ومما يحرم فعله على النفس: الظلم، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والزنا، وشرب الخمر، وجميع ما يُسكر ويُفَتِّر لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((ما أسكر كثيره فقليله حرام ))، ولما رُوي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنه نهى عن كل مُسكرٍ ومُفَتِّرٍ )).
ومما يحرم على النفس فعله: الرِّبا، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ}[البقرة:278،279].
ومما يحرم على النفس: الوقوف على الجهل، قال الله تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ، إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ، وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لاََسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}[الأنفال:21-23].
ومما يحرم على النفس: اتباع الهوى، فيما لايجوز، قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات:40،41].
ومما يحرم على النفس: تركُ الواجبات، والعمل بالمحرمات.
ومما يحرم على النفس: تركُ الصّبر، وترك الحلم.(1/296)


ويجب كظم الغيظ، قال الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران:134].
ومما يحرم على النفس: الرضا بالظلم، والسُّكوت لأهل المنكر، قال الله تعالى: {كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[المائدة:79]، (وأمثال ذلك).(1/297)


فصل في الكلام في حقيقة الشكر
اعلم أنه لما ثبت أن كلّ نعمةٍ على العبد فهي من الله لقوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ }[النحل:53]، وقوله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[النساء:79]، وجب أن يشكره عبده على كل نعمةٍ أنعمها عليه، لقوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً }[الإسراء:36]، وقال: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ }[التكاثر:8].(1/298)


واعلم أن العبد لا يقدر [على] أن يبلُغ غاية شكر الله كما لا يُحصي عَدّ نعم الله، ولا يتم ذلك لبشرٍ كائناً من كان، لقول الله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ}[فاطر:45]، وقد حكى الله عن الأنبياء " التوبة والاستغفار، فقال تعالى -حاكياً عن آدم عليه السَّلام وحوَّاء: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف:23]، وقال تعالى -حاكياً عن نوحٍ عليه السَّلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[نوح:28]، وقال تعالى -حاكياً عن إبراهيم عليه السَّلام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ، رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}[إبراهيم:39-41]، وقال تعالى -حاكياً عن موسى عليه السَّلام: {قَالَ رَبِّ إِنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[القصص:16]، وقال تعالى -حاكياً عن داود عليه السَّلام: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ }[ص:24]، وقال تعالى -حاكياً عن سليمان عليه السَّلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ(1/299)


بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[ص:35]، وقال تعالى لنبيئنا صلى الله عليه وآله وسلم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}[الفتح:1،2]، وليس خطايا الأنبياء جميعاً -صلوات الله عليهم أجمعين- بتعمدٍ منهم لمعصية الله سبحانه، ولكنهم يغفلون ويسهون، ويفترون وينسون، إلا في تبليغ الرِّسالة فإنهم معصومون عن النسيان والغفلة، وأشباه ذلك.
وأما فيما يخصّهم في أنفسهم فليسوا بمعصومين بل يسهون، وينسون ويغفلون، بل إنهم معصومون من الكبائر، وليسوا بمعصومين من الصغائر.
والدليل على أن النبيء لا ينسى ما أرسل به قول الله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى ، إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ}[الأعلى:6،7]، ومعنى {مَا شَاءَ اللَّهُ} يُريد وقت النوم والموت، وعلى ذلك فطرهم الله. وغيرهم من الناس، قال الله تعالى: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا }[النساء:28].(1/300)

60 / 115
ع
En
A+
A-