ومنهم من توقّف في تفضيل علي عليه السَّلام على أبي بكر وعمر، وهم: أبو علي، وأبو هاشم، وقالا: إن صحّ خبرُ الطائر المشوي فعليٌّ أفضل من أبي بكرٍ، وإذا كان أفضل منه كان أولى بالمقام منه، وعلتهما: أن راوي خبر الطائر المشوي أنس بن مالك، ومن مذهبهما أنهما لا يقبلان الخبر إلا من اثنين كالشهادة.
وخبر الطائر المشوي: ما روي عن أنس بن مالكٍ أنه أُتي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطائرٍ مشويٍّ ووضع بين يديه فقال: ((اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر)) فلم يحضر غير علي عليه السَّلام، وعلى ما رُوي أنه رُدّ من بابه مرّةً بعد أخرى.
وذكرت شيعة المعتزلة الذين قالوا بفضل علي عليه السَّلام أن الخبر ذكره أمير المؤمنين عليه السَّلام يوم الشُّورى بمحضرٍ من أصحاب الشورى فلم يردّ أحدٌ منهم عليه، وشهدوا له بصحة ذلك، ولم يكن ذلك الوقت وقت عصبيّة معه، ولا ميلٍ إليه. فهذه فرق المعتزلة.
ومن الدليل على أن الزيدية هم الفرقة الناجية أنهم لم يفارقوا الكتاب ولا السنة ولا الإجماع ولا العقل، بل لزموا بهذه الحجج الأربع، وقد قدمنا الكلام في الكتاب والسنة بما فيه كفاية.(1/561)
وأما الإجماع فإن الأمة مجمعةٌ على أن الله تعالى واحدٌ قديمٌ، لا قديم معه غيره، وأنه لا مثل له في وجهٍ من الوجوه، وقد أتى في الكتاب والسنة ما قلنا به قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }[الشورى:11]، وقال: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ }[الحديد:3]، وقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص:1-4].
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن الله لا مِثل له بوجهٍ من الوجوه في صفةٍ من صفات العظمة)).
ثم قال مخالفونا: الله قديمٌ بقدمٍ، وعالمٌ بعلمٍ، وقادرٌ بقدرةٍ قديمةٍ، وقالوا: القرآن غير مخلوقٍ وهو قديمٌ، فأثبتوا مع الله قديماً سواه فخالفوا الإجماع ونقضوا ما كانوا قد أجمعوا عليه، واستقمنا نحن على الإجماع.
وأجمعت الأمة على أن الله ليس كمثله شيءٌ ثم نقضت المشبهة قولهم هذا فقالوا: له وجهٌ ويدان، وجنبٌ وعينان، وجوارح ولسانٍ، وهو يُرى يوم القيامة بالأعيان، وهو يستقر في المكان -تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً، فخرجوا عن قولهم الأول: (ليس كمثله شيءٌ)، واستقمنا نحن على الإجماع.(1/562)
وأجمعت الأمة على أن معنى (سبحان الله) تنزيه الله من كل صفة نقصٍ في ذاته وفي أفعاله، وأجمعوا على أنه عدلٌ لا يجورُ، وأنه لا يفعل القبيح، ولا يأمر بفعله، ولا يريده، ولا يحبه، ولا يرضاه، ثم نقضت المجبرة هذا القول بأن قالوا: الله فاعل كل حسنٍ وقبيحٍ، وقالوا: إن الله أجبرهم على أفعالهم، وقالوا: إن الله أمر الكافر بالإيمان، وسلبه الاستطاعة على الإيمان. فنقضوا قولهم الأول، ونسبوا إلى الله فعل القبيح، ونزّهوا أنفسهم، وخرجوا من الإجماع وقد قال الله تعالى فيهم: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ}[الزمر:60]، واستقمنا نحن على الإجماع.
وأجمعت الأمة على أن الله صادق الوعد، ثم نقضت المرجئة هذا الإجماع بأن قالوا: يجوز أن يُخلف الوعيد. فنقضوا قولهم في صدق الوعد؛ لأن وعيده للظالمين هو وعده للمظلومين، كما قال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}[غافر:51]، فإذا أخلف وعيده للظالمين فقد أخلف وعده للمظلومين -تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً. واستقمنا نحن على الإجماع.
وكذلك أخذنا في الإمامة بالإجماع، فإن الخوارج وبعض المعتزلة قالوا: الإمامة في كل الناس. وعلي والحسن والحسين وذريتهما من الناس.(1/563)
فأما قول ضرار: يُولّى النبطي على القرشي، فإن الله تعالى قد جعل النبيء صلى الله عليه وآله وسلم من أشرف بيتٍ في العرب، فكما كان صلى الله عليه وآله وسلم من أشرف بيتٍ في العرب وجب أن يكون الإمام من أشرف بيتٍ في العرب، وأشرفُ بيتٍ في العرب بيت النبيء صلى الله عليه وآله وسلم.
وقالت المجبرة وبعض المعتزلة: الإمامة في قريشٍ. وعلي والحسن والحسين" من قريشٍ، فثبت لنا الإجماع.
وأما قول الإمامية في النص والغُلُوّ، فإنه خلاف لجميع الأمة.
والدليل على أن الإجماع حُجّة قول الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء:115]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ، نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}[فصلت:30-32]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}[الأحقاف:13]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة )) فصحّ أن الزيدية هم الفرقة الناجية.(1/564)
ومن طريق العقل: أن جميع الفرق لا يجدون علينا طعناً ولا تشنيعاً في مقالتنا.
ومما يدل على صحة ما ذهبنا إليه ما يحتج به مخالفونا من كثرتهم وقلّتنا، وهذا من الدلائل [الواضحة] على صحة مذهبنا وذلك أن الله تعالى قد أخبرنا في القرآن أن أكثر الناس لا يؤمنون، وأخبرنا أنه لا يؤمن إلا أقل الناس، وأخبرنا أن الأمم قبلنا كذّبوا الرسل، فقال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ، وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ ، وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ}[ق:12-14]، وقال تعالى: {وَإِنْ يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}[فاطر:4]، وقال تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ لاَتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ}[غافر:59]، وقال: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }[غافر:57]، وقال: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }[هود:17]، وقال: {وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}[المائدة:103]، وقال: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }[يوسف:103]، وقال: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ }[الصافات:71]، وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ }[الأنعام:116]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ(1/565)