<<خاضع>>(1) لعظمة الربوبية(2) ولا إله إلاَّ الله، الذي قوله الحق، ووعده الصدق، الذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي القرآن نوره، وفي الجنَّة ثوابه، وفي النار عقابه(3).
[1] {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19] وصلى الله على نبي الرحمة المخصوص بالقرآن والحكمة(4)، وعلى آله الأئمة، وسلم وشرِّف وكرِّم وعظِّم.
أمابعد(5):
__________
(1) في (ب): خاشع، والصحيح ما أثبتناه، ولعله تصحيف من الناسخ.
(2) خاضع لعظمة الربوبية: الخضوع: التواضع والتطأمن، والإنقياد والمطاوعة.
(3) الحق..... عقابه). الحق: اسم من أسمائه تعالى، وفي اللغة: الثابت الذي لا يسوغ إنكاره.
والإصطلاح: الحكم المطابق للواقع.
- الصدق: مطابقة الحكم للواقع، وفي الإصطلاح: قول الحق في مواطن الهلاك.
- العقاب: هو هنا بمعنى الجزاء، تقول اعتقب الرجل خيراً أو شراً بما صنع: كافأه به والعقاب والمعاقبة ان تجزي بما فعل والإسم العقوبة. لسان العرب مادة: عقب.
(4) المخصوص.... والحكمة: أي المنفرد بالقرآن والحكمة، والقرآن هو كلام الله المنزل على قلب النبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- المكتوب في المصاحف المنقول عن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- نقلاً متواتراً بلا شبهة المبدوء بسورة الفاتحة والمنتهي بسورة الناس.
والحكمة: الحكمة في اللغة: العلم مع العمل، والحكمة: كل كلام وافق الحق، وقيل: الحكمة الكلام المعقول المصون عن الحشو.
التعريفات: للجرجاني. ص (124-125).
(5) أما بعد: هي أفصح كلمة قالتها العرب، وأول من قالها: قس بن ساعدة، وقيل علي بن أبي طالب -عليه السلام-.
وقيل: نبي الله داود -عليه السلام-، وإنها هي المراد بقوله تعالى {وفصل الخطاب} سورة (ص) الآية (20)، وقد خطب بها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.

فإنه لما كثر الإختلاف بين الطوائف، فصارت كل طائفة تعظم <<الموألف>>(1) لها، وتخطئ(2) المخالف لها، وكل فرقة تدعي التمسك بالكتاب المجيد، الذي
[2] {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] فبعضهم جعل المحكم متشابهاً(3)
__________
(1) وردت في (ب): المؤلف، وألَفهُ مُوالفة: اتصل به وانتسب إليه.
(2) في (ب): وتكفر.
(3) المحكم متشابهاً: المحكم أصله في اللغة المنع، تقول: أحكمت بمعنى رددت، ومنعت، والحاكم لمنعه الظالم من الظلم، وحكمه اللجام التي تمنع الفرس من الإضطراب.
وفي الإصطلاح: ما أحكمته بالأمر والنهي، وبيان الحلال والحرام، وقيل هو الذي لم ينسخ، وقيل الناسخ، وقيل: ما لايحتمل في التأويل إلاَّ وجهاً واحداً، وقيل الفرائض والوعد والوعيد، وقيل ما تكرر لفظه، وقيل خلاف ذلك.
المتشابه: أصله أن يشتبه اللفظ في الظاهر مع اختلاف المعاني.
واختلفوا فيه، فقيل: هو المشتبه الذي يشبه بعضه بعضاً، وقيل هو المنسوخ الغير معمول به، وقيل القصص والأمثال، وقيل ما أمرت أن تؤمن به وتكل علمه إلى عالمه، وقيل فواتح السور، وقيل مالاً يُعلم إلاَّ بالتَّأويل، وقيل خلاف ذلك. مزيداً حول ذلك انظر:
البرهان في علوم القرآن.للزركشي(745-794هـ)، (2/68 ـ 71).
العريفات للجرجاني ص(253،263) .

