاها بتمر فقال : استبدلي به طحينا واجعليه سخينا , فإن التمر أحرق جوفي . وفيه : لعلي آكله سخنا , وأنها استبدلته له وصنعته . وفي مرسل ابن أبي ليلى : فقال لأهله أطعموني . فقالت : حتى أجعل لك شيئا سخينا . ووصله أبو داود من طريق ابن أبي ليلى فقال " حدثنا أصحاب محمد " فذكره مختصرا . قوله : ( وكان يومه ) بالنصب ( يعمل ) أي في أرضه , وصرح بها أبو داود في روايته . وفي مرسل السدي " كان يعمل في حيطان المدينة بالأجرة " فعلى هذا فقوله " في أرضه " إضافة اختصاص . قوله : ( فغلبته عيناه ) أي نام , وللكشميهني " عينه " بالإفراد . قوله : ( فقالت خيبة لك ) بالنصب وهو مفعول مطلق محذوف العامل , وقيل إذا كان بغير لام يجب نصبه وإلا جاز . والخيبة الحرمان يقال خاب يخيب إذا لم ينل ما طلب . قوله : ( فلما انتصف النهار غشي عليه ) في رواية أحمد " فأصبح صائما , فلما انتصف النهار " وفي رواية أبي داود " فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه " فيحمل الأول على أن الغشي وقع في آخر النصف الأول من النهار , وفي رواية زهير عن أبي إسحاق " فلم يطعم شيئا وبات حتى أصبح صائما حتى انتصف النهار فغشي عليه " وفي مرسل السدي " فأيقظته , فكره أن يعصي الله وأبى أن يأكل " وفي مرسل محمد بن يحيى " فقالت له كل , فقال إني قد نمت . فقالت لم تنم . فأبى فأصبح جائعا مجهودا " . قوله : ( فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ) زاد في رواية زكريا عند أبي الشيخ " وأتى عمر امرأته وقد نامت فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم " . قوله : ( فنزلت هذه الآية ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) ففرحوا بها فرحا شديدا ونزلت ( وكلوا واشربوا ) كذا في هذه الرواية وشرح الكرماني على ظاهرها فقال : لما صار الرفث وهو الجماع هنا حلالا بعد أن كان حراما كان الأكل والشرب بطريق الأولى , فلذلك فرحوا بنزولها وفهموا منها الرخصة , هذا وجه مطابقة ذلك لقصة أبي قيس , قال : ثم لما كان حلهما بطريق المفهوم نزل بعد ذلك ( وكلوا واشربوا ) ليعلم بالمنطوق تسهيل الأمر عليهم صريحا , ثم قال : أو المراد من الآية هي بتمامها . قلت : وهذا هو المعتمد , وبه جزم السهيلي وقال : إن الآية بتمامها نزلت في الأمرين معا وقدم ما يتعلق بعمر لفضله . قلت : وقد وقع في رواية أبي داود فنزلت ( أحل لكم ليلة الصيام ) إلى قوله : ( من الفجر ) فهذا يبين أن محل قوله " ففرحوا بها " بعد قوله : ( الخيط الأسود ) ووقع ذلك صريحا في رواية زكريا بن أبي زائدة ولفظه " فنزلت ( أحل لكم - إلى قوله - من الفجر ) ففرح المسلمون بذلك " وسيأتي بيان قصة عمر في تفسير سورة البقرة مع بقية تفسير الآية المذكورة إن شاء الله تعالى .
