الرشيد خرجت أنا والقاسم بن إبراهيم(1)، وعبدالله بن موسى(2)
__________
(1) الإمام ترجمان الدين نجم آل الرسول القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم، جمع خصال الفضل والعلم والورع والزهد حتى أجمع المؤالف والمخالف على فضله وعلمه، وأجمع أهل البيت(ع) على إمامته، دعا إلى الله سبحانه وتعالى بعد استشهاد أخيه محمد بن إبراهيم سنة تسع وتسعين ومائة من أرض مصر، وجاءته البيعة من مكة والمدينة والكوفة، وبايعه أهل الري وقزوين وطبرستان والديلم، وكاتبه أهل العدل من البصرة والأهواز، وبايعه أكثر أهل مصر، وحضّوه على القيام فلم تنتظم أموره، ولم يتمكن من الجهاد لشدة متابعة الظالمين من الدولة العباسية له لخوفهم منه، فإنه أرعبهم، وعاصر عدة منهم هارون الغوي والمأمون والمعتصم، وقد جدّوا في طلبه عليه السلام فلم يتمكنوا من ذلك، ولبث القاسم عليه السلام في الدعاء إلى الله إلى سنة 246هـ وهي السنة التي توفي بها، وتوفي وعمره سبع وسبعون عاماً، وله المؤلفات الكثيرة الدالة على علمه وبراعته، فمنها: كتاب الدليل الكبير، والناسخ والمنسوخ، والرد على النصارى، والرد على المجبرة، وأجوبة مسائل النيروسي والكلاري، وغيرها كثير.
(2) عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، كان وحيد عصره ونسيج دهره، أحد أعيان العترة، وقواميس الأسرة، كان متخفياً في أيام العباسيين في عصر الرشيد والمأمون والمتوكل، طلب منه المأمون أن يواصله بعد أن قتل علي بن موسى الرضا فأجابه بجواب طويل قال فيه: (فبأي شيء تعتذر فيما فعلته بأبي الحسن – المراد علي بن موسى الرضا – أبالعنب الذي أطعمته حتى قتلته به)...إلخ، وبقي متخفياً حتى توفي عليه السلام في أيام المتوكل العباسي، ووفاته تقرب من وفاة أحمد بن عيسى بن زيد عليهم السلام، فإنه نعي إلى المتوكل العباسي وفاة عبدالله بن موسى بعد أربعة عشر ليلة من وفاته، ونعي إلى المتوكل العباسي بعده أحمد بن عيسى عليه السلام فاغتبط بوفاتهما وسُر سروراً عظيماً لأنه كان يخافهما خوفاً شديداً، ولم يلبث بعد النعي سوى أسبوعاً، فعلى هذا تكون وفاة عبدالله بن موسى عليه السلام في حدود سنة 247هـ.(1/188)
، فتفرقنا في البلاد فوقعت إلى ناحية الري، ووقع عبدالله بن موسى إلى ناحية الشام، وخرج القاسم بن إبراهيم إلى ناحية اليمن، فلما توفي هارون اجتمعنا في الموسم فتشاكينا مامر علينا.
فقال القاسم عليه السلام: أشد ما مرّ بي أني لما خرجت إلى مكة أريد اليمن صرت في مفازة لاماء فيها، ومعي بنت عمي وهي زوجتي وبها حبل فجاءها المخاض في ذلك الوقت، فحفرت لها حفرة لتتولى أمر نفسها، وضربت في الأرض أطلب الماء، فرجعت إليها وقد ولدت غلاماً وأجهدها العطش، فألححت في طلب الماء فرجعت إليها وقد ماتت، والصبي حي فكان بقاء الغلام أشد عليّ من وفاة أمه، فصليت ركعتين ودعوت الله أن يقبضه فما فرغت من دعاءي حتى مات.
