[الآية الثامنة والعشرون]: قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}...إلى آخر الآية.
قيل: نزلت في علي والعباس، وطلحة بن شيبة لأنهم تفاخروا؛
فقال طلحة: أنا صاحب البيت.
وقال العباس: أنا صاحب السقاية.
وقال علي: لقد صليت القبلة ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد، عن الحسن، والشعبي، ومحمد بن كعب القرظي(1).
وقيل: تفاخر المهاجرون وسقاة الحاج، فقالوا: نحن سقاة الحاج، وعمار المسجد الحرام فنحن أعظم أجراً، فأنزل الله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ}...الآية، عن الأصم.
__________
(1) محمد بن كعب بن سليم القرظي ، بضم القاف ، ثم الكوفي ، أبو حمزة المدني ، قال ابن عون : ما رأيت أحداً أعلم بتأويل القرآن من القرظي ، وقال ابن سعد : كان ثقة ورعاً كثير الحديث ، وقال في الكاشف : حجة، وثقه أبو زرعة والعجلي، توفي سنة ست عشرة أو ثماني عشرة ومائة 116هـ، أو 118هـ، وقيل 119هـ، وقيل سنة 120هـ.(1/123)


وقيل: قال علي للعباس رضي الله عنه: ألا تهاجر، فقال: ألست في أفضل من الهجرة أسقي الحاج وأعمر المسجد الحرام، فنزلت الآية عن ابن سيرين(1)، ومرة الهمداني(2).
[الآية التاسعة والعشرون]: قوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ}....الآية.
قيل: نزلت في غزوة حنين أنهزم الناس غير جماعة منهم: علي، والعباس، وأبو سفيان بن الحارث.
وعن البراء بن عازب كان العباس رضي الله عنه آخذ بلجام فرس النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو سفيان آخذ بركابه، والعباس ينادي الناس، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يركض بغلته على العدو، فلما سمع الناس كلام العباس (يامعشر المهاجرين والأنصار) (يامعشر أصحاب الشجرة أرجعوا)، فقالوا: لبيك لبيك.
فقوله: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ} يعني بأمير المؤمنين لأن الناس انهزموا غيره، وبقي وحده يقاتل.
[الآية الثلاثون]: قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ}...الآية.
قيل: نزلت فيمن بايع بيعة الرضوان، عن الشعبي.
__________
(1) محمد بن سيرين الأنصاري مولاهم ، أبو بكر المصري ، إمام فقيه ، قال ابن سعد : كان ثقة عالماً رفيعاً فقيهاً إماماً كثير العلم . توفي سنة عشر ومائة .
(2) مُرَّة بن شراحيل الهمداني ، أبو إسماعيل الكوفي العابد ، ويقال له : مرة الطيب ، ومرة الخير ، وثقه ابن معين ، وقال في الكاشف : كان من العابدين . توفي في حدود التسعين، قال ابن سعد: توفي بعد الجماجم، وقيل سنة ست وسبعين .(1/124)


وقيل: هم الذين صلوا القبلتين، عن سعيد بن المسيب(1)، والحسن، وابن سيرين، وقتادة.
وقيل: هم أهل بدر، عن عطاء بن أبي رباح.
وقيل: هم الذين أسلموا قبل الهجرة، عن أبي علي.
[الأدلة على أن أمير المؤمنين أول من أسلم ومبلغ عمره]
وجميع هذه الخصال اجتمعت في أمير المؤمنين وإن افترقت في غيره.
واختلفوا في أول من أسلم:
قيل: علي بن أبي طالب عن ابن عباس، وجابر بن زيد(2)، وزيد بن أرقم، ومحمد بن المنكدر(3)، وربيعة الرأي(4)، ومجاهد، ومحمد بن كعب، وابن إسحاق.
قال مجاهد، وابن إسحاق: أسلم وله عشر سنين.
__________
(1) سعيد المسيب بن حرب بن أبي وهب القرشي أبو محمد المخزومي المزني، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب كان سيد التابعين، جمع بين الفقه والحديث والزهد والعبادة والورع، قال أبو حاتم: هو أثبت التابعين، توفي سنة أربع وتسعين عن تسع وسبعين سنة، خرج له الجماعة وأئمتنا الخمسة والسمان.
(2) جابر بن زيد الأزدي، أبو الشعثاء - بفتح الشين معجمة ثم ثاء مثلثة وسكون العين - الجوثي - بفتح الجيم وسكون الواو ثم ثاء مثلثة – البصري، صاحب ابن عباس، توفي ثلاث وتسعين، وقيل ثلاث ومائة، والأول أكثر.
(3) محمد بن المنكدر بن عبدالله بن الهدير أبو عبدالله القرشي التيمي المدني، وثقه ابن معين وأبو حاتم، قال في التذكرة: مجمع على ثقته وتقدمه في العلم والعمل، قال الجندي : حافظ، وقال مالك : كان سيد القراء توفي سنة ثلاثين ومائتين.
(4) ربيعة الرأي هو : ربيعة بن أبي عبدالرحمن فروخ مولى آل المنكدر التيمي أبو عثمان المدني، الفقيه، وثقه أحمد وغيره، وتوفي بالأنبار سنة ست وثلاثين ومائة، خرج له الجماعة ومحمد بن منصور والمؤيد بالله والسيد أبو طالب.(1/125)


