[نكاح الزانية والزاني]
ومما اختلف فيه قول الله تعالى: ?الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ? [النور:3] فزعم قوم أنها منسوخة لا يعمل بها ، وأن الآية التي بعدها هي التي نسختها، وهي قوله الله سبحانه: ?وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ? [النور:32] ؛ فزعموا أن البغايا هن الأيامى، واعتلوا أيضا بحديث ضعيف في الآية التي ذكر الله فيها تحريم نكاح الزانية والزاني؛ فزعموا أن رجالاً كانوا يزنون في الجاهلية بنساء كن عواهر، فلما أن حرم الله الزنا أرادوا أن يتزوجوهن فحرم [69أ-ب] الله ذلك عليهم خاصة لقوله:?الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً? [النور:3] ، وهذا حديث لا نعرفه ولم يجيء إلاَّ من جهة واحدة، ثم اختلف أصحاب هذا القول، فقال بعضهم: كان تحريماً عاماً واحداً ثم نسخته الرخصة [9ب-أ] ، وقال بعضهم: لم يكن التحريم إلاَّ على أولئك خاصة دون غيرهم، وقال بعضهم: بما ذكرت من نسخ الآية وأباحوا نكاح البغايا وإمساكهن، وقال الآخرون: إن الآية محكمة قائمة محرمة، وهذا قولنا وبه نأخذ، غير أن لها عندنا معنى ومخرجاً.

نقول: إن الله سبحانه إنما ذكر ذلك وحرمه ما كانت مقيمة على فجورها وبغيها، فحرام على المؤمنين نكاحها، وكذلك الفاجر ما كان مقيماً على فجوره فحرام نكاحه مؤمنةً، فإن تابا وصحت توبتهما فلا بأس بإنكاحهما، لا شيء أشد من الكفر بالله، فقد قبل الله التوبة من المشركين، وأثنى عليهم، والمعنى في الآية أنه لا يحل لمؤمن أن ينكح زانية مقيمة على زنائها، ولا يحل لمؤمنة أن تنكح زانياً مقيماً على زنائه، ومعصيته لله فهذا عندنا هو معنى الآية، وهي محكمة، ولقد بلغني من حيث أثق عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه [21/1] أن قوماً اختصموا إليه في رجل تزوج امرأة فزنت قبل أن يدخل بها، أنه فرق بينهما.
وذكر أيضاً عن بعضهم [22/1] أن رجلاً تزوج امرأة فزنت قبل أن يدخل بها، ففرق بينهما ولم يعطها صداقاً، وأحسب ذلك عن شريح.

[اللعان]
قال عبد الله بن الحسين [69ب-ب] صلوات الله عليهما: ومما يحتج به أيضاً على ما ذكرنا ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في التفريق [10أ-أ] بين المتلاعنين فنقول لخصمنا: إذا كانت تحرم عليك بأن ترميها بالفجور، أو بأن تنفي من ولدها حتى يحكم عليه في ذلك باللعان، ثم تصير محرمة عليه بالتهمة، فهي عليه باليقين أحرم، والحجة له بذلك ألزم والقول عليه أوكد؛ لأن الله سبحانه اشترط على المؤمنين نكاح [5أ-جـ] المحصنات من المؤمنات، ومع هذا لا يؤمن أن تفسد على زوجها نسبه، ويدخل فيه ما ليس منه حتى تحل في ذلك الحرام، وتحرم منه الحلال، فأي عظيمة أعظم من هذا أو أجل عند الله سبحانه، وقد احتج قوم بحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضعيف كذب لا يلتفت إليه، وهو [23/1] أن رجلاً زعموا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : أن امرأته لا ترد يد لامس، فأمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يستمتع منها. وهذا باطل كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يرو هذا إلاَّ من جهة واحدة ولا يعبأ بها، غير أني أحببت ذكرها حتى لئلا يحتج بها محتج فيظن أن هذا خبر صحيح، وهذا هو المعنى عندنا، والله أعلم. في هذه الآية، والنكاح الذي ذكره الله سبحانه، وهو محتمل للتزويج والعقد، محتمل أيضاً للجماع، وقد روي عن ابن عباس أنه قال: النكاح الجماع ، وقال غيره: هو العقد فهذا ما اختلف فيه.

[نكاح المتعة]
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: ومما اختلف فيه نكاح المتعة التي [10ب-أ] ذكرها الله في سورة النساء وهو قوله تعالى: ?فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُن ? [النساء:24] ، فقال في ذلك قوم: هي منسوخة نسخها قول الله عز وجل: ?يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ? [الطلاق:1] ، وقال آخرون: أنها محكمة والقول عندنا أنها منسوخة نسخها الكتاب والسنة، وأن الاستمتاع الذي ذكره الله إنما هو: تزويج، إلاَّ أنه كان فيه شرط، وقد فسرت ذلك في آخر الباب.
وأما الكتاب فنسخها قول الله سبحانه: ?وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ? [المعارج:29-31] ، فنسخها ما أوجب الله سبحانه من العدة للزوجة، والميراث والصداق والطلاق، وقوله للأولياء: أنكحوا ولا تنكحوا.
وأما السنة، فنهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عنها وعن كل شرط في النكاح.

