وقوله الفاطر هكذا روى لنا، وفاطم أولى، وروي في بعض الأخبار [أنها سميت فاطمة لأن الله فطم محبيها من النار].
وأما غفران آدم، فليس هناك كبيرة فمعناه يتفضيل عليه حتى تمم مانقص تلك الصغيرة من ثوابه، وقد بينا ذلك في تنزيه الأنبياء.
[الآية الثالثة]: قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة:207]، المروي عن ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب لما بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين خرج إلى الغار، وروى أنه لما نام على فراشه قام جبريل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادي بخٍ بخٍ من مثلك يابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة، فنزلت الآية بين مكة والمدينة عن السدي.
ومعنى يشري: باع، وليس ثم بيع غير أنه قد بذل مهجته في طاعة ربه، وسعى في جميع عمره في مرضاته.
[فداء علي عليه السلام لرسول الله في صغره وكبره]
وروى السيد أبو طالب بإسناده، عن الحسين بن علي عليهما السلام، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أخذ مضجعه وعرف مكانه تركه أبو طالب حتى إذا نامت العيون جاء إليه، وأنهضه من فراشه، وأضجع علياً مكانه، فقال يوماً علي: يا أبتاه إني مقتول ذات ليلة، فقال أبو طالب:
اصطبر ياعلي فالصبر أحجى .... كل حيٍ مصيره لشعوبِ
قد بلوناك والبلاء شديد .... لفداء النبي وابن النجيبِ
لفداء الأغر ذي النسب الثاقب .... ذي الباع والرضي الحسيبِ
إن تصبك المنون عنه فأحرى .... فمصيب منها وغير مصيبِ
كل حيٍ وإن تملأ عيشاً .... آخذٌ من سهامها بنصيبِ(1/41)


قال السيد الإمام: والأحاديث التي سمعها الحسن من النبي مجموعة قد جمعها أصحاب الحديث، وهي غزيرة، وهذا الحديث منها، وفي مبيته على فراش رسول الله يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
وقيت بنفسي خير من طيء الحصى .... ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رسول آلهٍ خاف أن يمكروا به .... فنجاه ذو الطول الإله من المكر
وبات رسول الله في الغار آمناً .... مُوَّقاً وفي حفظ الإله وفي ستر
وبت أراعيهم وما يثبتونني .... وقد وطنت نفسي على القتل والأسر
ثم هاجر وحده فدميت أصابعه، فاستقبله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعانقه، ودعا له في حديث طويل، وكان حديث أبي طالب على مامر بهم في حصار الشعب، وحوصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث سنين، وكانت قصة الصحيفة.
[الآية الرابعة]: قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:274]، المروي عن ابن عباس أيضاً أنها نزلت في علي بن أبي طالب كان معه أربعة دراهم فأنفقها على هذه الصفة بالليل والنهار سراً وعلانية(1)، فنزلت الآية.
__________
(1) رواه الواحدي في أسباب النزول ص64، عن مجاهد، ورواه في الصواعق المحرقة ص78، ورواه الرازي في تفسيره الكبير، ورواه المحب الطبري في الرياض ج2 ص206، ورواه الهيثمي ج6 ص324، وقال: رواه الطبراني، ورواه أيضاً الزمخشري في الكشاف، ورواه السيوطي في الدر المنثور، وقال: أخرجه عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن عساكر من طريق عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس.(1/42)


