وقال سبحانه :?فبهت الذي كفر والله لايهدي القوم الظالمين? وقال جل ذكره في الأعراف :?إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لاتفتح لهم أبواب السماء ولايدخلون الجنة..? الى قوله: ?وكذلك نجزي الظالمين? فسماهم مكذبين والمكذبون فكفار بإجماع.
وقال جل ذكره في الإجرام :?أفنجعل المسلمين كالمجرمين? فأعلم أن المجرم كافر ، لأن الكفر ضد الإسلام كما قال:?أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لايستوون? فأعلم أن الفسق كفر ؛ لأن الإيمان ضد الكفر ، وفي هذا من كتاب الله الكثير.
ولعل متصلفا على الحق بالباطل يقول: إنما أخبرنا في هذه الآيات أن الكافر فاسق وظالم ومجرم ، ولم يقل بأن كل فاسق وظالم كافر.
فنقول له : بأن الله قد أعلمنا في محكم كتابه بأن الفاسق كافر بقوله :?وإن جهنم لمحيطة بالكافرين? وقوله :?سأوريكم دار الفاسقين? وأعلمنا بأن الكافرين هم الظالمون فيما تلوت في أمثال لذلك.
وإذا قال : إن الكافر هو الفاسق فقد قال : إن الفاسق والظالم هو الكافر ، فإن كان في القرآن عند من أبى ذلك آية واحدة دل الله بها على أن الفاسق والظالم ليس كافرا فليأتوا بها حتى نسمعها, وذلك فما لايوجد إن شاء الله.(1/31)


بعض ماسمى الله به العاصي كافرا في محكم القرآن
وهذا بعض ماسمى الله به العاصي كافرا في محكم القرآن قال جل ذكره في البقرة :?واتبعوا ماتتلوا الشياطين على ملك سليمان وماكفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر? الآية فسمى السحر كفرا, وتعلمه كفرا.
وقال سبحانه :?الذين يأكلون الربا لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ماسلف وأمره الى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لايحب كل كفار أثيم? فأعلم جل ذكره أن أكل الربا كفر وهذا فمخاطبة لمن يدعي الإيمان ويصفه ، ألا تسمع الى قوله بعد ذلك :?ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مابقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله? الآية فمن آذنه الله بحرب منه ومن رسوله على فعل فعله فذلك الفعل كفر غير شك, وقد أعلم جل ذكره في أول الآيات أن من عاد إلى أكل الربا بعد الموعظة والنهي عنه والحظر :?فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون? والله ورسوله لم ينهيا من هو مصر على الكفر والشرك عن أكل الربا ، وإنما نهيا من آمن وأقر بهما, وسلم لأمرهما ، وخاطب جل ذكره أهل ادعاء الإيمان في البقرة فقال:?ياأيها الذين آمنوا لاتبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى? الى قوله :?والله لايهدي القوم الكافرين? فأعلم أن عصيانهم إياه فيما أمر به ونهاهم عنه كفر وأنهم كافرون ، ولايهديهم الله إن فعلوا ذلك.
وقال سبحانه مخاطبا أهل ادعاء الإيمان :?قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لايحب الكافرين? .(1/32)


وقال عزوجل في آل عمران :?ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين? معنى ذلك من ترك مافرضته عليه من الحج وعصاني فإني غني عنه ، فجعله بترك طاعته كافرا ، وقد قال بعض من يروم اطفاء نور الله : معنى من كفر : من جحدني وأشرك بي, وليس ذلك مشبها لمقتضى الآية ؛ لأنه سبحانه أمر بفرض من فرائضه قوما يقرون ويؤمنون بوحدانيته ، ويصدقون رسوله ، ثم قال على إثر ذلك الفرض :?ومن كفر فإن الله غني العالمين? فمعنى ذلك: فمن ترك ماأمرت فكفر بتركه إياه فإني غني عنه.
وقال سبحانه في آل عمران :?ياأيها الذين آمنوا لاتأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون واتقوا النار التي أعدت للكافرين? فهذه مخاطبة لأهل ادعاء الإيمان المقرين به وبرسوله ، في أكل الربا المحرم عليهم ، ومحال أن يعذب بالنار التي أعدها للكافرين إلا الكافرين.
وفرض الله سبحانه على المسلمين فرائض في دينهم وأحكاما في نسائهم فقال:?واللاتي تخافون نشوزهن فعضوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا..? ثم قضى بعد ذلك وفرض وأمر الى قوله :?الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ماآتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا? .
وقال جل ذكره مخاطبا للمسلمين بعد أن أمرهم في نسائهم بما فرضه عليهم :?ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا? الى قوله:? وكان الله غنيا حميدا? معنى ذلك أنه غني عن طاعتكم إن عصيتم وأنتم المحتاجون الى طاعته التي قد كفرتم بترككم إياها.
وقال عزوجل :?لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم? الى قوله :?ولكن كثيرا منهم فاسقون? فأعلم أن كفرهم كان بعصيانهم له واعتدائهم وتركهم طاعته وإنما قص علينا قصصهم لأن حكمنا عنده في ذلك حكمهم.(1/33)


