أو آبَائِهِنَّ أو آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أو أَبْنَائِهِنَّ أو أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أو إِخْوَانِهِنَّ أو بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أو بَنِي أَخَوَاتِهِنََّّ أو نِسَائِهِنَّ أو مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أو التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أو الطّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور:30،31].
ومعنى قوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يُريد لِمَنِ استثناه بقوله: {إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ...}إلى آخر الآية.
وقوله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فأوجب التقنّع والتّستّر. والجيب هو الفقرة من القميص والمدرعة.
وقوله: {إلا لبعولتهن} فاستثنى بعولتهن؛ لأنه لولا الاستثناء هذا لكان من جملة من يحرم عليه نظر زينتهن، ومن حال الاستثناء أنه لولا هو لدخل المستثنى في جملة من لم يُستثنَ.
وقوله: {أو نسائهن} دليل على ما قلنا: أنه لولا استثنى نسائهنّ لحرمُ عليهن أن يُبدين زينتهنّ عليهنّ.(1/291)


وقوله: {أو ما ملكت أيمانهنّ} يُريد من الإماء، دون العبيد الذّكران، فإنه يحرمُ عليهنّ أن يبدين زينتهنّ عليهم. وإنما استثنى الله النساء والإماء لأنه لولا هذا الاستثناء لحرم عليهنّ أن يبدين لهنّ زينتهنّ. ونساؤهن: هن المسلمات، دون المشركات، وعلى هذا لا يجوز أن يُبدين زينتهن للمشركات والذّميات.
وقوله: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} والتابعون: هم ذوو الرّضاعة: الابن من الرضاعة، والأخ من الرضاعة، وابن الإبن، وابن الأخ، وابن الأخت من الرضاعة، وأشباه ذلك؛ ولأن الرضاع يتبع النسب في التحريم، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعليّ أمير المؤمنين عليه السَّلام: ((أما علمت أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب )).
وقوله: {غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} والإِرْبَةُ هي الحاجةُ، قال الله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى ، قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}[طه:17،18]، يريد حاجاتٍ أخرى، والإربة هاهنا هي النظر للشهوة، فاستثنى الله من ينظر للشهوة من ذوي الرضاع، ولم يستثن ذلك من ذوي النّسب؛ لأن الرّحم يُلزم ما لا يُلزم الرضاع، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلو بامرأة ليست له بمحرمٍ ، فإن ثالثهما الشيطان)) إلا مع امرأةٍ يحرُمُ عليه نكاحها من نسبٍ أو صهرٍ.(1/292)


وقوله: {أَوِ الطّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النّسَاءِ} وهم الذين لم يدروا ما يَطْلُبُ الرجال من النساء لصغرهم، وهو يكون من ست سنين أو سبعٍ، أو قريباً من ذلك، والله أعلم.
واعلم أن هذا النّهي شاملٌ للناظر والمنظور من الرجال والنساء. ولا يحرم النظر إلى الصبيّة الصّغيرة على هذا القياس إلا أن يكون يُؤدي إلى الشهوة. وكذلك النظر إلى ما ظهر من الأمَةِ المملوكة للغير لِمَا رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم شهوةً كشهوة النساء)) فمن هاهنا يحرُمُ النظر إلى أمَةِ الغير إذا كان النظر إليها يؤدي إلى الشهوة. فإذا لم يكن يُؤدي إلى الشهوة كالزّنجيّة وشبهها فلا يحرم النظر إلى ما ظهر منها.
قال القاسم عليه السَّلام: (يجوز أن تُصليَ الأمة بغير خمارٍ) فصح أنها كالرجل في العورة، إلا ما ذكرنا مما يدعو إلى الشهوة.(1/293)


فصل في الكلام في واجبات اليدين
فإنه يجبُ أن يستعمل العبدُ يديه فيما أمر الله به من العمل باليدين؛ من ذلك: الطهارة والصّلاة، والكتابة في التعليم، والحج والجهاد، وأمثال ذلك.
ومما يحرم عليه باليدين: أخذ مال الغير، وبخس الميزان، وتطفيف المكيال. ويحرم لمس ما يحرم نظره باليدين وبجميع الجسد.
ويحرم بسط اليد لقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، قال الله تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة:32]، وكذلك يحرم بسط اليد إلى الغير للضّرر، والجرح، وجميع أنواع الظلم.(1/294)


فصل في الكلام في واجبات النفس على الكمال
فإنه يجب على النفس الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وبِرُّ الوالدين، وصلة القرابة، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وموالاة أولياء الله، ومعاداة أعداء الله.
ومما يجب بالنفس: طلب العلم؛ قال الله تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}[التوبة:122]، وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((طلبُ العلم فريضةٌ على كل مسلمٍ )). وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((العلماءُ ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يُخلفوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافرٍ)). وروي عن المسيح عليه السَّلام أنه قال: (من عَلِمَ وعمل بما علم دُعي عظيماً في ملكوت السماوات). وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((فضل العلم خيرٌ من فضل العبادة وخير دينكم الورع)).
ومما يجب على النفس: الورعُ فإنه رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((الورع سيد الأعمال )).
ومما يجب على النفس أيضاً: دفع الضُّرّ والظلم عن النفس والوالدين والأقربين والصاحب بالجنب والجار.(1/295)

59 / 115
ع
En
A+
A-