سورة البقرة
[الآية الأولى]: قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:14]، روى أبو صالح(1)، عن ابن عباس(2)
__________
(1) أبو صالح: واسمه باذام بمعجمة بين الألفين، مولى أم هاني، ذكره في الطبقات، وقال: أبو صالح يروي عن مولاته، وعلي عليه السلام، وابن عباس، وعنه: سماك بن حرب، وعاصم بن فهدله، والثوري، ومحمد بن السائب الكلبي، قال ابن معين: ليس به بأس، وقال النسائي: ليس بثقة، قال في الميزان: تركه ابن مهدي وقواه غيره، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم، وانتصف له يحيى بن القطان، وقال: لم أر أحداً من أصحابنا تركه، وما سمعنا أحد يقول فيه شيئاً، انتهى.
(2) عبدالله بن العباس بن عبد المطلب، القرشي، الهاشمي، حبر الأمة، وترجمان القرآن، ولد عام الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين، وحنكه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بريقه، ودعا له، وتوفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن اثنا عشرة سنة، ويسمى البحر لسعة علمه، وهو أحد الأربعة العبادلة، وأحد الستة المكثرين من الرواية، وله ألف وستمائة وستين حديثاً عند الجوزي، وكان عمر يرجع إليه مع حداثة سنه، واستعمله علي عليه السلام على البصرة ففارقها، قبل قتل علي عليه السلام، ورجع الحجاز، وتوفي بالطائف سنة سبعين، وهو ابن إحدى وسبعين سنة، هكذا ذكر تاريخ وفاته في الطبقات، والصحيح أنه توفي سنة ثمان وستين لكي يتوافق مع تاريخ الولادة، بعد أن كف بصره، وسبب ذلك: كثرة بكائه على أمير المؤمنين عليه السلام، وصلى عليه محمد بن الحنفية، وقبره بالطائف مشهور مزور، انتهى من الطبقات مع زيادة.
قال مسروق: كنت إذا رأيت ابن عباس، قلت: أجمل الناس، وإذا تكلم، قلت: أفصح الناس، وإذا تحدث، قلت: أعلم الناس، انتهى. وكم له من موقف في الدفاع عن علي عليه السلام، وأهل البيت عليهم السلام عند معاوية وأمثاله من النواصب.(1/36)
أنها نزلت في عبدالله بن أُبَيّ الخزرجي وأصحابه خرجوا فاستقبلهم نفرٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لأصحابه: انظروا كيف أرد عنكم هؤلاء السفهاء، فسلم عليهم ورحب بهم، ثم أخذ بيد علي، وقال: مرحباً يابن عم رسول الله، وسيد بني هاشم خلا رسول الله، فقال علي: ياعبدالله اتق الله ولا تنافق، فإن المنافق شر خلق الله، فقال: مهلاً ياأبا الحسن ألي تقول هذا، والله إن إيماننا كإيمانكم، ثم تفرقوا، فقال عبدالله بن أُبَي لأصحابه: كيف رأيتم مافعلت، فأثنوا عليه خيراً، وقالوا: لانزال بخير ما عشت، ورجع أمير المؤمنين عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ونزلت هذه الآيات.
فتدل على أشياء: منها: شهادة الله لأمير المؤمنين بالإيمان ظاهراً وباطناً، فتدل على عصمته.
ومنها: ماكان منه من قطع موالاة المنافقين وإظهار عداوتهم، والدعاء إلى الدين.
ومنها: إجابة الله عنه بما قيل فيه .
والمراد بالشياطين روءساء الكفار، ومعنى قوله: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة:15] .
قيل: يجازيهم على استهزائهم كقوله: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} .
وقيل: يعاملهم معاملة المستهزئين بإظهار ما يظنونه من قبل ما أتوا به، ثم يلحقهم من عذاب الله.(1/37)
وقد روى جماعة أنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال لعلي: ((لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق))، وعن حذيفة(1)، وأبي سعيد الخدري(2): ((كنا نعرف المنافقين ببغضهم علي بن أبي طالب عليه السلام)).
__________
(1) حذيفة بن اليمان العنسي، أبو عبدالله الكوفي، صحابي جليل، من السابقين الأولين، ومن خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام، أعلمه رسول الله بما كان وما يكون من الفتن، وأعلمه بالمنافقين، توفي سنة ست وثلاثين قيل: بعد عثمان بأربعين ليلة.
