[4] قوله تعالى {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} [البقرة: 109].
قيل: منسوخة بآية السيف](1) وقيل: هي ثابته، والمراد بالصفح الإعراض عنهم والصد عن أذاهم، وفيه إشارة الى حسن الأخلاق، والأول هو الوجه.
[5] قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115].
قال السيد الإمام المقتصد العالم عبدالله بن الحسين بن القاسم عليه السلام(2) لما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة أمره الله تعالى بالصلاة إلى بيت المقدس، وأنزل الله عليه:
{وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] فكان -صلى الله عليه وآله وسلم- يصلي إليه لما أراد الله من "تقريب" أهل المدينة، ومن حولها، وذلك أن أكثرهم كانوا يهوداً، وكانوا يعظمون بيت المقدس، فلما صلى إليه عظم أمره عند اليهود، ووقع ما يدعوا إليه في قلوبهم، وقالت قريش: ما صرفه عن قبلة آبائه، وكان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- [19-أ] يحب قبلة أبيه ابراهيم -عليه السلام- وذلك أنها قبلة جميع الأنبياء -عليهم السلام- غير أنه لم يكن أحد أمره الله ببناء البيت، ولا دلَّ عليه إلاَّ إبراهيم، وأمَّا الأنبياء [من قبله] فكانوا يتعبدون بالصلاة إليه والقصد، وكان -صلى الله عليه وآله وسلم- يدعو إلى الله سبحانه.
__________
(1) ما بين [ ] ساقط من (أ).
(2) عبدالله بن الحسين: سبقت ترجمته.
وما نقله المؤلف عن الإمام عبدالله بن الحسين أورده في كتابة الناسخ والمنسوخ بحث أول ما نسخ الله عز وجل في كتابه الكريم.
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] فنسخت هذه الآية الآية الأولى، (فاشتد)(1) ذلك على اليهود، وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فقال سبحانه:
{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143] ثم قال تقدس مخبراً عنهم:
__________
(1) - في أصولي: فاشتدت وهو تصحيف.
{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142] يعني بالسفهاء اليهود ومن قال بقولهم، فلما نسخت القبلة، وهي أول ما نسخ صعد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- المنبر فتلى [20-أ] هذه الآية: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} ثم نزل، فصلى بهم الظهر إلى الكعبة البيت العتيق، في النصف من شعبان، لثمانية عشر شهراً من مقدم المدينة، وصلى إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً(1)
__________
(1) ما احتج به المؤلف من كلام الإمام عبدالله بن الحسين جاء في كتابة الناسخ والمنسوخ مع بعض الإختلافات البسيطه تقديماً وتأخيراً وزيادة للفائده نورد ما قاله الإمام عبدالله بن الحسين على النحو التالي ((لما أن دخل المدينة أمره الله بالصلاة الى بيت المقدس وأنزل عليه {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} فكان عليه الصلاة والسلام يصلي إليه لما أراد الله من أطنأ، وفي نسخ أخرى تقريب ـ أهل المدينة ومن حولها وذلك أن أكثرهم كانوا يهوداً، وكانوا يعظمون بيت المقدس فلما أن صلى -صلى الله عليه وآله وسلم- إليه عظم أمر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عندهم ووقع ما يدعوا إليه في قلوبهم فصلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، وقيل سبعة عشر شهراً، وكان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يحب قبلة أبيه إبراهيم وذلك أنها كانت قبلة جميع الأنبياء عليهم السلام، غير أنه لم يكن أحد أمره الله ببناء البيت ودله عليه ولا أظهره له إلا إبراهيم -عليه السلام-، وأما الأنبياء عليهم السلام من قبله، فكانوا يتعبدون بالصلاة إليه والقصد، وكان -عليه السلام- يدعوا الله في ذلك وينظر الى السماء ويلتفت عند الصلاة الى البيت العتيق فأنزل الله سبحانه: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} أي نحوه، فنسخت هذه الآية التي قبلها وهي {ولله المشرق والمغرب} فاشتد ذلك على اليهود فقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، وقد قال أيضاً قبل ذلك مثل هذا القول مشركي العرب حين صلى -صلى الله عليه وآله وسلم- الى بيت المقدس ونزل قبلة أبيه إبراهيم فأنزل الله سبحانه {قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}، ثم قال الله عز وجل {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} يقول سبحانه: ليتبين لك أهل اليقين والتسليم من أهل الشك والإرتياب، وكذلك قال في موضع آخر {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك } الى أن قال: ثم قال تقدس مخبراً عن اليهود وغيرهم: {سيقول السفهاء من الناس.... عليها} الآية يعني بالسفهاء اليهود، ومن قال بقولهم، وقد بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لما أن نسخت القبلة صعد المنبر فتلى على الناس هذه الآية الى آخرها {قد نرى تقلب وجهك في السماء} ثم نزل عن المنبر فصلى بهم الظهر الى البيت العتيق.