، واسمه : صرمة بن أنس فعمل في بعض حوائط المدينة فأصاب مدا من تمر فأتى به زوجته وهو صائم فأبدلته بمد دقيق فعصدته له فنام لِما به من الوهن والتعب قبل أن تفرغ امرأته من طعامه ثم جاءت به حين فرغت فأيقضته ليأكل فكره أن يعصيَ الله ورسوله فطوى تلك الليلة مع ما تقدم من يومه ثم أصبح صائما من غده فمرَّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو طليح (1)
__________
(1) ـ الطليح : المُعْيِيْ والمهزول والمجهود فعيل بمعنى مفعول اهـ المعجم الوسيط ، أخرج نحوهذا البخاري في صحيحه ج2ص676برقم 1782 حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا أَعِنْدَكِ طَعَامٌ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ خَيْبَةً لَكَ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ) فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا وَنَزَلَتْ ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) * والترمذي في سننه ج5ص210 برقم 2894 حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنَّ قَيْسَ ابْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكِ طَعَامٌ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ وَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ خَيْبَةً لَكَ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ) فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) قَالَ أَبمو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ * والدارمي في سننه ج2ص10 وأحمد في سننه ج4 ص295 وابن حبان في صحيحه ج8ص240 وابن خزيمة في صحيحه ج3 ص200 والبيهقي في سننه الكبرى ج4ص201
مجهود
فقال له [ صلَى الله عليهِ وآلِه وسَلَّمَ ] : ( لقد أصبحت يا أبا قيس طليحا ) فأخبره بما كان من خبره فسكت عنه صلى الله عليه وآله وسلم
وكان عمر بن الخطاب في رجال قد أصابوا نساءهم في شهر رمضان فخافوا أن يذكر أمر أبي قيس في شيء من القرآن فيذُكروا معه فقام عمر في أولئك الناس فقالوا : استغفر لنا يا رسول الله فإنا قد واقعنا النساء
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ما كنت جديرا بذلك يا عمر ) فأنزل الله تعالى { أحلَّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ } (1)
فنسخ ذلك من الصيام الأول فالحمد لله الذي رفع عنا الإصار(2)، وبقوله تعالى { كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } فقام إليه رجل فقال يا رسول الله : أرأيت الخيط الأبيض والأسود هما الخيطان ؟
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنك لعريض القفا إنما هو الليل والنهار ) (3)
وقد اختلف العلماء في هذه الإشارة على قولين :
الأول أنه غير رمضان عن معاذ وقتادة وعطاء وابن عباس ثم اختلف هؤلاء فقيل كان : صيام ثلاثة أيام في كل شهر ، وقيل : عاشورا ،
__________
(1) ـ البقرة 187
(2) ـ وهي الأثقال الشديدة المتعبة
(3) ـ أخرج البخاري في صحيحه ج4 ص 1640 عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قل قلت يا رسول الله ـ الخيط الأبيض من الخيط الأسود ـ أهما الخيطان ؟ قال :إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ثم قال : لا بل هو سواد الليل وبياض النهار وقال في فتح الباري شرح البخاري : ج 4 ص 133 : والعرب تقول : فلان عريض القفا إذا كان فيه غباوة وغفلة
و [ الثاني ] قيل : هذه الإشارة بالمعدودات إلى شهر رمضان ، قيل : أوجب الله صيامه على كل أمة فكفرت به الأمم غير أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعليه الأكثر (1)، وقيل : أوجب الله الصيام أولا فأجمل ثم بين فقال : { شهر رمضان } قال القاضي وهو الأولى[ ومثله ذكر مولانا عليه السلام ]
قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين }
قيل : كان المكلف بالصيام مخيرا بين الصيام وبين الفدية فإن شاء صام وإن شاء أفطر وأفدى فعلى هذا : على من أطاق الصوم فأفطر الفديةُ ثم نسخ ذلك بقوله تعالى { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فلما نزلت الآية لم يكن لأحد أن يفطر وهو يطيق الصوم في حضر ، وقيل نزلت الآية في الشيخ الهم الذي لا يطيق ، وليس فيها نسخ عن السدي وهو الأقرب إلى مذهب يحيى (عليه السلام) لأنه قال : معنى الآية : وعلى الذين لا يطيقونه ، فحذف لا وهو يريدها كما قال الشاعر
نزلتم منزل الأضياف منا_______ فعجلنا القرى أن تشتمونا(2)
وقد يذكر لا وهو لا يريدها كما قال تعالى : { لئلا يعلم أهل الكتاب } (3) معناه ليعلم أهل الكتاب