، وبعضهم جعل المتشابه محكماً، وبعضهم [2 ـ أ] جعل المنسوخ عاماً(1) وأجرى عليه الأدلة، وأنكر جواز النسخ رأساً، <<ومنهم من أجازه وقال: لم يرد، ولو ورد لقلت به>>(2) وكان الخطر في الناسخ والمنسوخ كبيراً، ورأيت الباحث عنه يسيراً، ورأيت التصانيف المصنفة في هذا الشأن بعضها <<يختص>> (3) بالأحكام على حسب ما نزل، ونسخ وبعضها على نسق المصحف الكريم، غير أنها معَّراة عن ذكرشرائط النسخ، وما يجوز نسخه وما لا يجوز، وكل منهم يضع على قدر رأيه ومذهبه، أحببت أن أضع(4) في هذا المختصر الآيات التي(5) وقع الإختلاف [1ب ـ ب] في نسخها، <<وأعيّن>>(6) مذهب أئمتنا الأطهار مع الإجتهاد في الإختصار، وتجنب الإكثار <<ليكون>>(7) ذلك تعرضاً لشفاعة القرآن، يوم العرض على الملك الدَّيان، والدخول في <<دعاء>>(8) من ينتفع به من الإخوان، وهذا حين ابتدئ في ذلك، ومن الله استمد العونه والثبات(9)
__________
(1) سيأتي تعريف المنسوخ والناسخ.
(2) ما بين << >> ساقط من (ب).
(3) في (ب): يحصر.
(4) ورد بعد لفظ: أضع في (أ): لفظ: كتاباً.
(5) وردت في أصولي: الذي والصحيح ما أثبتناه إذ أن (الذي) إسم موصول للمفرد المذكر وحيث أن الإسم عائد على لفظ الآيات في السياق وهي ـ أي لفظ آيات ـ جمع آية إسم مؤنث فأثبتنا التي للمفرد المؤنث.
(6) في (ب): وأعني.
(7) في (أ): لكون.
(8) في (أ): دعاة.
(9) يوضح المؤلف -رحمه الله- تعالى سبب قيامه بتأليف هذا الكتاب ومنهجه فيه، ويتمثل ذلك في النقاط الآتية:
(أ) كثرة الإختلاف بين الطوائف والفرق الإسلامية، والذي صارت كل طائفة تعظم ما يناسبها واتصلت به مذهبياً، وتخطئ الطوائف الأخرى، وفوق هذا وذاك تدعي كل طائفة التمسك بالكتاب المجيد وبالسنة النبوية المطهرة.
(ب) أن بعض الطوائف والفرق جعل المحكم متشابهاً، والمنسوخ عاماً، وأقام الأدلة على ذلك، والبعض الآخر أنكر جواز النسخ، والبعض أجازه.
(ج) نتيجة لما ذكرناه في (أ)، (ب) حصل الخطر في الناسخ والمنسوخ، ورأى المؤلف أن المصنفات في ذلك تختص بالأحكام على حسب ما نزل ونسخ، والبعض الآخر على نسق المصحف الكريم، إلاَّ أنها معراة عن ذكر شرائط النسخ، وما يجوز نسخه، وما لا يجوز.
(د) أن كل من ألَّف في هذا الموضوع وضع مُؤلفه على قدر رأيه ومذهبه، ودون التعرض لأراء وأقوال الآخرين.
أمَّا منهجه فقد حدده -رحمه الله- تعالى في أنه وضع هذا المختصر للآيات التي وقع الإختلاف في نسخها وتعيين مذهب أئمتنا عليهم السلام مع الإجتهاد في الإختصار وتجنب الإكثار، وقد سبق التنويه لمثل كل ذلك في القسم الأول: الدراسة.

وقد روي عن أمير المؤمنين علي(1) [3أـ أ] -عليه السلام- [[1]] أنه قد سمع رجلاً(2) يعض الناس ويقص عليهم فقال له: <<هل>>(3) علمت ناسخ القرآن ومنسوخه؟.
قال: لا.
قال: هلكت وأهلكت(4).
وأجناس ذلك رُوَيْت عن غيره من السلف -رضي الله عنهم-(5).
