وروى السيد أبو طالب بإسناده، عن أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((صلت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين، وذلك أنه لم يصل فيها أحد غيري وغيره)).
[الآية الحادية والثلاثون]: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}،...إلى آخر الآية.
قيل: نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام.
وقيل: نزلت في الأنصار، والآية بعلي أليق لأنه أوجب له الجنة، والمقطوع عليه بأنه من أهل الجنة بعينه، ولأنه وصفه بصفة تليق به، وهو قوله: {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} ولأنه بين أن ذكره في التوراة والإنجيل، ولأنه موافق لقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} وذلك نزل في أمير المؤمنين وهذا نظيره فإن سلمنا أنه نزل في الأنصار والمجاهدين على ماقاله بعضهم، أو في المهاجرين والأنصار، فلا شبهة أن علياً عليه السلام مراد بالآية ممدوح بها، وإنما الخلاف فيمن عداه.
[الآية الثانية والثلاثون]: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119].
اختلف المفسرون فيمن نزلت الآية:
قيل: معناه كونوا مع علي بن أبي طالب، وأصحابه، عن ابن عباس رضي الله عنهما رواه الكلبي.
وقيل: مع آل محمد عليهم السلام عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام.
وقيل: مع محمد وأصحابه.
وقيل: مع المهاجرين والأنصار عن ابن جريج، ولاشبهة أن علياً عليه السلام منهم، وعلى هذا المراد اعملوا بعملهم حتى تلحقوا بهم.
وقيل: أراد لازموا الصدق.(1/128)


وعن شهر بن حوشب كنت عند أم سلمة رضي الله عنها إذا استأذن رجل فقيل له: من أنت، قال: أنا أبو ثابت مولى علي عليه السلام، فقالت أم سلمة: مرحباً بك يا أبا ثابت ادخل فدخل فرحبت به، ثم قالت: يا أبا ثابت أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها؟ قال: تبع علي بن أبي طالب، قالت: وفقت، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
وعن سلمان رضي الله عنه قال: طارت القلوب مطائرها فالحمد لله لقد علمت أين طار قلبي، قلنا: وأين طار قلبك؟ قال: ويحك إلى آل محمد عليهم السلام.
وعن أم سلمة رضي الله عنها: شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة.
وعن أبي جعفر عليه السلام: لن تنال ولايتنا إلا بالورع، وليس من شيعتنا من ظلم الناس.(1/129)


[قصة أبي العتاهية وحاضر صاحب عيسى بن زيد(ع)]
وروى(1) السيد أبو طالب الحسني بإسناده عن أبي العتاهية، قال: لما امتنعت من قول الشعر، وتركته، أمر المهدي(2) بحبسي في سجن الجرائم، فأخرجت من بين يديه إلى الحبس، فلما دخلته دهشت وذهل عقلي، ورأيت منه منظراً هالني، فرميت بطرفي لطلب موضع آوي إليه أو رجلاً آنس به وبمجالسته، وإذا بكهل جالس حسن السمت نظيف الثوب بين عينيه سيما الخير، فقصدته، فجلست إليه من غير أن أسلم عليه أو أسأله عن شيء من أمره لما أنا فيه من الجزع والحيرة، فمكثت كذلك ملياً وأنا مطرق، ومفكر في حالي فأنشد الرجل:
تعودت مس الضر حتى ألفته .... وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر
وصيرني يأسي من الناس واثقاً .... بحسن صنيع الله من حيث لاأدري
فاستحسنت البيتين وتبركت بهما، وثاب إلي عقلي، فأقبلت على الرجل فقلت له تفضل أعزك الله بإعادة البيتين.
__________
(1) هذه القصة في الأمالي 119، وفي مقاتل الطالبين 359 عن محمد بن القاسم بن مهروية عن أبي العتاهية.
(2) المهدي هو محمد بن أبي جعفر المنصور عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس، بويع له يوم السبت لست خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة (158هـ)، وكان منهمكاً في المعاصي واللذات والملاهي، قليل الحزم، سيء التدبير والسياسة، كثير الطلب لأهل البيت عليهم السلام والأذية لهم لقتلهم وتعذيبهم، وتوفي بماسندان سنة تسع وستين ومائة (169هـ) .(1/130)


