فأما ما يقتضيه اللفظ فنحو: أن يرد الخطاب بأن الثاني قد نسخ الأول وذلك مثل
ما روي أن رمضان نسخ صوم عاشورا ، وأن الزكاة نسخت كل حق ، وأن الأضحية نسخت كل ذبح إلا أضحية المناسك (1)
__________
(1) - في البخاري برقم حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ صَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَصُومُهُ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمَهُ وفي البخاري برقم حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ

وفي سنن الترمذي : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ فَقَالَ ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وَالْمُسْلِمُونَ فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ أَتَعْقِلُ ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وَالْمُسْلِمُونَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَكِنَّهَا سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْمَلَ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وسيأتي تخريج أشمل وأوسع من هذا ص 37

و من ذلك : أن يرد بلفظ التخفيف مثل قوله تعالى: { الآن خفَّف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا } (1) نسخ ذلك وُجوب وقوف الواحد للعشرة ، ومن ذلك قوله تعالى { ء أشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم } (2) فنبه بذلك على سقوط وجوب تلك الصدقة ، ومن ذلك
قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع بهذه النساء ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ) (3)
__________
(1) ـ الأنفال / 66
(2) ـ المجادلة / 13
(3) ـ سبق تخريجه ص /4

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ) (1)
__________
(1) ـ أخرج نحوه مسلم في صحيحه 6 أحاديث ،منها 1623 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ نُمَيْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي سِنَانٍ وَهُوَ ضِرَارُ ابْنُ مُرَّةَ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ ح و حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ مُحَارِبِ ابْنِ دِثَارٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ أُرَاهُ عَنْ أَبِيهِ الشَّكُّ مِنْ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم ح و حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم ح و حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم كُلُّهُمْ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي سِنَانٍ * وأبو داود في سننه حديثين ،والترمذي في سننه 3أحاديث منها 974 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمِ النَّبِيلُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ قَالَ أَبمو عِيسَى حَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ بِزِيَارَةِ الْقُبُورِ بَأْسًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ * ، وابن ماجة في سننه 5 أحاديث ، وأحمد بن حنبل في مسنده 17 حديثا وغيرهم كثير ولقد شمل فهرس تخريج الحديث 84 حديثا من كتب السنة

وكل دليل ورد وكان يقتضي زوال الحكم الثابت بنص متقدم عن نظائره على وجه لولاه لكان ثابتا بالأول فالثاني يجب أن يكون ناسخا له بأي عبارة كان ، وقد يعلم الحكم منسوخا بأن يوجب الله سبحانه شيئا يضاده ولا يصح اجتماعه معه وإن لم يذكر فيه نهيا ولا لفظ نسخ،وقد يعلم الناسخ ناسخا ببيان إذا لم يكن لفظه مبينا مثل ما رواه الهادي إلى الحق (عليه السلام) الوصية للوالدين والأقربين نسخت بآية المواريث وإن كان ليس في ظاهرها منافات توجب النسخ إلا أنا علمنا النسخ ببيان قوله صلى الله عليه وآله وسلم :
( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث) (1)
[ الطريق لمعرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ ]
( فصل )
فأما الطريق التي بعلم بها تاريخ الناسخ والمنسوخ فهي تعرف بوجوه :
منها : أن يكون في لفظ الناسخ ما دل على أنه بعده نحو ما تقدم من الأمثلة(2)
ومنها : أن يكون الناسخ مضافا إلى وقت أو ما يجري مجراه يُعلم به أنه بعد وقت المنسوخ مثل
__________
(1) ـ أخرجه أبو داود في البيوع والترمذي في الوصاياوابن ماجة في الوصايا والدارمي في السير وأحمد في مسند الشاميين والبيهقي والدار قطني
(2) ـ كحديث المتعة والزيارة

ما روي : قري علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن بأرض جُهينة قبل موته بشهر وروي بشهرين : ( ألا لا تنتفعوا من الميتة بشيء ) (1)
__________
(1) ـ أخرج نحوه أبو داود في سننه 3599 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَعِيلَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ خَالِدٍ عَنِ الْحَكَمِ ابْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّهُ انْطَلَقَ هُوَ وَنَاسٌ مَعَهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ قَالَ الْحَكَمُ فَدَخَلُوا وَقَعَدْتُ عَلَى الْبَابِ فَخَرَجُوا إِلَيَّ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم كَتَبَ إِلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ قَالَ أَبمو دَاومد قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ يُسَمَّى إِهَابًا مَا لَمْ يُدْبَغْ فَإِذَا دُبِغَ لَا يُقَالُ لَه إِهَابٌ إِنَّمَا يُسَمَّى شَنًّا وَقِرْبَةً * والترمذي ،1651 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَالشَّيْبَانِيِّ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ قَالَ أَبمو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ أَتَانَا كِتَابُ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرَيْنِ قَالَ و سَمِعْت أَحْمَدَ ابْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ لِمَا ذُكِرَ فِيهِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرَيْنِ وَكَانَ يَقُولُ كَانَ هَذَا آخِرَ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم ثُمَّ تَرَكَ أَحْمَدُ ابْنُ حَنْبَلٍ هَذَا الْحَدِيثَ لَمَّا اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَادِهِ حَيْثُ رَوَى بَعْضُهُمْ فَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ * وأحمد بن حنبل 18029 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَابْنُ جَعْفَرٍ قَالَا ثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ أَتَانَا كِتَابُ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم وَنَحْنُ بِأَرْضِ جُهَيْنَةَ وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ * ، والبيهقي وغير ذلك كثير

