وعن المنهال بن عمرو(1) قال: دخلت على علي بن الحسين(2)، فقلت: كيف أصبحت؟ قال: أصبحنا والله بمنزلة بني إسرائيل من آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وأصبح خير البرية بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلعن على المنابر، وأصبح من يحبنا منقوصاً حقه بحبه إيانا(3).
__________
(1) المنهال بن عمرو الأسدي ، أبو الجارود مولاهم ، الكوفي ، قال ابن معين : المنهال ثقة ، وقال أحمد : كوفي ثقة ، ووثقه النسائي ، وقال فيه الجوزجاني : سيئ المذهب ، وهذا القدح من المدح وليس من الذم كما قال المثل : (أراد أن يذم فمدح) . عده السيد صارم الدين الوزير ، وابن حميد ، وابن حابس من ثقات محدثي الشيعة.
(2) علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أبو محمد، زين العابدين وسيد الساجدين، ولد سنة (38هـ)، سيد أهل البيت في عصره وإمام دهره، أجمع أهل البيت عليهم السلام على إمامته، وهو غني عن تعريف عارف ووصف واصف، أحد أركان الدين وأئمة المسلمين علماً وعبادة وفضلاً وورعاً وزهداً وسخاءً، حاز جميع المكارم والصفات، وهو أحد الأئمة عند الإثنا عشرية، شهد كربلاء مع أبيه وعمره (23سنة)، وكان مريضاً وأسلمه الله من قتل بني أمية حفظاً للنسل العلوي الطاهر لأنه لم يبق من أولاد الحسين غيره، وكان فصيحاً بليغاً شجاعاً لا تأخذه في الله لومة لائم، ومن تتبع مواقفه مع عبيدالله بن زياد ويزيد بن معاوية علم أن لله سر في أهل هذا البيت الطاهر، وتوفي عليه السلام سنة (94هـ) وهو ابن (58سنة) عليه السلام.
(3) رواه محمد بن سليمان الكوفي في المناقب، ورواه الإمام المنصور بالله عليه السلام في شرح الرسالة الناصحة للإخوان بسنده عن أبي الجارود التميمي، ورواه الإمام أبو طالب عليه السلام في الأمالي ص136 عن الحارث بن الجارود التميمي، قال : دخلت المدينة فإذا أنا بعلي بن الحسين في جماعة أهل بيته، وهم جلوس في حلقة فأتيتهم، فقلت : السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، كيف أصبحتم رحمكم الله ؟
فرفع رأسه إليَّ، فقال أوَما تدري كيف نمسي ونصبح ؟ أصبحنا في قومنا بمنزلة بني اسرائيل في آل عمران، يذبحون الأبناء ويستحيون النساء، وأصبح خير الأمة يشتم على المنابر، وأصبح من يبغضنا يُعْطى الأموال على بغضنا، وأصبح من يحبنا منقوصاً حقه - أو قال حظه - أصبحت قريش تفتخر على العرب بأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم قرشي، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كان عربياً، فهم يطلبون بحقنا ولا يعرفون لنا حقاً، اجلس يا أبا عمران فهذا صباحنا من مسائنا.(1/147)
[تعداد رؤوس الكفر من بني أمية]
وروى أبو سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا بلغ بنو أبي العاص ثمانين رجلاً اتخذوا مال الله دولاً وعباد الله خولاً)).
وعن الشعبي كان خطباء بني أمية يسبون علياً، فكأنهم يرفعونه ويمدحون أسلافهم فكأنهم يكشفون عن جيفة.
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((ويل لبني أمية)) ثلاث مرات، رواه ابن عمر في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا}...الآية [إبراهيم:28]، قال: ((هم الأفجران من قريش بنو المغيرة، وبنو أمية، فأما بنوا المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأما بنوا أمية فمتعوا إلى حين)).
ونعود إلى الآية: فسمى الله تعالى بني أمية الشجرة الملعونة، وهو أمية بن عبد شمس.