وقال الشاعر: بيوم جدود لا فضحتم أباكم ___ وسالمتوا والخيل تدمى شكيمها(4)
قوله تعال : { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } (5)
__________
(1) ـ وذكلر الهادي عليه السلام في الأحكام أن الله أوجب صيام شهر رمضان في الإنجيل على بني إسرائيل فغيروا إللا غير رمضان من الأيام وزادوافيه عشرين كفارة فلعنهم الله وأخزاهم وذلك قول الله تعالى { كما كتب على الذين من قبلكم } يعني النصارى
(2) ـ أراد فعجلنا القرى أن لا تشتمونا أي لأن لا تشتمونا
(3) ـ الحديد 29
(4) ـ أراد فضحتم أباكم
(5) ـ البقرة 190
كان في ابتداء الإسلام لا يجوز قتال أحد من الكفار إلا من قاتل لقوله : { ولا تعتدوا } يعنى إلى قتال من لم يقاتل فنسخ ذلك بقوله تعالى ? { و قاتلوا لمشركين كافة كما يقاتلونكم كافة } (1)وبقوله { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم (2)وقيل : الآية محكمة عن ابن عباس ومجاهد ولا تعتدوا في قتال أهل مكة ، وقيل أيضا : ولا تعتدوا في قتال الصبيان والنساء والأول هو الوجه عن أبي علي والحسن
قوله تعالى : { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه } (3)
قيل : الآية هذه منسوخة بآية السيف ، وبقوله تعالى { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } هذا قول أكثر العترة عليهم السلام وقيل غير منسوخة ، ولا يجوز عندهم ابتداء القتال في الحرم عن مجاهد ، والأول الوجه
قوله تعالى : { يسألونك ما ذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين
واليتامى والمساكين وابن السبيل } (4)
__________
(1) ـ التوبة 36 "إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين"
(2) ـ التوبة 5
(3) ـ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ(191)البقرة
(4) ـ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَاْلأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ(215)البقرة
قيل :هذه الآية وردت في التطوع ، ولا نسخ فيها ، وقيل :الآية وردت في الزكاة ثم نسخت ببيان مصارف الزكاة عن السدي ، وقيل في الزكاة المفروضة وفي التطوع ففي الوالدين تطوع وفريضة فيمن عداهما لأن دفع الزكاة إلى الآباء والأمهات والأولاد لا يجوز إجماعا .
قوله تعالى: ? { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل فيه قتال كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله } (1)
قيل : نزلت في قصة واقد بن عبد الله (2)
__________
(1) ـ البقرة 217
(2) ـ هو واقد بن عبد الله اليربوعي حليف عمر بن الخطاب قال في الإصابة : واقد بن عبد الله اليربوعي قال بن الأمين فرق بن منده بينه وبين واقد بن عبد الله الحنظلي وهما واحد وقال البغوي في تفسيره :
الجزء :1الصفحة :246"يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"
217. قوله تعالى.: " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " سبب نزول هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بعث عبد الله بن جحش، وهو ابن عمةالنبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أخت أبيه في جمادى الآخرة، قبل قتال بدر بشهرين على رأس سبعة عشر شهراً من مقدمه إلى المدينة، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين: سعد بن أبي وقاص الزهري و عكاشة بن محمص الأسدي و عتبة بن غزوان السلمي و أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة و سهيل بن بيضاء و عامر بن ربيعة وواقد بن عبد الله وخالد بن بكير وكتب لأميرهم عبد الله بن جحش كتاباً وقال له: (( سر على اسم الله ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين فإذا نزلت فافتح الكتاب واقرأه على أصحابك ثم امض لما أمرتك ولا تستكرهن أحداً من أصحابك على السير معك )) فسار عبد الله يومين ثم نزل وفتح الكتاب فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فسر على بركة الله بمن معك من أصحابك حتى تنزل بطن نخلة فترصد بها عير قريش لعلك تأتينا منها بخبر، فلما نظر في الكتاب قال: سمعاً وطاعة، ثم قال لأصحابه ذلك، وقال إنه نهاني أن أستكره أحداً منكم، فمن كان يريد الشهادة فلينطلق ومن كره فليرجع، ثم مضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف عنه منهم أحد حتى كان بمعدن فوق الفرع بموضع من الحجاز يقال له بحران آضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً لهما يعتقبانه فتخلفا في طلبه ومضى ببقية أصحابه حتى نزلوا بطن نخلة بين مكة والطائف.