فكان هذا ناسخا لحديث سودة في طهارة جلود الميتة بالدبغ(1)
ومنها: أن يكون المعلوم من حال الراوي لأحدهما أنه صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما صحبه الآخر ، وأن عند صحبته له انقطعت صحبة الأول ، أو يكون المعلوم من حال الحديث الأول أنه كان في وقت قبل صحبة الثاني ، مثال ذلك :
حديث قيس بن طلق أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يؤسس مسجد المدينة فسأله عن مس الذكر ،(2)
ثم روى أبو هريرة عنه صلى الله عليه وآله وسلم شيئا فيمن مس ذكره
والمعلوم من حال أبي هريرة أنه صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بعد فحديثه ناسخ
ومنها : أن يعلم التاريخ من قول الصحابي مثل ما روي عن عائشة :
__________
(1) ـ في المعجم الكبير ج/24 ص/36 عن عكرمة عن سودة بنت زمعة قالت : كانت لنا شاة ماتت فرمينابها فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ما فعلت شاتكم ؟ قلنا : ماتت فطرحناها فقال: أفلا انتفعتم بإهابها فقلت : هي ميتة فقرأ هذه الآية : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة } إنما حرم عليكم أن تطعموها فأرسلوا بإهابها فدبغوه فاتخذوه حتى كان عندهم شنا
(2) ـ أصل الحديث كما روي صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان \ 404/3 \ 1121 أخبرنا محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري بمكة حدثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء حدثنا حسين بن الوليد عن عكرمة بن عمار عن قيس بن طلق عن أبيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره وهو في الصلاة قال لا بأس به إنه لبعض جسدك أما قول المؤلف إنه روى أبوهرية حديثا في مس الذكر فلم أعثر عليه إنما الموجود حديث بسرة بنت صفوان

( كان مما أنزل الله عشر رضعات يحرمن ، فنسخن بخمس ) (1)
وسئل ابن مسعود عن التحيات الصلوات في التشهد فقال : ( كان ذلك ثم نسخ ) فنحن نقبل روايته في التاريخ وإن كنا لا نقلده في مذهبه أن ذلك منسوخ بل نطالب بالحجة على النسخ فإن اجتمعت شرائطه فهو نسخ
ومنها : أن يكون إحدى الآيتين ، أو الخبرين يقتضي حكما عقليا والآخر يقتضي حكما شرعيا فيجب العمل على الشرعي لأنه الطاري هذا إذا جهل التاريخ فإن علم فالحكم له وعند جهالة التاريخ يجب الجمع بين الآيات والأخبار ما أمكن فإن لم يمكن رجع إلى الترجيح ، فإن تعارض العمومات ولم يظهر بينهما ترجيح اطُّرِحا وسقط حكمهما ، وإنما يظهر الترجيح بين الخبرين بأن يكون راوي أحدهما أشد ورعا وتشددا في الرواية ، وأن يكون أحدهما أكثر رواة من الآخر ، أو بعمل الأكثر على أحدهما ، أو يكون مضبوط الإسناد والآخر مرسلا لا يعلم إسناده ، وتحرير ذلك وتفصيله يخرجنا إلى الإسهاب وموضعه كتب أصول الفقه البسيطة وفيما ذكرناه كفاية وتنبيه على مالم نذكره فلنرجع إلى ذكر السور على النسق إن شاء الله تعالى وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(سورة فاتحة الكتاب) نزلت بمكة وفي المدينة مرة أخرى
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ لأن أولها ثناء وآخرها دعاء
(سورة البقرة ) مَدَنِيَّةٌ إِجْمَاعًا
__________
(1) ـ أخرج في المجتبى من السنن لأحمد بن شعيب ج6 ص 100 [27145] أخبرني هارون بن عبد الله قال حدثنا معن قال حدثنا مالك والحرث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن بن القاسم قال حدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت كان فيما أنزل الله عز وجل وقال الحرث فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وهي مما يقرأ من القرآن

