[ عدة الوفاة]
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: وأما ما نسخ من العدة فإن الله تعالى [29/1] قال:?وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ? [البقرة: 240] .
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: فكانت المرأة في ذلك الوقت إذا توفي زوجها اعتدت منه سنة، ولها النفقة والسكنى في بيته وماله، فنسخ ذلك بقول الله سبحانه: ?وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا? [البقرة: 234] ، ونسخ الوصية التي في الآية بالميراث الذي حكم الله به وهو: الربع والثمن، ومن ذلك ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: [31/1] ((لا وصية لوارث)).
ولقد بلغني عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم [32/1] أن امرأة جاءته فقالت: إن ابنة لي توفي عنها زوجها، واشتكت عينها، وهي تريد أن تكحلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة عند رأس الحول، وإنما هي أربعة أشهر وعشراً)) وإنما أراد بالبعرة نساء الجاهلية، وذلك أنهن كن [72ب-ب] يعتددن سنة، فإذا مضت السنة خرجت المرأة من بيت زوجها، ثم رمت ببعرة وراءها عند انقضاء العدة وانقضاء الحول.
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: فهذا جميع ما ذكر، واختلف فيه من ناسخ الطلاق ومنسوخه [13أ-أ] .

[ كتاب الحدود]
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: فأما ما ذكر من الحدود وناسخها ومنسوخها.

[حد الزنا]
فإن الله تعالى قال: ?وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً? [النساء:15] ، ثم نسخ هذه الآية قوله في النور: ?الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ? [النور:2] ، وأما قوله:?أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا? فإنما أراد الله سبحانه سيجعل الله لهن سبيلا؛ غير أن (أو) تقوم مقام الواو كما قال تعالى: ?وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ? [الصافات: 147] - يريد ويزيدون؛ لأن الله لا يشك فكذلك فعل الله سبحانه، جعل السبيل لهن إلى ترك الإمساك في البيوت الجلد الذي حكم به فيهن.
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: ومما نسخت أيضاً آية النور قوله تعالى: ?وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا? [النساء:16] .
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: وذلك الأذى؛ فإنما كان إمساك النساء في البيوت حتى يمتن، وأذى الرجال [73أ-ب] التعبير لهم والتجشيم والتنقل بهم والتنزه عن أفعالهم.
وقد ذكر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه وغيره أنهم كانوا مع ذلك يضربون بالنعال.
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: فنسخ الجميع وجعل السبيل وطرح الأذى بالجلد بدلاً منه كله.

وبلغني عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الجهة التي أثق بها أنه [33/1] قال: (كان الوحي إذا نزل على [13ب-أ] النبي صلى الله عليه وآله وسلم بَان لنا منه ذلك وغمض عينيه، فنزل عليه يوماً فسكتنا، فلما أن سرى عنه [6ب-جـ] قال: ((خذوهن واقبلوهن قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي عام، والثيب بالثيب الرجم)) وأما قوله: فاقبلوهن فنقول: بعد أن تصح توبتهن.

[خروج المعتدة بغير عذر]
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: هذا ما نسخ في الزنا وأما قوله في المطلقات: ?لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ? [الطلاق: 1] ، فكان إخراجهن عند الفاحشة واجب، وإمساكهن في البيوت، ثم نسخ ذلك أيضاً بالجلد وغيره مما في سورة النور مما قد ذكرته في نكاح الزانية والزاني، وفي ذلك القول الكفاية؛ فهذا جميع ما نتكلم فيه من الحدود في الزنا والحمد لله كثيراً.

[حدود أهل الذمة والحكم بينهم]~
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: ومما اختلف فيه أيضاً من ناسخه ومنسوخه حدود أهل الذمة.
قال عز وجل في ذلك: ?فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ? [المائدة: 42] ، فقال قوم أنها محكمة وأن الإمام فيهم بالخيار إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم، وقال آخرون: إن هذه الآية منسوخة نسخها قوله: ?وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ? [المائدة: 49] ، والقول عندنا أنها منسوخة، وأن الواجب أن يحكم بينهم بما أنزل الله، والذين قالوا بقولنا أنها منسوخة أكثر ممن قال أنها محكمة، غير أنهم أجمعوا - الذين قالوا بالنسخ- بنسخ هذه الآية، والذين قالوا أنها محكمة أن الحكم بينهم بما في كتاب الله
وقد بلغني عن مجاهد وغيره أنه [14أ-أ] قال:لم ينسخ من المائدة إلاَّ آيتين: أحدهما قوله: ?وَأَن احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ? [المائدة:49] ، نسخت قوله: ?فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ? [المائدة: 42] ، والأخرى قوله:? لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ? [المائدة: 2] ، نسخها قوله عز وجل: ?فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ? [التوبة: 5] .
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: وما أكثر من قال من العلماء أن آخر سورة نزلت المائدة، وأن فيها ثماني عشر فريضة ليس فيها منسوخ، وقال آخرون: آخر سورة نزلت ?إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ? وزعم آخرون: أنه ليس في المائدة منسوخ، وأن جميع ما فيها محكم ناسخ، وقد ذكرت الاختلاف فيها وفيما نسخ منها في مواضعه.
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: وهذا جميع ما جاء في ناسخ الزنا وغيره من الحدود، وما ذكرنا من الحكم بين أهل الذمة.

