ومن واجبات القلب تعظيم أولياء الله، وشعائر الله، وحرمات الله؛ قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى }[المائدة:2]، وقال: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }[الفتح:29]، وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }[الحجرات:10]، وقال: {وَمَنْ يُعَظّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ }[الحج:30]، وقال: {وَمَنْ يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ }[الحج:32].
وقال تعالى في الصّبر: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة:153]، وقال تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ}[البقرة:177]، وقال: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِي‍رًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب:35]. وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السَّلام أنه قال: (منزلة الصّبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له).(1/276)


ومما يجب بالقلب: اليقين والتقوى، قال الله تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }[الجاثية:20]، وقال: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ}[الشعراء:24]، وقال تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ }[آل عمران:102]، وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا}[التغابن:16].
ويجب الذكر والتفكر في صنع الله بالقلب، قال الله: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[آل عمران:191].
ومن واجبات القلوب: التوبة، والندم، والتواضع، والمحبّة والرحمة لأولياء الله، والبغض والعداوة لأعداءِ الله، وإنكار المنكر.
فهذه الأصول والفروع يجب معرفتها بالقلب، ويجب نفيُ أضدادها عن القلب؛ فضد الإيمان الكفر، وهو جحد أو شرك أو شك، والجهل ضدّ العلم، والشكّ ضدُّ اليقين، والرّياء ضدّ الإخلاص، والشكر ضدّ الكفر، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلّينَ ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}[الماعون:4-7]. وروي عن أنس أنه قال: الحمد الله كما قال: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ}، ولم يقل: (في صلاتهم ساهون) ذكره المؤيد بالله في الزيادات.(1/277)


واعلم أن الرياء والمباهاة يبطلان الأعمال، ويُفسدان الأفعال؛ وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إذا كان يوم القيامة فأولُ ما يُدعَى رجلٌ جمع القرآن فيقول الله له: عبدي ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ فيقول: بلى يا رب. فيقول: ماذا عملتَ فيما علمتَ؟ فيقول: يا رب كنت أقوم به الليل والنهار. فيقول الله تعالى: كذبت بل أردتَّ أن يقال: فلان قارئٌ، فقد قيل ذلك، إذهب فليس لك اليوم عندنا شيءٌ. ثم يُدعى بصاحب المال فيقول الله تعالى: عبدي ألم أنعم عليك؟ ألم أفضُل عليك؟ ألم أُوسع عليك؟ فيقول: بلى يا رب، فيقول: ماذا عملتَ فيما آتيتك؟ فيقول: يا رب كنت أصل الرحم، وأتصدّق، وأفعل؛ فيقول الله تعالى: كذبت بل أردتَّ أن يُقال: فلانٌ جوادٌ، فقد قيل ذلك، إذهب فليس لك اليوم عندنا شيءٌ. ويُدعَى بالمقتول فيقول الله تعالى: عبدي فيم قُتِلْتَ؟ فيقول: يا رب (قتلت) فيك وفي سبيلك. فيقول الله له: كذبتَ بل أردتَّ أن يُقال: فلان جريءٌ فقد قيل ذلك، إذهب فليس لك اليوم عندنا شيءٌ. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أولئك الثلاثة أول خلق يُسعَّرُ بهم في النّار)).(1/278)


ومما يجب أن يُنفى من القلب: الكبر والحسد، قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا}[النساء:54]، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب))، وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِي‍رُ}[غافر:56]، وكان أول من تكبّر وحسد إبليس لعنه الله فقال الله تعالى: {مَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا ...}الآية[الأعراف:13]. وروي عن عبد الله بن سلام أنه مَرّ في السُّوق وعلى رأسه حزمةُ حطبٍ فقيل له، فقال: إنِّي أردتُّ أن أخلع الكبر، وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((لا يدخلَ الجنةَ عبد في قلبهِ [مثقال] حبّةُ خردلٍ من كِبْرٍ )).
ومما يجب أن يُنفى من القلب: الظن الكاذب، وتكذيب الصادق، قال الله تعالى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ }[الحجرات:12]، وقال: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}[النجم:23].(1/279)


ومما يجب أن يُنفى من القلب: الغفلة عن ذكر الله، وذكر الوعد والوعيد، وذكر الموت، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الأنفال:2].
وفي ذكر الموت ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((أُذكروا هادمُ اللذّاتِ )) يعني: الموت.
ومما يجب أن يُنفى من القلب: كراهة الحق وأهله، قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[البقرة:216].(1/280)

56 / 115
ع
En
A+
A-