__________
(1) علي: هو علي أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين بنص سيد المرسلين علي بن أبي طالب ( عبدمناف) بن عبدالمطب (شيبة الحمد) بن هاشم (عمرو) أشهر من نار علىعلم فضلاً وعلماً زهداً، وورعاً وتقوى، سابق السابقين وأول المسلمين إسلاماً، نفس رسول الله عدا النبؤة، لا يسع المقام لترجمته والتكلم عنه، والبحث عن ماهيته الروحية والجسمانية، ألف الكثير من العلماء في فضائله ومناقبه، و.... إلخ، العديد من الكتب وبشكل عام موسع: وقد أشرنا الى نتف منها في ترجمته بكتاب المصايح لأبي العباس الحسني ((تحت الطبع)).
(2) -(أ) قيل إسمه عبد الرحمن بن داب، كان صاحباً لأبي موسى الأشعري. راجع الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس. ص (7)، الناسخ والمنسوخ لهبة الله بن سلامه ص (64). الموجز في الناسخ والمنسوخ لإبن خزيمة ص (262).
(3) لم ترد في (ب). وفي بعض المراجع المتوفرة: أعلمت الناسخ والمنسوخ.
(4) استدل بما رواه عن أمير المؤمنين علي (ع) معظم من صنف في الناسخ والمنسوخ، لمزيد حول ترجمته انظر:
الناسخ والمنسوخ للنحاس ص (7)، الناسخ والمنسوخ لهبة الله ص (64)، الموجز لإبن خزيمة ص (262) نواسخ القرآن لإبن الجوزي ص (29 ـ 30)، عقود العقيان في الناسخ والمنسوخ من القرآن، للإمام محمد بن المطهر. (خ) تحت الدراسة والتحقيق).
(5) لمزيد حول تلك الرويات انظر:
نواسخ القرآن لابن الجوزي ص (29 ـ 32) إضافة الى المصادر المشار إليها، في خبر أمير المؤمنين -عليه السلام- السالف الذكر، فتح المنان في نسخ القرآن. على حسن العريض. ط (1) 1973م. ص (7 ـ 8).

(1) فصل [تعريف النسخ وبعض الأحكام المتعلقة به]
اعلم أنه لا بد لكل من أراد معرفة ناسخ القرآن، ومنسوخه من <<معرفة>>(1) مقدمةٍ تشمل على مسائل في: معنى النسخ، وأحكامه، وشرائطه، وما يجوز النسخ له وبه، وما لا يجوز، <<فلنبدأ>>(2) بذكر طرق من ذلك، ثم لنرجع إلى ذكر الآيات التي وقع <<الخلاف>>(3) في نسخها.
[تعريف النسخ في اللغة]
مسألة: اعلم أن النسخ في اللغة، عبارة عن: النقل والإزالة، يقال <<نسخت هذا إذا أزلته>>(4) ونسخت <<الرياح>>(5) الأثر(6) ثم قد صار النسخ في الشرع، عبارة عن إزالة مثل الحكم الشرعي بطريق شرعيٍ على وجه لولاه لكان <<المنسوخ>>(7) ثابتاً مع تراخيه عنه(8)
__________
(1) في (أ): مؤنة.
(2) في (أ): فلنبتدي.
(3) في (ب): الإختلاف.
(4) في (ب): ((نسخ هذا إذا أزاله)).
(5) في (أ): الريح.
(6) النسخ في اللغة: أورد أهل اللغة عدة معان للفظ النسخ، تنحصر في التالي: النقل، الإزالة، الإبطال، فيقولون: نسخ زيد الكتاب إذا نقله عن معارضة ـ أي عن مقابلة ـ ونسخ النحل إذا نقله من خلية إلى أخرى، ونسخ الشيب الشباب إذا أزاله وحل محله، ونسخت الريح آثار القوم إذا أبطلتها، وعفّت عليها.
وأما معاني هذا الألفاظ، أختلف في أيها هو المعنى الحقيقي من تلك الألفاظ، وأيها مجاز له، ولم يقف هذا الإختلاف عند علماء اللغة ومن صنفوا فيها، بل تجاوز الى غيرهم، وهم علماء الأصوليين والمؤلفين في موضع الناسخ والمنسوخ إذ فسر كل واحد منهم تلك الألفاظ بما وصل إليه علمة أولاً ثم ما نقل عن علماء اللغة ثانياً، وأمام تلك التفسيرات تصل الى أن علماء الشرع الحنيف اختلفوا في تعيين المعنى الذي وضع له لفظ النسخ، فذهب البعض منهم إلى أنه حقيقة في الإزالة مجاز في النقل، وذهب البعض الآخر إلى أنه مجاز في الإزالة حقيقة في النقل.
