وروى السيد أبو طالب بإسناده عن علقمة(1)، والأسود(2) قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري، فقلنا: يا أبا أيوب إن الله تعالى أكرمك بنبيه إذ أوحى إلى راحلته فبركت على بابك، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضيفاً لك فضيلة من الله فضلك بها، أخبرنا عن مخرجك مع علي بن أبي طالب.
قال أبو أيوب: فإني أقسم لكما لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا البيت الذي أنتما فيه، وما في البيت غير رسول الله وعلي جالس عن يمينه، وأنا جالس عن يساره، وأنس بن مالك قائم بين يديه إذ تحرك الباب، فقال صلى الله عليه: يا أنس انظر من بالباب، فخرج أنس ونظر، قال: هذا عمار بن ياسر، فقال صلى الله عليه: افتح لعمار الطيب المطيب، ففتح أنس الباب ودخل عمار فسلم على رسول الله فرحب به، ثم قال لعمار: إنه سيكون في أمتي من بعدي هنات حتى يختلف السيف فيما بينهم، وحتى يقتل بعضهم بعضاً، وحتى يتبرأ بعضهم من بعض فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني علي بن أبي طالب، وإن سلك الناس كلهم وادياً وسلك علي وادياً فاسلك وادي علي، وخل عن الناس، ياعمار: إن علياً لايردك عن هدى، ولايدلك على ردى، ياعمار: طاعة علي طاعتي، وطاعتي طاعة الله)).
__________
(1) علقمة بن قيس بن عبدالله بن علقمة بن سلامان بن كهيل بن بكر بن عون بن النخع النخعي، أبوسبل الكوفي، أحد مشاهير التابعين مخضرم، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، روى عن علي عليه السلام وغيره من الصحابة، توفي سنة إحدى وستين وقيل اثنتين وستين عن تسعين سنة.
(2) الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أبو عمرو وأبو عبدالرحمن الكوفي، مخضرم فقيه، مات سنة أربع أو خمس وسبعين.(1/164)


وعن أبي عثمان النهدي(1) عن علي، قال: مررت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حديقة، فقلت: يارسول الله ما أحسنها، فقال: ((لك في الجنة خير منها)) ثم انتحب رسول الله وبكى، فقلت: يارسول الله مايبكيك، قال: ((ظغائن في صدور أقوام لايبدونها لك إلا من بعدي)) قلت: بسلامة من ديني؟ قال: ((بسلامة من دينك)).
وعن عطاء بن السائب، قال: أخبرني أكثر من عشرة أن أبا موسى دخل على علي عليه السلام، فقال له: ما هذا الذي تحدث به، فقال أبو موسى: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((تكون فتنة المضطجع فيها خير من القاعد، والفاعد خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، فإذا كان ذلك فقطعوا أوتار قسيكم، واضربوا بسيوفكم الحجارة)) فقال له علي: أنشدك الله قال ذلك لك خاصة أنت فيها يا أبا موسى مضطجع خير منك قائم، ثم قال علي: هكذا فحدث الناس، ذكره الناصر للحق.
__________
(1) أبو عثمان النهدي: عبد الرحمن بن مُلِّ ـ بضم الميم وكسر اللام ـ بن عمرو بن عدي النهدي الكوفي، أسلم وصدق ولم ير النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وثقه ابن المديني، وأبو حاتم، والنسائي، قيل: إنه حج واعتمر ستين سنة، توفي سنة خمس وتسعين، وقيل: سنة مائة عن أكثر من مائة وثلاثين سنة.(1/165)


وروى أيضاً بإسناده عن أبي مريم الحنفي، قال: كنت أصلي مع أبي موسى بالكوفة، فلما صلى يوماً الفجر، قال: قدم الليلة رجل من خيار أصحاب رسول الله عمار بن ياسر، فمن أحب أن ينطلق معي، فليفعل، فإن له حقاً، فانطلقنا ودخلنا عليه وسلمنا وسلم أبو موسى فما سمعناه رد، ثم كان أول كلامه أن قال: ويلك يا عبدالله بن قيس أنت المثبط للناس عن علي، وأنت الذي تقول: قطعوا أوتار قسيكم ويلك فمن يضرب خراطيم الفتن، وأين قول الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} وأنت القائل: إن رسول الله، قال: ((ستكون فتنة النائم فيها خير من اليقظان)) ويلك ياعبدالله أما سمعت رسول الله يقول: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) وأنا أشهد أنك كذبت على رسول الله، قال: فرأيت أبا موسى يتفرع كما يتفرع الديك، وقام وخرج.
وروي أنه لما صالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحديبية مع أبي سفيان، وسهيل بن عمرو أمر علياً أن يكتب كتاب الصلح، فكتب: [هذا ما صالح محمد رسول الله]، فقال سهيل بن عمرو: لو عرفنا أنك رسول الله ما قاتلناك، فأمر أن يكتب محمد بن عبدالله، وقال: لك يا علي يوماً مثله، فكان يوم صفين عند التحكيم كتب: هذا ما صالح عليه أمير المؤمنين، فقالوا: لا، حتى تكتب علي بن أبي طالب.
[الآية التاسعة والخمسون]: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.
روى زيد بن علي عليه السلام، قال: فينا نزلت هذه الآية.
والجهاد على ضروب:
جهاد النفس وذلك ينقسم إلى تحصيل العلم والعمل به، والإقامة على طاعة الله وحبس النفس عن معاصيه.
والثاني: جهاد الكفار بالسيف واللسان وبذل المهج فيه.(1/166)


