?وتذل من تشاء? فإنه قد أذل من كفر به وعصاه بلعنه له وعداوته إياه وضعف حججه وتسليطه أولياءه عليه وأمرهم بقتله ، وتصييره بعد ذلك الى النار الدائم عذابها ، فلا يكون أذل من أعداء الله وإن عاشوا في الدنيا قليلا وتمتعوا منها يسيرا والحمد لله على جميع بيانه ولطيف احسانه وامتنانه.(1/76)


مسألة في التزيين وجوابها
قالت المجبرة القدرية : إن الله جل ذكره خلق الكفر كفرا والإيمان ايمانا ، والقبيح قبيحا ، والحسن حسنا ، وخلق جميع الأشياء على ماهي عليه من جورها وعدلها وحقها وباطلها وصدقها وكذبها ، وإنه لايقدر على فعل ذلك سواه واحتجوا لهذا من مذهبهم بقول الله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا :?كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم الى ربهم مرجعهم? وبقوله :?إن الذين لايؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون? فيتأولون هاتين الآيتين بجهلهم وضلالهم أن الله جل ذكره زين وحسن الكفر للكافرين والفسق للفاسقين ، وذلك هو الضلال البعيد ، لأن الثابت في عقل كل عاقل ، منصف أنه زين وحسن ماأمر به ومدحه, ووعد على فعله كريم الثواب وحسن المآب ، والنعيم المقيم ، ولم يزين ولم يحسن ماذمه وذم فاعليه ، وزجر عنه وأوعد على فعله التخليد في النار والعذاب الدائم الأليم ، وهم فيسمعون الله جل ذكره يقول:?وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم? ويقول:?وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم? وقال: ?لاغالب لكم اليوم من الناس? ويعتقدون أن الشركاء والشيطان تزين لهم الباطل الذي هو فعلهم ، ولم يزينوا شيئا من الحق ولادلوا على شيء من الخير ، وكان يجب عليهم أن يخصوا الله سبحانه بأنه ربما زين الخير والحق الذي أمر به ودل عليه ورغب فيه ، وشكر فاعليه ، ولم يزين ماذمه وزجر عنه وأوعد عليه العذاب الدائم الأليم ، حتى يكونوا قد عدلوا في الحكم وسلموا من الجور والإثم وقالوا: إنما يعقله كل ذي عقل ، وفي هذا القدر كفاية لمن تدبره وعقل عن الله إن شاء الله.(1/77)


مسألة في العلم وجوابها
قالت المجبرة القدرية : من زعم أن الكافر الذي قد علم ألله أنه لايؤمن يقدر على الإيمان فقد زعم أنه يقدر على الخروج من علم الله ، وتوهموا أنهم قد شنعوا بهذا على أهل الحق ?ومن لم يجعل الله له نوارا فما له من نور? .
فأقول متوكلا على الله : بأن هذا من قولهم جهل وظلم في الحكم وجور على الحق لأنا إنما نزعم أن الكافر قد يقدر على الإيمان الذي أمره الله به ولايفعل ابدا غير ماعلم ألله أنه يفعله ، وليس الإيمان الذي أمر الله به خروجا من علم الله ، فتكون القدرة عليه قدرة على الخروج من علم الله ولو كان ذلك خروجا من علم الله لم يأمر الله به عباده, ولكان إذا أمرهم بذلك فقد أمرهم بالخروج من علمه وهو جل ذكره فقد أمر الكافر بالإيمان ، وكل مسئ بالإحسان ، ونحن سائلون عن هذا بعينه لنعرفهم أن الشنعة عليهم فيما قالوا به أعظم ، والحجة لهم ألزم وبالله أصول وأقول وأستعين : يقال لهم : أليس تزعمون أن الله قد أمر الكافر بالإيمان وهو قد علم أنه لايؤمن ؟ فإذا قالوا: بلى قيل: فأمره للكافر بذلك أمر له بالخروج عن علمه ، فإن قالوا : لا ولكن ليوجب عليه الحجة فكذلك نقول نحون أيضا: إنه قواه على ماأمر به وإن علم أنه لايفعله ليوجب عليه الحجة ؛ لأن المأمور بما هو عنه عاجز ولم يقو عليه مظلوم ، ولانقول : إن تقويته إياه على ماأمره به تقوية له على الخروج من علمه ، ونقول: وإنه وإن قدر على الإيمان الذي علم الله أنه لايكون منه فإنه لايكون منه أبدا غير ماعلم ألله أنه يكون منه.(1/78)