(7) ما بين " " ساقط من (ب).
(8) أي أن حقيقة النسخ في الشرع: إزالة مثل الحكم الشرعي بطريق شرعي مع تراخٍ بينهما، أي بين الناسخ والمنسوخ.
وقول المؤلف: ((إزالة مثل)) ولم يقل ((إزالة عينه)) لأنه لو قال ذلك لكان بداء، إضافة إلى إزالة التكليف بمثله في المستقبل لا بعينه، يعني أن النسخ الشرعي إزالة مثل الحكم لا إزالة عينه، لأن إزلة عينه لا يعتبر نسخ بل بداء، والبداء أن يبدو له في الأمر ما لم يكن بادياً من قبل، وقوله ((مع تراخيه عنه)) أي مع تراخٍ بين الناسخ والمنسوخ، والتراخي هنا بينهما لنخرج التخصيص إذ ليس بنسخٍ، وإنما هو بيان مراد المتكلم بلفظ العموم حين لفظ به.
ولمن أراد التوسع في هذا المجال فليراجع كتب ((أصول الفقه)).

(وإنما قلنا مثل الحكم [4 ـ أ] الشرعي؛ لأن نفس نسخ الحكم يكون بداء، قلنا: بطريق لتدخل فيه الدلالة والأمارة؛ لأن نسخ الأخبار الآحاد في باب المعاملات، يجوز بما هو من جنسها على ما يأتي بيانه.
قلنا: شرعي؛ لأن النسخ بدلالة العقل لا يجوز(1) قلنا: مع تراخيه؛ لأن النسخ في الحال يكون بداء، والبداء لا يجوز على الله سبحانه على ما يأتي بيانه إن شاء الله.
[تعريف الناسخ]
[2] مسألة: <<حد الناسخ هو الطريق الشرعي، الدَّال على زوال مثل الحكم الثابت أولاً، بدليل شرعي على وجه لولاة لكان ثابتاً مع تراخيه عنه>>(2).
[تعريف المنسوخ]
والمنسوخ: هو الطريق الشرعي الموجب ثبوت الحكم على المكلف به، مالم يرد عليه النسخ، وهذه الحدود جامعة شاملة تَطَّرِد وتنعكس(3).
وقد كثر الإختلاف في هذه الحدود، وهذا هو اختيار الإمام المنصور بالله -عليه السلام-(4)
__________
(1) التقييد للحكم الشرعي بقصد إخراج الأحكام العقلية الثابتة ـ قبل ورود الشرع ـ إذ بيان انتهائها بدليل شرعي ليس بنسخ كتحريم الخمر وبيع درهم بدرهمين، فإنه كان ثابتاً قبل ورود الشرع بالعقل ؛ لأنه تصرف في الملك فكان مباحاً عقلاً فلا يكون بيان انتهائه نسخاً ؛ لأنه ليس حكماً شرعياً، وكالموت والنوم والغفلة والجنون، فإن شيئاً من ذلك لا يسمى ناسخاً بالإصطلاح إضافة إلى أن الطريق الشرعي يتناول الكتاب والسنة قولاً كانت أو فعلاً أو تركاً أو تقريراً.
(2) ما بين [ ] ساقط من (ب).
(3) لمزيد حول الموضوع انظر كتاب: صفوة الإختبارات في أصول الفقه للإمام الأعظم عبدالله بن حمزه بن سليمان (خ).
(4) المنصور بالله -عليه السلام-: هو الإمام عبدالله بن حمزة بن سليمان بن حمزة أحد أئمة الزيدية الأقوياء والمجتهدين في اليمن، بُويع له بالخلافة سنة 593هـ، وكان مولده سنة (561هـ/1166م) ووفاته سنة (614هـ/1217م).
له العديد من المؤلفات تربوا عن ستين كتاباً ورسالة وبحثاً، ولعل أهم تلك المؤلفات كتاب الشافي في الجواب على الرسالة الخارقة للفقيه عبدالرحيم بن أبي القبائل المتوفي سنة (616هـ) ويقع في أربعة أجزاء، وانظر حول اختبارات الإمام المنصور كتابة: صفوة الإختبارات. (خ).