فقال: ويحك يا إسماعيل ـ ولم يكنني ـ ما أسوأ أدبك، وأضعف عقلك، وأقل مرؤتك، دخلت علي ولم تسلم علي تسليم المسلم على المسلم، ولاتوجعت لي توجع المبتلى للمبتلى، ولاسألتني مسألة الوارد على المقيم حتى إذا سمعت مني بيتين من الشعر الذي لم يجعل الله فيك غيره خيراً، ولا أدباً، ولاجعل لك معاشاً غيره لم تذكر ماسلف منك فتتلافاه، ولااعتذرت عما قدمته وفرطت فيه من الحق حتى استنشدتني مبتدئاً كأن بيننا أنساً قديماً، ومعرفة سابقة، وصحبة تبسط المنقبض.
فقلت له: تعذرني متفضلاً فدون ما أنا فيه يدهش.
قال: وفي أي شيء أنت إنما تركت قول الشعر الذي كان جاهك عندهم وسبيلك إليهم فحبسوك حتى تقول، وأنت لابد من أن تقوله، فتطلق، وأنا إنما يدعى بي الساعة وأطالب بعيسى بن زيد بن رسول الله، فإن دللت عليه فقتل لقيت الله بدمه، وكان رسول الله خصمي فيه وإلا قتلت، فأنا أولى بالحيرة منك، وأنت ترى احتسابي وصبري.
فقلت: يكفيك والله وأطرقت خجلاً منه.
فقال: لاأجمع عليك التوبيخ والمنع اسمع البيتين فاحفظهما وأعادهما علي مراراً حتى حفظتهما، ثم دعي به وبي، فلما قمنا.
قلت: من أنت أعزك الله.
قال: أنا حاضر صاحب عيسى بن زيد فأدخلنا على المهدي، فلما وقف بين يديه.
قال: أين عيسى بن زيد(1).
__________
(1) عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، أبو محمد مؤتم الأشبال ولد سنة (120هـ) تقريباً، وسمي مؤتم الأشبال لأنه لما انصرف من وقعة باخمرى عرضت للناس لبوة معها أشبالها فمنعت الناس الطريق، فأخذ سيفه ودرقته وبرز لها فقتلها، فقال بعض خدمه : يا سيدي أيتمت أشبالها ؟
قال : نعم أنا مؤتم الأشبال، شهد مع النفس الزكية معركته إلى أن قتل، وشهد مع أخيه ابراهيم باحمرى وكان حامل رايته إلى أن قتل، ثم استخفى، وبايعته الشيعة سراً بالإمامة (156هـ) بالعراق وهو ابن ثلاثين سنة، وقد خالطه الشيب وجاءته البيعة من الأهواز وواسط ومكة والمدينة وتهامة وبلغ دعاته إلى مصر والشام، وكان أعلم أهل زمانه وأورعهم وأسخاهم وأشجعهم، وخافته العباسية خوفاً شديداً، وبذل أبوجعفر المنصور وابنه المهدي الأموال الجليلة في طلبه، وبذل المهدي الأمان فقال عليه السلام : "والله لئن يبيتن ليلة واحدة خائفاً مني أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس"، وتوفي عليه السلام في أيام إختفائه شهيداً بالسم في أيام المهدي العباسي في 3من شهر شعبان سنة (166هـ) وعمره(45) سنة، وصلى عليه الحسن بن صالح.(1/131)


فقال: مايدريني أين عيسى بن زيد طلبته وأخفته فهرب منك في البلاد وأخذتني فحبستني، فمن أين أقف على موضع هارب منك وأنا محبوس.
فقال له: فأين كان متوارياً، ومتى آخر عهدك به، وعند من لقيته؟
فقال: مالقيته مذ توارى، ولا أعرف له خبراً.
فقال: والله لتدلني عليه أو لأضربن عنقك الساعة.
قال: اصنع مابدا لك أنا أدلك على ابن رسول الله لتقتله وألقى الله ورسوله وهما يطالبانني بدمه، والله لو كان بين ثوبي وجلدي ما كشفت عنه رحمة الله ورضوانه عليه.
فقال: اضربوا عنقه، فقدم فضربت عنقه.
ثم دعاني، فقال: أتقول الشعر أو لألحقنك به.
فقلت: بل أقول الشعر.
فقال: أطلقوه.
قال محمد بن القاسم بن مهروية: والبيتان اللذان سمعهما من حاضر رحمه الله في شعره الآن.
وروى السيد أبو طالب رحمه الله بإسناده، قال: كان إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن يقاتل بباخمرا فسمع رجلاً من الزيدية، وقد ضرب رجلاً من القوم على رأسه وقال: خذها إليك وأنا الغلام الحداد، فقال إبراهيم: لم قلت أنا الغلام الحداد، قل: أنا الغلام العلوي، فإن إبراهيم صلى الله عليه يقول: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} فأنتم منا ونحن منكم لكم مالنا وعليكم ماعلينا.
وروى السيد أبو طالب عليه السلام بإسناده أن جماعة جاءوا إلى شعبة يسألونه عن إبراهيم، فقال شعبة: تسألوني عن إبراهيم والقيام معه تسألوني عن أمر قام به إبراهيم بن رسول الله، والله لهو عندي بدر الصغرى.(1/132)

27 / 44
ع
En
A+
A-