1- إستعمال العقل باعتباره مناط التكليف، وأداة النظر:
قال تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[الزمر:17،18].
ويعتبر بمثابة النور للإنسان يميز به بين الحق والباطل، وبين الممكن والمستحيل.
والقرآن يوصي كثيراً باستخدام العقل في مسائل الاعتقاد، ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء:22]، فالآخذ بالعقل في مسائل أصول الدين آخذ بالقرآن الكريم، ولذلك انتهج المذهب الزيدي النهج القرآني في استخدام الدليل العقلي وجمع في الاستدلال على صحة معتقداته بين صحيح النقل، وصريح العقل، ولذلك لم تأسره ظواهر الألفاظ المتشابهات، كما أسرت بعض المذاهب التي عطلت العقل، وحصرت دوره، وقصرت فهمه وإدراكه على فهم من قلدوه تقليداً أعمى، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ}[البقرة:170].
قال الإمام القاسم بن إبراهيم عليه السَّلام: (معرفة الله عزّ وجلّ ـ وهي عقلية ـ منقسمة على وجهين وهما: إثبات ونفي، فالإثبات هو اليقين بالله والإقرار به، والنفي هو نفي التشبيه عنه تعالى، وهو التوحيد، وهو ينقسم على ثلاثة أوجه:(1/6)


الوجه الأول: الفرق بين ذات الخالق وذات المخلوق حتى ينفي عنه جميع ما يتعلق بالمخلوقين في كل معنى من المعاني، صغيرها وكبيرها، وجليلها ودقيقها، حتى لا يخطر في قلبك في التشبيه خاطر شك ولا توهم ولا ارتياب، حتى تُوحِّدَ الله سبحانه باعتقادك وقولك وفعلك، فإن خطرتْ على قلبك في التشبيه خاطرة شك فلم تُنفِ عن قلبك بالتوحيد خاطرَها، وتُمط باليقين البت والعلم المثبت حاضرها، فقد خرجت من التوحيد إلى الشرك، ومن اليقين إلى الشك؛ لأنه ليس بين التوحيد والشرك، واليقين والشك، منزلة ثالثة، فمن خرج من التوحيد فإلى الشرك مخرجه، ومن فارق اليقين ففي الشك موقعه.
الوجه الثاني: هو الفرق بين الفعلين حتى لا تصف القديم بصفة من صفات المحدثين.
والوجه الثالث: هو الفرق بين الفعلين حتى لا تشبه فعل القديم بفعل المخلوقين).(1/7)


2- الاعتماد على الحجج القرآنية وإرجاع متشابه الكتاب إلى محكمه:
من المعروف أن القرآن يحمل في طياته القواعد الأساسية، والأصول العامة لكل ما يحتاجه الإنسان من عقائد وقوانين وأحكام وأنظمة وآداب، وهو الأصل الأول الذي يجب الاعتماد عليه، وإنما قدمنا الحجج العقلية للتدليل على وجوب تأويل ظواهر النصوص التي توحي بالتشبيه والتجسيم، وهي بهذا لا تلغي دوره أو تنقص من شأنه، وإنما تقودنا للعمل به وفقاً لما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}[آل عمران:7].
فالمحكم هو أصل الكتاب والمتشابه هو فرعه، ويجب رد المتشابه إلى المحكم ولن نستطيع رده إلا باستعمال العقل في ضوء اللغة، والسياق، والمراد الإلهي، وما صعب يجب إرجاعه إلى الراسخين في العلم ليوضحوا صعوبته ويكشفوا غامضه.(1/8)


ولو لم يستخدم أهل العدل والتوحيد هذه القاعدة الصحيحة لاستفحل داء المجسمة والقدرية والمرجئة والمجبرة، وصعب دواؤهم؛ لأنهم يوردون الآيات المتشابهة التي تحتمل أكثر من معنى ليبرروا صحة عقائدهم المنحرفة التي وصفوا الله من خلالها بصفات غير لائقة، وقد وضح الله مقاصدهم وكشف أستارهم، وأبان زواغ قلوبهم من خلال ما يستدلون به من الآيات المتشابهات مع تركهم للآيات المحكمات، وفي هذا الصدد يقول الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السَّلام: (اعلم أن القرآن محكم ومتشابه، وتنزيل وتأويل، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وحلال وحرام، وأمثال وعبر، وأخبار وقصص، وظاهر وباطن، وكل ما ذكرنا يصدق بعضه بعضاً، فأوله كآخره، وظاهره كباطنه، ليس فيه تناقض، وذلك أنه كتاب عزيز على يدي رسول كريم، وتصديق ذلك في كتاب الله حيث يقول: {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت:42]، ويقول: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ، فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}[البروج:21،22]، ويقول: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِي‍رًا}[النساء:82].
فالمحكم كما قال الله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الصمد:2]، و{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِي‍رُ}[الشورى:11]، و{لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِي‍رُ}[الأنعام:103]، وغير ذلك.(1/9)


والمتشابه مثل قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة،22،23]، معناها بيِّن عند أهل العلم، وذلك أن تفسيره عندهم أن الوجوه يومئذ نضرة مشرقة ناعمة، إلى ثواب ربها منتظرة، كما تقول: لا أنظر إلا إلى الله وإلى محمد، ومحمد غائب، {وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[آل عمران:77]، معناه: لا يبشرهم برحمته ولا يبذل لهم ما أنال أهل الجنة من الثواب).
ويقول جده الإمام القاسم بن إبراهيم عليه السَّلام: (وقد أنكرت الحشوية رد المتشابه إلى المحكم، وزعموا أن الكتاب لا يحكم بعضه على بعض، وأن كل آية منه ثابتة واجب حكمها بوجوب تنزيلها وتأويلها، ولذلك وقعوا في التشبيه وجادلوا عليه؛ لما سمعوا من متشابه الكتاب فلم يحكموا عليه بالآيات التي جاءت بنفي التشبيه، فاعلم ذلك).(1/10)

2 / 115
ع
En
A+
A-