ولمن أراد التوسع في المؤلفات تلك فليراجع كتاب، مصادر الفكر للحبشي ص (538 ـ 546).
ولمن أراد التوسع في ترجمته فليراجع المصادر التالية:
- أئمة اليمن. محمد زبارة ط(1) ص (108-143).
- الأعلام للزركلي (4/83).
- التحف شرح الزلف. المؤيدي ط(3) ص (241-249).
- مصادر الفكر للحبشي ط (1) ص (538-546) ومصادره.

[حكم نسخ الشرائع السابقة للإسلام](1)
[3] مسألة: ذهب الأكثر إلى جواز نسخ الشرائع(2)، وانكرت اليهود ذلك، وشرذمة من أهل الإسلام(3)
__________
(1) - ما بين [ ] من وضع المحقق وكل ما وضع كعنوان مثل هذا فمن وضع المحقق وطبقاً لما سبقه التنوية إليه في القسم الأول: الدراسة.
(2) نسخ الشرائع: اتفق جمهور علماء الأمة على جواز النسخ عقلاً وشرعاً فكما يحصل النسخ في
(3) نطاق الشريعة الواحدة، قد يحصل أيضاً نطاق الشرائع السماوية، فشريعة عيسى -عليه السلام-، نسخت أكثر النصوص، شريعة موسى، ولما جاءت شريعتنا الإسلامية نسخت شريعة عيسى وموسى عليهما السلام، وكل هذا في نطاق العقل والشرع.، وقد ربط اليهود بين النسخ والبداء، ليتخذوا من استحالة البدء على الله عز وجل ذريعة الى الحكم يمنع النسخ، عقلاً وسمعاً عند فريق منهم، وسمعاً فقط عند فريق آخر، وبناءً على ذلك فإن اليهود يتفقون على شيء واحد هو أن الشريعة الإسلامية لم تنسخ شريعتهم، ولكنهم يفترقون فيما عدا ذلك الى ثلاث فرق لكل منهم موقفها الخاص من النسخ:
الأول: الشمعونية: نسبة الى شمعون بن يعقوب، وترى هذه الفرقة أن النسخ لا يجوز عقلاً، ولم يقع سمعاً.
الثانية: الغنائية نسبة الى عنان بن داود ـ رأس الجالوت تخالف فرقته سائر اليهود في السبت والأعباد ـ وترى هذه الفرقة أنه لا بأس بالنسخ في حكم العقل لكنه لم يقع.
الثالثة: العيسويه: نسبة الى أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصفهاني، وترى هذه الفرقة أن النسخ جائز في حكم العقل، وأنه قد وقع فعلاً، لكنها تمنع أن تكون شريعة محمد ناسخة لشريعة موسى، لأن تلك الرسالة كانت خاصة بالعرب، ولم تكن عامة لجميع الناس.
راجع: النسخ في القرآن الكريم د/ مصطفى زيد (1/27 ـ 28)، نواسخ القرآن لإبن الجوزي ص (14 ـ 15).
وزيادة للتأكيد على وقوع النسخ في شريعة موسى. انظر: الكتاب المقدس (والعهد القديم والعهد الجديد)، وأشعيا الاصحاح الثامن والثلاثون (1ـ8)، طبعة ثانية مطبعة اكسفورد (1916م) ص (945 ـ 946)، أما النصرانية فإن بعض الأحكام فيها إبطال لأحكام الشريعة اليهودية في موضوعات كثيرة، إلا أن نصارى اليوم ينكرون جواز النسخ عقلاً كما ينكرون وقوعه سمعاً، ومن هذه الفرق التي ظهرت بعد الإسلام، وربطت بيت النسخ والبداء، وأن النسخ يستلزم البداء على الله.
الرافضة:
أما قول المؤلف: وشرذمة من أهل الإسلام أي انكروا النسخ ومنهم: محمد بن يحيى، وقيل: عمر بن يحيى. أبو مسلم.
