الكتاب : مسائل الشاك

[مسائل الشاك، وأجوبة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عليها]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى أخيه عليٍّ أمير المؤمنين، وعلى آلهما الطيبين الطاهرين.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي انْحَسَرَتِ الأَوْصَافُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ، وَرَدَعَتْ عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلَى بُلُوغِ غَايَةِ مَلَكُوتِهِ، هُوَ اللَّهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، أَحَقُّ وَأَبْيَنُ مِمَّا تَرَى الْعُيُونُ، لَمْ تَبْلُغْهُ الْعُقُولُ بِتَحْدِيدٍ فَيَكُونَ مُشَبَّهاً، وَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الأَوْهَامُ بِتَقْدِيرٍ فَيَكُونَ مُمَثَّلاً).
(وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ؛ الأَوَّلُ لا شَيْءَ قَبْلَهُ، وَالآخِرُ لا غَايَةَ لَهُ، لا تَقَعُ الأَوْهَامُ لَهُ عَلَى صِفَةٍ، وَلا تُعْقَدُ (1)[1]) الْقُلُوبُ مِنْهُ عَلَى كَيْفِيَّةٍ، وَلا تَنَالُهُ التَّجْزِئَةُ وَالتَّبْعِيضُ، وَلا تُحِيطُ بِهِ الأَبْصَارُ وَالْقُلُوبُ).
__________
(1) ـ وفي شرح الشيخ محمد عبده (ولا تَقْعدُ) قال الشيخ في شرح لنهج البلاغة [102]: تقعد: مجاز عن استقرار حكمها، أي ليست له كيفية فتحكم بها. انتهى.(1/1)


وأشهد أنَّ مُحَمَّدَاً عبدُهُ ورسولُهُ، وصفيُّه وخليلُُهُ، البشير النذير، والداعي إليه بإذنه والسراج المنير، (أَمِينُ وَحْيِهِ، وَخَاتَمُ رُسُلِهِ، وَبَشِيرُ رَحْمَتِهِ، وَنَذِيرُ نِقْمَتِهِ)، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، بَلَّغَ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأُمة، وجاهد في سبيل الله عز وجل، وعبد ربَّه تعالى حتى أتاه اليقين، صلَّى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، الذين أذهب اللَّهُ تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وفرض مودتهم على كافة الناس، سفن النجاة، وأمان أهل الأرض، من طولها والعرض على رغم أُنوف أولي النصب والرفض.(1/2)


أمَّا بعد، فقد روى السيد الإمام عبدالله بن أحمد بن إبراهيم الشرفي عليهم السلام في كتاب المصابيح الساطعة الأنوار تفسير أهل البيت عليهم السلام [ط1/ج1/ص95/تحقيق السيد محمد بن قاسم الهاشمي، والسيد عبدالسلام الوجيه/ طبعة مكتبة التراث الإسلامي] مسائل الرجل الذي شَكَّ في كتاب الله تعالى، واشتبهت عليه الأمور، وظنَّ ـ لعدم استعماله عقلاً ينتفع به ـ أنَّ كتابَ الله عَزَّ وَجَلَّ يُكَذِّبُ بعضُهُ بعضَاً، ويَنْقُضُ بعضه بعضاً، ولا يُصَدِّقُ بعضُهُ بعضاً، فسأل عنها أميرَ المؤمنين، وسيِّدَ الوصيين، عليَّ بنَ أبي طالب عليهم السلام، فأجابه عليه السلام بأروع جواب، وأعظم بيان، تلكم الأجوبة الفريدة، والحكم البديعة المفيدة، التي فرج الله تعالى بها غَمَّ هذا السائل الذي شَكَّ في الكتاب العزيز، وكَشَفَ عنه هَمَّهُ، وشَرَحَ الله سبحانه بها صدرَهُ، ولا غرو في ذلك فهي نابعة من عباب العلوم، وباب مدينةِ علم الرسولِ الأمين، صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله الطاهرين، الذي كان يقول: (سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن كتاب الله، وما من آية إلاَّ وأنا أعلم حيث نزلت بحضيض جبلٍ، أو سهلِ أرضٍ، وسلوني عن الفتن، فما من فتنةٍ إلاَّ وقد علمتُ كَبْشَهَا، ومن يقتل فيها) (1)[2]).
__________
(1) ـ انظر تخريج هذا الكلام العظيم لأمير المؤمنين عليه السلام في لوامع الأنوار للإمام الحجة مجدالدين المؤيدي أيده الله تعالى بتأييده، وأمده بموادِّ لطفه وتسديده [ط1/ج2/ص 539/ط2/ج2/ص600 ]، ففيه بحث رائع لا يفوت أهل البحث والتحقيق.(1/3)


