الكتاب : حقائق المعرفة المؤلف : الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان عليه السلام |
حقائق المعرفة
أعد هذا الكتاب إلكترونيا
قطب الدين بن محمَّد الشَرْوَني الجعفري
للتواصل
viva_intifada@hotmail.com(1/1)
المقدمة
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وبعد:
فإن أول العبادة وأساسها هو معرفة الله تعالى ومعرفة صفاته، قال الإمام القاسم بن إبراهيم عليه السَّلام: (اعلم يا أخي -علمك الله الخير والهدى، وجنبك المكاره والردى- أن الله خلق جميع عباده المكلفين لعبادته كما قال عزّ وجلّ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56]، والعبادة تنقسم على ثلاثة وجوه:
أولها: معرفة الله.
والثاني: معرفة ما يرضيه وما يسخطه.
والوجه الثالث: اتباع ما يرضيه، واجتناب ما يسخطه...
إلى أن قال: فهذه ثلاث عبادات من ثلاث حجج احتج بها المعبود على العباد وهي: العقل، والكتاب، والرسول.
فجاءت حجة العقل بمعرفة المعبود، وجاءت حجة الكتاب بمعرفة التعبد، وجاءت حجة الرسول بمعرفة العبادة، والعقل أصل الحجتين الأخيرتين؛ لأنهما عرفا به ولم يعرف بهما فافهم ذلك).(1/2)
ويدل على هذا التقسيم الفريد قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم للأعرابي عندما جاءه يلتمس منه غرائب العلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((وماذا صنعت في رأس العلم حتى تسألني عن غرائبه ؟)) قال: وما رأس العلم يا رسول الله؟ قال: ((معرفة الله حق معرفته))، فقال يا رسول الله: وما معرفة الله حق معرفته؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أن تعرفه بلا مثل ولا شبيه ، وأن تعرفه إلهاً واحداً، فرداً صمداً، أولاً آخراً، ظاهراً باطناً، لا كفؤ له ولا مثيل)).
ويقول الإمام علي عليه السَّلام: (أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال: فيم؟ فقد ضمنه، ومن قال: علام؟ فقد أخلى منه، كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به، ولا يستوحش لفقده).(1/3)
ومن هنا ندرك أهمية المعرفة، وضرورة سلامتها من التمثيل والتشبيه والتجسيم الذي وقع في فخه كثير من المسلمين، ولا بد أن تكون هذه المعرفة منطلقة من التفكر السليم في عجائب المصنوعات وغرائب المخلوقات، بعيدة كل البعد عن التفكر في ذات الحق جل وعلا؛ لأن التفكر في الذات يؤدي إلى الإلحاد المذموم، كما قال أمير المؤمنين عليه السَّلام: (من تفكر في المخلوق وحَّد، ومن تفكر في الخالق ألحد).
ولا بد أن يكون الاعتقاد المنبثق من تلك المعرفة مستقراً استقراراً أكيداً في النفس، يشعر المسلم من خلاله بالتوجه الكامل نحو الله تعالى بكل قواه وحركاته في الضمير والجوارح والحياة، ويعرف أنه عبد يَعْبُد ربًّا يُعْبَد، ولا تتأتي هذه المشاعر إلا إذا كانت خالية عن التقليد الأعمى، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أخذ دينه عن التفكر في آلاء الله ، والتدبر لكتاب الله، والتفهم لسنتي، زالت الرواسي ولم يزُل، ومن أخذ دينه من أفواه الرجال، وقلدهم فيه، ذهبت به الرجال من يمين إلى شمال، وكان من دين الله على أعظم زوال)).(1/4)
قواعد أساسية لفهم مسائل العقيدة
وهنالك قواعد أساسية استقرأتها من خلال بحثي في أصول الدين، وأرى من وجهة نظري القاصر أن تطبيقها والاسترشاد بها في أصول الدين يؤدي إلى التطبيق الفعلي للحديث النبوي السابق وهذه القواعد هي:(1/5)