فبينما هم كذلك إذ مرت عير لقريش تحمل زبيباً وادماً وتجارة والطائف، فيهم عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان فلما رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم هابوهم، فقال عبد الله بن جحش: إن القوم قد ذعروا منكم فاحلقوا رأس رجل منكم وليتعرض لهم فحلقوا رأس عكاشة ثم أشرف عليهم فقالوا: قوم عمار لا بأس عليكم، فأمنوهم، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة، وكانوا يرون أنه من جمادى وهو من رجب فتشاور القوم وقالوا لئن تركتموهم الليلة ليدخلن الحرم وليمتنعن منكم، فأجمعوا أمرهم في مواقعة القوم، فرمى واقد بن عبد الله السهمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله فكان أول قتيل من المشركين[وهو أول قتيل في الهجرة وأدى النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم دية ابن الحضرمي إلى ورثته من قريش. قال مجاهد وغيره لأنه كان بين رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وبين قريش عهد، وادع أهل مكة سنين أن لا يقاتلهم ولا يقاتلوه].
واستأسر الحكم وعثمان فكانا أول أسيرين في الإسلام وأفلت نوفل فأعجزهم، واستاق المؤمنون العير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بالمدينة، فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام فسفك فيه الدماء وأخذ الحرائب وعير بذلك أهل مكة من كان فيها من المسلمين وقالوا: يا معشر الصباة استحللتم الشهر الحرام وقاتلتم فيه!
وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقال لابن جحش وأصحابه: ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام، ووقف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ شيئاً من ذلك، فعظم ذلك على أصحاب السرية، وظنوا أنهم قد هلكوا وسقط في أيديهم، وقالوا: يا رسول الله إنا قد قتلنا ابن الحضرمي ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب فلا ندري أفي رجب أصبناه أم في جمادى؟ وأكثر الناس في ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأخذ رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم العير فعزل منها الخمس، فكان أول خمس في الإسلام، وقسم الباقي بين أصحاب السرية، وكان أول غنيمة في الإسلام وبعث أهل مكة في فداء أسيرهم فقال (( بل نقفهم حتى يقدم سعد وعقبة وإن لم يقدما قتلناهما بهما )) فلما قدما فاداهما، فأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بالمدينة، فقتل يوم بئر معونة شهيداً، وأما عثمان بن عبد الله فرجع إلى مكة فمات بها كافراً وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق فوقع في الخندق مع فرسه فتحطما جميعاً فقتله الله، فطلب المشركون جيفته بالثمن فقال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم خذوه فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية، فهذا سبب نزول هذه الآية.
قوله تعالى: " يسألونك عن الشهر الحرام " يعني رجباً سمي بذلك لتحريم القتال فيه.
