مسألة للمجبرة في الخير والشر وجوابها
قالت المجبرة القدرية : إن كل خير وشر من طاعات الله ومعاصيه ويسر الدنيا وعسرها وغير ذلك فمن الله وفعله وخلقه ويتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، واحتجوا لذلك من قولهم بقول الله سبحانه :?أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عندالله فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثا? .
والخير والشر : خيران وشران في كتاب الله ، فخير من الله فذلك حسنة منه ، وهو ماينعم الله به على عباده من الصحة والخصب واليسر والغنى والنصر والغنائم والرخاء وغير ذلك من صنوف نعمه عليه وشر وهو سيئة وذلك فيما يبتلى الله به عباده من المرض والمصائب والقحط والفقر والعسر والجراح وغير ذلك ، وقتل الأحباب وموتهم ، ومن هذا الشر مايكون عقوبة على صغائر ذنوب المؤمنين قال الله جل ذكره :?ماأصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير? فهذه المصائب تكون في الدنيا تمحيصا للمؤمنين ، ومحقا للكافرين وقال تقدس ذكره :?وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين? وقد سمى هذه السيئات في كتابه شرا فقال:?إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا? وقال:?ونبلوكم بالشر والخير فتنة? وقال سبحانه:?وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون? فكان أهل النفاق والشك إذا أصابهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسنة وخير ونصر وغنيمة وخصب ويسر قالوا: هذا من عندالله ، وإذا أصابهم سيئة ومصيبة وجراح وشدة وقحط وماأشبه ذلك قالوا: هذه من عند محمد وبشؤمه ، وتطيروا به كما فعل فرعون بموسى عليه السلام ، فأنزل الله جل ذكره فيهم :?فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لايعلمون? فقال الله جل ذكره لمن تطير بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم :?قل كل من عندالله فما لهؤلاء القوم(1/86)
لايكادون يفقهون حديثا? .
ولعمري إن المجبرة لم تفقه عن الله حديثه.
وحسنات أخر ، وسيئات من خير وشر وهي اعمال العباد التي لم يفعلها الله ولايجوز أن يقولوا لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ماعملنا من المعاصي فمن عندك والتي بين الله جل ذكره حالها ، وفرق بينها وبين الحسنات والسيئات التي ذكرتها اولا في محكم كتابه ونسبها الى عباده العاملين لها دونه فقال :?إن احسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها? وقال:?من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها? وقال: ?من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لايظلمون? في أشباه لذلك والحمد لله رب العالمين على حكمته وبيانه ولطفه وجميل احسانه وصلى الله على محمد وآله وسلم.(1/87)
مسألة في القضاء وجوابها
قالت المجبرة القدرية : إن جميع ماذرأ وبرأ بقضاء من الله ليس للعباد الى ترك شيء منه سبيل ، وذلك من قولهم الإفتراء والبهتان بين اليد والرجل.
وهؤلاء القوم جاهلون بلغة القرآن ومعانيه فهم في ضلالهم يعمهون.
<معاني القضاء>
فالقضاء في كتاب الله على اربعة أوجه :
فأحد ذلك : القضاء ـ الإعلام والإخبار قال الله سبحانه :?وقضينا اليه ذلك أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين? .
وقضاء آخر : وهو الخلق من الله لما خلق قال جل ذكره :?فقضاهن سبع سموات في يومين? .
وقضاء آخر: وهو الأمر من الله لعباده ، وقال سبحانه :?وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه? .
وقضاء آخر: وهو الحكم من الله قال جل ذكره:?إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون? وقال:?إن الحكم إلا لله يقضي بالحق وهو خير الفاصلين?.
فهذه وجوه القضاء في كتاب الله فنريد أن يعرفها من يريد أن يعرفها على مايليق بالله من العدل والإحسان ، وإذا كان جل ذكره قد أخبر عباده أنه يقضي بالحق وامتدح بذلك فقد دلهم أنه لايقضي بالباطل لأنه لو جاز أن يمتدح أنه يقضي بالحق وهو يقضي بالباطل لجاز أن يمتدح بأنه يقول الحق وهو يقول الباطل قال جل ذكره :?والله يقول الحق وهو يهدي السبيل? فلما كان امتداحه بأنه يقول الحق دليلا على أنه لايقول الباطل فالله سبحانه قد قضى ماأمر به من الطاعات ولم يقض مانهى عنه من عبادة الأصنام وقتل الأنبياء والذين يأمرون بالقسط من الناس.
ونحن سائلوهم فقائلون لهم : هل أنتم راضون بقضاء الله ؟ فإن قالوا: نحن راضون بقضاء الله الزمهم أن يكونوا راضين بعبادة الأصنام وشتم ذي الجلال والإكرام وكل فاحشة نهى الله عنها، وإن قالوا: لانرضى بقضاء الله لزمهم أن يكونوا غير راضين بالتوحيد والإيمان وكل ماأمر به وفعله القدير الرحمن ؛ لأنهم يزعمون أن كل ماذكرناه بقضاء الله وقدره.(1/88)
ويقال لهم أيضا : هل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم راضيا بقضاء الله ؟ فإن قالوا: نعم لزمهم إن زعموا أنه كان راضيا بالكفر وشتم الله وشتمه ، وبكل مانهى الله عنه.
وكذلك فيسألون عن الله سبحانه هل هو راض بقضائه ؟ فإن قالوا: نعم أوجبوا أن راض بشتم نفسه وبمعاصي كل من عصاه ، وإن قالوا: ليس هو راضيا بقضاء نفسه أوجبوا أنه غير راض بما أمر به أونهى عنه ، وبعث به رسله.
والله معبود وبما هو أهله على بيانه وإحسانه محمود ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.(1/89)
مسألة في القدر وجوابها
إن سأل سائل من المجبرة القدرية فقال: أتقولون : إن الله قدر المعاصي له ، والكفر به ، والفساد في بلاده وعباده ؟ قيل له : لايقدر الله ذلك ؛ لأن الله سبحانه أخبر أنه الذي خلق فسوى وقدر فهدى ، ولم يخبر أنه قدر فأضل.
وقال جل ذكره :?نحن قدرنا بينكم الموت? لم يقل : نحن قدرنا بينكم المعاصي.
وقال تعالى : ?والقمر قدرناه منازل? ولم يقل : قدرنا الضلال منازل كما قال فيما قدره وقال لأهل جهنم :?ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه ?من عذابكم وأعتدنا للتنكيل بكم ?بقدر? لأنه قال : ?لكل باب منهم جزء مقسوم? أي : مقدر معلوم.
وكل ماتقدم <من> مسائلنا فيه من القضاء يجب أن يسأل عن مثله في القدر فافهم إن شاء الله.(1/90)