الناسخ والمنسوخ عبدالله بن الحسين بتحقيقنا ((تحت الطبع)).
[5ب-ب].
[6] قوله تعالى: {وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [البقرة: 139].
ذكر الكلبي(1) وغيره من أهل التفسير، أنها منسوخة بآية السيف، قال شيخنا الإمام الحاكم (2): الأولى أنها غير منسوخة، لأن الآية لاتنافي الجهاد، ولا يسقط وجوبه(3)
[7] قوله تعالى: {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180].
اختلف العلماء في هذه الآية على ثلاثة أوجه(4)
__________
(1) - ورد في أصولي هكذا: ذكر الكني. والصحيح ما أثبتناه، وهو: محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث الكلبي، أبو النصر، إمام في التفسير والأنساب وأخبار العرب، له (تفسير القرآن)، والناسخ والمنسوخ.
انظر: معجم المفسرين (2/530ـ 531).
(2) سبقت ترجمته.
(3) راجع الناسخ والمنسوخ لعبدالله بن الحسين. (بتحقيقنا).
(4) هذا راي المؤلف أما بعض العلماء فذهب الى أن في هذه الآية خمسة أقوال:
الأول: أنها منسوخة بالسنة وذلك بقوله -صلى الله عليه وآله وسلم- ((لا وصية لوارث)).
الثاني: أنها منسوخة بآية الفرائض، وهذا القول قاله الفقهاء على اعتبار أن القرآن لا ينسخ إلا بقرآن.
الثالث والرابع: وهو قول الحسين قال: نسخت الوصية للوالدين وثبت للأقربين الذين لا يرثون، وكذا روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وقال الشعبي والنخعي الوصية للوالدين والأقربين على الندب لا على الرحم.
الخامس: أن الوصية للوالدين والأقربين واجبة بنص الكتاب إذا كانوا لا يرثون وهو قول الضحاك وطاوس، والحسن البصري، والعلاء بن زيد، ومسلم بن يسار، وذهب ابن حزم الأندلسي الى أنها منسوخة وناسخها قوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم}، وقال محمد بن أحمد المصري المعروف بأبي جعفر النحاس: تنازع العلماء معنى هذه الآية وهي متلوة فالواجب ان يقال أنها منسوخة لأن حكمها ليس ينافي حكم ما فرض الله من الفرائض فوجب أن يكون (كتب عليكم إذا حضر أحدكم)) الآية كقوله تعالى ((كتب عليكم الصيام)) الناسخ والمنسوخ لابي جعفر النحاس ص (21)، والناسخ والمنسوخ لابن حزم ص (24 ـ 25).
أما المفسرون فقد اختلفوا في الوصية المشار إليها في الآية هل كانت واجبة أم لا إلى قولين:
الأول: أنها كانت ندباً لا واجبة وهو مذهب جماعة منهم الشعبي، والنخعي.
الثاني: أنها كانت فرضاً ثم نسخت وهو قول جمهور المفسرين.
قال بن الجوزي: اختلف القائلون بإيجاب الوصية ونسخها بعد ذلك في المنسوخ من الآية على ثلاثة أقوال:
الأول: أن جميع ما في الآية من إيجاب الوصية منسوخ قاله ابن عباس.