وقد بلغني من غير جهة أن المتعة إنما كانت ثلاثة أيام، وأنها كانت تزويجاً إلاَّ أنه كان فيها شروط، فنسخ الله تلك الشروط بما ذكرنا، وما كان من نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها وذلك [25/1] أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر فشكا إليه الناس العزبة فقال: ((استمتعوا من هذه النساء واجعلوا الأجل بينكم ثلاثة أيام، فما أحسب أن رجلاً منكم يستمكن من امرأة ثلاثة أيام إلاَّ ولاَّها الرابعة بدبره))، فلما أن كان اليوم الرابع أو الثالث من قوله خرج عليه السلام حتى وقف بين الركن والمقام، وأسند ظهره إلى الكعبة ثم قال: ((يا أيها الناس إني كنت أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء [11أ-أ] ألا وأن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء [70ب-ب] فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً))، فهذا ما صح عندنا في تلك العمرة والمتعة.
وقد بلغني من حيث أثق عن محمد بن الحنفية عن أبيه علي بن أبي طالب صلوات الله عليه [26/1] أنه مرَّ بابن عباس وهو يفتي بنكاح المتعة. فقال له علي عليه السلام قد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها، وعن لحوم الحمر الأهلية.
وقد بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث آخر [27/1] أنه قال بعد ما ذكرنا عنه من قوله في تحريمها ما قاله في اليوم الثالث في آخر كلامه: ((متعة النساء حرام)) حتى قال ذلك مرتين أو ثلاثاً.

قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: وما علمت أن أحداً كان يبيحها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلاَّ ابن عباس .
وقد بلغني وتقرر عندي أنه رجع عنها وحرمها قبل وفاته والمتعة التي قلنا أنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنما بلغنا [5ب-جـ] أنه كان فيها شرط كذا وكذا بكذا، وليس بيننا توارث، ثم جاء النسخ لذلك والنهي عنه، لما أراد الله سبحانه من صحة الأنساب والصلاح في الدين والمؤمنين.
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: ولا أعلم أن أحداً من أهل العلم جميعاً لا من أهل العراق ولا من أهل الحجاز، ولا من أهل الشام، ولا من أصحاب الآثار، ولا ممن يؤخذ بقوله إلاَّ وقد أجمعوا جميعاً أنها حرام، وأنها منسوخة بما ذكرنا من الحجج في أول كلامي هذا [11ب-أ] [71أ-ب] غير فرقة زعمت أنها فرقة من فرق الشيعة ممن ينتحل القول بالإمامة فقد خلطوا على الشيعة وغيرهم بهذا القول ومثله، ودلسوا على الشيعة وغيرهم بهذه الأقاويل، فهذا جميع ما اختلف فيه من ناسخ النكاح ومنسوخه.

[كتاب الطلاق]
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: فأمّا ما جاء من الطلاق في الناسخ والمنسوخ وذلك في مكانين: أحدهما فدية المختلعة، وعدة الوفاة.

[فدية المختلعة ]
قال الله تعالى: ?وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا? [البقرة:229] ، ثم قال بعد ذلك:?إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ? [البقرة:229] .
وقال: ?وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا? [النساء:20] ثم نسخ هذا بقوله:?إلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ? فأحلت هذه الآية الأخذ منهن عند تركهن إقامة حدود الله، وذلك عند عصيانهن لأزواجهن، وترك طاعتهن ونشوزهن.

[ أول مختلعة في الإسلام ]
وأول مختلعة كانت في الإسلام حبيبة بنت سهل كانت عند قيس بن ثابت بن شماس فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت: يا رسول الله، لا أنا، ولا ثابت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : [28/1] ((أفتردين عليه ما أخذت منه))؟
قالت: نعم، وكان ثابت قد تزوجها على حديقة من نخل، فقال ثابت: هل تطيب ذلك لي يا رسول الله، قال: ((نعم؛ فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطلاقها)).
قال عبد الله بن الحسين صلوات الله عليهما: فهذا ما جاء في نسخ الطلاق ومنسوخه [71ب-ب] .

[الفرقة بسبب النشوز وسوء العشرة (الحكمين)]
وأما الحكمين [12أ-أ] فإنه بلغني عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه من حيث أثق به، ومن غير جهة [29/1] أنه جاءه رجل وامرأة قد نشزت عنه، ومع كل واحد منهما جماعة من الناس، فأمرهم أن يبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ففعلوا.
فقال علي عليه السلام للحكمين: أتدريان ما عليكما؟ إن رأيتما أن تفرقا فرقتما، وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما، فقلنا: قالت المرأة: رضيت بكتاب الله، وعلي ولي الله، فقال الرجل: أما الفرقة فلا، فقال له علي عليه السلام: كذبت والله حتى ترضى كما رضيت، وعلى هذا أهل العلم اليوم، ولا أعلم غيره متواطئين عليه، وقد قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: إن حكم أحد الحكمين ولم يحكم الآخر فلا شيء حتى يجتمعا، وذلك قول كثير من أهل العلم، وهو قولنا وبه نأخذ.
واختلفوا في الفرقة، فقال قوم: لا تكون إلاَّ بإذن السلطان وعنده، وقال آخرون: إنه جائز أيهما كان وأمرهما جائز في تلك الفرقة، إن فرقا بثلاث أو باثنتين أو واحدة، ونحن نقول: إذا كان الإمام عادلاً كان ذلك عنده وبأمره، وإن كان الإمام الذي قلناه معدوماً جاز ذلك فيما بينهم، وكان إذا أراد رجعتها خاطباً من الخُطاب.
وقد بلغني [30/1] أن عمر أجاز شراء امرأة من زوجها تطليقة بألف، وروي إجازة ذلك عن عثمان، وكذلك بلغني عن شريح أنه أجاز خلعاً دونه، وذكر أيضاً عن شريح أن امرأة قالت لزوجها: أترك لك صداقي على تطليقي.
قال: فأنت طالق.
قالت: لا والله حتى تمرها ثلاثاً.
قال: أنت طالق ثلاثاً.
قالت: قد طلقتني [72أ - ب] فاردد عليَّ مالي [12ب-أ] فاختصما إليه، فقال: أما امرأتك فقد بانت منك وأما مالك فلك [6أ-جـ] . وهذا ما اختلف فيه من الحكمين.

6 / 16
ع
En
A+
A-