روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبدالله في حديث طويل يذكر الفتنة، ثم قال: أخبر جبريل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن أمتك ستختلف من بعدك وأوحى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله تعالى: {رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون:93]، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((فنزل {وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ}[المؤمنون:95])) فلما نزلت هذه الآية جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لايشك أنه سيرى ذلك، قال جابر فبينا أنا إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمنى يخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أيها الناس قد بلغتكم)) قالوا: بلى، قال: ((لاألفينكم ترجعون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض أما إن فعلتم لتعرفنني في كتيبة أضرب وجوهكم فيها بالسيف)) قال: قكأنه غمزه من خلفه أحد فالتفت، ثم أقبل علينا محمر وجهه، فقال: ((أو علي بن أبي طالب)) قال فأنزل الله تعالى: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} بعلي بن أبي طالب رضوان الله عليه، {أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ} قال الكلبي: حرب الجمل.(1/193)
وعن ابن عباس رضي الله عنه: ماحسدت علياً عليه السلام في شيء مما سبق له من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سوابقه غير مرة بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال: ياقريش كيف أنتم وقد كفرتم رأيتموني في كتيبة أضرب فيها وجوهكم، قال: فغمزه جبريل، فقال: إن شاء الله أو علي بن أبي طالب، قال: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أو علي بن أبي طالب.
[الآية التاسعة والسبعون]: قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف:44].
قيل: شرف.
وقيل: عظة.
واختلفوا في قوله: ((قومك)):
قيل: قريش.
وقيل: أهل بيته.
وقيل: جميع الأمة.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: كان نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يعرض نفسه على القبائل لتنصره فإذا قالوا: لمن الملك بعدك؟ أمسك حتى نزلت هذه الآية، فكان بعد ذلك إذا قيل: لمن الملك بعدك يقول لقريش فلا يجيبونه حتى قبلته الأنصار على ذلك.
ـــــــــــــــــ(1/194)
سورة الجاثية
[الآية الثمانون]: قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:21].
قيل: نزلت في قصة بدر في حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث عليهم السلام، لما برزوا لقتال عتبة، وشيبة والوليد لعنهم الله.
ــــــــــــــــ
سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم
[الآية الحادية والثمانون]: قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:22].
قيل: نزلت في بني أمية، وبني هاشم عن الفراء، والأصم، فمن تولى بني أمية قطعوا الرحم وقتلوا بني هاشم.
[الآية الثانية والثمانون]: قوله تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:30].
قيل: نزلت في المنافقين.
وقيل: معناه لما يخرج من كلامهم وفحواه.
وقيل: بالمعاذير الكاذبة عن الحسن.
وقيل: ببغض علي بن أبي طالب عليه السلام.
وروى أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري في قوله: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} قال: ببغضهم علياً.
وروى السيد أبو طالب بإسناده عن أبي سعيد الخدري، قال: لم نزل نعرف المنافقين ونحن مع رسول الله ببغضهم علي بن أبي طالب عليه السلام.
ويؤيده ماروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: ((حبك إيمان وبغضك نفاق)).
ـــــــــــــــــ(1/195)
سورة الفتح
[الآية الثالثة والثمانون]: قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}...الآية [الفتح:16].
اختلفوا في الداعي فأكثر المفسرين على أنه أبو بكر وعمر لدعائهم الناس إلى حروب الروم وفارس وأهل الردة.
وقال بعضهم: الداعي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
وأولوا بأس شديد: أهل صفين ذكره السيد أبو طالب.
وقال بعضهم: الداعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: وهؤلاء المخلفون غر الذي قال الله: {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} [التوبة:83]، وإليه ذهب الشريف المرتضى(1) رضي الله عنه.
[الآية الرابعة والثمانون]: وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ} [الفتح:10]، وقوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ} [الفتح:18].
__________
(1) الشريف المرتضى هو: علي بن الحسين بن موسى الأبرش بن محمد الأعرج بن موسى بن إبراهيم بن المرتضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب، العلوي الحسيني الهاشمي، أبو القاسم الملقب بالمرتضى، وهو أخو الشريف الرضي محمد بن الحسين جامع نهج البلاغة.
كان له في العلم مرتبة عالية فقهاً وأدباً وكلاماً وحديثاً ولغة وغير ذلك، فصيح اللسان تولى النقابة وأمارة الحجاج وديوان المظالم ثلاثين سنة وأشهراً بعد أخيه الرضي، وكانت ولايته سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، وتوفي في ربيع سنة ست وثلاثين وأربعمائة عن أربع وثمانين سنة، وله مؤلفات وتصانيف في الفقه والكلام والأدب من أشهرها درر القلائد وغرر الفوائد.(1/196)
نزلت في أهل الحديبية، قال جابر: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة، فقال لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنتم اليوم خير أهل الأرض)) فبايعنا تحت الشجرة على الموت فما نكث أحد إلا جد بن قيس، وكان منافقاً فلما تم الصلح أمر رسول الله علياً أن يكتب كتاب الصلح، فكتب هذا ماصالح محمد رسول الله، فقال سهيل بن عمرو: لو عرفنا أنك رسول الله لما خالفناك، فأمره أن يكتب محمد بن عبدالله، وقال: سيكون لك ياعلي يوماً مثل هذا اليوم، فكان يوم الحكمين، وأولى الناس بهذه الآية علي لأنه تعالى قال: {وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} يعني فتح خيبر وكان الفتح على يديه.
[الآية الخامسة والثمانون]: قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح:29]...إلى آخر الآيات الذين معه من أصحابه ومن اتبعه، سيماهم، قيل: في القيامة ببياض وجوههم، ومواضع سجودهم كالقمر ليلة البدر، وقيل علاماتهم في الدنيا من أثر الخشوع، وقيل: صفرة الألوان ونحول أبدانهم، قال الحسن: إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما بالقوم من مرض.
وروى الحارث أن علياً عليه السلام اطلع فإذا الناس سمان متكئون حول القصر فقال لغلامه قنبر من هؤلاء؟ قال: شيعتك يا أمير المؤمنين، قال: مالي لاأرى عليهم سيما الشيعة، قال: وما سيما الشيعة؟ قال: خمص البطون من الطوى، يبس الشفاه من الظمى، عمش العيون من البكى، من كان يريد ربه يسخط نفسه، ومن لم يسخط نفسه لم يرض ربه، المؤمن من نفسه في عناء، والناس منه في راحة ورخاء، والأحمق من نفسه في رخاء، والناس منه في أذاً وبلاء.
وسئل الحسين بن علي عليه السلام من شيعتك؟ قال: الذين قال الله فيهم: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ}...الآيات [الفرقان من 63: آخر السورة].(1/197)