فمنهم: عتبة بن ربيعة، وشيبة والوليد قتلوا كفاراً يوم بدر.
ومنهم: عبدالله بن عامر بن كريز حث طلحة والزبير على محاربة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، وعلى الخروج إلى البصرة، وأعان عليه بأموال كثيرة، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان، وأبو سفيان وابنه معاوية، وابنه يزيد، وهند أمرت بقتل حمزة، وأبو سفيان هو الذي قاتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مواطن جمة، ومعاوية لعنه الله قاتل علياً، ويزيد لعنه الله قاتل الحسين.
ومنهم: الحكم بن أبي العاص، ومروان بن الحكم لعنهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووالدهما.
ومنهم المروانية: عبد الملك وأولاده:
فمنهم: هشام لعنه الله قاتل زيد بن علي، والوليد بن يزيد الملحد الذي أحرق المصحف، ومروان الحمار المعروف بالإلحاد.(1/148)
ومنهم: أبو العاص بن سعيد قتله علي عليه الصلاة والسلام يوم بدر كافراً.
ومنهم: عبدالله بن سعيد بن أبي سرح الذي ارتد عن الإسلام.
وسعد كان منافقاً، وعقبة بن أبي معيط قتل كافراً يوم بدر، وابنه الوليد بن عقبة سماه الله تعالى فاسقاً في موضعين من كتابه، وصلى وهو سكران وضرب الحد.
وأما ابن معيط، فهو أبو عمرو، قيل: كان يسمى ذكوان، أسماه أمية أبا عمرو.
وقيل: كان أمية بالشام فوقع على أمة يهودية من أهل صفورية فولدت ولداً أسماه ذكوان فاستلحقه أمية وأسماه أبا عمرو، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لعقبة بن أبي معيط حين أمر بقتله يوم بدر: إنما أنت يهودي من صفورية، ولو تقصينا خبر القوم وما ورد فيهم من الآثار لطال.
ـــــــــــــــــــ(1/149)
سورة الكهف
[الآية الرابعة والأربعون]: قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}، اختلف المفسرون:
فروي عن علي عليه السلام: أنها نزلت في أهل حروراء، وأنكر الأصم ذلك، واستدل بقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، إن صح الخبر عن علي عليه السلام فلا يلتفت إلى طعن الأصم واستدلاله غير صحيح؛ لأنه يحتمل أنه كان يكفرهم كما يزعم ذلك بعض الشيعة.
وقد روى أبو أمامة(1) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((كلاب أهل النار الخوارج)).
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((تكون فُرقَة بين طائفتين من أمتي تمرق بينهما مارقة يقتلهم أولى الطائفتين بالحق)).
وعن علقمة: سمعت علياً عليه السلام يقول: (أمرت أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين).
ـــــــــــــــــ(/)
سورة مريم
[الآية الخامسة والأربعون]: قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا}، ونظيره: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}.
روي عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} أنت اللسان يا علي بولايتك يهتدي المهتدون.
[الآية السادسة والأربعون]: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}.
المروي عن ابن عباس رضي الله عنه: أن الآية نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام فما من مؤمن إلا وفي قلبه لعلي عليه السلام محبة.
واختلف المفسرون في هذه المحبة متى تكون:
قيل: في الدنيا عن ابن عباس، ومجاهد.
وقيل: في الآخرة، فإن حملناه على الأول فإضافته إليه تعالى.
قيل: لأنه بأمره ولطفه فيه.
__________
(1) أبو أمامة صُدَيّ ـ بضم الصاد المهملة ، وفتح الدال المهملة ، وتشديد الياء ـ بن عجلان الباهلي السهمي، سكن مصر ، ثم حمص ، ثم الشام ، وكان مع أمير المؤمنين عليه السلام في وقعة صفين . توفي سنة إحدى وثمانين عن مائة وست أو أحد وتسعين ، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة .(1/150)