الثاني: أنه نسخ منها الوصية للوالدين، قاله بن أبي نجيع.
الثالث: أن الذي نسخ من الآية الوصية لمن يرث ولم ينسخ الأقربون الذين لا يرثون، رواه عكرمة عن ابن عباس، وهو قول الحسن والضحاك وابن العالية.
نواسخ القرآن ص (59 ـ 62).
وذهب جماعة الى أن الآية كلها محكمة، ومنهم: الحسن البصري، وطاووس وعلاء بن زيد، ومسلم بن يسار.
الناسخ والمنسوخ هبة الله بن سلامة ص (83).
فمنهم من قال: منسوخة في الكل بالأقارب، وعليه الأكثر.
-ومنهم من قال:
-ثابتة في الكل، ومنهم:
-فيمن لا يرث منسوخة، فيمن يرث ثم اختلفوا بأي دليل نسخ، فقيل بآية المواريث، وهو اختيار الهادي(1) -عليه السلام-، وقيل بالسنة [21-أ]، وهي:
[[11]] ((لا وصية لوارث))(2) وهو اختيار المنصور بالله -عليه السلام-(3) وقيل بالإجماع عن أبي علي(4) والنسخ بالإجماع لا يصح عند يحيى وعبدالله(5) -عليهما السلام- وهو قول الأكثر(6)
[8] قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ} [البقرة: 183].
__________
(1) الهادي: هو الإمام الأعظم والمجاهد الأمير يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم الرسي.. سبقت ترجمته.
(2) الحديث. سبق تخريجه.
(3) المنصور بالله: هو الإمام عبدالله بن حمزة. سبقت ترجمته.
(4) أبو علي: هو محمد بن عبدالوهاب بن سلام بن خالد بن حمزة، أبو علي الجباني من أئمة المعتزلة، ورئيس علماء الكلام في عصره، وإليه نسبة الطائفة الجبائيه من كتبه تفسير القرآن في عشر مجلدات ولد سنة 235هـ/ 849م / وتوفي سنة 303هـ / 916م.
لمزيد حول ترجمته انظر:
معجم المفسرين (2/570) ومصادره.
(5) يحيى وعبدالله: أبي يحيى الحسين الإمام الهادي، والإمام عبدالله بن الحسين مؤلف كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم. سبقت ترجمتهما.
(6) النسخ بالإجماع: سبق التوضيح.
كان الصوم على الذين من قبلنا، من العتمة إلى العتمة، فمن نام لم يأكل ولم يشرب، ولم يصب من أهله حتى يفطر من الغد، حتى كان من أمر الأنصاري ما كان، وهو رجل يقال له: أبو قيس، واسمه صرمة بن [أبي] أنس(1)، فعمل في بعض حوائط المدينة، فأصاب مدّاً من تمر فأتى به زوجته وهو صائم، فأبدلته بمد دقيق فعصدته له فنام لِما به من الوهن والتعب قبل أن تفرغ امرأته من طعامه، ثم جاءت به فأيقضته ليأكل، فكره ان يعصي الله ورسوله فطوى تلك الليلة مع ما تقدم من نومه، ثم أصبح صائماً من غده، فمر برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- [22-أ] وهو طليح(2) مجهود، فقال له: قد أصبحت يا أبا قيس طليحاً، فأخبره مما كان من خبره فسكت عنه(3).
وكان عمر بن الخطاب(4)
__________
(1) أبو قيس: هو صرمة بن أبي أنس ـ قيس بن صرمة بن مالك بن عدي بن عامر يكنى أبا قيس، غلبت عليه كنيته، وقال بعضهم: صرمة بن مالك فنسبه إلى جده ذهب الذي نزلت في سببه وسبب عمر بن الخطاب ((أحل لكم ليلة الصيام الرفث..)) الى قوله: ((وكلوا واشربوا)) البقرة (187).
لمزيد حول ترجمته انظر: الإستيعاب (2/290 ت 1244)، أسد الغابة (ت 2501)، الإصابة (2/183 ـ 184)، ت (4062).
