فأول ما نُسِخَ القبلةُ، وذلك أن الكعبة كانت قبلة النبيء صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يهاجر إلى المدينة، وكانت قبلة أبيه إبراهيم عليه السَّلام والأنبياء " من قبله. فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وكان أهلها لا يعرفون قبلةً إلا بيت المقدس، وكان الإسلام غريباً، فأنزل الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}[البقرة:115]، فصلّى صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت المقدس -على ما رُوي- ستة عشر شهراً، وقيل: سبعة عشر، فلما تقوى الإسلام، وتوقّع صلى الله عليه وآله وسلم الوحيَ من ربه، وانتظر خبر جبريل صلى الله عليه وسلم ينزل به، فأنزل الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}[البقرة:144] أي نحوه.
ومما نسخ قول الله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ}[النساء:8] نسختها آية المواريث.
ومما نسخ قول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ}[البقرة:219] يريد: الزائد على كفايتهم. نسختها آية الزكاة.(1/416)


ومما نُسخ قول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[البقرة:183]، فكانوا لا يأكلون بالليل بعد الرُّقادِ، ولا يشربون، ولا يُجامعون، فنسخ ذلك قول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[البقرة:187]. معنى قوله: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} يريد: إبتغوا الولد. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه سُئل عن تفسير الخيط الأبيض من الخيط الأسود فقال: ((الليل والنهار )).(1/417)


ومما نُسخ: نكاحُ المتعة، وهو قول الله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}[النساء:24] نسخها قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ}[الطلاق:1]. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه اعتمر فشكا إليه الناس العزبة، فقال: ((استمتعوا من هذه النساء ، واجعلوا الأجل بينكم وبينهن ثلاثة أيام)) فلما كان اليوم الثالث أو الرابع من قوله خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى وقف بين الركن والمقام، وأسند ظهره إلى الكعبة ثم قال: ((يا أيها الناس إني كنتُ قد أمرتكم بالاستمتاع، ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيءٌ فليُخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً)).
وروي أنه قال في آخر كلامه: ((متعة النساء حرامٌ ، متعة النساء حرامٌ)) قال ذلك ثلاث مرات.
وروي عن أمير المؤمنين عليه السَّلام أنه مرّ بعبد الله بن العباس وهو يفتي بنكاح المتعة، فقال أمير المؤمنين عليه السَّلام: ((قد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها، وعن لحوم الحمر الأهلية )).
والأمة مجمعةٌ على تحريم المتعة، إلا الإمامية فإنهم يرونها.(1/418)


ومما نُسخ قول الله تعالى: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا }[البقرة:229] وهذا في المختلعة. وقوله: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[اتلنساء:20] نسخه قول الله تعالى: {إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة:229]. وروي أن أول مختلعة في الإسلام حبيبة بنت سهل كانت عند ثابت بن قيس بن شمّاس، فأتت النبيء صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: يا رسول الله، لا أنا ولا ثابت، فقال لها النبيء صلى الله عليه وآله وسلم: ((أفَتَرُدِّينَ عليه ما أخذتِ منه ؟)) قالت: نعم -وكان ثابت تزوّجها على حديقةٍ من نخلٍ- فقال ثابتٌ: هل يطيب ذلك لي يا رسول الله؟ قال: ((نعم))، وأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطلاقها.(1/419)


ومما نُسخ [قوله تعالى]: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[البقرة:240] كانت عدّة المتوفّى عنها زوجها سنةً، وكانت لها الوصيّة، ولم يكن لها ميراث، فنُسخت العدّة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً }[البقرة:234]، وسببُ العدّة إظهار الحزن على صاحبها وتوقّع الولد منه، وهو في هذه المدة يتبيّن الحملُ إن كان. وقد قيل: إنه يكون في أربعين يوماً نطفةً، وفي أربعين يوماً علقةً، وفي أربعين يوماً مضغةً، فإذا بلغ أربعة أشهرٍ وعشراً صار عظاماً، ولم يخفَ كونه ولا يغبأ وجوده، ونسخت الوصية له بآية المواريث؛ وهي قوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ}[النساء:12].(1/420)

84 / 115
ع
En
A+
A-