ثم قام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب" فدعا إلى طاعة الله، وكان خروجُهُ بغربي مصر فأجابه منهم كثيرٌ، وبايعوه وأقام معهم مُدّةً قليلةً ثم سألوه عن أبي بكر وعمر فقال: كانت لنا أمٌّ صدِّيقةٌ ابنة صدِّيقةٍ ماتت وهي غضبانة عليهما، ونحن غاضبون لغضبها، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله يغضب لغضب فاطمة )). فغضبوا عليه، فلما رأى منهم الكراهة له والإدبار عنه لحق بجبال الرسّ فأقام بها مُدّةً وأظهر دين جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأظهر علم أهل البيت " ـ ولم يُظهر قبله أحدٌ لأجل ولاية بني أميّة وبني العباس ـ كما ظهرت علوم العامّة، وسنذكر من ذلك طرفاً في موضعه إن شاء الله تعالى. فما زال عليه السَّلام يُعلِّم الناس، وينشر العلم حتّى تُوفّي هنالك عليه السَّلام ثم لزم مجلسه ولده محمد بن القاسم ".(1/521)
ثم قام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب"، فخرج إلى اليمن وكان قد استدعاه بعضُ أهل اليمن، فدعا إلى كتاب الله وسُنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى طاعة الله والجهاد في سبيله، فأجابه قومٌ من أهل اليمن وخالفه أكثرهم، فحارب الظالمين وحاربوه، وأخافهم وأخافوه، وباينهم وباينوه، ثم وصل إليه قومٌ من أهل طبرستان، أهل علمٍ ودين فنصروه، وأظهر من علم أهل البيت" ما لم يُظهره غيره (من الأئمة)، وجاهد جهاداً شديداً، وبلغ في أعداء الله وأعدائه ما لم يكن يبلغه غيره من الأئمة "، ونفى وُلاة بني العبّاس من اليمن، حتّى بلغ بعضُهم العراق يطلب النصرة عليه من هنالك، وبلغ له شعرٌ إلى العراق يتهدّدهم فيه يقول فيه:
فلئن تمكنني المنية فينة
إن المنية قد تعول وتصرع
فعليَّ أن أوطئَ السنابك عنوةً
مدن العراق ومن بها يترفّع
حتى أجازيهم بما قد قدّموا
مثلاً بمثلٍ والأنوف تُجدع
فأظهر الأحكام، وأعزّ الإسلام، وكفل الأيتام، وعدل في الرعيّة، وقسم بالسويّة، وأحيا الدين، وأعزّ المؤمنين، وأذلّ الفاسقين، وأخرج أكثر أهل اليمن من قول المجبرة المشبِّهين، ثم تُوفي بصعدة عليه السَّلام ورحمه الله يوم وُلِدَ ويوم يموتُ ويوم يُبعث حيا.(1/522)
ثم قام ولده محمد بن يحيى المرتضى" فبايعه شيعةُ أبيه، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر مُدّة ثم ناله مرضٌ، فقام أخوه أحمد بن يحيى الناصر" فدعا إلى طاعة الله، وإلى الجهاد في سبيله، فجاهد القرامطة والظالمين حتى أذلّهم وكف حدّهم وأوهن عُراهم، وطردهم من كثير من البلاد ونفاهم، وأكّد شريعة أبيه في اليمن، وأظهر فيه كل الفرائض والسّنن. وتُوفي هو وأخوه عليهما السلام بصعدة.
وكانت ولاية الهادي إلى الحق عليه السَّلام خمس عشرة سنة، وتُوفي عليه السَّلام يوم الأحد لعشرين يوماً من ذي الحجة سنة ثمانٍ وتسعين ومائتين(298ه) وكانت ولاية المرتضى عليه السَّلام سنتين، وتُوفي في المحرّم سنة عشر وثلاثمائة سنة (310ه) وكان في مُدّة حياته في ولاية أخيه بصعدة، يعضده ويُعينه ويُقوّيه ويقول بإمامته.
