ويحرم النُّطق باليمين الكاذبة، وبالنَّميمة، قال الله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ}[القلم:10،11]، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((الغيبة والنَّميمة يُفَطِّرانِ الصائم ، وينقضان الوضوء)). وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لا يدخل الجنّة قَتَّاتٌ )) والقتّات النّمّام.
ومما يحرم النطق به: أذى المسلم، والقذف للمؤمنين والمؤمنات بغير بيِّنةٍ عادلةٍ؛ قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[الأحزاب:58].
ومما يحرم النطق به: الهزؤ، قال الله تعالى حاكياً عن قوم موسى حيث قالوا لموسى: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[البقرة:67]، فسمى الهزؤ جهلاً، والجهلُ يجب الخروج منه.
ومما يحرم النّطق به: الغِنَّاءُ، واللهو، والشِّعر بالأصوات الملهية، وذِكر الحُبِّ والْمُحَبِّ؛ ولأنه من اللهو، ومما يُقويِّ هوى النفس.
فهذه الأشياء، وما كان من جملتها يحرم النطق بها والخوض فيها.(1/286)
فصل في الكلام في واجبات السمع
ومما يجب أن يُسمع: كتاب الله قال الله: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأعراف:204]. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبّر فكبروا وإذا قرأ القرآن فأنصتوا)).
ومما يجب استماعه: الأذان والإقامة.
ومما يجب أن يُسمع: كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكلام الأئمة الهادين، وكلام مُعلِّمي الخير. وقد ذمّ الله تعالى الذين لا يستمعون كتابه، وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال عزّ من قائلٍ: {وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}[فصلت:44]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا }[الفرقان:73]، وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا}[البقرة:104]، وقال الله تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ }[الأنفال:21].(1/287)
وتأويل قوله: {لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا} رُوي عن ابن عباس أن (رَاعِنَا) عند اليهود كلمة ذمٍّ، وهي عند العرب بمعنى أُنظرنا، ويقول القائل منهم: أَرْعِنِي سَمْعَكَ والمعنى اسمع مِنّي. فكانت اليهود يأتون إلى النبيء صلى الله عليه وآله وسلم فيقولون: راعنا، وأَرْعِنَا سَمْعَكَ. وغرضُهم السب له بلسانهم، فإذا خلا بعضهم إلى بعضٍ قالوا: قد كنّا نسبُّ محمداً سِرًّا، فقد صرنا نسبه عَلَناً. فأنزل الله هذ الآية، وخاطب بها المؤمنون، لِئَلاّ يتشبّه بهم اليهود إذا قالوا: رَاعِنَا.
ومما يجب استماعه على القاضي: قول المدّعِي، وقول المدَّعَى عليه، وقول الشُّهود، ويجب استماع حكم القاضي على الخصمين.
فهذه الأشياء، وما جانسها يجب استماعها.
ومما يحرم استماعه: اللهو والغناء، وصوت المزمار، والطّنبور، وجميع الملاهي، واللغوِ قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ }[المؤمنون:3]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}[الفرقان:72].(1/288)
فصل في الكلام في واجبات البصر
ومما يجب بالبصر: النظر إلى عجيب صُنع الله، قال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أو آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:46]، وقال تعالى: {أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ، وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}[الغاشية:17-20].
ومما يجب أن ينظره العبد: كتاب الله، وكتب الأصول، وكتب الشرع، وما كان يُؤدي إلى العلم والعمل، ويدلُّ على الخير، ويُجنب الشر.(1/289)
ومما يحرم [بصره]: النظر إلى العورات من الرجال والنساء، وحدّ العورة من الرَّجل من السرّة إلى تحت الركبة، وهو مفصل الفخذ من الساق، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كل شيءٍ أسفل من سُرّته إلى ركبتهِ عورةٌ ))، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((الفخذُ من العورة )). والنساء كلّهنّ عوراتٌ، لا يحلُّ نظرهن إلا للزوج والمحرم؛ قال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ...} إلى قوله: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}[النور:30،31]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((النساء عِيٌّ وعَوراتٌ فاسترُوا عِيَّهنَّ بالسّكوتِ وعَوراتِهِنّ بالبُيُوتِ)). فأما الزوجُ فإنه لا يحرم عليه نظر شيءٍ من امرأته. وأما من يحرم نكاحه على المرأة، من نسبٍ أو رضاعٍ، فإنه يحلّ له أن ينظر إلى ما ظهر منها، وهو الوجه، وما ظهر من شعر الرأس، واليدان والقدمان، وقد يكون الذِّراعان مما ظهر، وكذلك أسفل الساقين، ويحرم ما وراء ذلك؛ قال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ(1/290)