3ـ معركة زبيد
ومن معاركه الحاسمة معركة وقعت يوم قصد زبيد سنة 553هـ يقول المؤرخ الشهيد حميد المحلي ـ رحمه الله تعالى ـ المتوفى سنة 652هـ ممثل عنها: ومن أيامه المحجلة الحسان يوم قصد زبيد في سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، فلما وصلها عليه السَّلام أقام فيها ثمانية أيام، وكان أميرها يومئذ فاتك بن محمد بن جياش، وكان فاسقاً خبيثاً يغلب عليه الخنا والفساد في نفسه، حتى روي أنه كان له بريمان في بطنه كالمرأة، فعني الإمام عليه السَّلام في هلاكه بعد بذل مال جليل في سلامته فأقسم بالله لو أعطى ملك زبيد كله ما أفداه، وذلك أنه قتله حداً، قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوه)) فراوده أصحابه على أخذ المال، وقالوا إنه لبيت المال، فقال: قد نزهت نفسي عن الطمع عند أهل زبيد، وقد كنت قلت لهم: إني لا أسألكم عليه شيئاً وتلوت قول الله سبحانه وتعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّه}[سبأ:47]، ثم نهض بهم، وكان القواد يعطون العساكر كفايتهم، فقال الإمام: أما أنا فلا أقبض منكم شيئاً كفاية ولا غيرها، وكان معه ومع أصحابه زاد، فلما فرغ الزاد كان يأمر من يشتري له الطعام ويأمر من يطحنه، وكانت حاشيته مقدار ستين رجلاً وولَّى على زبيد والياً من جهته، وعاد مُسلَّماً منصوراً قد أرضَى الله سبحانه عز وعلا، ولم يزل عليه السَّلام في جهاد بعد جهاد وجلاد عقيق جلاد، حتى أشمخ الحق قباباً، ومدَّ له أطناباً، شيَّد للإسلام في الأرض العز بنياناً، وأعلى له أركاناً، وكانت كثير(1/36)


من وقعاته على الباطنية الملحدة أقماهم الله تعالى حتى دمرهم تدميرا، وأنزل بهم ويلاً وثبورا، بعد أن كانت قد تسعرت نارُهم، وسطع شرارهم، فطمس الله بحميد سيعه عليه السَّلام ربوعهم، وفرّق جموعهم، وكانوا بين قتيل وطريد تصديقاً لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإيمان ولياً من أهل بيتي، موكلاً يعلن الحق وينوره، ويرد كيد الكائدين)).
فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على الله.(1/37)


من أوائل الداعين إلى وحدة اليمن شمالاً وجنوباً
وقد سعى الإمام أحمد بن سليمان عليه السَّلام بكل ما أوتي من قوة إلى توحيد اليمن شمالاً وجنوباً، ودعى إلى القضاء على الدويلات والمشيخات التي فصلت أجزاء الوطن اليمني، يقول المؤرخ المعاصر أحمد الشامي: (وكان يريد أن يوحّد اليمن ويقضي على الدويلات الطفيلية والمشيخات الجائرة، والسلطنات الطائفية، ولكن صرامته فيما يعتقده حقاً وصواباً وواجباً دينياً، قد حرّمت عليه التلاعب السياسي، والمبررات الماكرة، التي ربما تمكن بها من الوصول إلى تحقيق ما يريده ويهواه، لو كان ما يريده ويهواه الجاه والسلطان وحطام الدنيا من مال وخول، فقد أبى أن يولّي سلاطين الجور على بلدانهم، ليضمن طاعتهم وخضوعهم له، وبذل الأتاوات والخراج، وكان يتشدد في إجبارهم عن التخلّي، أو تنفيذ الحدود الشرعية فيهم إذا قارفوا إثماً، أو انتهكوا حرمة دينية كما صنع مع (فاتك) الزبيدي، وبعض السلاطين الأشراف.(1/38)


ولما أراد في سنة 547 أن يزحف على (عدن) بقبائل (جنب) و(مذحج) وغيرهما بهدف توحيد اليمن شمالاً وجنوباً تآزر السلطانان في (صنعاء) و(عدن) من (آل حاتم) و(بني زُريع)، ضد الإمام، وبذلا أموالاً واسعة لتلك القبائل، وخذّلا عن مناصرة الإمام، وفشلت خطته كما فشل بعده الملك عبدالنبي بن مهدي، عندما حاول القضاء على (بني زريع) في عدن عام 568، وقد استنجدوا بالسلطان علي بن حاتم ونشبت بين الجميع حروب دامية مدمّرة طاحنة سبق أن أشرنا إليها وقلنا إنها مهدت السبيل للسلطان ابن أيوب (توران شاة) وسهلت له الإستيلاء على معظم اليمن في وقت قصير).(1/39)


داعية عدالة اجتماعية
ويقول المؤرخ الشامي متحدثاً عن عدالة الإمام أحمد بن سليمان عليه السَّلام الإجتماعية:
(ولقد كان الإمام أحمد بن سليمان من دعاة بث العدالة الإجتماعية ونشرها، ومحاربة الإثراء الفاحش القائم على الاحتكار واستغلال الجاه والمنصب، وإقامة مجتمع إسلامي فاضل تسوده المساواة وحرية التفكير والتعبير في إطار مكارم الأخلاق، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيه العلماء وأهل الحل والعقد، وكان يكلّف العلماء والمفكرين بوعظ الناس وإرشادهم، ومناظرة وحوار من يخرجون عمّا يراه صواباً، وكان من أكابر من يعتمد عليه في ذلك القاضي جعفر بن أحمد بن عبدالسلام ومناظراته مع علماء المطرفية بتوجيه من الإمام مشهورة، وكذلك مع علماء الأشاعرة، ولكنه كان شديد الوطأة على (الباطنية) والفجار والفساق، لا يحابي في ذلك ولا يجامل، وكان أحياناً ينكمش في هجرته على ضفاف (الخارد) ويشتغل بالزراعة، ولما ظهر الفساد في صعدة ولم يتمكن الأشراف بنو الهادي من إقامة الشريعة وتنفيذ أحكامها، وطلبوا منه النهوض إلى صعدة أجابهم، وبعد أن أدّى رسالته عاد إلى الجوف، ولمّا حصلت بينه وبين السلطان حاتم المراسلة وجنحا إلى المصالحة والتقيا في بيت (الجالد) كانت شروط الإمام عليه هي منع الخطبة للباطنية في صنعاء، وإظهار مذهب الهادي، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعاد السلطان حاتم إلى (صنعاء) والإمام إلى (الجوف) سعيداً راضياً بأن (حاتم) قد نفذ الكثير مما تعاقدا عليه، والتفت إلى محاربة القرامطة والباطنية في (وادعة) وغيرها).(1/40)

8 / 115
ع
En
A+
A-