وشكى عبدالله بن موسى عليه السلام أنه خرج من بعض قرى الشام وقد حث عليه الطلب، وأنه صار إلى بعض المسالح، وقد تزيا بزي الأكره والفلاحين فسخره بعض الجند وحمل على ظهره شيئاً وكان إذا أعيا ووضع ماعلى ظهره للإستراحة ضربه ضرباً شديداً، وقال: لعنك الله، ولعن من أنت منه.(1/189)
وقال أحمد بن عيسى بن زيد عليهم السلام: وكان من غليظ مانالني أني صرت إلى ورزنين ومعي ابني محمد(1) وتزوجت إلى بعض الحاكة هناك وتكنيت بأبي حفص الجصاص، فكنت أغدوا وأقعد مع بعض من آنس به من الشيعة، ثم أروح إلى منزلي كأني عملت يومي وولدت المرأة بنتاً، وتزوج ابني محمد إلى بعض موالي عبد القيس هناك فأظهر مثل ما أظهرت، فلما صار لبنتي نحواً من عشر سنين طالبني أخوالها بتزويجها من رجل من الحاكة له فيهم قدر فضقت ذرعاً بما دفعت إليه وخفت من إظهار نسبي فألح القوم علي في تزويجها منه ففزعت إلى الله تعالى وتضرعت إليه في أن يحترمها ويقبضها ويحسن علي الخلف فيها والعوض وأصبحت الصبية عليلة، ثم ماتت من يومها فخرجت مبادراً إلى ابني محمد أبشره فلقيني في بعض الطريق فأعلمني أنه ولد له ابن فسميته علياً وهو بناحية ورزنين لاأعرف له خبراً للإستتار الذي أنا فيه.
__________
(1) محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، أبوعلي الهاشمي، كان عالماً فاضلاً وجيهاً، وتوفي محمد في حبس المعتمد العباسي هو وابنه أحمد حمله سعيد الحاجب إلى السجن هو وأولاده، ذكره في مقاتل الطالبين.(1/190)
قال السيد أبو طالب رحمه الله: هذا الخبر هو طريق إثبات نسب علي بن محمد صاحب البصرة(1).
ونعود إلى الآية، فروى ابن عباس رضي الله عنه أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: يارسول الله من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودتهم؟ قال: علي، وفاطمة، وابناهما.
ومما يؤيد ذلك حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين: ((أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم)).
وعن الإمام زيد بن علي عليه السلام، عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسد الناس لي، فقال: ((أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذرياتنا خلف أزواجنا، وشيعتنا)).
__________
(1) علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد المعروف بعلوي البصرة، ظهر في البصرة في النصف من شوال سنة 256هـ، في أيام المهدي العباسي، واستفحل أمره، وقتل من أهل البصرة، وأوقع بالجنود العباسية الوقعات الهائلة، وصبّ عليهم سوط عذاب، وأسقاهم كأساً مراً، وبلغ عدد القتلى من الجنود العباسية في أيامه مائتا ألف قتيل وخمسون ألف قتيل، وملك البصرة والأهواز وواسط وغيرها، تولى حرْبه من العباسيين المهدي ثم المعتمد حتى قُتل علوي البصرة بعد حروب طاحنة بعد أن ضعف أمره، وكان قتله لليلتين خلتا من صفر سنة 270هـ، وكانت مدة ولايته أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وستة أيام، وكان ذميم الأفعال سيء السيرة خبيث المذهب، وكان أهل البيت(ع) لا يرتضون طريقته ولا سيرته.(1/191)
وروي عن أبي ليلى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لايؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذاتي أحب إليه من ذاته)) فقال رجل من القوم: يا أبا عبد الرحمن لاتزال تجيء بالحديث يحي الله به القلوب.
سورة الزخرف
[الآية السابعة والسبعون]: قوله تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف:28].
اختلفوا في الكلمة:
قيل: التوحيد.
وقيل: ماوصى به نبيه على ماذكره في سورة البقرة.
وقيل: هو قوله: {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة:131].
واختلفوا في العقب:
قيل: آل محمد، عن السدي.
وقيل: في ذريته وولده، عن مجاهد، والحسن.
[الآية الثامنة والسبعون]: قوله تعالى: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ} [الزخرف:41].(1/192)