وروى بإسناده عن الأصبغ بن نباته(1)، قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة يمشي وأنا خلفه، وقنبر بين يديه إذ سمع قنبر رجلاً يقرأ بصوت حزين: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاءَ اللَّيْلِ}...الآية، فوقف قنبر، وقال: أراك والله منهم، قال: فضرب أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام بين كتفيه، وقال: امض، نوم على يقين خير من صلاة في شك إنا آل محمد نجاة كل مؤمن، فلما كان يوم النهروان وجدنا القارئ في القتلى مع الخوارج، فقال قنبر: صدق أمير المؤمنين عليه السلام كان والله أعلم بك مني.
وسمع رجل من التابعين أنس بن مالك يقول إن قوله تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاءَ اللَّيْلِ} نزلت في علي بن أبي طالب، قال: فأتيته انظر إلى عبادته فأشهد لقد أتيته وقت المغرب فوجدته يصلي بأصحابه المغرب، فلما فرغ منها جلس في التعقيب إلى أن قام إلى العشاء الآخرة، ثم دخل منزله فوجدته طول الليل يصلي ويقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر، ثم جدد وضؤه وخرج إلى المسجد وصلى بالناس صلاة الفجر، ثم جلس في التعقيب، إلى أن صلى بهم صلاة الظهر والعصر، ثم أتاه الناس يختصمون وهو يقضي بينهم إلى أن غابت الشمس فخرجت وأنا أقول أشهد أن هذه الآيات نزلت فيه.
__________
(1) أصبغ بن نباتة ـ بضم النون ـ المجاشعي، أبو القاسم الكوفي، من المشهورين بالولاء والتشيع لأهل البيت عليهم السلام، ومن أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام، قال ابن حبان: فتن بحب علي فأتى بالطامات، ذكره صارم الدين الوزير وابن حميد وابن حابس من ثقات محدثي الشيعة، توفي سنة...(1/183)


[الآية الرابعة والسبعون]: قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} الآية [الزمر:33].
قيل: نزلت في أبي بكر عن أبي العالية(1) وجماعة.
وقيل: نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقيل: نزلت في علي بن أبي طالب.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((الصديقون ثلاثة: حبيب النجار، مؤمن آل ياسين، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب مؤمن آل محمد)).
وعن معاذة العدوية سمعت علياً عليه السلام على منبر البصرة يقول: (أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم).
وروي عنه أنه قال: (أنا عبدالله وأخو رسول الله، وأنا الصديق الأكبر لايقولها إلا كذاب مفتر لقد صليت قبل الناس سبع سنين).
__________
(1) أبو العالية: رُفيع ـ بضم المهملة ـ بن مهران الرياحي، مولاهم البصري، رأى أبو بكر، وثقه أبو حاتم وأبو زرعه وغيرهما، توفي سنة تسعين على الأصح.(1/184)


سورة السجدة فصلت
[الآية الخامسة والسبعون]: قوله تعالى: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي ءَامِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [فصلت:40]، قيل: نزلت في علي بن أبي طالب، وشيعته وأعدائه.
وروى أبو طالب بإسناده، عن الطيالسي(1)، قال: لما قتل أبو جعفر محمد، وإبراهيم ابنا عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام وجه شيبة بن عقال إلى الموسم لينال من آل أبي طالب عليهم السلام، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن علي بن أبي طالب شق عصى المسلمين، وخالف أمير المؤمنين، وأراد هذا الأمر لنفسه فحرمه الله أمنيته وأماته بغيظه، هؤلاء ولده يقتلون، وبالدماء يخضبون، فقام إليه رجل، فقال: نحمد الله رب العالمين، ونصلي على أنبيائه المرسلين، أما ماقلت من خير فنحن أهله، وأما ماقلت من سوء فأنت به أولى، وصاحبك به أحرى، يامن ركب غير راحلته، وأكل غير زاده، ارجع مأزوراً، ثم أقبل على الناس وقال: ألا أخبركم بأخسر من ذلك ميزاناً، وأبين منه خسراناً، من باع آخرته بدنيا غيره وهو هذا، ثم جلس، فقال الناس: من هذا؟ فقيل: جعفر بن محمد عليهما السلام.
__________
(1) الطيالسي هو: سليمان بن داوود بن الجارود أبو داوود الطيالسي البصري الحافظ ولد سنة ثلاث أو اثنين وثلاثين ومائة، قال ابن مهدي أبو داوود من أصدق الناس، وقال أحمد: ثقة صدوق، توفي سنة أربع ومائتين عن إحدى وسبعين سنة.(1/185)


