وتصديق ذلك ـ أنه لم يكن لِيُدْخل اللّه تعالى النارَ ممن اتبع محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو بمكة، مَنْ يقول: لا إله إلا اللّه مخلصاً لا يشرك بالله شيئاً ـ أن اللّه تبارك وتعالى أنزل عليه وهو بمكة في سورة بني إسرائيل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} إلى قوله: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا(37)كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا(38)ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنْ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا}[الإسراء: 23 ـ 39].
ففي هؤلاء الآيات وأشباههن مما أنزل بمكة لم يَعِدِ اللّه النار في شيء مما نهى عنه من هذه الذنوب، حتى بلغ: {وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا}[الإسراء: 39].
[بعض آيات الوعيد الخاصة بالمشركين]
ثم أنزل في سورة (المدثر): {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(38)إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ(39)فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ(40)عَنْ الْمُجْرِمِينَ(41)مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ(42)قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ(43)وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ(44)وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ(45)وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ(46)حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ(47)فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}[المدثر: 38ـ 48]، فهؤلاء مشركون ليس فيهم أحد من أهل القبلة.(1/6)


وأنزل في (تبارك): {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ(8)قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ(9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:8 ـ10]، فهؤلاء مشركون ليس فيهم أحد من أهل القبلة.
وأنزل أيضاً في (الصَّافَّات): {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ(33)إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ(34)إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ(35)وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات:33ـ36]، فهؤلاء مشركون ليس فيهم أحد من أهل القبلة.
وأنزل في (الليل إذا يغشى): {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى(14)لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى(15)الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[الليل: 14 ـ 16]، [فهؤلاء ليس فيهم أحد من أهل القبلة ].
وأنزل في (إذا السماء انشقت): {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ(10)فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا(11) وَيَصْلَى سَعِيرًا(12)إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا(13)إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا}[الانشقاق: 10 ـ 15]، [فهؤلاء ليس فيهم أحد من أهل القبلة ].
وقال في(الواقعة): {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ(92)فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ(93)وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ(94)إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ(95)فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:92ـ96]، فليس في هؤلاء أحد من أهل القبلة.(1/7)


وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيه(19)إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيه(20)فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(21)فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ(22)قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ(23)كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ(24)وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه(25)وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه(26)يَالَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ(27)مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه(29)خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33)وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(34)فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ(35)وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ(36)لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ}[الحاقة: 19 ـ 37]، فهؤلاء ليس فيهم أحد من أهل القبلة.
وأنزل تعالى في (طسم الشعراء): {وَبُرِّزَتِِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ(91)وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ(92)مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ(93)فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ(94)وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ(95)قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96)تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(97)إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ(99)فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ(100)وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ(101)فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:91ـ102]، فهؤلاء مشركون ليس فيهم أحد من أهل القبلة.(1/8)


وهي خاصة بقوم محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم من المشركين، ليس منها اليهود ولا النصارى.
وقول اللّه تبارك وتعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} [الشعراء: (94)]،. فالذين كبكبوا هم : الآلهة، {وَالْغَاوُونَ} : هم المشركون . {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} [ الشعراء : (95) ]: ذريته من الشياطين. {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} [الشعراء: (99)] هم: المشركون الذين ضلوا قبلهم واقتدوا بسُنَّتِهم.
وتصديق أن ذلك في قوم محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم خاصة قوله الله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء : (105)]، {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء: 176]، فليس في هؤلاء اليهود الذين قالوا: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ}[التوبة: 30]، ولا النصارى الذين قالوا: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}[التوبة: 30]، تبارك اللّه وتعالى علواً كبيراً، وسيدخل اللّه تعالى اليهود والنصارى النار، ولكن يذكر كل قوم بأعمالهم.
وتصديق قولهم: {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ}[الشعراء: 99]، قول اللّه تبارك وتعالى: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف: 38].
فهؤلاء الآيات في أشباههن فيما نزل بمكة أنه تعالى لم يدخل النار إلا مشركاً.
[بعض آيات الوعيد لأهل القبلة]
حتى إذا أمر اللّه تعالى محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم بالخروج من مكة والهجرة إلى المدينة، كتب عليهم القتال.
فلما قدم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم المدينة بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا اللّه، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان.(1/9)


وأنزل اللّه تبارك وتعالى على رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم في الزاني: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور: 2].
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا(68)يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}[الفرقان: 68 ـ 69].
وقال تعالى: في قتل النفس التي حرم اللّه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء: 93]، ولا يلعن اللّهُ مؤمناً.
وأنزل تبارك وتعالى في مال اليتيم ـ فيمن يأكله ظلماًـ:{ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[النساء: 10]، والذي يأكل في بطنه ناراً يُبْعَثُ يوم القيامة ملتهبةً في بَطِِْنه حتى تخرج اللهب مِنْ فيه، يعرفه المسلمون بأكله مال اليتيم.
وأنزل تبارك وتعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ(1)الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}[المطففين: 1 ـ 3]...إلى آخر القصة، ولم يجعل لأحد الويل حتى يوجب له النار.
وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[مريم: 37].
وقال تعالى:{ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}[الرعد: 29].(1/10)

2 / 14
ع
En
A+
A-