وقال سبحانه في سورة بني اسرائيل لخيرته من خلقه وصفيه من العالمين :?وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولاتبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا اخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا? وإذا حكم عزوجل مثل هذا الحكم لخيرته من خلقه عليه السلام فأعلمه أنه إن بذر حرج وأثم ، وأن من بذر أخ الشيطان كافر مثله ، فما يكون حال غيره إذا عصاه.
وقال في سورة المائدة مالايقع فيه تأويل لأحد من المسلمين :?فلا تخشوا الناس واخشون ? يعني بالناس اهل مكة ثم قال: ?ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون? وقال لليهود :?ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون? وقال للنصارى :?ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون? فدل في هؤلاء الآيات على أن الفسق والظلم كفر وخص المسلمين بأن جعل لهم اسم الكفر المصرح على عصيانهم.
قال : حدثنا بشر ، قال: حدثنا وكيع ، قال: حدثنا زكريا وسفيان عن جابر عن عامر قال:(نزلت الكافرون في المسلمين, والظالمون في اليهود ، والفاسقون في النصارى) ولم أرد بذكري هذا الحديث عن عامر إلا لأن من يخالف الله ويخالفنا ـ عن عامر وأصحابه وأضرابه أحسن قبولا.
وقال جل ذكره في الروم :?من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون? فدل بأن كفرهم بعملهم الطالح الذي هو ضد العمل الصالح.
وقال سبحانه في سورة لقمان :?ومن كفر فلا يحزنك كفره الينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور? فأخبر أن كفرهم بأعمالهم.
وقال عزوجل في الظهار الذي هو حكم المسلمين ومافرض عليهم في ذلك بعد مافرض عليهم من العتق والصيام والصدقة :?وتلك حدود الله وللكافرين عذاب اليم? معنى ذلك : وللتاركين مافرضت عذاب أليم.
ومثل هذا في القرآن كثير لمن يتبعه ، فإنما ذكرت منه ماحضر ذكره مما فيه كفاية لمن نصح نفسه ولم يوطئها العشوة, ويغرها إن شاء الله.(1/34)


شيء مما رويناه من الحديث في تصحيح ماذكرناه
وهذا شيء مما رويناه من الحديث في تصحيح ماذكرناه مما هو متبع للقرآن وموافق له.
حدثنا بشر قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا مبارك عن الحسن قال : قال رجل : يارسول الله الحج كل عام ؟ قال: لو قلت نعم لوجبت, ولو وجبت ماقمتم بها ولو تركتموها كفرتم) .
قال : وحدثنا بشر قال: حدثنا وكيع ، قال: حدثنا سفيان ، قال: حدثنا علي بن بذيمة قال: سمعت أبا عبيدة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لما وقع النقص في بني اسرائيل جعل أحدهم يرى أخاه على الذنب فينهاه عنه ولايمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وجليسه فصرف الله قلوب بعضهم ببعض ونزل فيهم القرآن :?لعن الذين كفروا من بني اسرائيل ? الخ اربع آيات ?ولكن كثيرا منهم فاسقون? قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متكئا فاستوى جالسا ثم قال: كلا والذي نفسي بيده حتى يأخذوا على يدي الظالم فيأطروه على الحق أطرا).
قال [الناصر] الحسن بن علي عليه السلام : يأطروه على الحق : أي يعطفوه على الحق عطفا.
قال: وحدثنا بشر قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن الأعمش عن ابي الضحى عن مسروق أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال:(ألا لاترجعن كفارا يضرب بعضكم بعضا ألا ولايؤخذ الرجل بجريرة أخيه) .قال: وحدثنا بشر قال: حدثنا وكيع ، قال: حدثنا فضيل بن غزوان ، عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :(أيما رجل كفر رجلا فأحدهما كافر) .
قال: وحدثنا بشر قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(أيما امرء قال لأخيه : ياكافر فقد باء بها أحدهما) .
قال عبدالله : وسمعت ابن عمر يقول: أحق ماطهر المسلم لسانه .(1/35)

7 / 20
ع
En
A+
A-