فقال الرجل: إنِّي وجدتُ الكتابَ يُكَذِّبُ بعضه بعضاً، ويَنْقُضُ بعضه بعضاً، ولا يُصَدِّقُ بعضُهُ بعضاً، وكيف لا أشكُّ فيما تسمعُ يا أمير المؤمنين؟!.
فقال له علي عليه السلام:(إنَّ كتابَ الله يُصَدِّقُ بعضُهُ بعضاً، ولا يَنْقُضُ بعضُهُ بعضاً، ولا يُكَذِّبُ بعضُهُ بعضاً، ولكنَّكَ لَمْ تَسْتَعْمِلْ عَقْلاً تَنْتَفِعُ بِهِ، فهاتِ الذي شككتَ فيه).
فقال: إنِّي أَجِدُ الله يقولُ في كتابه ((فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا)) [الأعراف:51]، ويقول((نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ))[التوبة:67]، ويقول((وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا))[ سورة مريم:64]، فمرةً يَنْسَى، ومَرةً لا يَنْسَى، فأيُّ ذلك يا أميرَ المؤمنين؟، وكيف لا أشكُّ فيما تَسْمَعُ؟.
فقال له علي عليه السلام:(ويحكَ! هاتِ ما شككتَ فيه).
فقال: وأجد الله يقول: ((يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا))[النبأ:38]، ويقول عن مقالتهم: ((وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)) [الأنعام:23]، أفصواب ذلك؟ ويقول: ((يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا)) [العنكبوت:25]، ويقول: ((إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ)) [ص:64]، ويقول: ((لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ))، ويقول: ((الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )) [يس:65]، فمرة يتكلمون ومرة لا يتكلمون، ومرة تنطق الجلود والأيدي والأرجل، ومرة لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا؟ ومرة يقول عن مقالتهم: ((وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)) [الأنعام:23]، فمرة يختصمون، ومرة لا يختصمون، فأي ذلك يا أمير المؤمنين؟ وكيف لا أشك فيما تسمع؟!.(1/6)
فقال له علي عليه السلام(هات ويحك ما شككت فيه).
قال: وأجد الله يقول: ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)) [القيامه:23]، ويقول: ((لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ)) [الأنعام:103]، ويقول: ((وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى )) [النجم:23ـ25] ويقول: ((يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا))[طه:109ـ110]، ومن أدركته الأبصارُ أحاطتْ به عِلْمَاً، فأيّ ذلك يا أمير المؤمنين؟! وكيف لا أشكُّ فيما تسمع؟.
فقال له علي عليه السلام: (سبوحاً قدوساً ربنا تبارك وتعالى، هات ويحك ما شككت فيه).
قال: أجد الله يقول: ((وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)) [الشورى:51] وقال: ((وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَىتَكْلِيمًا)) [النساء:164] وقال: ((وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى)) [الشعراء:10]، وقال: ((وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا)) [الأعراف:22]، وقال: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ)) [الأنفال:64]، ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ)) [المائده:41]، ((وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ))[الأعراف:19] و((يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ)) [ص:75]، فأي ذلك يا أمير المؤمنين؟ وكيف لا أشك فيما تسمع؟.
فقال له علي رحمة الله عليه: (هات ويحك ما شككتَ فيه).(1/7)
قال: وأجد الله يقول: ((هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)) [مريم:65]، وسمي الإنسان سميعا بصيرا، وملكا وربا، فمرة يقول: ليس له سمي، ومرة يقول: أسماء كثيرة غير واحدة، فأي ذلك يا أمير المؤمنين تقول؟! وكيف لا أشكُّ فيما تسمع؟.
فقال له علي عليه السلام:(هات ويحك ما شككتَ فيه).
قال: وأجد الله يقول: ((لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ)) [سبأ:30]، ويقول: ((وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ)) [آل عمران:77]، ومن لا ينظر إليهم عزب عنه، ومن حجب عنه عزب عنه، فأي ذلك يا أمير المؤمنين تقول؟ وكيف لا أشكُّ فيما تسمع؟.
فقال [له علي] رحمة الله عليه: (هات ويحك ما شككتَ فيه).
قال: وأجد الله يقول: ((أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ)) [الملك:16]، وقال: ((هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ)) [الحديد:3]، وقال: ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ)) [الحديد:4]، وقال: ((وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ)) [ق:16]، وقال: ((وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ)) [الواقعة:85]، وقال: ((مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)) [المجادله:7]، وقال: ((إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)) [الفجر:16]، وقال: ((إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) [هود:56]، فأي ذلك يا أمير المؤمنين؟ وكيف لا أشكُّ فيما تسمع؟
فقال له علي رحمة الله عليه: (سبوحا قدوسا تبارك الله تعالى هات ويحك ما شككتَ فيه).(1/8)
قال: وأجد الله يقول: ((وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)) [الفجر:22]، وقال: ((وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)) [الأنعام:94]، وقال: ((هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ)) [الأنعم:103]، يقول مرة: ((جَاء رَبُّكَ)) ومرة يقول: ((جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)) ومرة ((يَأْتِيَ رَبُّكَ)) ومرة ((يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ)) فأيّ ذلك يا أمير المؤمنين؟! وكيف لا أشكُّ فيما تسمعُ؟.
فقال له علي عليه السلام: (سبوحاً قدوساً ربنا تبارك وتعالى وتقدس، هات ويحك ما شككتَ فيه).
قال: وأجد الله يقول: ((بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ)) [السجده:10]، وذكر أمر المؤمنين فقال: ((الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)) [البقره:46]، ويقول: ((لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ)) [الأنعام:103]، ويقول: ((وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا)) [طه:110]، وقال في المنافقين: ((فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ)) [التوبه:77]، وقال: ((مَن كَانَ يَرْجُوِلقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ)) [العنكبوت:5]، فيقول مرة: ((يَلْقَوْنَه)) ومرة ((لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ)) ومرة ((وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا)) فأيّ ذلك يا أمير المؤمنين؟! وكيف لا أشكُّ فيما تسمع؟.
فقال له علي عليه السلام:(سبوحاً قدوساً ربنا تبارك وتعالى وتقدس، هات ويحك أيضاً ما شككتَ فيه).(1/9)
قال: وأجد الله يقول: ((وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا)) [الكهف:53]، وقال: ((يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ)) وقال: ((وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)) [الأحزاب:10]، فمرة يظنون ومرة يعلمون، والظن الشك، فأي ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع؟.
فقال علي رحمة الله عليه(هات ويحك ما شككتَ فيه).
قال: وأجد الله يقول: ((وَنَضَعُ الْمَوَازِين الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ)) [الأنبياء:47]، ويقول: ((فَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ)) [القارعة:8]، وقال: ((وأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ)) [القارعة:6]، وقال: ((فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا)) [الكهف:105]، وقال: ((فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)) [غافر:40]، فمرة تقام الموازين، ومرة لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا، ومرة يحاسبون، ومرة لا يحاسبون، فأي ذلك يا أمير المؤمنين؟ وكيف لا أشك فيما تسمع؟.
فقال له علي رحمة الله عليه:"هات ويحك أيضا ما شككت فيه".(1/10)