وقال اللّه تبارك وتعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا(142)مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا}[النساء: 142 ـ 143] فأبى اللّه تعالى أن يجعلهم من المؤمنين، وأبى أن يجعلهم من المشركين، وأخبر أهل البدع والباطل وشهدوا أنهم مشركون، ليقيموا بذلك خصومهم، فلا أحد من أهل القبلة أشد مخالفة لكتاب اللّه تعالى منهم.
فإنهم سيقولون: فَلِمَ يرث بعضهم بعضاً؟(1/56)
فقل: ذلك بأنه كانت تجري عليهم أحكام محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم، وقد أعلم اللّه تبارك وتعالى محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم وعَرَّفَه طائفة من المنافقين فقال: {فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}[محمد: 30]، وكان المسلمون يأكلون ذبائح المنافقين، ويصلونهم ميراثهم، وتعتد نساؤهم، ويرث أبناؤهم للذكر مثل حظ الانثيين.وقد أخبر اللّه تبارك وتعالى نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنهم كفار، وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ(3)وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ(4)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ}[المنافقون: 3 ـ 5]، فقد عرفوهم إذ دعاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ليستغفر لهم فأبوا، فلم يأمره اللّه تبارك وتعالى بقتالهم، ولم يقطع ميراثهم، ولم يحرم نكاحهم ولا ذبائحهم، من أجل أنهم من أهل الدعوة.
وقال اللّه تعالى في سورة (الفتح): {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[الفتح: 6].(1/57)
وقال في سورة (الأحزاب): {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب: 73]، ففصل اللّه اسم الشرك عن النفاق، واسم النفاق عن الشرك، وقضى على نفسه أنه يتوب على كل مؤمن ومؤمنة، فأنَّى تؤفك عقولهم عن قول اللّه تعالى.
وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}[التوبة: 28]، فقد غزوا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وحجوا معه بعد ما نزلت هذه الآية، وكان نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أطوع خلق اللّه تعالى لربه تبارك وتعالى، فلو كانوا مشركين لم يعص اللّه تعالى، فيدخلون معه بعد المسجد الحرام، ولأنهم لم يسمهم اللّه عز وجل: مشركين، وجرت عليهم أحكام محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم.
وقل لهم: أتعلمون أن اللّه تبارك وتعالى أنزل على محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ } [التوبة: 84]، فهذه الآية نزلت في (عبد الله بن أُبَي بن سلول) المنافق، وكان عبد الله رأس المنافقين، ليس يمتري فيه أحد ممن يقرأ القرآن أو سمع العلم.
وسلهم هل ورِثَهُ ولده للذكر مثل حظ الأنثيين أم لا؟ وورثته امرأته الثمن، واعتدت منه أربعة أشهر وعشراً، فإنها لو كانت تحت أصحاب محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم لم تزد على هذا.
فسلهم عن رجلين أخوين لأب وأم كان لأحدهما ابن وكلاهما يدعيان الإسلام وكلاهما أخوان، فوثب الذي له ابن على الذي ليس له ابن فقتله وبقي الذي له ابن. فورث الابن عمه، ولم يرث الأخ أخاه فسلهم لم ورث ابن الأخ عمه؟
فإن قالوا: لا ندري.(1/58)
فقل: لكني أدري لأن الأخ قتل أخاه، فانقطع الميراث الذي بينهما فلم يرث أخاه، فلو كانا مؤمنين كليهما القاتل والمقتول ورثه.
وسلهم عن الذين قالوا: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}[الأحزاب: 12]، أمشركين كانوا؟ فإن هؤلاء قد أعلنوا قولهم، فلوا كانوا مشركين ضربت أعناقهم، وقد قال اللّه تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التوبة: 5]، فإن قالوا: نعم هم مشركون. فإنه حق على المسلمين أن يضربوا أعناقهم، ولكني أراهم قد عرفوا اللّه وعرفوا رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم بالقول بألسنتهم، وجحدوا قول اللّه تعالى، وما جاء به رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم.
وسلهم عن الذين استأذنوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، فقالوا: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ}، قال اللّه تبارك وتعالى: {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب: 13]، قل: هل عرفهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله سلم حين استأذنوه أم لا؟ فإنهم لا يستطيعون إلا أن يقولوا: لم يأمر بقتلهم ونفيهم.
وقال اللّه تبارك وتعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَأتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا}[الأحزاب: 14]، والفتنة: أن يكفروا. وقال اللّه عز وجل: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُم الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67].(1/59)
فيعمد أهل البدع والباطل إلى كل رجل ـ من أهل قبلتنا ـ يعمل بالصفة التي سمّاها اللّه تعالى من أعمال المنافقين فيزكونه من اسم النفاق ويدخلونه في اسم المؤمنين {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التوبة: 71]، فخالفوا قول اللّه تعالى في المنافقين والمؤمنين.
وقال اللّه تبارك وتعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}[النساء: 145]، فلو كان المنافقون مشركين لم يكونوا تحت أرجل المشركين في جهنم.
وقال اللّه تبارك وتعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ(22)مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[الصافات: 22 - 23]، وأزواجهم هم: المشركين الذين كانوا قبلهم، فلو كان المنافقون مشركين لم يحشروا مع المؤمنين الذين {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[الحديد:12] فألحقهم بالذين كفروا، فسيقوا إلى جهنم زمراً.
[مناقشة في تسمية بعض أهل الكبائر]
وسل أهل البدع والباطل عن رجل قال: أنا أشهد أن ما جاء به محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم حق، قد حرم اللّه لحم الخنزير وهو محرم على المؤمنين ولكن أشتهيه، فأمر بخنزير فذبح وأكل لحمه، حتى أكل خنازير، فكان آخر ذبيحة منها ذهب ليأكل منها، فدخل عظم من عظامه في حلقه فقتله في مجلسه ذلك.
فسلهم عن هذا الرجل أهو كافر أو مؤمن؟ فإن قالوا: مؤمن من المؤمنين. تبين حمقهم وضلالهم.(1/60)