وقال ابن إسحاق: كان علي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذه من أبي طالب، وضمه إلى نفسه ورباه، فلم يزل معه حتى بعث نبياً، عن علي عليه السلام: (أنا الصديق الأكبر لايقولها غيري إلا كذاب، صليت قبل الناس بسبع سنين).
وقد قال بعضهم: أول من أسلم أبو بكر.
وقال بعضهم: زيد(1).
وقال ابن إسحاق: أسلم علي أولاً غير أنه لم يظهر إسلامه كظهور إسلام أبي بكر لأن أبا بكر قام بالدعوة، وأجابه جماعة منهم سعد وعبد الرحمن وعثمان.
وكتب معاوية إلى علي كتاباً يفتخر فيه بأنه كاتب الوحي، وصهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال علي مجيبا: أعليَّ يفتخر ابن آكلة الأكباد وأنشأ يقول:
محمد النبي أخي وصهري .... وحمزة سيد الشهداء عمي
وجعفر الذي يضحى ويمسي .... يطير مع الملائكة بن امي
وبنت محمد سكني وعرسي .... مسوط لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمدٍ ابناي منها .... فأيكم له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الإسلام طراً .... غلاماً مابلغت أوان حلمي(2)
__________
(1) زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي اليماني، حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أسلم وصلى بعد علي عليه السلام، مَنَّ عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعتقه، وهو والد أسامة بن زيد، شهد بدراً، وقتل شهيداً يوم مؤته سنة ثمان للهجرة وهو ابن خمس وخمسين سنة.
(2) وبعد هذا البيت في نسخة (ب) :
وأوجب لي الولاء معاً عليكم .... رسول الله يوم غدير خمٍّ
فويل ثم ويل ثم ويل .... لمن يلقى الإله غداً بظلم(1/126)


وعن معاذة العدوية(1): سمعت علياً على منبر البصرة يقول: أنا الصديق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم.
وعن أبي رافع صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الإثنين، وصلى علي يوم الثلاثاء.
فأما سنه يوم أسلم؛
قيل: خمس عشرة سنة عن الحسن.
وقيل: ثمان سنين عن عروة.
وقيل: ثلاث عشرة، عن أبي الأسود(2).
قال السيد أبو طالب: وهو الصحيح.
وقيل: عشر سنين عن مجاهد، وابن إسحاق.
وقيل: أحد عشرة عن شريك(3).
وقيل: سبع سنين عن محمد بن علي.
وروى الناصر بإسناده عن سلمان، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أولكم وروداً عليّ الحوض أولكم إسلاماً علي بن أبي طالب)).
وعن أنس: بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الإثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء.
__________
(1) معاذة بنت عبدالله العدوية أم الصهباء، البصرية العابدة، قيل كانت تحيي الليل، وثقها ابن معين توفيت سنة ثلاث وثمانين.
(2) أبو الأسود الدؤلي، اسمه : ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن معمر البصري، من كبار التابعين، أول من تكلم في النحو، وهو قاضي البصرة، روى عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وشهد معه صفين، وكان من أكمل الناس عقلاً وأشدهم رأياً، وكان محبباً لدى علي عليه السلام، ومن ذوي القدر والجاه ، قال العجلي : ثقة، استخلفه علي عليه السلام على البصرة فلم يزل بها حتى قتل علي عليه السلام، توفي سنة تسع وستين.
(3) شريك بن عبدالله بن أبي شريك، وهو أوس بن الحارث الكوفي النخعي القاضي، أبو عبدالله، ولد سنة (75هـ) بخراسان، أدرك عمر بن عبدالعزيز، كان من أوعية العلم، توفي سنة (177هـ).(1/127)

26 / 44
ع
En
A+
A-