وروي عن ابن عباس أيضاً لما نزل قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}...الآية [البقرة:273]، بعث عبد الرحمن بن عوف(1) بدنانير إلى أصحاب الصُّفَّة، وبعث علي عليه السلام بوسق من تمر فكان أحب الصدقتين إلى الله تعالى صدقة علي، ونزلت الآية فيهما فصدقة النهار صدقة عبد الرحمن، وصدقة الليل صدقة علي.
سورة آل عمران
[الآية الخامسة]: قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7]، قيل: الراسخون في العلم علي بن أبي طالب عليه السلام .
ويؤيد ذلك ماروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها(2)
__________
(1) عبد الرحمن بن عوف بن عبد غوث أبو محمد القرشي الزهري ، أسلم قديماً ، شهد بدراً وما بعدها وهو أحد أركان سقيفة بني ساعدة وأحد الذين نازعوا الأمر أهله ، توفي سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وثلاثين للهجرة قبل قتل عثمان بستة أشهر وعمره خمس وسبعون سنة ، ودفن بالبقيع.
(2) قال في تخريج الشافي للمولى العلامة نجم العترة، الحسن بن الحسين الحوثي رحمه الله تعالى:
[أخرجه الحاكم، والخطيب، وابن عدي، والعقيلي، وعبد الوهاب الكلابي عن ابن عباس كلهم، ورواه عبد الوهاب بطريق أخرى عن ابن عباس بلفظ: فمن أراد العلم فليأته من بابه، وصححه الحاكم، وابن جرير الطبري عن ابن عباس، وأخرجه الحاكم عن جابر، وأخرج نحوه الكنجي عن جابر، والطبراني عن ابن عباس بلفظ: ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها، وأخرجه الكنجي عن علي، انتهى من التخريج].(1/43)


)) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((أقضاكم علي)) وعن عمر: لولا علي لهلك عمر، وعنه: لاأبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو حسن.
وروى ابن يزداد بإسناده عن أبي الدرداء(1) قال: العلماء ثلاثة رجل بالشام يعني نفسه، ورجل بالكوفة يعني ابن مسعود(2)، ورجل بالمدينة يعني علياً عليه السلام، فالذي بالشام يسأل الذي بالكوفة، والذي بالكوفة يسأل الذي بالمدينة، والذي بالمدينة لايسأل أحداً.
__________
(1) أبو الدرداء: عويمر بن مالك، وقيل: عامر الأنصاري، الخزرجي، أسلم عقيب بدر، وكان من عباد الصحابة، ومتألهيهم، وهو من الذين جمعوا القرآن حفظاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان عمر يفرض له في البدريين لجلالته، وأول مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحد وما بعدها، ولاه عمر دمشق، وهو أول قاضٍ بها، وكان من فقهاء الصحابة، توفي في آخر خلافة عثمان بالشام سنة إثنتين وثلاثين.
(2) عبدالله بن مسعود بن غافل بمعجمتين بينهما ألف، أبو عبد الرحمن الهذلي نسباً، الزهري حلفاً، الكوفي، كان من أهل السوابق، وهاجر قديماً، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان من الجبال في العلم، وعلى قامة القاعد في الجسم، وهو القائل: كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب، وهو القائل: قرأت القرآن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتممته على خير الناس بعده علي بن أبي طالب، وكان من شيعة أمير المؤمنين ومحبيه، وممن يفضله على سائر الصحابة، توفي سنة إثنتين أو ثلاث وثلاثين، ودفن بالبقيع.(1/44)


وعن زاذان(1)، عن علي عليه السلام: (لو ثني لي الوسادة) وروي: (لو كسرت لي الوسادة ثم جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، وأهل الإنجيل بإنجليهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، والله مامن آية نزلت في برٍ ولا بحرٍ، ولا سماءٍ ولا أرضٍ، ولا سهلٍ ولا جبلٍ، ولا ليلٍ ولا نهارٍ إلا وأنا أعلم متى نزلت، وفي أي شيء نزلت، وما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلا وأنا أعلم أية آية نزلت فيه تسوقه إلى جنة أو إلى نار).
__________
(1) زاذان أبو عمر، وقيل: أبو عبدالله الكندي مولاهم، الكوفي، من مشاهير التابعين، ومن أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وتوفي سنة إثنتين وثمانين، خرج له الجماعة إلا البخاري، وأئمتنا الخمسة إلا الجرجاني، وهو المراد أينما ورد مطلقاً في كتب أئمتنا عليهم السلام.(1/45)

9 / 44
ع
En
A+
A-