انظر: النسخ في القرآن الكريم (1/221ومابعدها)، دراسات الأحكام والنسخ في القرآن الكريم من حمزة ص (94 وما بعدها)، فتح المنان في نسخ القرآن. على حسن العريض ص (113ومابعدها).

لنا أن الشرائع [5 ـ أ] مصالح، والمصالح يجوز اختلافها باختلاف الأزمنة والأمكنة [2أ-ب] والمكلفين، وقد اجمعوا معنا أن قبلة ابراهيم(1) -عليه السلام- كانت الكعبة، ثم نسخ ذلك في شريعة موسى(2) -عليه السلام- <<فصارت>>(3) القبلة إلى بيت المقدس(4)
__________
(1) ابراهيم: أبو اسحاق، واسماعيل كان مولده في قرية من قرى الكوفة بالعراق يقال لها ((كوثاريا)) وكان أبوه من أهلها، وكانت أمه وأم لوط النبي -عليه السلام- اختين، وهما بنتان لنبي اسمه ((لاجح)) وكان منذراً ولم يكن رسولاً، عاش ابراهيم -عليه السلام- في الدنيا مائة وخمساً وسبعين سنة، وكان مسكنه فلسطين نزح إلى بلاد كنعان نحو (1800ق. م)، وهو أول من قاتل في سبيل الله، وقد ولد في اليوم الأول من ذي الحجة، وسن سنناً عشراً يقال لها الحنيفة العشر ملة ابراهيم.
- لمزيد حول ترجمته انظر:
تواريخ الأنبياء. السيد /حسن اللواساني ص (65-89).
(2) موسى: هو النبي موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي ابن يعقوب النبي -عليه السلام-، وأمه بوخائيد أو أفاحية أو نجيب بنت اشموئيل من ولد الخليل ابراهيم -عليه السلام- ولد وكان عمر أبيه يومئذ سبعين سنة وكانت مدة حياة أبيه مائة وسبعاً وثلاثين سنة، وعاش موسى -عليه السلام- مائتين وأربعين سنة وكان بينه وبين الخليل ابراهيم -عليه السلام- خمسمائة سنة.
لمزيد حول ترجمته انظر: تواريخ الأنبياء ص (173وما بعدها).
(3) في (أ): وصارت.
(4) بيت المقدس: هو الحرم القدسي الشريف، شُيد على جبل في بيت المقدس يسمى جبل ((موريا)) وهو يشغل مساحة واسعة مربعة طول الجهة الغربية (490م)، والشرقية (474م)، والشمالية (321م)، والجنوبية (283م)، يحيط بها سور عظيم يتراوح ارتفاعه بين (30م) عند الزاوية الشمالية الشرقية (40م) في الجنوب الشرقي، ويبلغ بعض الحجارة فيه نحو خمسة أمتار طولاً في أربعة أمتار عرضاً.
أمَّا عن تاريخ الحرم القدسي الشريف فقد قام النبي داوود -عليه السلام- بفتح فلسطين، وبنى على صخرة بيت المقدس مذبحاً تقدم فيه القرابين، وفي سنة (1013 ق. م) أمر سليمان -عليه السلام- بإنشاء قصر له حيث المسجد الأقصى وهيكل فخم حيث قبة الصخرة الشريفة، ولم يكمل البناء إلاَّ بعد وفاته بمدة طويلة.
وفي سنة (588) دمرة الكلدانيون، ولمزيد حول ذلك انظر:
- بيت المقدس في صفحات التاريخ. قراءة د/عبدالمجيد وافي نشر بمجلة منار الإسلام العدد (8) السنة (20) شعبان 1415هـ/يناير 1995م ص (36-57).
- كنوز القدس. منظمة المدن العربية. مجموعة من الباحثين تنسيق م/رائف يوسف نجم. ط(1) 1403هـ/1983م. ص (23-33).
دائرة معارف القرن العشرين محمد فريد وجدي (7/652ـ 653) مادة ((قدس)).
- معجم البلدان: ياقوت الحموي (5/166ـ 172).

وإذا جاز النسخ في شريعة ابراهيم، جاز في شريعة موسى، وقد صحت نبوة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- بما لا سبيل إلى دفعة من المعجزات، وقد علمنا ضرورة من شرعه أن دينه نسخ كل دين.