ولأهمية هذا العلم، وكونه دفاعاً عن كتاب الله تعالى المعظم، وتنْزيهه عن التناقض والتعارض، سعينا بجهدنا إلى إخراجها للنور، ففيها ـ إن شاء الله تعالى ـ فوائد وفرائد، من أنواع الفنون، تقرّ بها العيون ، ويرتاح لها الراغبون، وتحقق لهم إن شاء الله تعالى ما يرجون؛ ولكنه لايجل نفعها، ويعظم وقعها، إلاَّ عند ذوي الاختبار، المليين بالإيراد والإصدار، والقصد بفضل الله تعالى التقرب إليه عز وجل بتقريب الفائدة للطالبين، وتحصيل الثمرة العائدة على الراغبين؛ سائلاً لمن وقف عليه من إخواني المؤمنين، والعلماء العاملين، صالح الدعوات المباركات، في المحيا والممات؛ لاسيما بالسداد والثبات، والعفو والمغفرة من رب البريات (1)[3]).
[نصُّ رواية السيد الإمام عبدالله بن أحمد بن إبراهيم الشرفي عليهم السلام في تفسير المصابيح لمسائل الشاك]
قال عليه السلام: ومن المتشابه مسائلُ الشاك(2)[4]) حين سألَ أميرَ المؤمنين عليَّ بنَ أبي طالبٍ كرم الله وجهَهُ في الجنة، التي رواها محمد بن إسحاق الكوفي الأنصاري من طريقين:
إحداهما: عن أبي معشر السعدي(3)[5])، وقد كان أدْرَكَ علياً عليه السلام.
__________
(1) ـ اقتطفنا هذا الكلام الرائع من كلام مولانا المجدد للدين الإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى في مقدمة لوامع الأنوار.
(2) ـ مسائل الشاك متداولة معروفة، قد رواها غير واحد بسند متصل، منهم المؤلف رواها عن الإمام القاسم بن محمد، والعلامة الطبرسي في كتاب الإحتجاج. انتهى من حواشي تفسير المصابيح.
(3) ـ أبو معشر السندي وليس السعدي : هو نجيح بن عبد الرحمن السندي أبو معشر المدني مولى بني هاشم قيل توفي سنة 170هـ قال في تهذيب الكمال: رأى أبا أمامة بن سهل بن حنيف، وله رؤية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، انظر تهذيب الكمال 29/322. انتهى من حواشي تفسير المصابيح.(1/4)


والأخرى: عن أبي إسحاق (1)[6])، عن الحارث (2)[7]) عن عليٍّ عليه السلام، قال:
أتى رجلٌ علياً عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين إني شككتُ في كتابِ الله الْمُنْزَلِ.
فقال له علي: (ثكلتك أُمُّكَ! وكيفَ شككتَ في كتاب الله الْمُنْزَلِ؟!).
__________
(1) ـ أبو إسحاق السبيعي: عمرو بن عبد الله بن علي، الحافظ الكبير من أكثر الناس ولاء لأهل البيت توفي رحمه الله سنة 127هـ وقيل: سنة 128هـ عده الحافظ ابو عبدالله العلوي فيمن روى عن الإمام زيد بن علي عليه السلام من التابعين، وقال المزي: كان رحمه الله من العلماء العاملين، ومن جلة التابعين ، انظر معجم رجال الإعتبار وسلوة العارفين. انتهى من حواشي تفسير المصابيح.
(2) ـ هو الحارث بن عبدالله الهمداني ، أبو زهير الكوفي، الأعور، المتوفى سنة خمس وستين. قال السيد صارم الدين: كان أفقه الناس، وأفرض الناس، وأحسب الناس، وقد نال منه طائفة، وقد بسط في الطبقات وعلوم الحديث مانالوه به.
قال في الطبقات : وذكره السيد صارم الدين، وابن حابس، وابن حميد في التوضيح، في ثقات محدثي الشيعة، إلى قوله: وقال السيد أحمد بن عبدالله الوزير : لايمتري أهل البيت (ع) في عدالة الحارث وجلالته وفضله.
وقال غيره: هو صاحب علي (ع)، وأحد شيعته.
وفيها: قال القاضي عياض : أُسيء الظن بالحارث، لما عرف من حاله التشيع. إلخ كلامه.
وقد جرحوا جماً غفيراً، وعدداً كثيراً، من التابعين، وتابعي التابعين، من عهد أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، فمن بعده من الأئمة السابقين - صلوات الله عليهم -؛ ولا ذنب لهم، إلاَّ متابعة أئمة الحق، وموالاة من افترض اللَّه تعالى ولايتهم على الخلق؛ انتهى من لوامع الأنوار للإمام الحجة مجدالدين المؤيدي أيده الله تعالى [ط1/ج1/ص187/ ط2/ج1/ص250].
قال الذهبي: حديث الحارث في السنن الأربع، والنسائي رغم تعنته في الرجال قد احتج به، وقوى أمره. انتهى من حواشي تفسير المصابيح.(1/5)

1 / 7
ع
En
A+
A-