" قتال فيه " أي عن قتال فيه " قل " يا محمد " قتال فيه كبير " عظيم، تم الكلام هاهنا ثم ابتدأ فقال " وصد عن سبيل الله " أي فصدكم المسلميين عن الإسلام " وكفر به " أي كفركم بالله " والمسجد الحرام " أي المسجد الحرام وقيل صدكم عن المسجد الحرام " وإخراج أهله " أي إخراج أهل المسجد " منه أكبر " وأعظم وزراً " عند الله والفتنة " أي الشرك الذي أنتم عليه " أكبر من القتل " أي من قتل ابن الحضرمي في الشهر الحرام، فلما نزلت هذه الآية كتب عبد الله بن أنيس إلى مؤمني مكة إذا عيركم المشركون بالقتال في الشهر الحرام فعيروهم أنتم بالكفر وإخراج رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم من مكة ومنعهم المسلمين عن البيت الحرام، ثم قال: " ولا يزالون " يعني مشركي مكة، وهو فعل لا مصدر له مثل ما عسى " يقاتلونكم " يا معشر المؤمنين " حتى يردوكم " يصرفوكم " عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت " جزم بالنسق " وهو كافر فأولئك حبطت " بطلت " أعمالهم " حسناتهم " في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " فقال أصحاب السرية يا رسول الله هل نؤجر على وجهنا هذا، وهل نطمع أن يكون سفرنا هذا غزواً؟
رجل من المسلمين حين قتل عمرو بن الحضرمي مشركا في أول رجب فعيرهم المشركون بأنهم استحلوا الشهر الحرام فنزلت الآية ، واختلفوا فقيل: هي منسوخة ،(1) ويجوز قتال الكفار في الشهر الحرام عن أبي علي والقاضي وهو إجماع العترة عليهم السلام ، وقيل : التحريم ثابت لم ينسخ عن جماعة والأول هو الوجه
قوله تعالى : { يسألونك عن الخمر والميسر } (2) وقوله تعالى : [ في سورة النحل ]
{ ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا } (3)
هذه الآية منسوخة (4) بقوله تعالى { إنما الخمر والميسر والأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } (5) وبقوله تعالى : { إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن و [ الإثم ] } (6) والإثم : اسم للخمر قال الشاعر :
شربت الإثم حتى ضل عقلي _____ كذاك الإثم يذهب بالعقول(7)
__________
(1) ـ بآية السيف
(2) ـ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(219)البقرة
(3) ـ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(67)النحل
(4) ـ لعل العبارة هاتان الآيتان منسوختان
(5) ـ المائدة 90
(6) ـ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(33)الأعراف
(7) ـ الخمر أصله الستر يقال : خمرت الإناء إذا غطيته ومنه خمار المرأة لأنه يستر رأسها والخمر ما خمر العقل وأفسده
وقد قال عز وجل عند مسألة الناس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير (1) ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ولا خلاف أن الخمر كانت حلالا ثم حرمت(2)واختلفوا بم حرمت فقيل : بهذه الآية ، وهو اختيار القاضي ، وقيل : بآية المائدة .
قوله تعالى : { ويسْألونكَ ماذا يُنْفِقُون قلِ العفْوَ }
قيل : الآية في التطوع ، والعفو هو : الفضل أخذا من عغو خطام الدابة ، وقيل في الفريضة وهي منسوخة بآية الزكاة وهو الوجه عند إمامنا المنصور بالله (عليه السلام)
قوله تعالى : { ولاَ تَنْكِحُوا المشْركات حَتَّى يُؤْمِنَّ ولأمةٌ مؤْمنةٌ خيرٌ منْ مشْركةٍ ولو أعجبتكم ولا تُنْكِحُوا المُشْركينَ حتَّى يُؤْمنوا ولَعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم .. } (3)
الآية تدل على تحريم نكاح المشركات ، واختلفوا فيه
فمنهم من قال : المراد به : الوثنية والمجوسية دون أهل الكتاب ، ولا نسخ ولا تخصيص في الآية ،
ومنهم من قال :إن الآية تناول كل الكفار لأن الشر ك من جهة الشرع يطلق على الكل ، ثم اختلف هؤلاء على ثلاثة أقوال :
[1] فزعم بعضهم أن الآية منسوخة في الكتابيات بالآية في المائدة (4)عن ابن عباس والحسن ومجاهد والربيع
[2] وزعم بعضهم أنها مخصوصة بها(5)عن سعيد بن جبير وقتادة
__________
(1) ـ في نسخة زيادة وقريء كثير
(2) ـ عند الهادي عليه السلام أن الخمر ما أحل في شريعة قط إذا فالخلاف موجود
(3) ـ البقرة 221
(4) ـ وهي قوله تعالى { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن . } المائدة / 5
(5) ـ أي بآية المائدة