(2) طليح: أبي ضعيف.
(3) قصة صرمة بن أبي أنس أوردها مصنفوا كتب التفسير وأسباب النزول، ومن ذلك انظر: أسباب النزول للواحدي ص (34)، تفسير الخازن ( 1/116 ـ 119)، تفسير ابن كثير (1/344 ومابعدها)، تفسير الطبراني (3/497)، (2/171وما بعدها)، في طبعة دار الكتب العلمية، تفسير الفخر الرازي (م3/ج5 /104).
الناسخ والمنسوخ لهبة الله ص (83 وما بعدها)، ولابن الجوزي ص (63 وما بعدها).
(4) عمر: هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدالعزى بن رباح بن قرط، أسلم في السنة السادسة من النبوة، وله سبع وعشرون سنة، وولد بعد الفيل بثلاث عشره سنة، وهو أول من كتب التاريخ من الهجرة، وأول من اتخذ بيت المال وأول من سن قيام شهر رمضان.
لمزيد حول ترجمته انظر:
تاريخ الخلفاء للسيوطي (108 ـ 147)، تهذيب التهذيب (7/438) ت (5607)، أسد الغابة (4/52 ـ 78).
في رجال قد أصابوا نساءهم في رمضان فخافوا أن <<يذكر>>(1) من أبي قيس في شيء من القرآن، فيذكروا معه، فقام عمر في أولئك الناس، فقالوا: استغفر لنا يا رسول الله، فإنا قد واقعنا النساء، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: [[12]] ((ما كنت جديراً بذلك يا عمر))(2) فأنزل الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] فنسخ ذلك من الصيام الأول، فالحمدلله الذي رفع عنَّا الإصر، وبقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] فقام إليه رجل(3) فقال: يا رسول الله أرأيت الخيط الأبيض والأسود أهما الخيطان ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: [15] ((إنك لعريض القفا إنما هو الليل والنهار))(4) وقد اختلف العلماء في هذه الإشارة [23-أ] على قولين(5)
الأول: أنه غير رمضان عن معاذ(6)
__________
(1) - في أصولي: يذكروا، والصحيح ما أثبتناه.
(2) ما ورد في قصة عمر بن الخطاب وصرمة بن أبي أنس سبق التنوية إلى أهم المصادر التي تناولت تلكم القصة وذلك في الحاشية التي قبل السابقة وانظر إضافة الى المصارد السابقة: أسباب النزول للسيوطي ص (32 ـ 33)، الأحكام للإمام الهادي يحيى بن الحسين (4) (1/177).
(3) - قيل هو عدي بن حاتم الطائي.
(4) الحديث أخرجه أحمد في مسنده بلفظ مقارب كما أخرجه صاحبا الصحيحين من غير وجه. لمزيد حول ذلك انظر: مسند أحمد بن حنبل، صحيح البخاري بحاشية السندي (1/328)، تفسير النسائي (1/222 ـ 225).
(5) انظر زاد المسير (1/184)، تفسير القرطبي (2/274 وما بعدها).
(6) معاذ: هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس أسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة وشهد بدراً والعقبة والمشاهد، روى عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وعنه ابن عباس وأبو موسى الأشعري وغيرهم.
توفي سنة (18هـ)، وهو ابن (38سنة)، وقيل خلاف ذلك، انظر:
تهذيب التهذيب (10 / 186 ـ 188)، ت (7039)، الجرح (8/ ت 117).
، وقتادة(1) وعطاء(2) وابن عباس(3) ثم اختلف هؤلآء، فقيل: كان رمضان ثلاثة أيام في كل شهر، وقيل عاشوراء، وقيل: هذه الإشارة بالمعدودات إلى شهر رمضان، قيل: أوجب الله صيامه على كل أمة، فكفرت به الإمم غير أمة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- عند الأكثر، وقيل: وجب الصوم أولاً فأجمل، ثم بين فقال شهر رمضان، قال القاضي(4)، وهو الأولى.
[9] قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184].