[ما قيل في القصاص]
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: [74أ-ب] ومما اختلف فيه أيضاً وفي ناسخه ومنسوخه القصاص- قال الله سبحانه: ?كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ? [البقرة:178] .

[القصاص بين الجاهلية والإسلام]
وقد بلغني من حيث أثق به [34/1] أن هذه الآية إنما نزلت في حرب كانت بين بطنين من العرب، قد اختلف في أسمائهما، وأنه كان أحد البطنين أشرف من الآخر فقالوا: نقتل بالعبد منا الحر منكم، وبالمرأة الرجل، فنزلت هذه الآية فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يتساووا بالقتلى على ما نزلت [14ب-أ] فزعم قوم أنها منسوخة، نسخها قول الله تعالى: ?النَّفْسَ بِالنَّفْسِ? [المائدة: 45] . وهذا عندي قول ضعيف.
وقال آخرون: الآيتان جميعا محكمات.
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: وبهذا القول أقول، وهو عندي إن شاء الله الصواب ولكلٍ معنى، أما قوله: ?النَّفْسَ بِالنَّفْسِ?فإنما ذلك على أن أنفس الأحرار متساوية فيما بينهم، ليس لأحد على أحد فضل عند القتل، أنفسهم واحدة، وكان هذا القول [7أ-جـ] حُكم حَكمَ الله به في أنفس الأحرار دون أنفس العبيد، وأخبر أن دماء الأحرار متكافئة، وأن أنفس العبيد متساوية ومتكافئة فيما بينهم دون الأحرار؛ وذلك لقوله سبحانه: ?الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى? [البقرة: 178] .
وقد بلغني من حيث أثق به [35/1] أن رجلاً من المسلمين اختصم هو وزوجته فلطمها؛ فاجتمع أولياؤها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألوه القصاص، فهمَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقتصهم منه، فأنزل الله سبحانه: ?الرِّجَالُ [74ب-ب] قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ...?الآية [النساء:34] ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((أردنا شيئاً فجاء الله بخير منه)) فصرفهم ولم تقتص المرأة من زوجها، فميز الله عز وجل بينهم، وفرق بين الحر والعبد والرجل والمرأة، ولمن أجمع معنا على هذا القول أكثر ممن خالفنا من الذين يرون القصاص من العبد والحر في النفس وحدها

قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: ومما احتج به [15أ-أ] على من ذكرت ممن خالفنا قول الله سبحانه:?النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ? [المائدة: 45] ، والكلام نسق يتبع بعضه بعضاً، فعلمنا أنه إنما أراد ما ذكرنا من تكافؤ نفوس الأحرار بينهم، و أن كلما ذكره الله سبحانه من نفس أو غيرها فهو بين الأحرار دون العبيد، فإن زعم زاعم أن ?النَّفْسَ بِالنَّفْسِ? ناسخ فكيف يساوي بين أنفس الأحرار والعبيد، ولا يساوي بينهم في الجراح والقصاص في الأعضاء والآية واحدة، والكلام نسق يتبع بعضه بعضاً لم يفصل بينه بشيء، فلا بد لمن قال بهذا أن يجعل القصاص بين الحر والعبد في كل شيء، وإلاَّ فسدَ عليه قوله لإجماعه، مع إجماع الأمة أنه لا قصاص في الجراح بين حر وعبد، ورَدته الحجة إلى قولنا؛ لأنه ليس له أن يأخذ بعض الآية ويدع بعضها، ويفضل من ذلك ما لم يفضله الله به، وكيف يرى أن يقتل حرٌ بعبد لم يرد بقتله فساداً في الأرض، ويستحل ذلك ويستجيزه، و لا يرى أن يجعل بينهم قصاصاً فيما دون النفس، والنفس أكبر [75أ-ب] وأعظم من القصاص، وهذا أيضاً قول منهم بلا ثبت ولا حجة لا من الكتاب ولا من السنة ولا من المعقول.

[حد الحرابة ]
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: ومما اختلف فيه من الحدود أيضاً [ماروي] عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم [36/1] أن قوماً من عرنة وقيل: من بني سليم قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة، فاعتلوا بها، فقال لهم رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم : ((الحقوا بإبل الصدقة فاشربوا [15ب-أ] من ألبانها وأبوالها))، ففعلوا فصحوا ومالوا على الراعي فقتلوه وارتدوا عن الإسلام، واستاقوا الإبل، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخبر، فأرسل في إثرهم، فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركوا بالحرة حتى ماتوا وقد صح لنا هذا الحديث من حيث يجب، غير أنه كان ذلك في أول الإسلام وقبل نزول الحدود، فلما نزلت الحدود نسخ الله ذلك بقوله: ?إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ? [المائدة: 33] .

7 / 16
ع
En
A+
A-