سورة الإسراء
قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء:71].
اختلفوا فيه:
فقيل: بنبيهم، عن مجاهد، وقتادة، وروى مرفوعاً.
وقيل: كتب أعمالهم، عن الحسن، والضحاك.
وقيل: بكتابهم المنزل عليهم، عن ابن زيد.
وقيل: بمن كانوا يأتمون به، عن أبي عبيدة(1) وأبي علي.
وقيل: بدينهم.
وقيل: بمعبودهم، عن محمد بن كعب(2).
__________
(1) أبو عبيدة عامر بن عبدالله بن مسعود الهذلي الكوفي، وثّقه ابن حبان، قال في الكاشف: صدوق، توفي سنة 81هن وقيل 82هـ.
(2) محمد بن كعب بن سليم القرظي ـ بضم القاف ـ الكوفي ، أبو حمزة المدني ، قال ابن سعد : كان ثقة ورعاً كثير الحديث ، قال ابن عون : ما رأيت أحداً أعلم بتأويل القرآن من القرظي ، وقال في الكاشف : حجة . توفي سنة ست أو ثمان عشرة ومائة .(1/142)
والصحيح ماذهب إليه أبو علي أن كل قوم يدعون بمن يأتمون به من نبي أو إمام وغيرهم، وقد جعل الله الأئمة على نوعين، فقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [السجدة:24]، وقال: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص:41]، فالداعي إلى الجنة والهدى علي بن أبي طالب، وذريته عليهم السلام، والداعي إلى النار أعداؤهم، ولاشبهة أن داعياً لو قال: هلموا إلى النار لما أجابه أحد، والمراد الداعي إلى أمور موجبة للعذاب، ودخول النار، وقد ثبت أن علياً عليه السلام كان يدعوا إلى طاعة الله وسنة نبيه، واتباع شريعته، ومن أجاب إلى ذلك دخل الجنة، وأن من خالف ذلك دخل النار، وكذلك ذريته من بعده كالحسن والحسين وزيد وابنه يحيى، وكالنفس الزكية، وغيرهم من أئمة أهل البيت عليهم السلام، ومعلوم أن أعداءهم دعوهم إلى العصيان، وإيثار الدنيا، واتباع الشهوات، فلما أجابوا استوجبوا النار.
وروى أبو بردة(1) عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن الله عهد إلي عهداً في علي، فقلت: يا رب بينه لي، فقال: يا محمد اسمع: علي راية الهدى وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، فمن أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني)).
__________
(1) أبو بردة بن نِيار - بكسر النون بعدها تحتية مثناة مخففة ثم ألف وآخره راء مهملة – البَلَوي، حليف الأنصار، اسمه هانئ وقيل مالك، واسم أبيه نيار، وقيل عبدالله، كان أبو بردة من أكابر الصحابة وفضلائهم، وشهد العقبة وأحداً وما بعدها، وشهد مع أمير المؤمنين عليه السلام حروبه، وهو خال البراء بن عازب، توفي سنة إحدى وأربعين.(1/143)
وروى أسعد بن زرارة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أوحى الله إليّ في علي أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين)).
وروى عمار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((حقك ياعلي على المسلمين كحق الوالد على ولده)).
وفي الخبر المشهور، قال لعلي عليه السلام: ((أنت وصيي وخليفتي، وقاضي ديني))، وقد مضى.
[الآية الثالثة والأربعون] قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ} [الإسراء:60]...الآية.
اختلفوا في هذه الرؤيا:
قيل: إنها رؤيا عين لارؤيا نوم، وهو ما رأه ليلة المعراج.
وقيل: بل رؤيا نوم.
ثم اختلفوا:
فقيل: إنه رأى أنه سيدخل مكة.
وقيل: هو ما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منامه أن بني أمية ينزون على منبره فاغتم لذلك، فنزلت الآية، رواه سهل بن سعد(1).
واختلفوا في هذه الشجرة:
قيل: شجرة الزقوم، ومعناه الملعون آكلها.