(2) أبو سعيد الخدري: سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي، كان من مشهوري الصحابة، وفضلائهم المكثرين في الرواية، وكان فقيهاً، نبيلاً، جليلاً، غزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إثنتي عشرة غزوة، أولها الخندق، واستصغر يوم أحد فرُد، وكان ملازماً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن فقهاء الصحابة، ولم يكن في أحداث الصحابة أفقه منه، وكان من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام وأنصاره، شهد معه حرب الخوارج، وروى ما سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذم الخوارج والأمر بقتالهم وأنهم شر الخلق والخليقة، وتوفي رحمة الله عليه بالمدينة سنة أربع وسبعين، وله أربع وتسعون سنة.(1/38)
[الآية الثانية]: قوله تعالى: {فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:37]، روى السيد الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين(1)
__________
(1) الإمام أبو طالب، هو: يحيى بن الحسين بن هارون بن الحسين محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وهو أخو الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني، من أئمة الجيل والديلم، دعا إلى الله تعالى بعد وفاة أخيه المؤيد بالله سنة إحدى عشرة وأربعمائة.
قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: أجابه الفضلاء، والعلماء بسهول البلاد الجيلية والديلمية وجبالها، وانتشرت بيعته في الآفاق، وكان تلو أخيه (ع) في الفضل والشرف والعلم والشجاعة والزهد والورع والسخاء، وحسن السيرة والسياسة، ونشر العدل، ولم يبق من فنون العلم فن إلا طار في أرجائه، وسبح في أثنائه، انتهى.
وله تصانيف جمة في الأصول والفروع، فمن مؤلفاته: المجزي في أصول الفقه مجلدان، وهو من الأمهات، وكتاب جامع الأدلة في أصول الفقه أيضاً، وكتاب التحرير وشرحه إثنا عشر مجلداً، وكتاب مبادئ الأدلة في علم الكلام، وكتاب الدعامة، وكتاب الإفادة في تاريخ الأئمة السادة، والأمالي المسمى تيسير المطالب في أمالي السيد أبي طالب، وتوفي عليه السلام سنة أربع وعشرين وأربعمائة، عن نيف وثمانين سنة..انتهى.
انظر الشافي الجزء الأول 334، التحف شرح الزلف 212، مآثر الأبرار للزحيف (خ)، الحدائق الوردية (خ)، اللآلي المضيئة (خ).(1/39)
أجزل الله ثوابه بإسناده عن جويبر(1)، عن الضحاك(2)، عن ابن عباس، قال: لما أمر الله تعالى آدم بالخروج من الجنة رفع طرفه إلى السماء، فرأى خمسة أشباح عن يمين العرش، فقال: إلاهي هل خلقت خلقاً قبلي؟ فأوحى الله إليه: أما تنظر إلى هذه الأشباح عن يمين العرش؟ قال: بلى، قال الله تعالى: هؤلاء الصفوة من نوري اشتققت أسماؤهم من اسمي، فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا العلي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا المحسن وهذا الحسن، ولي الأسماء الحسنى وهذا الحسين، فقال آدم عليه السلام : فبحقهم اغفر لي، فأوحى الله تعالى إليه قد غفرت لك، وهي الكلمات التي قال الله تعالى: {فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} .
وقد قيل في الكلمات أقوال جمة :
أولاً: أن ذلك قوله تعالى: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} .
فأما قوله: فرأى أشباحاً يحتمل أنه رأى صوراً، ويحتمل أنه رأى أسماءهم، فإن حملناه على الأشباح فيحتمل أنه جعل تلك الأجزاء في ظهر آدم ثم خلق منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته
__________
(1) جويبر ـ تصغير جابر ـ بن سعيد الأزدي، البلخي، وقيل: اسمه جابر عن علي وأنس والضحاك بن صبيح، وعنه الثوري، وحماد بن زيد، ومحمد بن فضيل، وعبد الرحيم الرازي، وعمرو بن جميع، وأبو مالك، وحسن بن صالح، انتهى من الطبقات، توفي بعد الأربعين والمائة، خرج له أبي أمامة، وأئمتنا الخمسة إلا الجرجاني.
(2) الضحاك بن مزاحم، أبو القاسم، ويقال: محمد الهلالي الخراساني، قال في الطبقات: الضحاك أينما ورد في كتب أئمتنا مطلق عن ابن عباس، وعنه جويبر، فهو ابن مزاحم، انتهى.
توفي سنة خمس ومائة، انتهى من الخلاصة.(1/40)