قيل: كان المكلف بالصيام مخيراً بين الصيام، وبين الفدية (5) فإن شاء صام، وإن شاء أفطر وأفدى، فعلى هذا على من أطاق الصوم فأفطر الفدية، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فلما نزلت الآية، لم يكن لأحد أن يفطر وهو يطيق الصوم في حضر، وقيل: نزلت الآية في الشيخ الهم الذي لا يطيق، وليس فيها نسخ [6أ ـ ب].
عن السدي وهو(6)
__________
(1) سبقت ترجمته.
(2) عطاء: هو عطاء بن أبي مسلم ميسرة، وقيل عبدالله الخراساني أبو عثمان ويقال أبو محمد وأبو صالح، مفسر محدث، من آثاره ((تفسير القرآن))، استخدمه الطبري في تفسيره، والناسخ والمنسوخ.
ولد سنة (50هـ / 670م)، وتوفي (135هـ/757م). انظر:
معجم المفسرين (1/346 ـ 347)، الجرح (3/334)، معجم المؤلفين (6/283)، وتهذيب التهذيب (7/212)، حلية الأولياء (5/193).
(3) سبقت ترجمته.
(4) في (ب) المصنف، وفي (أ) القاضي: وما أثبتناه من النسختين.
انظر: لوامع الأنوار (1/478 ـ 479).
(5) الفدية: انظر الناسخ والمنسوخ لعبدالله بن الحسين. بتحقيقنا.
(6) السدي: هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي، أبو محمد، مفسر كبير، محدث، ومؤلف في المغازي والسير، حجازي الأصل عاش في الكوفة، روى عن أنس بن مالك وابن عباس وغيرهما. توفي سنة (128هـ). انظر معجم المفسرين (1/ 90).
وما نقل عن السدي انظره في الناسخ والمنسوخ للنحاس ص (23).
الأقرب على مذهب يحيى [24-أ] -عليه السلام-(1) لأنَّه قال معنى الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} فحذف لا، وهو يريدها كما قال الشاعر(2)::
[نزلتم منزل الأضياف منَّا ... فعجلنا القرى أن تشتمونا
وقد يذكر لا وهو يريدها، كما قال تعالى: {لِأَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد: 29](3).
وقال الشاعر:](4)
بيوم حرور لا فضحتم أباكم ... وسألتم والخيل تدمي شكيمها
[10] قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190](5)
__________
(1) يحيى: هو يحيى بن الحسين الإمام الهادي. سبقت ترجمته
(2) البيت لعمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعيد. والبيت المذكور ذكره في معلقته المشهورة التي يذكر فيها أيام بني تغلب ويفتخر بهم.ومطلع القصيدة:
ألا هبي بصحنك فاصبحينا
وآخرها:
إذا بلغ الفطام لنا صبي
تخر له الجبابر ساجدينا
وعدد أبيات القصيدة (103) بيتاً ورقم البيت الذي استشهد به المؤلف رقم (32)، من تلك القصيدة.
ولمزيد حول المعنى اللغوي للبيت انظر:
أمالي الشجري (هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة الحسني العلوي)، (3/160 ـ 161)، مغني اللبيب لابن هشام (1/36).
(3) لا: زائدة، والعرب تجعل (لا) صلة في كل كلام دخل في آخره أو أوله جحد، فهذا مما جعل في آخره جحد.
(4) ما بين [ ] ساقط من (أ)، والبيت عزاه صاحب معجم البلدان الى قيس بن عاصم المنقري، وفي معجم البلدان البيت هكذا:ض
بيوم جدود قد فضحتم أباكم
وسالمتم والخيل تدمي نحورها
انظر معجم البلدان (2/114).