وقيل: هم اليهود.
وقيل: الشجرة الملعونة هم بنوا أمية.
__________
(1) سهل بن سعد بن مالك أبو العباس الأنصاري الخزرجي الساعدي المدني، كان اسمه حرباً فسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سهلاً، وتوفي رسول الله وعمره خمس عشرة سنة، وعُمِّر حتى أدرك الحجاج، توفي سنة ثمان وثمانين، وقد بلغ المائة قيل إنه آخر من مات من الصحابة بالمدينة، خرج له الجماعة وأئمتنا الخمسة.(1/144)
[حال أهل البيت عليهم السلام في فتنة بني أمية]
وروي أنه قيل للحسن يا أبا سعيد قتل الحسين بن علي فبكى حتى اختلج جنباه، ثم قال: واذلاه لأمةٍ قَتل ابن دعيها ابن نبيها ـ يعني عبيد الله بن زياد.
وروى السيد أبو طالب عليه السلام: بإسناده عن علي عليه السلام، قال: قال ليلة صفين: يا أيها الناس لا يفتننكم الهوى، يا أيها الناس لاتأفكوا عن الهدى، يا أيها الناس لاتقاتلوا أهل بيت نبيكم فوالله ما سمعت بأمة آمنت بنبيها قاتلت أهل بيت نبيها غيركم.
وبإسناده عن جابر(1) الجعفي، قال: قال محمد بن علي الباقر عليه السلام: إن أخي زيد خارج وإنه لمقتول، وهو على الحق، فويل لمن خذله، والويل لمن حاربه، والويل لمن قتله، قال: فلما أزمع زيد على الخروج، قلت له: إني سمعت أخاك يقول كذا، فقال: ياجابر إنه لايسعني أن أسكن وقد خولف كتاب الله، وتحوكم إلى الجبت والطاغوت، وذلك أني شهدت هشاماً ورجلاً عنده يسب رسول الله، فقلت للساب: ويلك ياكافر أما إني لو تمكنت منك لاختطفت روحك وعجلتك إلى النار، فقال هشام لعنه الله: مه عن جليسنا يازيد، فوالله لو لم يكن إلا أنا وابني يحيى لخرجت عليه، وجاهدته حتى أفنى.
__________
(1) جابر بن يزيد بن الحارث أبو زيد الجعفي الكوفي ، من أكابر علماء الشيعة وأعيانهم وفضلائهم ، روى عن الباقر سبعين ألف حديث ، وروى عن زيد بن علي عليه السلام . قال سفيان الثوري : ما رأيت أورع منه في الحديث ، عده السيد صارم الدين الوزير من ثقات محدثي الشيعة ، وقد رماه الخصوم وقدحوا فيه على عادتهم في قدح الشيعة ، ولئن كان التشيع يعد قدحاً فأكرم به من قدح ، واتهمه النواصب بأنه يقول بالرجعة وهو بريء مما رموه به . توفي سنة ثمان وعشرين ومائة .(1/145)
وروى(1) بإسناده عن علي بن موسى الرضى عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((حَرُمَت الجنة على من ظلم أهل بيتي وقاتلهم، وعلى المعين عليهم أولئك لاخلاق لهم في الآخرة ولايكلمهم الله يوم القيامة ولايزكيهم ولهم عذاب أليم)).
وعن الأعمش عمن رأى علياً بصفين يصفق بيده، ويعض عليها ويقول: (يا عجباً أعصى ويطاع معاوية).
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لايبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار)).
وعن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((حرم الله الجنة على من ظلم أهل بيتي وقاتلهم، ومن سبهم والمعين عليهم، {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ}...الآية)).
وعن علي بن موسى، وعن أم سلمة، قالت: من سب علياً وأحباؤه، فقد سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأشهد أن رسول الله كان يحبه.
__________
(1) الأمالي: 121، صحيفة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: 463 بزيادة: ((ومن سبّهم)).(1/146)