[جواز النسخ من عدمه على شيء لم يرد التنبه من الله على نسخه]
[4] مسألة: اختلف العلماء في أنه هل يجوز ورود النسخ <<على شيء لم يرد من الله سبحانه على نسخه(1) ؟
فذهب الأكثر إلى أنه يجوز نسخه، وإن لم يكن ورد تنبيه ولا إشعار بنسخة، لأن الأمر المطلق، لا يتوهم استمراره، لأنه يقع على قدر المصالح، والمصالح تتغير بتغير الأوقات والأشخاص>>(2).
وذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز النسخ إلاَّ بتقدم <<أشعار النسخ>>(3) مثل قوله تعالى: [3] {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15] وقوله تعالى: [4] {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًاً} [الطلاق: 1].
[حكم نسخ الأمر المقيد بالتأبيد]
[5] مسألة: الأمر المقيد بالتأبيد يجوز نسخه لأنه يجوز تخصيصه بالإجماع، وما جاز تخصيصه، جاز نسخه، ولو صح ما روته اليهود عن موسى(4) -عليه السلام- من قوله: تمسكوا بالسبت أبداً، لجاز نسخه من حيث أنه يصح أن يقال: تمسكوا به أبداً مادام واجباً، كما يقال: لازم الغريم أبداً، فإنه يفيد ملازمته مادام غريماً فقط(5).
__________
(1) انظر حول ذلك صفوة الإختيارات للإمام المنصور بالله بن حمزه فقد أوضح الأمر تفصيلاً، واقتبس المؤلف كل ذلك من كتاب صفوة الإختيارات المشار إليه.. ((مخطوط)).
وكذا: منهاج الوصول ص (433وما بعدها)).
(2) ما بين [ ] ورد في النسخة (ب) هكذا: ((على شيء لم يرد الله سبحانه تنبيه ولا إشعار بنسخه أم لا يجوز إلاَّ فيما علم ورد التنبيه والإشعار على نسخةً فذهب بعضهم إلى......
(3) في (ب): أشعاره بالنسخ.
(4) سبقت ترجمته.
(5) انظر: منهاج الوصول. ص (433).

[حكم نسخ الأشق بالأخف والمساوي]
[6] مسألة: نسخ الأشق بالأخف <<والمساوي>>(1) جائز إجماعاً(2)، وقد نسخ الله العدة(3) <<من>>(4) حولٍ إلى أربعة أشهر وعشر، ونسخ الأخف بالأشق جائز <<عندنا خلافاً لبعضهم>>(5) وقد نسخ صيام عاشوراء(6) بشهر رمضان وهو أشق.
[حكم النسخ إلى غير بدل]
[7] مسألة: يجوز النسخ إلى غير بدل كقوله تعالى: [5] {إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ [2ب-ب] فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] قد نسخ حكمها إلى غير بدل.
__________
(1) والمساوي: لم ترد في (ب).
(2) ذهب جمهور العلماء إلى جواز النسخ بالأخف والأثقل والمساوي، وقال قوم: يجوز النسخ بالأخف، ولا يجوز بالأثقل.
وقال الشافعي وداوود الظاهري لا يجوز نسخ الأخف بالأشق.
ولمزيد حول الموضوع انظر:
منهاج الوصول إلى مصار العقول ص (435-436)، والإجماع في اللغة: العزم والإتفاق. يقال أجمعت على كذا أي عزمت عليه، وأجمع رأينا على كذا أي انقضا عليه.
وفي الإصطلاح: اتفاق المجتهدين العدول من أمة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- في عصر على أمرما.
(3) لمزيد حول ذلك انظر: المصفى في أصول الفقه. أحمد بن محمد الوزير ص (744 وما بعدها)، منهاج الوصول ص (435 ـ 436).
صفوة الإختيارات. الإمام عبدالله بن حمزه (خ)
(4) لم ترد في (ب).
(5) ما بين [ ] ساقط من (ب).
(6) صيام عاشوراء: انظر:النسخ في القرآن. د/ مصطفى زيد (2/816 ـ 819) صحيح البخاري بحاشية السندي كتاب التفسير باب {ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} (3/102 ـ 103).

4 / 18
ع
En
A+
A-