(5) ذهب هبة الله بن سلامة إلى أن الآية جميعها محكم إلا قوله {ولا تعتدوا} وقد اختلف المقرون في هذه الآية هل هي منسوخة أو محكمة وذلك على قولين:
الأول: أنها منسوخة، واختلف من ذهب الى هذا القول في المنسوخ منها فذهب البعض إلى أنه أولها وهو {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} واحتجوا في ذلك بأنه القتال إنما يباح في حق من قاتل من الكفار أما من لم يقاتل فإنه لا يقاتل ولا يقتل ثم اختلف من ذهب إلى أن أولها منسوخ ـ اختلفوا حول ناسخ ذلك ـ فقيل: أنه قوله تعالى: {وقاتلوا المشركين كافة} [التوبة 36] ، وقيل أنه قوله تعالى {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} [البقرة: 191]، وقيل {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} التوبة (29)، وقيل {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} التوبة (5).
القول الثاني: أن المنسوخ منها قوله: {ولا تعتدوا} أما بقية الآية فمحكم، وهو المروي عن ابن عباس، وذهب إليه هبة الله بن سلامة وابن الجوزي، ثم اختلف في معنى الإعتداء على خمسة أقوال:
(1)- أن المقصود لا تعتدوا بقتل النساء والولدان، وهو المروي عن ابن عباس.
(2)- أن المقصود به لا تعتدوا بقتال من لم يقاتلكم قاله أبو العالية، وسعيد بن جبير، وابن زيد.
(3)- أن الإعتداء إتيان ما نهى الله عنه وهو ما قاله الحسن.
(4)ـ أنه ابتداء المشركين بالقتال في الشهر الحرام في الحرم، قاله مقاتل.
(5) أنه المقصود بذلك تعتدوا بقتال من وادعكم وعاقدكم قاله: ابن قتيبه.
لمزيد حول الموضوع انظر:
الناسخ والمنسوخ لهبة الله بن سلامة ص (85)، نواسخ القرآن لابن الجوزي ص (70 ـ 72)، أبي جعفر النحاس ص (27 ـ 28)، ابن حزم الأندلسي ص (27)، القاضي أبو بكر بن العربي (2/57ـ 58) ، عقود العقيان (خ/ تحت الدراسة والتحقيق).
كان في ابتداء الإسلام لا يجوز قتال أحد من الكفار إلاَّ من قاتل، لقوله تعالى: {وَلَا تَعْتَدُوا}، يعني إلى قتال(1) من لم يقاتل، فنسخ ذلك بقوله: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 36](2) وقيل الآية محكمة عن ابن عباس، ومجاهد(3) ولا تعتدوا في قتال الصبيان والنساء، والأول هو الوجه(4) عن أبي علي، والحسن(5).
[11] قوله تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ}[البقرة: 191].
قيل: الآية هذه منسوخة بآية السيف(6) وبقوله: {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}[البقرة: 193](7) هذا قول أكثر العترة -عليهم السلام-.
__________
(1) في (ب) وردت هكذا: الى قتال أهل مكة.
(2) أي بقوله تعالى: {وقاتلوا المشركين كافة} ولعل المؤلف قصد بالآية قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة آية: 5] .
(3) سبق التوضيح تفصيلاً، وابن عباس: سبقت ترجمته أما مجاهد فهو: مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي مولى بني مخزوم، تابعي، إمام في التفسير، ولد بمكة، وسمع عائشة وأبا هريرة، وبن عمر، وابن عباس، اجمعت الأمة على إمامة مجاهد والإحتجاج به، ونقل البخاري كثيراً من تفسير مجاهد في كتاب التفسير في الجامع الصحيح، توفي وهو ساجد سنة (104هـ)، انظر معجم المفسرين (2/463 ـ 463)، ومصادره.
(4) أي أنه الآية محكمة. انظر: عقود العقيان (2/خ).
(5) أبو علي والحسن: سبقت ترجمة الأول أما الحسن فهو: الحسن بن يسار البصري، أبو سعيد من سادات التابعين وكبرائهم كان إمام أهل البصرة، وحبر الأمة في زمنه، له تفسير يعد من أشهر التفاسير القديمة، وكتاب: نزول القرآن، توفي سنة (110هـ / 728).
انظر: معجم المفسرين (1/148).
(6) آية السيف هي الآية (5) من سورة التوبة.
(7) وقد سبق التوضيح تفصيلاً حول الآراء والأقوال حول ذلك.