والثالث: جهاد الظلمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمنع عن الظلم والعصيان.
والرابع: جهاد البغاة على إمام الحق، ومنعهم من الفساد في الأرض ودفع شرهم بما أمكن.
والخامس: جهاد المبتدعة ببيان الأدلة وحل الشبه لمن حضر، والتصانيف والكتب المؤلفة لمن غاب، وجميع ذلك حاصل لأئمتنا صلوات الله عليهم أجمعين.
فأما أمير المؤمنين، والحسن، والحسين، فلا شبهة في حالهم، وبعدهم زيد بن علي، ويحيى بن زيد(1)
__________
(1) الإمام أبو طالب يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، ولد عليه السلام سنة سبع وتسعين على الأرجح، وأمه ريطة بنت عبدالله بن محمد بن علي بن أبي طالب، كان مثل أبيه في الشجاعة وقوة القلب في مبارزة الأبطال، خرج من الكوفة بعد مقتل أبيه عليهما السلام في عشرة من أصحاب أبيه وخواصه متنكراً متوجهاً إلى خراسان، فدخل خراسان وانتهى إلى بلْخ، فنزل على رجل من خلصان الشيعة يقال له الحريش، فآواه وكتمه، واشتغلت بنوأمية بشأنه لما علموا من فضله وعلمه وشهامته وشجاعته وميل القلوب إليه، فطلبوه من الحريش ثم حبس وقيّد، ثم أفرجوا عنه، ثم توجه بيهق، وأظهر الدعوة هناك فبايعه من أهلها سبعون رجلاً وانضم إليهم نفر يسير، فاجتمعت الجنود الأموية من سرخس وطوس وغيرها لقتاله وبلغت عدتهم زهاء عشرة آلاف، فجاهدهم عليه السلام بأصحابه حتى هزموهم واستباحوا عسكرهم وأصابوا منهم دواب كثيرة، ثم خرج من بيهق إلى الجوزجان ونزل قرية يقال لها: أرغويه وبقي بها مدة يسيرة مظهراً للعدل طامساً لرسوم الجور، ثم وجهوا إليه جيشاً كثيراً في المرة الثانية فقاتلهم بأصحابه عليه السلام ثلاثة أيام بلياليها، وأوقع بهم وقعة عظيمة، ثم أتته نشابة وقعت في جبينه كانت فيها نفسه عليه السلام وكان مقتله بعد صلاة الجمعة في شهر رمضان سنة ست وعشرين ومائة، وقبره في الجوزجان مشهور مزور.(1/167)


، والنفس الزكية(1)، وإبراهيم(2)
__________
(1) النفس الزكية: هو محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، يكنى أبا القاسم وقيل أبو عبدالله، كان جامعاً لخصال الإمامة من العلم والزهد والورع والسخاء والشجاعة والقوة والفضل وحسن التدبير والسياسة، خطيباً مصقعاً فصيحاً بليغاً، هو أول من قام من أهل البيت عليهم السلام في عهد الدولة العباسية، قيامه سنة خمس وأربعين ومائة في غرة رجب، خرج إلى مكة وبويع هناك وبايعه جميع أهل البيت عليهم السلام في عصره من أولاد الحسن والحسين، ولم يتخلف منهم أحد عن بيعته وبايعه علماء عصره من الزيدية والمعتزلة وغيرهم من فقهاء الأمة، فبعث عماله إلى الجهات والنواحي وتسمى بالنفس الزكية ولقب بالمهدي لدين الله وخوطب بأمير المؤمنين، وهو أول من خوطب بهذا الإسم من العترة بعد علي عليه السلام، واضطربت منه بنو العباس اضطراباً شديداً ووجهوا إليه جيشاً كثيفاً، فجاهد جهاد الأبطال حتى سقط شهيداً رحمة الله عليه وسال دمه إلى أحجار الزيت وقبر في البقيع وكان مقتله في السنة التي قام فيها عليه السلام.
(2) ابراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أخو النفس الزكية، دعا إلى الله عزوجل في أول يوم من شوال في اليوم الذي نعي إليه فيه أخوه النفس الزكية وهو في البصرة وهو يريد أن يصلي بالناس صلاة العيد فصلى بالناس ونعى إليهم أخاه، فبكى وبكى الناس، فلما نزل بايعه بالإمامة علماء البصرة وفقهاؤها وزهادها وبايعته الزيدية والمعتزلة، ولم يتأخر أحد عن بيعته من فضلاء البصرة، واستولى على واسط والأهواز وفارس وغيرها، وتوسعت بسطته ونفوذه، ثم توجه إليه أبو جعفر الدوانيقي بعد شهرين من إمامته في شهر الحجة الحرام، فلقيه بموضع يقال له (باخمرى) موضع بين البصرة والكوفة وجاهد جهاد الأبطال حتى أصابه سهم في جبينه كانت فيه نفسه عليه السلام وكان عمره خمسون سنة.(1/168)

35 / 44
ع
En
A+
A-