ومما روي لنا عن أبي سعيد السمان(1)، قال: بإسناده عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، قال: (كل راية تنصب في غير الزيدية فهي راية ضلالة).
__________
(1) الشيخ الإمام الرحال أبو سعيد إسماعيل بن علي بن الحسين بن محمد بن زنجويه الرازي السمان، رحمة الله، مولده سنة نيف وسبعين وثلاثمائة، عليه رأس الزيدية وعالمهم صاحب الرِّحل الكبار، متفق على إمامته وجلالته وكتابه الأمالي منه أجل كتب الزيدية في الحديث، قال الحاكم في العيون: واحد عصره في أنواع العلوم والكلام والفقه والحديث، دوّخ البلاد ولقي المشائخ، وهو في الزهد والورع ما يليق بأهل الدين، وكان يصوم الدهر ولم يحظ من الدنيا بشيء، ربما درس في بالري وربما درس في الديلم، وله كتب كثيرة في الديلم، قال ابن عساكر: قدم دمشق طالب علم، وكان من المكثرين الجوالين، سمع من نحو أربعة آلاف شيخ، وذكر السيد صارم الدين في الفلك الدوار أنه قرأ على ثلاثة آلاف وستمائة شيخ، دخل الشام والحجاز والمغرب، قال الكلبي: شيخ العدلية وعالمهم وفقيههم ومحدثهم، وكان إماماً بلا مدافعة في القرآن والحديث والرجال والفرائض والشروط، عالماً بفقه الزيدية، وكان يقال في مدحه: إنه ما شاهد مثل نفسه، وكان تاريخ الزمانة وشيخ الإسلام، انتهى.
توفي في شعبان سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وقيل سنة (540هـ) وقيل سنة (547هـ) وقيل سنة (543هـ) ودفن في طبرك.(1/155)


وعن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: (لو نزلت راية من السماء لم تنصب إلا في الزيدية)، ولاظلم أعظم مما جرى على زيد بن علي وابنه يحيى وأهل بيته، والأئمة بعده، ومن نظر في الأخبار علم أنهم الذين يقاتلون وهم المظلومون، وأي ظلم أعظم ممن قتل وصلب وحرق وذري في الفرات.
[الآية الحادية والخمسون]: قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} الآية [الحج:78].
روى ابن أبي مليكة(1)، عن المسور بن مخرمة، قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: أما علمت أنا كنا نقرأ: {جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله، قال: بلى ياأمير المؤمنين، ومتى هي؟ قال: إذا كان بنوا أمية الأمراء، وبنوا المغيرة الوزراء.
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((شر قبائل العرب بنوا حنيفة، وبنوا أمية، وبنوا ثقيف)).
__________
(1) ابن أبي مليكة عبدالله بن عبيدالله بن أبي مليكة زهير بن عبدالله بن جدعان التيمي أبو بكر المكي، أدرك ثلاثين صحابياً، وثقه أبو حاتم وأبو زرعه، قال في التذكرة: كان إماماً فقيهاً فصيحاً مفوهاً متفقاً على تفقهه، توفي سنة سبع عشرة ومائة، خرج له الجماعة ومحمد بن منصور والناصر للحق والسيدان الأخوان المؤيد بالله وأبوطالب(ع).(1/156)


سورة النور
[الآية الثانية والخمسون]: قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} الآية [النور:36].
اختلفوا في المعني بالآية:
قيل: المساجد.
وقيل: بيوت الأنبياء.
وقيل: بيوت المدينة.
وقيل: بيوت النبي عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.
واختلفوا في معنى ترفع:
فقيل: يتلى فيها كتابه.
وقيل: يصلى، عن الحسن.
وقيل: يبنى وترفع، عن مجاهد.
وقيل: تعظم، ولا يليق ذلك إلا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، وذلك لأن الكتاب يتلى فيها بالوحي.
فإن قيل: فسائر بيوت المؤمنين كذلك.
قلنا: كيف والله تعالى يقول: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة:11].(/)


[الآية الثالثة والخمسون]: قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ}...الآية [النور:55].
اختلفوا فيها:
فقيل: نزلت في الصحابة آمنوا بعد الهجرة بعد ماكانوا خائفين قبلها، عن أبي العالية.
وقيل: لما رجعوا عن الحديبية وأطمعهم ووعدهم فتح مكة، عن مقاتل.
وقيل(1)
__________
(1) قال الإمام الناصر أبو الفتح الديلمي عليه السلام في كتاب البرهان في تفسير القرآن في الجزء الثاني منه في تفسير سورة النور في ص264:
[وهذه الآية نزلت في رسول الله صلى الله عليه، وأمير المؤمنين عليه السلام، وخيار أهل بيتهما، ومن سار بسيرتهم وتبع طريقتهما إلى يوم القيامة؛ لأنهم ورثة الكتاب والعاملون به، ولهم الخلافة في الأرض إلى يوم العرض، والأرض عني بها أرض العرب والعجم، وذلك لما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لايبقى على الأرض مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز أو ذل ذليل)) إما يعزهم الله تعالى فيجعلهم من أهلها، وإما يذلهم فيذلون بها: {كما استخلف الذين من قبلهم} يعني داود وسليمان: {وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم} يعني دين الإسلام، وذلك عند ظهور حجة الله القائم وتمكينه أن يظهره الله على الدين كله: {وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً} لأنهم كانوا مطلوبين فطلبوا، ومقهورين فقهروا]، انتهى من البرهان.
ويمكن أن يكون هذا أحد الإجابات الواردة على السؤال الذي أورده الحاكم رحمه الله حين قال: ومتى قيل: كيف يصح ذلك فيهم...إلخ.(1/157)


: نزلت في أمير المؤمنين وأولاده عليهم السلام ووعدهم بأن يستخلفهم وكل من قال إنه تعالى نص على خليفة قال إنه علي وأولاده عليهم السلام.
ومتى قيل: كيف يصح ذلك فيهم، ولم يأمنوا ولم يتمكنوا؟
قلنا: استخلفهم النبي بأمر الله ومكنهم، وأمر بطاعتهم فمنعتهم الظلمة ومكن دينهم حتى لم يقدروا على بطلانه وإن راموا أولى من ظهور الدين حتى آمنوا من تغييره وبطلانه.
ويؤيد ذلك حديث جابر وجماعة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال لعلي يوم خرج إلى تبوك: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)) وقد مضى، وحديث غدير خم، وقد مضى، وقوله لعلي: ((أنت خليفتي وقاضي ديني)) وقد مضى.
روى الناصر للحق بإسناده في حديث طويل لما قدم علي على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لفتح خيبر، قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((لولا أن يقول فيك طائفة من أمتي ماقالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالاً لاتمر بملأ إلا أخذوا التراب من تحت قدميك، ومن فضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك ترثني وأرثك، وإنك مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي، وأنك تبري ذمتي وتقاتل عن سنتي، وإنك غداً في الآخرة أقرب الناس مني، وإنك أول من يرد عليّ الحوض، وأول من يكسى معي، وأول داخل في الجنة من أمتي، وإن شيعتك على منابر من نور، وإن الحق على لسانك وفي قلبك، وبين عينيك)).
ويدل عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)).
وروي عن أبي بكر أنه قال: علي بن أبي طالب عترة رسول الله يعني من عترته.(1/158)

33 / 44
ع
En
A+
A-