وبلغنا أنه لما قَتَلَ قتلةً من القرامطة يقال: إنه قتل منهم ألفي قتيلٍ أبرد إلى أخيه يُبشّره بذلك، فردّ عليه المرتضى عليه السَّلام الجواب يقول فيه:
ورد البريد مُبشِّراً برسالةٍ
من بعد قتلك للعدى بثلاث
فوددت أني كنتُ حاضر وقعةٍ
أوْدَتْ بكلّ منافقٍ نكّاثِ
حتى أجول على الحصان بصعدة
ولَدَى النّزال بالمهنّد جاثِي
دون الإمام بن الإمام أخ النهى
أبغي الرضا لخالقي وغياثي
وكانت ولاية أحمد بن يحيى الناصر ثلاثاً وعشرين سنةً.(1/523)
وقام الحسن بن علي الناصر عليه السَّلام -من ولد الحسين بن علي عليه السَّلام- في عصر الهادي إلى الحق عليه السَّلام وجاهد في الدّيلم فدعا إلى طاعة الله، وجاهد في سبيل الله، وكان أهل الدّيلم من قبله مشركين، فردّهم مؤمنين.
رُوي عنه عليه السَّلام أن أصناف الرعيّة ازدحموا في مجلسه حين دخل آمل، فخطب خُطبةً قال فيها: (أيها الناس إني دخلت بلاد الديلم وهم مشركون يعبدون الشجر والحجر، لا يعرفون خالقاً، ولا يدينون ديناً، فلم أزل أدعوهم إلى الإسلام وأتلطّف بهم حتى دخلوا فيه أرسالاً، وأقبلوا إليه إقبالاً، وظهر فيهم الحق، وعرفوا العدل والتوحيد، فهدى الله بي منهم زُهاء مائتي ألفٍ من رجلٍ إلى امرأةٍ، فهم الآن يتكلّمون بالعدل والتوحيد مستبصرين، ويتناظرون مجتهدين، ويدعون إلى الله محسنين، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويُقيمون حدود الصلوات المكتوبات والفرائض المفروضات، وفيهم من لو وجد ألف دينارٍ ملقىً على الطريق لم يأخذ ذلك لنفسه، وينصبه على رأس عودٍ يُنشده ويعرّفه، ثم قاموا بنصرتي، وناصبوا آباءهم وأبناءهم وأكابرهم الحرب، فهم من هَوَايَ وأتباع رأيي في نصرة الحق وأهله، لا يُولِّي أحدٌ منهم من عدوِّه، ولا يعرف غير الإقدام، فلو لقيتَ منهم ألف جريح، لم تلق منهم جريحاً في قفاه وظهره، وإنما جراحاتهم في وجوههم وأحداقهم، يرون الفرار من الزحف كُفراً، والقتل شهادةً وغُنماً). ثم قال في آخر خطبته: (وأنتم معاشر الرعيّة فليس عليكم دوني حجابٌ، ولا على بابي بَوّابٌ، وليس على رأسي خلق من الزّبانية، ولا أحدٌ من أعوان الظلمة، كبيركم أخي،(1/524)
وشابكم ولدي، ولا آنس إلا بأهل العلم منكم، ولا أستريح إلا إلى مفاوضتكم، فاسألوني عن جميع أمر دينكم وما يُعييكم من العلم وتفسير القرآن، فإنا نحن تراجمته، وأولى الخلق به، وهو الذي قُرِنَ بنا وقُرِنَّا به، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً، كتاب الله وعِتْرَتي أهل بيتي)) الله وليُّ توفيقكم لرشدكم، وحسبي الله وحده عليه توكلت وإليه أنيب). ثم تُوفي هنالك عليه السَّلام.
ثم قام في ناحيته أبو عبد الله محمد بن الحسن بن الداعي عليه السَّلام فدعا إلى طاعة الله وإلى الجهاد في سبيل الله.
ثم قام بعده المؤيد بالله أحمد بن الحسين بن هارون عليه السَّلام فدعا إلى طاعة الله وإلى الجهاد في سبيل الله.
وقام من بعده أخوه السيد أبو طالب يحيى بن الحسين بن هارون عليه السَّلام فدعا إلى طاعة الله.
وقام من بعده أبو الحسن الحسني الحُقَيْنِي بالدّيلمان.
ثم قام من بعده الناصر الأخير الحسن من أولاد الناصر الأكبر.
ثم من بعده يحيى بن الحسن الحقيني -من بني الحسن- قام بعد أبيه من بني الحسن.
ثم القاسم بن علي بن عبد الله بن محمد بن القاسم بن إبراهيم" فدعا في اليمن إلى طاعة الله، وجاهد في سبيل الله.(1/525)