ويقال لهم : هل يجوز من الكافر الذي قد علم الله أنه لايؤمن وقد أمره بالإيمان أن يؤمن ويرجع عن كفره ؟ فإن قالوا: لايجوز ، فقد زعموا أن الله يأمر عباده بما لايجوز وهذا خلاف قولهم وقول جميع أهل الإسلام ، وإن قالوا: بلى قد يجوز أن يؤمن ويرجع عن كفره قيل لهم : فقد أجزتم للكافر الخروج من علم الله فكذلك يقدر من علم أنه لايؤمن على الإيمان ، ولايكون بقدرته على ذلك خارجا من علم الله ولافصل.
فإن قالوا: إنما قلنا ذلك لأن علم الله لم يأمر عباده بما لايجوز ، قلنا: وكذلك نقول نحن : إنه لايأمر عباده بما لايقدرون عليه.
ويقال لهم: إذا قلتم : إن العبد يفعل مالايقدر ان يفعله فهذا فاسد من الكلام في كل عقل سليم ، وإنما أولى بالحق والصواب من قال: إن العبد الكافر يجوز منه فعل الإيمان وأثبت له القدرة على مايجوز منه فعله ، ومن قال: إن الكافر يجوز منه فعل الإيمان ونفى عنه القدرة عليه نفى ماجوز منه.
ويقال لهم: ألستم تزعمون أن الله قادر على أن يقوي الكافر الذي قد علم أنه لايؤمن على الإيمان ؟ فمن قولهم : بلى فيقال لهم فقد أسقطتم عنا شغبكم ، فلعل الله قد فعل ذلك وأنتم لاتعلمون ولايكون تقويته له خروجا عن علمه.
ويقال لهم : ماتقولون في الكافر الذي قد علم الله أنه لايؤمن هل يجوز أن يهديه الله ويوفقه للإيمان ؟ وهل يقدر الله على ذلك ؟ فإذا قالوا : بلى يجوز ذلك فقد أجازوا له الخروج من علم الله بأعظم مما حاولوا أن يشنعوا به على غيرهم.
ويقال لهم : ألستم تزعمون أن الله قادر على فعل أشياء قد علم الله أنه لايفعلها ؟ فإذا قالوا: بلى : قيل لهم فقد صرحتم بأن الله سبحانه قادر على الخروج من علم نفسه ، ولزمكم ماأردتم الزامه أهل الحق ، والله مشكور وبما هو أهله مذكور.(1/79)


مسألة في الأذن من الله سبحانه وجوابها
قالت المجبرة : إذا اخبر الله بأن السحرة في سحرهم ماهم بضارين به من أحد إلا بإذن الله فإذا كان سبحانه أذن للسحرة في سحرهم فالأمر على مايقوله وندين به.
فجوابنا لهم في ذلك : أنهم إنما أتوا واسلافهم قبلهم من طريق لكنتهم ، وقلة معرفتهم باللغة
<معاني الأذن>
وأن معنى الأذن في لغة العرب على ثلاثة وجوه لاغير.
فوجه من ذلك : الأمر والله لايأمر بالسحر وينهى عنه قال جل ذكره :?أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير?.
ووجه : التخلية. ووجه : العلم قال الله جل ذكره :?ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك مامنا من شهيد? معنى آذناك : نعلمك مامنا من شهيد.
والتخلية : فتكون مع علم أومع أمر تقول العرب : قد أذن فلان لغلامه أن يفعل كذا ، معناه : قد أمره وخلاه يفعل ذلك.
وتقول العرب : مافعل فلان كذا إلا بإذني ، معناه : إلا بعلمي.
لايعرف في الأذن غير هذه المعاني ، ومن ذلك قولهم : إذا مات لهم ميت آذنوا ا لناس حتى يحضروه ، أي : أعلموهم بموته.
ومن ذلك الأذان للصلاة إنما هو اعلام الناس بوجوب الصلاة ليحضروا ، ومن ذلك قول الله سبحانه :?وأذن في الناس بالحج? معناه وأعلمهم بالحج ليأتوك رجالا وركبانا.
فمعنى ?وماهم بضارين به من أحد إلا بإذن الله? إلا بعلم الله وتخليته لهم ، فهذا معنى جهلته المجبرة ، ويتعالى الله عن الأمر بما نهى عنه علوا كبيرا قال سبحانه منكرا على من نسبه الى مثل ذلك :?وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليه آباءنا عليها والله أمرنا بها قل إن الله لايأمر بالفحشاء? الى قوله :?وادعوه مخلصين له الدين? الآية فمعنى فادعوه : فاعبدوه.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله محمد النبي وآله أجمعين.(1/80)

16 / 20
ع
En
A+
A-