قوله تعالى : { ومما رزقناهم يُنْفِقُونَ } (1)
المراد بالنفقة هاهنا : الزكاة ، وقيل : كانت صدقة واجبة فنسخت بالزكاة والوجه هو الأول ، وليس في الآية نسخ
__________
(1) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون َالبقرة (3)) و قال في تفسير الشوكاني الجزء :1الصفحة :54
والرزق عند الجمهور ما صلح للانتفاع به حلالاً كان أو حراماً خلافاً للمعتزلة. فقالوا: إن الحرام ليس برزق، وللبحث في هذه المسألة موضع غير هذا. والإنفاق: إخراج المال من اليد، وفي المجيء بمن التبعضية ههنا نكتة سرية هي الإرشاد إلى ترك الإسراف. وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن إسحاق عن ابن عباس في قوله: "يقيمون الصلاة" قال: الصلوات الخمس "ومما رزقناهم ينفقون" قال: زكاة أموالهم. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أن إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها "ومما رزقناهم ينفقون" قال: أنفقوا في فرائض الله التي افترض عليهم في طاعته وسبيله. وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير ونحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: "ومما رزقناهم ينفقون" قال: هي نفقة الرجل على أهله. وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: كانت النفقات قربات يتقربون بها إلى الله عز وجل على قدر ميسورهم وجهدهم حتى نزلت فرائض الصدقات في سورة براءة هن الناسخات المبينات. واختار ابن جرير أن الآية عامة في الزكاة والنفقات، وهو الحق من غير فرق بين النفقة على الأقارب وغيرهم وصدقة الفرض والنفل، وعدم التصريح بنوع من الأنواع التي يصدق عليها مسمى الإنفاق يشعر أتم إشعار بالتعميم.

قوله تعالى :? { إنَّ الذينَ آمنوا والذين هادوا... } (1)
قيل (2)منسوخة بقوله تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه (3)هكذا روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه ،وقال شيخنا الحاكم رحمة الله عليه : والأولى أنها غير منسوخة لأنه لا تنافي بين الآيتين ومن حق الناسخ وقوع التنافي بينهما (4)
قوله تعالى : { وقولُوا لِلنَّاسِ حسناً } (5)
قيل : خاصة في المؤمن ، وقيل : هي عامة في المؤمن والكافر عن محمد بن علي وأبي عبيد ، ثم اختلف من قال إنها عامة هل هي ثابتة أو منسوخة ؟ فقال ابن عباس وقتادة نسختها آية السيف ، وقال الأكثر : ليست منسوخة لأنه يمكن قتالهم مع حسن القول، ومن حسن القول معهم : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن قال : الآية خاصة ففيها حض على حسن الأخلاق
__________
(1) ـ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62) البقرة
(2) - في نسخة زيادة هي
(3) ـ الْخَاسِرِينَ(85) آل عمران
(4) ـ لأنه قال في الأولى : من آمن بالله واليوم الآخر ، والإيمان بالله يقتضي الإيمان بكتبه ورسله وفي جملتها القرآن ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم ويدخل فيه الإيمان بالإنجيل وعيسى ولا يدخل فيه من بدل من التوراة والإنجيل شيئا وهذا اختيار مولنا المتوكل على الله إسماعيل بن أمير المؤمنين
(5) ـ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ(83)البقرة

قوله تعال : { فاعفوا واصفحوا … } (1)
قيل هي: منسوخة بآية السيف (2) وقيل هي : ثابتة ، والمراد بالصفح الإعراض عنهم والصبر على أذاهم ، وفيه إشارة إلى حسن الأخلاق والأول هو : الوجه
قوله تعالى : { ولِلَّهِ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ فأَيْنما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ الله } (3)
قال السيد الإمام المقتصد العالم عبد الله بن الحسين بن القاسم عليهم السلام :
لما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة أمره الله تعالى بالصلاة إلى بيت المقدس وأنزل عليه ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ،
فكان صلى الله عليه وآله وسلم يصلي إليه لما أراد الله من تقريب أهل المدينة ومن حولها وذلك أن أكثرهم كانوا يهودا وكانوا يعظمون بيت المقدس فلما صلى إليه عظُم أمره عند اليهود ووقع ما يدعوا إليه في قلوبهم وقالت قريش : ما صرفه عن قبلة آبائه ؟
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب قبلة أبيه إبراهيم وذلك أنها كانت قبلة جميع الأنبياء عليهم السلام غير أنه لم يكن أحد أمره الله ببناء البيت ولا دله عليه إلا إبراهيم ، وأما الأنبياء فكانوا يُتعبدون بالصلاة إليه والقصد وكان عليه [ وآله أفضل الصلاة و] السلام يدعوا إلى الله في ذلك وينظر في السماء ويتلفت عند الصلاة إلى البيت العتيق فأنزل الله سبحانه { { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } (4)
__________
(1) ـ تمامها حتى يأتي أمر الله إن الله على كل شيء قدير البقرة / 109
(2) ـ وهي قوله تعالى : فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ولعل الصحيح أنها غير منسوخة لأنه لم يأمره بالعفو مطلقا بل إلى غاية
(3) ـ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(115) البقرة / 115
(4) ـ البقرة / 144

2 / 9
ع
En
A+
A-