سورة حم عسق الشورى
[الآية السادسة والسبعون]: قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى23].
اختلفوا في معنى الآية:
قيل: تودوا قرابتي وعترتي وتحفظونني فيهم، عن علي بن الحسين عليه السلام، وسعيد بن جبير، وعمرو بن شعيب(1).
وقيل: تودوا التقرب إلى الله تعالى بطاعته.
وقيل: تودوني لقرابتي.
وقيل: نزلت بمكة، وأراد صلوا رحمي واحفظوني في أولادي، ويجوز أن يكون أطلع نبيه على مايفعلون بأولاده.
ومتى قيل: أليس جميع الأنبياء عليهم السلام، قال: لاأسألكم عليه أجراً فلم استثنى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم خاصة.
قال: لما علم من صنيع أمته إلى أولاده دون سائر الأمم، فكان كل أمة تعظم عترة نبيها غير هذه الأمة، فإنهم حاربوهم وقتلوهم وطردوهم وشردوهم في البلاد، ومن نظر في مقاتلتهم من لدن علي بن أبي طالب إلى يومنا هذا علم أحوالهم فهم بين مقتول ومحبوس ومخذول ومسموم ومطرود ومقهور، قتل علي بالسيف، وسم الحسن، وقتل الحسين مع نيف وعشرين من أهل بيته وجماعة من شيعته في نصف يوم، وفرق بين رؤوسهم وأبدانهم، وقتل زيد بن علي، وصلب وحرق، وقتل يحيى وصلب، وقتل النفس الزكية وإبراهيم، ويحيى وجماعة كثيرة من أولاده، وقتل موسى بن جعفر وابنه علي بن موسى الرضى، وتفصيل ذلك مما يحتاج إلى دفاتر، ومات عيسى بن زيد مستتراً، وكذلك القاسم بن إبراهيم عليهما السلام.
__________
(1) عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص السهمي، أبو إبراهيم المدني، ناصبي شديد النصب والتعصب في بغضه لأهل البيت عليهم السلام خبيث المعتقد، جرحه بعض المحدثين ووثقه آخرون إن روى ما يوافق أهواءهم قبلوه وإلا تركوه وهو الذي أنكر على عمر بن عبد العزيز قطع سب أمير المؤمنين علي عليه السلام، وقال: السنة السنة، فقال له عمر: اسكت قبحك الله تلك البدعة. توفي سنة ثلاث عشرة ومائة.(1/186)


وروي عن محمد بن زكريا العلابي(1) قال: صرت إلى أحمد بن عيسى بن زيد(2) وهو متوار بالبصرة، وقال لما طلبنا هارون(3)
__________
(1) محمد بن زكريا بن دينار المكي القرظي العلابي ـ بفتح المهملة، ثم الموحدة مخففاً ـ البصري الإخباري، أبو جعفر، من رواة أخبار الأئمة عليهم السلام، ورواة فضائلهم، وقد جرحه القوم على قاعدتهم التي بنوها على جرح كل من هو شيعي مطلقاً.
قال فيه الدارقطني: يضع الحديث، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يعتبر بحديثه إذا روى عن ثقة، قال في التذكرة: وهو من مشائخ الطبراني، وتوفي سنة تسعين ومائتين.
(2) أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أبو عبدالله، فقيه آل محمد عليهم السلام، كان عالماً فاضلاً زاهداً ورعاً ناسكاً ولد عليه السلام سنة تسع وخمسين ومائة أخذه الرشيد وحبسه ثم استخفى في البصرة إلى أن مات سنة سبع وأربعين ومائتين، وقد جاوز الثمانين وهو صاحب الأمالي المعروفة بأمالي الإمام أحمد بن عيسى والتي سماها الإمام المنصور بالله عليه السلام "بدائع الأنوار".
(3) هارون بن محمد بن عبدالله بن محمد بن علي بن العباس الملقب هارون الرشيد ولد سنة (146هـ) ولي الخلافة سنة (170هـ) وتوجه إلى خراسان ومعه المأمون سنة (192هـ) حتى قدم الروس فمرض بها ومات لثلاث خلون من جمادي الآخرة سنة (193هـ) وله سبع وأربعون سنة وكان مدة خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وشهرين وسبعة عشر يوماً، وكان جباراً غشوماً، سفاكاً ظلوماً، فاسقاً مجاهراً نالت منه العترة الزكية الأذى والشدة، وقتل منهم في ولايته الإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وأخوه الإمام إدريس بن عبدالله دس إليه سماً وعبدالله بن الحسن الأفطس وغيرهم.(1/187)

39 / 44
ع
En
A+
A-